2

392 18 0
                                    

2-
قطب ارمادا باستياء من تلك الفتاة , لم تعجبه منذ دخل المكتب , كره حشريتها , و تظاهرها بالثقة و القوة , أين هي بميوعتها الزائدة من بشرى !
ابتسم على الفور لذكراها .. ترى هل تغيرت كثيرا ؟
آخر مرة رآها بها كانت تحضر لزواجها الذي إلتغى كما سمع من أمه ..
كم حسد خطيبها يومها , اذ كاد يموت غيظا و قد حظي بها ذاك الرجل , فتاة مثل بشرى تستحق أن تثقل بالذهب , فمع مثلها ستقضي عمرك محتارا بما خطوتها التالية , بعيدة عن الروتين , ستكون حياة كساحة حرب !
حينما عاد في زيارته الأولى للبلد بعد سفره للتخصص بالطب , رآها أثارت فضوله ...
كانت تقف مع مجموعة فتيات ينظرن له , و فجأة انفجرن بالضحك ما عداها ..
بدت بريئة بشكل سلب لبه , و للصدفة فقد كانت إحدى البنات بنت عمه التي أخبرته لاحقا ضاحكة أن بشرى أضحكتهم عليه و قالت أن عينيه تبدوان كتوم قط الكرتون المشهور محتارة فيمن تختار !
يا لجرأتها .. و هو الذي ظن أنها بريئة بينهن , ليكتشف أنها الداهية فيهن ..
بعدها عرف الكثير عنها من بنت عمه التي كانت معجبة بقوة ببشرى و تحاول تقليدها بل و الأخذ برأيها بكل شيء ..
أما الآن فعليه الخطوة الأصعب ..
كيف سيتمكن من لقائها تلك العنيدة الحاقدة على جنسه كما يبدو ؟
أيطلب مساعدة لارا ! و لكن لا .. ابنة عمه مذياع متحرك و لا تؤتمن على سر على الإطلاق ..
ربما من الأفضل أن ينتظرها بعد انتهاء العمل , فتلك الفتاة أخبرته أن بشرى لا ترغب برؤيته ..
ما الذي حصل حتى ألغت زواجها !
لا أحد يعرف السبب , الشاب تزوج بعدها ببضعة أشهر و لا زال يمدح أخلاق بشرى حتى أنه عرف زوجته عليها !
لو يعرف فقط !
...............................
بعد أيام ..
انتظر حتى رآها تخرج , و اقترب على الفور منها يقطع عليها طريقها
*بشرى ..
ناداها على الفور , لتنظر له باستغراب , قبل أن تتذكره , ليرتفع حاجبها الكث و تتجه نحوه بأدب جعله يبتسم ..
لكن ابتسامته سرعان ما انمحت بجمود حين قالت
*و الآن .. إلى متى سأظل أرى خلقتك البهية أخبرني ما تريد و ارحل ..
قطب مستاء ليعتدل بوقفته مشيرا لها للسيارة حتى تركب معه
*اقبلي دعوتي لفنجان من القهوة و بعدها سأخبرك ما أريده ..
نظرت له , ثم لسيارته , لتلوي شفتها بعدم رضا و تتركه مكانه واقفا بالشارع , لتسرع و تركب أحد الباصات الخاصة بالعمل و تغادر أمام عينيه و هو يقف ينظر لها كالأبله !
زفر باستياء و استقل سيارته مغادرا ..
تحت أنظار هدير التي راقبت كل ما حصل ..
و على شفتيها ابتسامة باردة ..
رجل مثل هذا ما الذي يريده من بشرى ؟
وسيم بحق !  و كأنه ليس من شباب البلد , و غاية في الأناقة !
لم لا تريد بشرى أن تتحدث معه ..
حتى هي قتلها الفضول لتعرف ما الذي يريده .
لاحقا ..
سألتها مقطبة بينما بشرى تلملم أشيائها بعد أن وقعت اجازتها ..
*إلى أين أنت ذاهبة .؟
لم تنظر لها بشرى لتجيب ببرود دون أن تتبين هدير ملامحها , فلم تعرف مزاحها من جدها ..
بشرى تحديدا يصعب تمييز المزح من الجد عندها ...
*سأقابل رجل في مطعم مشوار .. رفضه أعمامي و سأذهب معه خطيفة .. سنتغدى و نغادر المدينة معا و لن يعرف احد حتى يحين المساء حينها نكون تزوجنا ..
قال كلماتها و خرجت ..
لتفتح هدير عينيها على اتساعهما ..
و دون أن تفكر .. اتصلت على الفور بأرمادا  لتقول له بنعومة
*إن كان يفيدك العلم , بشرى ستكون في مطعم مشوار خلال بضع دقائق ..
