أشعُر بالحنين لمدينة لم أقضِ بها سوى يومين و ثلاثة ليالٍ، فأنا لن أنسى أبدًا تلك اللحظة التي خطت بها قدامي أرض تلك المدينة، كان شعور غريب و لم أعهده أبدًا بالسابق.
رائحة الهواء وحدها تجعل ذهنك صافٍ و خالٍ من أي توتر أو هموم، و عندما يلفحُك ذلك النسيم اللطيف جدًا تغمُرك سعادة غامرة و يُجبرك بأن تتسمر مكانك لتستمتع به و لا تفعل أي شيء آخر.
لا زلت أتذكر حماسي الزائد وقتها عندما كنت أحزم أمتعتي و أتجهز نفسيًا للتواجد بمدينة غير المدينة و السفر لأول مرة بحياتي.
لا زلت أتذكر إستمتاعي اللامتناهي بطريق السفر، كنت الوحيدة بأُسرتي التي لم تمِل من التحديق لخارج النافذة و الإستماع لبعض أغانيَّ المُفضلة.
حين وصولي لم أكن أعقِل بأنني على وشك قضاء أيامًا بمكانٍ غريب عليّ و لن أنكر بأنني عانيت بعض الشيء عندما خلدت للنوم بأول ليلة و لكني وجدتُ المتعة بعنائي هذا؛ فقد كان مُحبَّب لي جدًا.
و اللحظة التي سأظل عاجزة عن وصفها هي لحظة وصولي للشاطيء و شعوري بالرمال الناعمة و سماعي لصوت تضارب الأمواج و روعتها عندما ترتطم بالصخور.
و حالما وقع نظري على البحر؛ وقعت بحُبه و تشوشت رؤيتي إثر تلك الأدمُع المُتزاحمة، كان كبير جدًا جدًا، و السماء تعلوه بشموخ، كانت صافية إلى حدٍ يُنسيك العالم أجمعه.
و عن تلك الرائحة التي تخترق أنفك لتجعلك تبتسم لا إراديًا، و عن ذاك الريح القوي الذي يأخذ معه همومك و أوجاعك عاليًا و يُنسيك إياها..
لم أرغب في الرحيل أبدًا، فطوال فترة بقائي هناك لاحظت مدى تفاهة كل همومي و أوجاعي.
فبمُجرد النظر إلى البحر و التحديق فيه مطوَّلًا، شعرت به يأخذ همومي بتلك الأمواج بعيدًا عن قلبي، و الريح تحتضنني بخفة و لُطف و صوت تضارب الأمواج يواسيني.
كُل ليلة أتمنى إن كان بالإمكان أن أعود إلى هناك مرة ثانية.
أنت تقرأ
بِثنايا عقلي (الجزء الثاني: بِدءًا مِن الغسَق حتى بزوغَ الشمسُ)
No Ficciónها قد بدأت مرحلة جديدة، و أنا على أتمّ الإستعداد للخوض بها. الجزء الثاني من كتاب 'بثنايا عقلي'. إن كنت مُهتمًا، قُم بقراءة الجزء الأول. ٧/٩/٢٠١٧