7

316 14 0
                                    

-
خرجت من العمل منهكة , ربما من التفكير , من خوفها من الاتصال به , فقد مر يومين و لم يحاول الحديث معها , و أمها تسألها فلا تعرف بما تجيبها , و تخشى من قول ما حصل لها ..
فهي لن ترحمها لضياع فرصة مثله من يدها ..
و حين وصلت لحافة الانهيار قلقا من الآتي .. رأته ..
كان يقف قرب سيارته مستندا عليها , يكتف ذراعيه على صدره وينظر لها ...
متحديا لها أن تجاهله . . لم ينادها , لم يهاتفها ..
فقط وقف مكانه , ينظر لها من خلف نظارته , هامساً لنفسه إن جاءت .. لن يتخلى عنها طوال عمره حتى لو طالبته هي بالانفصال ..
اتسعت ابتسامته بانتصار , تطرق برأسها و كأنها تنحر كرامتها بالتقرب منه !
غريبة هي ..
كم بدت له موجعة للقلب , رأى فيها الأمل حتى عن بعد ..
ما أن وصلت قربه حتى ركب في مقعده دون كلام ..
نظرت له لعدة لحظات , يدير محرك السيارة , فتنهدت باستسلام , لتتجه نحو المقعد قربه و تركب .. دون أي كلمة ..
قتلها الصمت , لتلتفت له .. نظرة خاطفة رأت فيها تقطيبته و فكه الصارم فأبعدت عينيها بسرعة مفكرة , لماذا قد يربط رجل بوسامته نفسها بها ..
و لأول مرة تنظر لجسدها بإحباط .. زاد وزنها و البنطال الذي تلبسه اليوم أصبح ضيقا , حتى أن كنزتها أصبحا ضيقة بعض الشيء..
تنهدت من عمق قلبها و ما أن أوقف سيارته أمام المطعم نفسه حتى همست لنفسها تتبعه دون أن يقول أي كلمة
( يا للحظ , أصبحت مشهورة في هذا المكان )
جلست على الكرسي أمامه بقنوط , و قد تهدل كتفيها بضعف ..
على من ستكذب .. نعم هي متعبة .. متعبة و خائفة من أن تنبذ مرة ثانية من رجل..
و دون أن يأخذ رأيها .. طلب لها طبقها الذي تناولته سابقاً و طلب لنفسه مثله ..
و انتظر أن تقول شيئا .. لكنها لم تقل ..
*بشرى ؟
بدا صوته حازما و هو يناديها متسائلا , لكنها لم ترفع رأسها له بل قالت بخفوت
*أرجوك دعنا نأكل أولا .
ارتفع حاجبه يراقب رأسها المطرق , و الانهاك بادٍ بوضوح على وجهها , لم يجادلها , بل سكت حقا حتى وصل طلبه , و بدأ الأكل ليلاحظ أنها لا تأكل بذات الشهية التي لفتت نظره أول مرة ..
حينها أيقن انه قسا عليها أكثر مما يجب ..
زفرت بقوة ليقول قاطعا الصمت
*كيف كان العمل ..
*مُتعِب ..
أجابت بصدق , فهي من الأصل متعبة و العمل اليوم زادها ارهاقا , ربما هي مرهقة نفسيا من القلق الذي يأكل روحها و صبرها أكثر ..
*جيد ..
قالها ساخرا لترفع عينيها له بحزن طفيف , حزينة كون تعبها أعجبه !
*عله يتعب لسانك فيتوقف عن الكلام الأحمق ..
احتدت نظراتها رغما عنها , تكره هذه الطريقة في التعامل , لا تحبها تشعرها أنها على صفيح ساخن , و هو الوحيد الذي يجرؤ على تحديها في الكلام و الأفعال ..
كتمت ردا لاذعا فكرت به , لتنتظر قليلا , عله يقول ما في جعبته ..
فلتكن مستعدة للصدمة .. هي قوية و لن تتأثر بأي شيء سيقوله ..
لكن وجهها شحب تماما وهو يقول بأسف
*بشرى , لا أعرف ما أقوله ..
و سكت قليلا يبحث عن الكلمات المناسبة , لتكمل ساخرة عنه
*لا بأس قلها مباشرة ..
قطب لا يفهم ما تقصده و هي تكمل بذات السخرية
*اكتشفت اني لا أليق بك , و أنك مضطر لفسخ العقد فقد وجدت من هي تناسبك ..
