الأخير

359 26 8
                                    

لا، لا  .. صرخ في عقله بينما عينه تشع بكل الألم  .. تلك ليست ابنته الكبرى، بالتأكيد روح تلك الشيطانة تلبستها.

تحولت عينا ابنته للون الأسود وبؤبؤ العين للون الأحمر ، صوتها أصبح أجشاً .. توسع شدقها لتبصر خروج ذات الثوب الأبيض منه ، لتجلس على حجر ابنته وتقبل خدها وتمرر عظام يدها البارزة على وجنتها قائلة بنبرة باردة : " هيا ، احكِ له القصة. "

صدرت من ابنته قهقهة خفيفة تبعها صوت بارد خفيض " ما عليك سوى الإصغاء يا والدي. "

***

كانت هناك فتاة تُدعى سيلڤيا، كانت فتاة تعسة لأبوين لم يتوقفا عن الشجار لحظة!  اعتادت كل يوم على سماع شجارهما المتواصل وضرب أبيها لأمها بينما هي في غرفتها تلعب بالدمى.. لم يستطع الفرح أن يتخلل لقلبها وهي طفلة لم تبلغ العاشرة بعد!  حتى جاء ذلگ اليوم المشئوم.. كانت ليلة عاصفة ممطرة وانطفأت الأنوار في تلك الليلة إثر ضرر أصاب محول الكهرباء.

نزلت وهي ممسكة بدميتها من على درج المنزل وهي تسمع ذلك الصرير المخيف ، صرير صوت غرفة والديها.. اقتربت أكثر.. لم يكن هناك سوى شمعة واحدة لتضيء المكان وسط صوت العاصفة المرعب بالخارج..

اقتربت خطواتها أكثر فأكثر إلى الغرفة ثم تعرقلت في جسم ما.. خفضت بؤبؤ عينيها لمستوى ذلك الجسم ، لم تكن الرؤية واضحة ولكن سرعان ما أيقنت ماهية هذا الجسم.. لقد كانت رأس أمها منفصلة عن جسدها.. أطلقت صرخات مدوية عندما أبصرت أبيها ممسكًا بساطور ويولي وجهه إليها.. كان يبدو كأحد السيكوباتيين الذين كان يجبرها هي ووالدتها على مشاهدة تلك الأفلام المقيتة..

الدموع تنهال على وجهها حتى أصبحت رؤيتها ضبابية ومن شدة الذعر لم تقو على الوقوف ، خارت قواها وسقطت على الأرض وهي تطلق التأوهات والنحيب وظلت تزحف إلى الخلف حتى اصطدمت بالجدار.. لم تكن توسلاتها مسموعة كفاية لتصل لمسامع والدها فقط صدرت في هيئة حشرجة مختنقة بالكلام.. كانت عينا والدها باردة خالية من أي إنسانية.. انكبّ على جسدها الضئيل رافعًا إياه لأعلى وقبضته مطبقة على رقبتها حتى شعرت أن روحها تسحب نهائيًا ثم في حركة أخيرة صدم رأسها بالحائط لتغيب عن الوعي مستسلمة لظلام دامس.

***

" هل أنا ميتة؟ " تمتمت لنفسها وهي ترمش بعينيها محاولة فتحهما بعد تلقي تلك الضربة العنيفة ، وبعد نجاحها أخيرًا في فتحهما تحسست مصدر الألم الرهيب في رأسها ، لتجد أثر خياطة وضمادة لتعقد حاجبيها محاولة تذكر ما حدث ، سرعان ما تجمعت صورة ذلك المشهد الذي جمعها بأبيها ثم تغلغل الذعر إلى نخاعها ثم صرخت في ألم " أين أنا ؟ " .. نظرت حولها فاحصة المكان.. تجوب عينيها المكان كله لتدرك في النهاية بأنها حبيسة قبو منزلهم القذر.. حاولت النهوض بصعوبة للوصول إلى باب القبو.. استخدمت يديها للقرع على الباب لعل توسلاتها وصرخاتها تنقذها مما هي فيه ومن هذا الظلام اللعين والرائحة القذرة والأصوات المرعبة.. فقدت الأمل تدريجيًا حتى غرقت في عذاب أبدي.. لم يسمع عنها أحد لشهور طويلة.. كانت تتغذى على فتات الخبز وبقايا الطعام الذي على حافة الفساد وشربة الماء التي كان يتكرم عليها بها والدها كل يوم..

