4

324 12 0
                                    

-4-
صداع .. صداع يفتك رأسها بينما أمها تثرثر بسعادة واضحة عن هذا المدعو أرمادا ..
كيف يسمح لنفسه أن يأتي لبيتها و يحدث أمها دون أن يخبرها !
ألا يفهم أنها لا تريده .. ترفضه .. لا تريد الزواج ..
لما لا يفهم !
دخلت لغرفتها بعد أن تهربت من أسئلة أمها التي لا تملك جوابا لها , و جلست على طرف سريرها تشتمه بكل قاموسها المليء بالشتائم السيئة و التي لم تفي قهرها منه , فقط لو تعلم بماذا يفكر ورلمَ يخطط ..
يجب أن تراه .. يجب ذلك , فلن تسمح له بالتأكيد أن يتمادى على حسابها ..
ثم ما الذي تتحدث عنه أمها !
هل أقنعها أنها موافقة ؟ لم تعرف ماذا تقول لها و لا كيف ترد على أسئلتها ..
بحثت عن هاتفها على الفور قبل أن تتجمد يدها متذكرة أنها لا تعرف رقم هاتفه ..
بل لا تعرف عنه أي شيء على الاطلاق فحديثه مع رؤى  لم تسمع منه شيئا , كانت منشغلة بشتمه و بطريقة طرده , قبل أن يتركها واقفة كالبلهاء و يذهب ..
يا رب ما هذه الكارثة !
كارثة اسمها أرمادا الحاج..
و الآن كيف ستصل له ؟ إن لم يتكرم و يأتي لزيارتها لن تصل له أبدا !
( سحقا لك أرمادا الحاج .. أكرهك .. أكرهك ..)
تمتمت بقهر , تتمدد على سريرها قبل أن تسمع جرس البيت يرن ولحظات يصدح صوت عمها في البيت !
غار قلبها في صدرها لتنهض على الفور , سلمت عليه مقبلة يده كما اعتادت على مر أعوام ..
و لم يخب ظنها , ففرحة عمها بمن تقدم لها ليتزوجها أكبر من فرحة أمها ذاتها ..
ازدردت ريقها بقوة , و عمها يبدأ حديثه مع أمها متجاهلان وجودها و أن الموضوع أصلاً متعلق بها !
دخلت لتقدم القهوة التي أعدتها , و جلست تقوي نفسها لتقول بصوت مهتز ..
*عمي .. لو سمحت .. أنا ..
لكنه قاطع كلامها ليقول ضاحكا
*لا داعي للخجل يا بشرى , لقد أخبرني أرمادا عن خوفك من الزواج و أكد لي انه لن يهرب كالجبان السابق , بل هو لن يطيل مدة الخطبة ..
انتفضت من مكانها تسأل بقوة
*ماذا !
ثم هدرت بغض
*أجنّ هذا الرجل , عمي أنا لا رغبة لي بالزواج ..
وقف عمها بغضب ليقصف صوته
*أترفعين صوتك في وجهي ؟
تراجعت على الفور خطوة للخلف معتذرة بخوف من غضبه
*آسفة عمي, لم أقصد .. أنا ..
رفع يده ليسكتها , يوجه حديثه لأمها التي تراقب ما يحصل بقلق
*قولي لابنتك أن تتعقل يا امرأة , و إلا نالت مني ما لا يعجبها , ألا يكفي أن أبناء عمومتها ينظرون لها كرجل مثلهم , و الآن لا تريد الزواج ممن يريدها !
ردت أمها بتوتر , لا تفهم سبب ثورة ابنتها و هي التي لم تعلق بشيء قبل قليل
*اهدأ أرجوك , بشرى لا تقصد أي شيء ..
لكن بشرى اعترضت بضعف
*لكن أمي ..
زجرتها أمها بعنف لتسكت
*لا كلام بعد كلام عمك .. ما يراه هو الصحيح ..
و سكتت بشرى حقا , فلا مهرب لها الآن سوى أن تقنع أرمادا أن يتراجع ..
نظرت لعمها الذي يرمقها بغضب لتسارع على الفور و تنحني على يده تقبلها معتذرة منه , فغضب عمها يعني الكارثة الأكبر من زواجها , غضبه يعني أن تودع وظيفتها و هذا المنزل , لتذهب مع أمها و تبقى ببيت العائلة الكبير و الذي يسكنه مع والديه و عمها الثاني ..