ضحكت ضحكة قصيرة
*معتادة على هذا الموشح ..
لكن عينيها الخائنتين , دمعتا دون أن تنزل الدموع , لم يغفل عنها ..
حتى و هي تتجاهله , و تكمل الأكل .. بطريقة مفجعة ..
هز رأسه يائسا , و أشار للنادل بالحساب , ترك مبلغا ضخما على الطاولة لينهض و يسحبها من يدها رغما عنها , متغاضيا عن شهقتها المتفاجئة بحركته ..
وصلا للسيارة ليطلب منها بجمود أن تركب و ما أن فعلت حتى ركب و انطلق بها..
لكنه لم يتخذ طريق بيتها ..
كانت أول مرة تمر من هذا الشارع , سألته مرتبكة
*إلى أين نذهب ..
نظر لها نظرة ألجمتها , بدا غاضبا .. و بشدة .. منها !
*انزلي ..
قال آمرا , ما أن وصلا لبناء ضخم مؤلف من عدة طوابق راقية البناء ..
أعجبتها الإطلالة الخارجية له , حتى المدخل .. ظنت نفسها للحظة في أحد الأماكن الراقية التي تظهر على شاشة التلفاز..
دار حول السيارة حتى وصل لها ,  أمسكها من مرفقها و جرها معه , لا يرد على أسئلتها التي تنطق بها كرشاش ..
وجد المصعد واقفا و كأنه ينتظر فحث خطاه  يسحبها حتى دخله و هي معه ..
علمت أنه لن يرد , فسكتت و حاولت فض يده عنها لكنها لم تفلح ..
اعتقدت أن في هذا المبنى أحد المقاهي الفاخرة ذات الخصوصية ..
حتى ألجمتها الصدمة , بعد أن توقف المصعد و تبعته عدة خطوات , ليسحب من جيبه مفتاحا ما و يفتح الباب , دون أن يتخلى عن مرفقها و هو يدفعها نحو  الداخل
*بيتنا الذي سنعيش فيه , فكرت أنك ربما تحبين زيارته , بما أنك لم تبدي أي حماس نحو الأمر و معرفة شيء عن حياتي !
اتسعت عينيها و هو يتركها حرة .. في بيته الخاص !
بيته .. و هي الآن معه وحدها في بيته !
نظرت له بجمود , لتهمس بغيظ
*هل لي أن أعرف لماذا أنا هنا ؟
و كان دوره ليرتفع حاجبه بغيظ ليهمس مثلها
*و هل أنت مختلة يا بشرى ..
لم يهتم لشهقتها و هو يكمل ببرود
*أريك بيتك المستقبلي يا غبية ..
*لا تقل غبية ..
هتفت على الفور بوجهه
*إياك أن تكرر تلك الكلمة و الآن هيا أعدني إلى امي , بيتك و رأيته إنه جميل ..
لكنها منعت عينيها بصعوبة من النظر حولها , تخشى أن يأسرها الجمال حولها , فتطلب منها أن تبقى هنا و لا تغادر !
تجاهل طلبها , و اتجه نحو أريكة واسعة على شكل زهرة متفتحة و رمى جسده عليها متمددا و كأنها تحتضنه بأوراقها ..
*خذي راحتك في رؤية البيت ..
شمخت برأسها , ترفض بهزة من رأسها و تنظر له بحنق
*أتعلم .. أنت أكثر شخص استفزني بحياتي ..
*جيد ..
قالها بلا مبالاة أزعجتها , فخطت نحوه بغضب لتحاول سحبه من ذراعه
*أعدني للبيت ..
هدرت بها تحاول زحزحته من مكانه دون  أي نتيجة , كانت كمن تحاول جذب جبل ليتحرك من مكانه ..
و ما احتاج منه الأمر سوى حركة بسيطة من يده لتسقط على صدره صارخة بذعر , و قبل أن تستقيم و تبتعد عنه , كان قد حاصرها بذراعيه ..
نظرت له تهتف بشراسة
*اتركني .. اتركني حالا .. ماذا تظن نفسك فاعلا !
*سأقبلك فقط ..
