8

322 12 0
                                    

-
نظرت للساعة قربها , تمددت منذ أن عادت منهكة من عملها , لم ترى أرمادا خلال الأيام القليلة الماضية , فقد انشغلت تماما بالتسوق مع أمها و حماتها !
و أخته التي لم تمل من شراء ملابس نوم لا تليق أبدا بها و لن ترتديها مطلقا , لكنها لم تملك الاعتراض , حقيقة كان وجودها لمجرد النظر لها , فكلّ منهن كانت تشتري لها ما يعجبها لا ما تريده ..
تنهدت مفكرة ان زواجها حقا .. بعد أيام قليلة فقط لا أكثر ..
نظرت للثوب الذي أحضره أرمادا لها أمس , يقف أمام سريرها يتحداها بوجوده , مذكرا إياها .. أنها ستلبسه وستحضر الحفل به ..
أغمضت عينيها بقهر , لتمد يدها دون أن تنظر لدرج قريب من سريرها تسحب منه أحد قطع الشوكولا الضخمة التي تحتفظ بها بكثرة هناك و فتحتها على الفور لتقضمها بقنوط .. تستعيد ما حدث لحظتها ..
فابتسامته أضعفتها ..
أحست أنها حقا لم تعد تحتمل , كل الضغوط التي مرت بها , منتهيا كل ذلك به و ما فعله , و الآن يبتسم وهي خسرت معركتها معه ..
أفلتت منها شهقة باكية , ليرتفع حاجبيه بعجب بينما هي تهمس
*أنا .. خائفة ..
جذبها لصدره يدفن وجهها على صدره متسائلا بهمس عطوف
*مما أنت خائفة ..
أفلتت شهقة متألمة تحت قلبه لينظر لها  .. لا تكاد تصل حتى لمستوى قلبه !
لكنه تألم بصورة ما لبكائها و هي تعترف ربما لأول مرة
*لست قوية .. أرجوك لا تخذلني ..لن أتحمل كسراً آخر , لم أعد أتحمل .. لست قوية .. لست قوية ..
أبعدها عنه متأوها ليرفع وجهها المحمر بكاء ..
كانت كدراقة احمرت درجة النضج التام ..
و تساءل بهمس و قد انحنى قليلا لينظر لعينيها
*و من طلب منك أن تكوني قوية ..
ابتعدت قليلا كي تتمكن من رؤية وجهه لتهتف
*الكل ينتظر لحظة انهياري .. لم أحتمل نظرات الشفقة من الناس .. كان يجب أن أكون قوية .. يجب ألا أضعف .. ألا أظهر مدى جرحي .. ماذا أردت مني أن أترجاه حتى لا يتخلى عن زواجه مني لأجل أنثى حقيقية ..
حررت نفسها من ذراعيه هاتفة بقهر
*انظر إلي .. هل يوجد أي رجل قد يترك امرأة أحبها من أجلي !
*و ما الذي يعيبك بالضبط ؟
سأل بكل هدوء , و ملامحه دون تعبير محدد , ملزما يديه الثبات في جيبيه حتى لا يجذبها نحوه و يعيدها لتبكي على صدره ..
ارتبكت .. و خفتت شهقاتها قليلا .. و قد ظهرت الإجابة واضحة على ملامحها ..
ليست راضية عن نفسها كأنثى , لا ترى أن أي رجل قد يريدها .. لأنها فتاة ..
و بصعوبة همست , تبتلع غصتها
*سمراء .. قصيرة , لا أصل المئة و الخمسين .. و .. بدينة ..
ظهرت ابتسامة على شفتيها لرأسها المطرق , كم هي ضعيفة حقا ..
لذلك أعلن و ببساطة
*استعدي للزواج يا بشرى ..
رفعت نظرها له على الفور , لا تصدق أنه ما زال مصرا .. بعد انهيارها المخزي هذا .. لذلك أكمل مبتسما بمرح
*و سنقيم حفلا للزفاف بالمناسبة فنحن لا نختبئ .. بل نعلن للعالم أننا تزوجنا ..
كانت مثالا للبله و هي تنظر له بعجب مستغربة إن كان يعاني شيئا ما في عقله .
أعطته الفرصة ليهرب و لم يفعل ..
( لم يبقى سوى أيام قليلة يا بشرى , أي ورطة هذه ! )
........
دخلت عليها هدير صباح اليوم لتجدها أمام النافذة الضخمة ترشف قهوتها بصمت سارحة النظرات ..
جلست قربها و انتظرت أن تعلق على عطرها أو مظهرها , لكن لم يبدو أنها كانت منتبهة لوجودها من الأساس ..
اقتربت منها لتلفت نظرها مبتسمة , مهما حصل , بشرى هي الشيء الجميل في حياتها و التي من غير الممكن أن تخسرها .. هي ما تحاول الحفاظ عليه لتحافظ على نفسها !
