فقد الإحساس بمرور الزمن من حوله، فهو ينال حفنة من العذاب اليومي تكفيه أبدية. تلك الطفلة التي تزوره يومياً.. لا يراها أحد وخاله الجميع مجنوناً مضطرب الأعصاب .. سجين في هذا المكان المقيت ، مترنح بين همساتها المرعبة.
لم ينم تلك الليلة، وقع أقدامها الحافية يرقص في أذنيه.. الباب يفتح ببطء شديد معلناً عن ذلك الصرير المزعج .. تدندن هي بصوتها العذب وابتسامتها الباهتة، الخدوش كانت تملأ ساقيها، وكدمات زرقاء على رقبتها .. لم يستطع أن يخبر أحدهم فلقد فقد مهارة التواصل مع البشر بصورة كلية.
اقتربت من سريره الصغير، قفزت عليه بانسيابية .. تحركت على ركبتيها الصغيرتين حتى وصلت إلى وجنته.. طبعت قبلة سريعة عليها ثم همست له " هل تود سماع قصة ؟"
***
فتح عينيه تلك المرة، وجد نفسه جالساً على طاولة المطبخ .. وزوجته أمام البوتاجاز تصنع له طبقاً شهياً من البيض المقلي واللحم المقدد بينما ابنته الصغيرة تسكب له كوباً من عصير البرتقال المفضل لديه.
كانت ابنته تلك المفضلة إليه بروحها العذبة وحبها للاستطلاع .. كانت مولعة بالكتب لذلك كان يهديها كتباً كثيرة ويمدها بالقصص المصورة، تمنت يوماً أن تصبح جزءاً من تلك العوالم الخيالية.
اقتربت إليه بابتسامة عذبة ، حاولت جاهدة الصعود على الكرسي الذي يفوقها ارتفاعاً، نجحت في ذلك بعد فترة من الوقت لتجاور كرسي أبيها.
فتحت كتابها الملون وأشارت بإصبعها على بعض صور ميكي ماوس ، ابتسم لها في صمت.. وقطعت زوجته هذه اللحظة بوضعها الطعام على الطاولة.
لم يستطع تناول الطعام فتناولت زوجته بدورها كرسياً إلى جواره وبدأت بحشو فمه بالطعام حتى شعر أنه سيختنق ، أبى أن يفتح فمه مجدداً ولكنها لجأت للقوة لتفتحه عنية وتملؤه بالطعام وسط مرأى الطفلة.
عندما أبصرت الفتاة هذا المشهد تجهم وجهها وتقوست شفتاها منذرة بالبكاء، وفي حركة سريعة أمسكت بكتابها وهوت به على رأس أمها لعلها تتوقف عما تفعله في أبيها ، ولكن بالطبع الكتاب لم يكن بذلك الثقل ، وهذه المضايقة جعلت الدماء تغلي في عروق أمها لتتوقف عن محاولة خنق زوجها وتتوجه بأعين متقدة بالشرر لطفلتها ، أمسكت بالطفلة المسكينة وأحكمت كلتا يديها على عنقها الضعيف ولم تستغرق وقتاً طويلاً حتى تلفظت الطفلة أنفاسها الأخيرة مصحوبة بدمعة مكبوتة.
لم تكن أماً، ولم تكن زوجته ! أبصرها شيطاناً كالحاً غاضباً أما هو فقد تحولت روحه لذرات مبعثرة مفتتة وهو يفقد أطفاله واحداً تلو الآخر ، لم يستطع التمييز بين الوهم والحقيقة! بأي عالم هو ؟! فقط لا يدري.
***
" نحن نرى كل يوم تلك العبارة مكتوبة بالدماء على الجدران. " سمع جيرارد أصواتاً في غرفته ، فتح عينيه بصعوبة لتتضح الأصوات والرؤية أكثر ويسترد وعيه شيئاً فشيئاً.
كالعادة المحقق ومأمور الشرطة والطبيب المواظب على حالته يتناقشون حوله.
" أي عبارة ؟ " سأل المحقق بتوتر كأنه بات يعرف أن هذه القضية ملعونة.
" اقترب سماع القصة. " أجاب الطبيب ثم أكمل " وجدنا أيضاً بعض الأوراق الخاصة بمريضة نفسية كانت تدعى سيلڤيا أرجين ، كانت تبلغ من العمر خمسة وعشرون عاماً وظلت محتجزة في المصحة لمدة خمسة عشر عاماً متواصلين وأن عقلها كعقل طفلة في العاشرة، فهي لم تنضج ! وجدوها ميتة في غرفتها منذ عامين. "
" اللعنة هذا أمر محير. " حك المأمور صلعته والحيرة تغرقه ، هل سيستسلم ؟
أما هي ؟ فهمست في أذنه مجدداً مسببة قشعريرة لا نهاية لها " أنت! هل تود سماع قصة ؟ "
أنت تقرأ
الزوج والأطفال السبعة / The Husband And The Seven Kids / Completed
Kısa Hikayeلا تفوت أي زيارة له، تلك الفتاة ذات الثوب الأبيض الناعم والوجه الشاحب والابتسامة الذابلة .. تحدق فيه بصمت ثم تقول بنبرة خاوية : " أنت! هل تود سماع قصة؟ " *** - لا أبيح النقل أو الاقتباس وأي تشابه بينها وبين قصة أخرى فهو من محض الصدفة البحتة. - كل...