قالها ببساطة , ليثبت جسدها بذراع , و كفه أمسكت شعرها الوبريّ بقوة ليثبت رأسها , و قبل أن تعي أو تتحفه بالمزيد , قبض بشفتيها على ثغرها الرافض و عينيها المذعورتين كقطة مجنونة لم تتوقف عن محاولة الخلاص و هو فقط يعض شفتيها برقة مستمتعا بحركاتها المجنونة ..
حتى قرر تحريرها , فقفزت بسرعة عنه لتقع أرضا .. على مؤخرتها تصرخ بألم..
و كرامتها تأبى أن تمد يدها لتمسك مكان الألم ..
تنظر له بحقد
*أنت قليل التهذيب ..
*و أنت مخادعة ..
سكنت حركاتها , لتهمس بنبرة هادئة تشير لنفسها
*أنا مخادعة ..
نظر لها من مكانه , و وضع ذراعيه خلف رأسه , زم شفتيه بتركيز
*تدعين القوة و أنت ضعيفة , تدعين الثقة و أنت تزحفين مرتجفة بخوف من مجرد قبلة من زوجك , تطالبيني بالانسحاب و أنت تخشينه لأبعد حد ..
*هذا غير صحيح ..
نفت على الفور ..التوت ابتسامته , لا يصدقها , لتنهض بغضب
*غير صحيح أنا قوية , و لا أهتم لك و لرحيلك .. ارحل إلى الجحيم أنت و أفكارك..
*ضعيفة ..
همس بها يستفزها و قد نجح .. فقد هدرت به
*اسكت .. اسكت لا تسمعني صوتك ..
*خائفة ..
همسته الثانية جعلتها كالمجنونة , و كانت حقا تخاف الاقتراب منه مرة ثانية و لو لمجرد ضربه !
تدور في مكانها عاجزة .. كم تكره غروره .. ثقته .. و كل شيء فيه ..
التفتت له بقهر , لتجده فجأة و قد أصبح خلفها , و دون صعوبة أسرها بين ذراعيه..
جسدها المرتجف الممتلئ .. يهتز بين يديه ليهمس برقة
*لا تخافي مني يا بشرى .. لن أتخلى عنك ..
ابلعت ريقها وثبتت عينيه في عينيه , و رأى بوضوح أنها لا تثق بكلامه ..
تسلل ضعفها عبر حدقتيها له ..
رغم كل محاولاتها لإخفائه..
تنهد بقلة حيلة , فلا يد له فيما تخشاه , و لكن من المؤكد أنه لن يسمح بحصول ما تخشاه ..
*بقي أسبوع و يزيد على الزواج ..
تململت , فلم يتركها , لتهمس تطرق برأسها
*لا أريد حفلا ..
نظرت له برجاء لتكمل
*إن كنت مصمما حقا على الزواج , فانا لا اريد حفلا ..
نظر لها بصدمة متسائلا
*لماذا إنه حلم كل فتاة ..
عضت شفتها وقالت بتوتر , لا تنظر لوجهه , و قد تحولت ملاحها خلال لحظات فقط من التحدي , للقلق .. للانكسار ..
أي عطب داخلي تواجه هذه الفتاة !
*أنا لا أريد .. أرجوك يا أرمادا ..
قطب ليسأل بقوة , غير متراجع عن معرفة السبب
*لماذا ..
تنهدت بحزن و قد تهدل كتفيها , لتنظر لنفسها بحزن
*لن أجد ثوب زفاف يليق بي .. و لن ينقص وزني خلال الأيام القليلة القادمة ..
و بخفوت أكملت
*لا أريد أن أكون محل سخرية الجميع .. أرجوك ..
لكنه ابتسم ليرفع وجهها له
*لن تكوني محل سخرية , كما أنني اخترتك و لا شأن لأحد باختياري و من يجرؤ على السخرية من عروسي ..؟
سألها يقرص أنفها بمرح , لكنها لم تبتسم .. ظلت على جمودها و حزنها تنظر في عينيه .. و تلك الابتسامة .. تلك الابتسامة جعلتها تشعر بالاختناق ..
لمَ هو بهذه الرقة ..
لم يجعلها تشعر بالارتياح من كلامه ..
و لكنها خائفة .
خائفة حد الموت من القادم .. من يوم الزفاف ..
و دون أن تشعر غرقت بذكرياتها , لتفلت منها شهقة ضعف .. جعلتها تبكي كحمقاء بين ذراعيه !
***********************

بشرة خيرحيث تعيش القصص. اكتشف الآن