*صباح الخير يا عروس ..
نظرت لها على الفور منتفضة لتهمس مغمضة عينيها
*لا تقولي هذه الكلمة لا أحبها ..
زمت هدير شفتيها , لتسحب منها فنجان القهوة و ترشف منه القليل بدورها
*أنت لا تحبين شيئا !
تنهدت بشرى , فوضعت هدير الفنجان جانبا لتهمس لها
*لا تخافي يا بشرى ..
لم ترد فأكملت على الفور
*لا تجعي أجمل مرحلة في حياتك تمر بهذا البؤس بالله عليك ..
أطرقت بشرى رأسها
*نعم أجمل مرحلة ..
أمسكت هدير كفها , لتنظر في عينيها
*انسي ما حصل يا بشرى , إنها فرصة جديدة تمسكي بها ..
هزت بشرى رأسها بنعم , لتسحب فنجانها و تعود لارتشافه بهدوء ..
نظرت لها هدير لعدة لحظات بصمت , لتعبس و تخرج من الغرفة ملتقطة هاتفها..
و خلال نصف ساعة كانت تنتظره في المقهى القريب من العمل ..
دخل أرمادا مستغربا اتصال هدير معه , لكن فضوله دفعه لمعرفة السبب , لذلك جاء و قبل رؤيتها ..
رفعت يدها ليراها فاقترب على الفور , ليجلس مقابلا لها ..
وبعد مجاملات واضحة من كليهما قال بجدية
*إذن هل لي أن أعرف ما الأمر الضروري الذي تريدين رؤيتي لأجله ؟
تقدمت هدير في جلستها لتضع كفيها على الطاولة تنظر له بقوة لتقول بذات جديته
*إياك أن تؤذي بشرى , لقد مرت بمرحلة سيئة و لا أريد لها أن تكرر ..
تظاهر أنه لم ما تقصده لذلك سأل بحاجب مرتفع بغرور
*ماذا تقصدين ؟
لكنها لم تأبه له تكمل بقوة
*إذا فكرت بالتخلي عنها في آخر لحظة , صدقني لن أرحمك ..
ضحك بسخرية متسائلا
*و ماذا بإمكانك أن تفعلي ؟
ارتفع حاجبها بثقة و لم يرف لها جفن
*لدي من يفعل , ليس أنا , و الخلاصة , لا أريدك أن تجرحها أو تخذلها ..
ظل ينظر لها للحظات صامتا حتى قال مبتسما
*من الجيد أنك تدافعين عنها في غيابها . . محظوظة هي بك ..
لكنها هزت رأسها بلا تصحح له
*بل أنت و أنا المحظوظون لوجودها في حياتنا ..
هز أرمادا رأسه , ليقف على الفور
*إن كان هذا ما أردت قوله , فعن إذنك يجب أن أذهب..
وقفت مثله تؤكد له
*هذا ما أردت قوله .. و مصرة عليه ..
عادت لها بعد مرور وقت لا بأس به , لتجدها قد غرقت في عملها كالعادة , بينما ملامحها سارحة فقال بمرح مشجعة
*أنا من سيعمل على إجازتك يا بشرى , إجازة العروس..
تنهدت بشرى و لم ترد سوى بعد لحظات لتقول بحذر
*لا تتعجلي هدير انتظري حتى يوم الزفاف ..
لكن هدير لم تهتم بهذرها الخائف لتقول بإصرار
*بل الآن , فهذا الزواج أبدي يا غبية انزعي من رأسك أوهامك ..
رمقتها مبتسمة بحزن .. لا تملك سوى أن تدعو لها بالهداية , فالشيء الوحيد الذي جعلها تبقي على صداقتها هو إحساسها أنها ليست سيئة ..
رغم كل ما تفعله من حركات و تصرفات خاطئة إلا أنها ليست سيئة فعلا ..
*العقبى لك يا هدير ..
قالتها بذات الابتسامة و التي كشفتها هدير , فضحكت لتداري تلك الدموع التي هجمت على عينيها فجأة لتهمس فجأة بغصة
*أي عقبى يا بشرى !
لم تفهم بشرى ما همست به , لكن هدير أخذت الأوراق بمرح لتكمل اجراءات الإجازة لبشرى ..
نفخت بينما يقتلها القلق , فأرمادا لا يسعى للخروج معها , يأتي لبيتهم كل يوم بحضور عمها , لا يقترب من العمل بناء على طلبه ..
وأحاديثه دائما عامة , عن عمله , دخله , سكنه و عائلته..
كل حديثه عام , لم يحاول التكلم معها بشيء خاص ..
خاصة بعد تلك القبلات التي سرقها أثناء انهيارها ..
( يا إلهي )
رمت القلم .. عاجزة عن التركيز , مقررة ألا تفكر بعد الآن .
*******************************

بشرة خيرحيث تعيش القصص. اكتشف الآن