و ذلك ما لن تتحمله أبدا .. زوجته لن تكف عن إزعاج أمها , و بنات عمها سيتغللن الفرصة للسخرية منها كل ما أمكن ذلك..
و مجددا شتمت أرمادا الحاج ..
ليغادر عمها البيت بخطوات واسعة , يخبرهم بوضوح أنه سينتظر اتصال الشاب الذي طلب منه أن يشاورهم و سيتصل بعد أسبوع , ليأخذوا وقتهم بالتفكير ..
والآن , كيف ستصل له ..كيف !
نظرت لها امها بغضب حقيقي لتوبخها
*ما الذي تفكرين به ؟ رجل مثل أرمادا يرفض ! طبيب و له عمله و بيته الخاص , و يريدك ما الذي تنتظرينه ؟
*أمي !
صاحت بقهر منه و كره لا حدود له , فقد أصبح بين ساعة و أخرى كابوس حياتها
*حبا بالله أمي , أنا لا أعرف الرجل ! و لا أعرف عنه أي شيء ..
لترد أمها بعزم
*لكنني جلست معه و عرفته , و عمك لا بد سيسأل عنه , و بعد حركتك الطفولية هذه أنا سأقف مع أي قرار يأخذه عمك , هذا ما ينقصني أن تبقي بلا زواج بينما بنات أعمامك يتباهين بزواجهن كل يوم و آخر ..
ثم أردفت بغيرة امومية أزعجت بشرى
*أنت أفضل منهن و ستتزوجين هذا الطبيب لن أسمح لك بجعله يهرب ..
و تركتها وحدها تغلي غضبا ..
تحتاج الحديث معه . . لكن لا وسيلة !
تبا لغبائها , لو سمحت له بالتقرب منها لكانت وضعته عند حده كما تفعل مع أي رجل آخر , لا أسهل عندها من جعل الرجال يهربون منها للمريخ حتى !
ظلت حبيسة غرفتها حتى اليوم التالي , لتغادر دون أن تتناول إفطارها مع أمها كالعادة , بينما لم تنم ساعتين طوال الليل و هي تفكر بكارثتها ..
تمنت و دعت .. توسلت لله أن يأتي اليوم ..لا بد أن يأتي ليرى ردة فعلها ..
لكنها انتظرت .. و انتظرت و لم يأتي ..
حتى هدير انتبهت لهدوئها و تصرفاتها الرقيقة على غير طبيعتها , فلم تكن نزقة عصبية , إنما رقيقة هادئة منخفضة الصوت ..!
*هل أنت بخير ؟
سألتها قلقة حتى مع توقعها لرد بشرى الساخر , وعلى العكس ردت بهدوء
*بخير .. لا تقلقي مجرد صداع ..
و سكتت , لتفهم هدير أن لا رغبة لها بالحديث ...
لم تغادر مكتبها , تراقب الباب .. تنظره أن يأتي في أي لحظة ..
و كلما تأخر , ازداد قلقها أكثر ..
ليمر الوقت بطيئاً.. مملا .. و لم يأتي .. تأملت أن تراه قرب سيارته عند انتهاء الدوام ..
لكنها لا تذكر شكل سيارته , لترى إن كانت موجودة بين هذا الكم الهائل من السيارات ..
و لم يظهر هو حتى !
تهدلت بيأس , تشتمه بهمس , لمَ لا يأتي !
و مر اليوم الذي بعده .. لا تقدر على تمضية الوقت إلا بالتهام كميات كبيرة من الشوكولا تخفيها في غرفتها , تنتظره كل يوم و لا يأتي , تنتظر اتصالا منه و لا يفعل ..
و الأيام تمر .. و الأسبوع يقارب على الانتهاء ..
و هي تفقد الأمل بفرصتها لإقناعه مع كل يوم يمر و الأسوأ أن عمها لا شغل له سوى تعديد مزاياه لأمها التي تبرق عيونها فرحا لحظ ابنتها الرائع !
حتى انتهى  الاسبوع و أعصابها تجمدت من الذي يمكن أن يحدث ..
و حدث بالفعل ما كانت تخشاه ..
**************************

بشرة خيرحيث تعيش القصص. اكتشف الآن