قطب ارمادا , ينظر لمراجعيه في المشفى الذي عاد ليعمل فيه و أغلق الخط ليطلب من زميل آخر له متابعة عمله ..
أما هدير فضحكت بشماتة , تتمنى لو كانت حاضرة , لترى وجه بشرى حين  يأتي أرمادا و يراها برفقة رجل و هي التي رفضت رؤيته مرارا ..
........................
دخل المطعم المعروف في المدينة ..
جال بعينيه بحثا عنها حتى رآها , فعلا كانت هناك ..
مع شابة تماثلها في العمر , تضحكان و تتناولان الغداء بتسلية واضحة ..
ربما كانت فرصته الآن , لذلك و بجرأة , اقترب من الطاولة ليجلس على الكرسي الفارغ قربها دون أن يستأذن حتى , قائلا بمرح متجاهلا صدمة الاثنتين ..
*مرحبا , يا لها من صدفة .
و انحنى قليلا يمد يده مصافحا الفتاة الأخرى معرفا بنفسه
*أرمادا الحاج , صديق بشرى ..
اتسعت عيني بشرى مستنكرة , لتهتف رؤى بصدمة
*منذ متى يا بشرى , لعنك الله يا خائنة و من دون علمي !
اتسعت عينيه ببراءة , بينما   لأول مرة تجد بشرى صعوبة في استخدام لسانها السليط , و عقلها يعجز عن استيعاب جرأته , لا .. لا .. لم تعجز عن الرد , إنما لا تعرف الرد المناسب له !
*لا تظلمي بشرتي , في الواقع ربما كانت تود اخبارك اليوم , بالمناسبة أنت مميزة عندها ..
سألته بشرى بغضب تحاول تهدئة نفسها
*و ما أدراك انها مميزة ؟
*لأنك خرجت من عملك لرؤيتها !
قالها مستنتجا ببساطة لتعلق رؤى
*أعلم , عندك حق فعلا , فهي لا تخرج من عملها إلا لرؤيتي ..
زمت بشرى شفتيها و نظرت له شزرا هاتفة
*ها قد انتهى وقت الصدفة , سيد أرمادا الحاج , يمكنك أن تتركنا وحدنا الآن ؟
نظر لرؤى باستعطاف ليرد هامسا برقة
*و لكن يا بشرى اللقاء مع رئيس هيئة الأمم أسهل من لقائك .. !
*ستقول لي !
علقت رؤى ضاحكة
*حقيقة , أصبح الخروج معها يحتاج لموعد قبل أيام ..
*رؤى !
همست بشرى زاجرة بينما تكرر للمرة الثانية
*يمكنك تركنا وحدنا نريد أن نأكل ..
عبست رؤى بعدم رضا غير مبالية لقلة أدب بشرى , لتقول له
*لا تبال بطبعها لابد أنك أغضبتها , و لا يبدو عليها الرغبة بالحديث , عرفني على نفسك ..
و حقا , اعتدل بجلسته يعرف عن نفسه , و بشرى تحاول حفظ المعلومات , حتى تعرف كيف تجيب على أسئلة رؤى الفضولية لاحقا ..
لكنها لا تذكره , حقا لا تذكر أنها عرفته أو رأته من قبل ..
لكن للحق , يبدو محترما , مهذبا , واسع الثقافة , و محدث لبق ..
لكنه كذلك متطفل .. و أكثر من تطفل عليها في حياتها و تتمنى في هذه اللحظة أن تمطره بالشتائم ..
نظرت له بحنق بينما يتبادل الحديث مع رؤى بمنتهى البساطة , و هي تكاد تموت من الغيظ ..
نظر لها مبتسما
*لمَ لا تشاركينا الحديث ؟
لتكشر بوجهه كارهة  ابتسامته
*لأنه لا يعنيني !
ارتفع حاجبه ليقول ببساطة
*يجب أن يعنيكِ , فهذا ما كنت أريد قوله لك !
قطبت تنظر له و كأنه أبله لتقول رؤى مستفهمة
*ما الذي يدور بينكما ..
و قبل أن ينطق سارعت للرد
*كان يعتذر مني لاضطراره للمغادرة حالا , فقد تذكر موعدا مهما ..
اتسعت عيني أرمادا , لكنه ضحك ليقول بكل صراحة
*إنه أروع طرد في التاريخ ..
ضحكت رؤى
*توقعت هذا والله ..
وقبل أن تقول بشرى شيئا و قد خجلت , في ظرف نادر جدا
*لا بد أنك ترغب بالحديث معها , سأغادر انا ..