ظلت ترى تلك الكوابيس المتكررة ، تغرق كل يوم أكثر وأكثر في بحر الخوف.. أهذا ما تحصل عليه عندما تخلق كطفل لأبوين غير سويين نفسيًا ؟ .. شهور من العذاب اليومي المتكرر من الوحدة والآلام النفسية حتى استسلمت تمامًا للجنون كنوع من أنواع الهروب من هذا العالم القاسي.

وبعد إتمامها العام في ذلك القبو، وجدتها الشرطة أخيرًا بعد القبض على والدها الذي كان مخمورًا وتسبب في جريمة قتل ولكن لم يستطع إخفاء جريمته هذه المرة.. وتم نقلها لمستشفى الأمراض العقلية.. وهي تعيش بها منذ ذلك اليوم حتى قررت الرحيل عن هذا العالم بجسدها فقط.. ولكن روحها ستظل تؤرق من يسكن ذلك المنزل..

هل تعرف أي منزل ؟ المنزل الذي اشتريته قبل أن تنتقل لشقتك الجديدة.. حتى لو انتقلت من ذلك المنزل فلقد حلت عليك لعنتي ، وستشهد أبشع الميتات لعائلتك.. أمام ناظريك..

والآن يا سيد جيرارد ، يجب أن تشهد ميتتك المرعبة ، فلقد حان دورك  ..

***

سارت بخطواتها البطيئة نحوه، تحسست وجهه بأناملها وطبعت قبلة على خده قبل أن يتحول فكها لفك وحش ضارٍ ، لتنهش لحم وجهه حيًا.

***

استيقظ مفزوعًا والعرق يتصبب من جبينه ويتساقط على وجهه ، قلبه يكاد يخرج من ضلوعه.

" السيد جيرارد ، لابد أنك كنت تعاني من كابوس مزعج. " تقدم الطبيب إليه بابتسامة ثم استطرد " لدي لك أخبارًا سعيدة.. بقية أبنائك بخير وهم بانتظارك في الخارج وأيضًا يمكنك العودة للمنزل وسنرسل لك ممرضة لاستكمال علاجك هناك وسأزورك من حين لآخر لأفحص حالتك.. ولكنها في تحسن.. وحالتك النفسية تلعب دورًا مهمًا في ذلك.. ربما كونك وسط أبنائك سيحسن حالتك التي هي حسب آخر الفحوصات تتحسن بالفعل وربما تصبح قادرًا على السير مجددًا من يدري ؟ هناك كرسي متحرك بانتظارك وابنتك الكبرى بالخارج ستوصلك إلى المنزل. "

هل هذا يعني أن كل ما رآه منذ وصوله المستشفى كان كابوسًا ؟

**

كانت تدفع كرسيه ابنته الكبرى بينما يضرب الهواء لفحة وجهه ، اشتاق لهذا الهواء كثيرًا بعد كل ما مر به.. توقفت ابنته عند عربة المثلجات وقالت " أبي، إخوتي يريدون بعض المثلجات... هل تود أنت أيضًا ؟ " هز رأسه نافيًا .. " حسنًا. " قالت ثم اتجهت للبائع مع إخوتها لاختيار نوع المثلجات.. وفي هذه الأثناء لمح جيرارد أسوأ كوابيسه على الجانب الآخر من الطريق.. تلك الطفلة الملعونة.. أخذا يحدقان في بعضهما حتى مرت سيارة من أمامهما بعدها اختفت الفتاة، ليتفاجأ بها أمامه هامسة في أذنه " هل تود سماع قصة ؟ " ليصرخ بأعلى صوته " لا. "

+++

تمت

🎉 لقد انتهيت من قراءة الزوج والأطفال السبعة / The Husband And The Seven Kids / Completed 🎉
الزوج والأطفال السبعة / The Husband And The Seven Kids / Completed حيث تعيش القصص. اكتشف الآن