و تركتهما مغادرة رغم اعتراض بشرى .. التي التفتت له مستاءة على الفور تهدر في وجهه غير مبالية لأحد
*ما الذي تريده مني أخبرني .. ألا تفهم .. لا أريد أي حديث معك . . و..
قطع كلامها ليسألها بهدوء ..
*لما ألغي زواجك ؟
سكتت تنظر له بحدة , حدة لم تنجح في إخفاء ارتجاف كفيها و لا اهتزاز حدقتها ..
و همست بشموخ و كأن الأمر لا يعنيها ..
*و كيف عرفت , و ما شأنك أنت ..
ابتسم بلوم
*أيعقل أنك حقا لا تذكرينني بشرى ؟ كنا معا في الثانوية ! لكني انشغلت بالجامعة و السفر بعدها و غبت ما يقارب العشر سنوات عن المنطقة ..
ضيقت عينيها و كأنها تحاول التذكر , لكن تبا من يريد منها أن تتذكر و هي كل ما ترغبه النسيان ..
*لا أذكرك ..
هز رأسه بتفهم ليسأل مجددا
*لما ألغي زواجك بشرى ؟
عبست لتجيبه بقوة و كأن الأمر لا يعنيها
*لأن من كان سيصبح زوجي تعرف على من يحبها أثناء خطبتنا , و لم يتمكن من المضي بزواجنا لذلك الغينا الزواج و تزوجها ..
شتم هامسا ليسأل باستنكار
*ألم يتمكن من إخبارك قبل الزواج , لمَ انتظر حتى يوم الزواج ؟
نفخت بضجر لتجيب
*لم يكن قد أخذ قراره أخيرا , كما أنه قال لي بالحرف إني قوية و أمر كهذا لن يؤثر علي .
.
اتسعت عيني ارمادا
*يا له من وقح ..
رسمت ابتسامة جامدة على شفتيها لتسأله
*هل عرفت ما تريد . . لا تدعني أرى طلتك الجميلة كل يوم و آخر !
أمسك بيدها ما إن همت بالوقوف ليرجعها لكرسيها
*لا لم أنته بعد ..
تأففت بصوت مسموع و طوحت بيدها
*هيا قل ما لديك .
علت الجدية ملامح وجهه ليقول داخلا صلب الموضوع
*أريد التقدم لخطبتك ..
سكتت .. تنظر له وكأنه قال شيئا لم يفهمه .. بينما قلبها دق بخوف , ارتجفت شفتيها متذكرة كارثية خطبتها الأولى , و وقفت بهدوء لتقول
*و أنا لا أريد ..
كادت تمشي مبتعدة حين سمعت صوته يقول بثقة
*جيد إذن سأحدث خالك , و عمك الكبير لنحدد يوما أتقدم لك به رسميا ..
استدارت له مستنكرة
*قلت لك لا أريد .. أتعاني مشكلة في الفهم !
ليقف بدوره بإصرار , ينظر لها مبتسما بثقة
*لكني أريد .. استعدي فسأحدث عائلتك في أي يوم من الأيام القادمة ..
و تركها ليغادر ..
وقفت مكانها مبهوتة تنظر له بعدم تصديق , بينما تتذكر كلام عمها الكبير ..
حين ألغت زواجها , دون الرجوع لأحد , يومها توعدها بقوله أنه ما أن يتقدم لها أحدهم حتى يعقد قرانها على الفور , كم كان مخطئا حين ترك أمر القران ليوم الزواج نفسه .. و أنه لن يسمح لها بتكرار الخطأ نفسه مرتين ما أن يتقدم أحد يريدها حتى يزوجها لن يسمح بخطبة طويلة .
و هي رغم تحررها و قوتها إلا أنها لن تتمكن من الوقوف في وجه عمها و من يجرؤ , كل أعمامها تحت سيطرته حتى أمها تخاف منه , أي مصيبة هذه !
و خالها بالتأكيد سيوافقه فهو لا يطيقها منذ الغت الزواج ..
رفعت نظرها لتجد نفسها تقف وحيدة أما هو فقد اختفى تماما ..
كارثة و ستحل عليها , لكنه بالتأكيد لن يفعلها , هو رجل مثقف و واع و من المؤكد أن كرامته لن تسمح له أن يتقدم لفتاة قالت بوجهه لا .. و كأنها ملكة جمال حتى يتمسك بها و هي تتدلل ..
عنفت نفسها هامسة
( أفيقي من أوهامك بشرى , من مثله سيتمسك بفتاة صارخة الجمال إن رفضته , و ليس بمن هي مثلك ! )
***************************

بشرة خيرحيث تعيش القصص. اكتشف الآن