الجزء اﻷول

1K 35 0
                                    


فى أحد الشقق الصغيرة فى واحدة من البلدان العربية يجلس شاب فى منتصف الثلاثينات 
يحسب فى أحد الأوراق أمواله التى قضى سنين عمره لجمعها .... أموال هى ثمن لأيام طويلة
من الغربة والوحده والحرمان ، ثمن لعمله ليل نهار يتنقل بين الوظائف لجمع أكبر عدد من الاموال ليعود لأرض الوطن للأهل والعائلة والدفء والأحباب ..... للحلم .... 
تنهد فى اشتياق لوطنه وأسرته وسرح بخياله لحلمه البعيد ........ 

نعم هو حلم بعيد فلا يمكن ان تنتظر كل هذه السنوات بدون زواج وهى أجمل فتيات الحى وأكثرهن خجلاً وأدباً واحتراماً كيف لا يتهافت عليها كل من يراها وتتعلق أعين شباب الحى
بها عندما تتحرك بخطوات ثابته وسريعة دون رفع رأسها فى وجه أى منهم فلا يعنيها أعجابهم أو نظراتهم فهى الفتاة المحترمة التى أحسن والديها تربيتها فأصبحت ذو خلق عالى ودين وشخصية 
عاد عماد من شروده وهو يردد من قلبه : يارب أن كنت خيراً لها فاحفظها لى هذا دعائى لك منذ سنوات وأنت أعلم بالخير ياكريم أنا لا أجرؤ على سؤال والدتى عنها وكيف أسأل 
ومن المحتمل أنها أصبحت زوجة و أم ولكنى لا استطيع أن أمنع نفسى من هذا الدعاء أن تحفظها لى وأنت تعلم يا الله أنى لم أحاول الاقتراب منها أو محادثتها أبدا ولكنها حلم المراهقة والشباب 
الأمل الذى سافرت من أجله حتى أكون زوجاً مناسباً لها وحرمت نفسى من ملذات الحياة وأجلت استمتاعى بالحياة حتى أحياها معها .... معها هى فقط 
فاق من شرودوه لينهض فى تكاسل و يتجه إلى المطبخ ليصنع لنفسه كوباً من الشاى وشطيرة من الجبن فتلك هى حياة العازب بالغربة فهو لم يشبع من المعكرونه المهترئة الذى صنعها على الغداء 
وردد لنفسه بنبرة مشتاقه : أين أنتى يا أمى لقد اشتقت لطعامك الشهى وتنهد فى حب وابتسامه على وجهه وهو يردد : اشتقت لحضنك يا أمى .... خمس سنوات منذ أخر زيارة لى بعيداً عن بلدى وأهلى هذا كثير ... 
يكفى نعم .... يكفى اشتياق وتكفى غربة ويكفى حرمان ..... متى سأبدأ حياتى وأتزوج وأنجب أطفال من محبوبتى ..... سأعود سأعود إلى وطنى وأهلى وحلمى 

ابتسم عندما وصل لهذه النتيجة وعزم على العوده للوطن بدأ فى إنهاء أعماله وجمع متعلقاته وحزم حقائبه استعدادا للعودة للوطن 
خرج يتجول فى الأسواق لشراء الهدايا لوالدته وأخواته وابنائهم ووقف أمام أحدى محال الذهب وخطر بباله هدية لحبيبته وقرر ان يشترى خاتم الخطبة لها
تجول بنظره حتى استقر على خاتم ثمين من الذهب الأبيض وحجر من الألماس تخيل صورة حبيبته فى هذا الخاتم فاشتراه بسعاده لها وهى يمنى نفسه أن تكون هى صاحبته ﻻ أى عروس أخرى 
وصل إلى مطار القاهرة فبدأ التنفس بسعاده وهو يردد الحمدلله ماهى إﻻ ساعات و سأرى والدتى وأهلى وأحبابى 
استقبله أخيه وزوج أخته فى المطار بلهفه وإشتياق بعد طول غياب وتوجهوا إلى منزله وهم يتجاذبون الحديث بمرح عن ذكريات سابقة وأحداث لم يستطع ان يحضرها وأوﻻد أخوه لم يرهم بعد 
وصل إلى منزله وفتحت والدته الباب فألقى نفسه فى أحضانها بلهفه واشتياق وهو يستنشق عبيرها بحب 
ويضمها إليه و يقبل رأسها ويديها وهى تربت على كتفه وتتأمل وجهه ودموع الفرحة تنهمر من عيونها بغزارة مرددة : أحمد الله أن رأيتك بخير حال يا ولدى ، لقد اشتقت إليك كثيراً وطالت غيبتك ياحبيبى 
قبل رأسها بحب هامساً : لقد أفتقدتك كثيرا يا أمى ولو تعلمى كم اشتقت إليكى ياحبيبتى ..... وعاد ليقبل يديها فى حب فتمسكت بيه والدته وهى تدخل إلى صالة المنزل وتجذبه معها وهو يتأمل كل ركن فيه فى إشتياق 
وقد تسارعت على رأسه الذكريات لمنزل كبر بين أرجائه وجلس بجانب والدته وهو يحيطها بذراعيه فى حب وأخوته حوله يتحدثون فى صخب وينهالون عليه بالاسئلة والأخبار وهو ينظر إليهم بإشتياق ويبتسم إلى حديثهم 
وفجأة وجد أطفال تجرى فى اتجاهه فى صخب وهم ينظرون إليه فى خجل ويتوارون فى أحضان آبائهم وهم يعرفونهم عليه فمد يده بمرح إليهم ليتقدموا نحوه ويطبع على وجوههم قبلات صغيرة وهو يتعرف على أسمائهم ويحاول التقرب إليهم بالحلوى ويردد : لقد جلبت لكم هدايا كثيرة ولكن فقط لمن يعرف اسمى 
فصرخ الاطفال فى وجهه : عمو عماد عموعماد ......
ضحك على شقاوتهم وهو يحتضنهم : حسنا ... حسنا سأفتح الحقائب وأوزع الهدايا 
فسارعت والدته : بعد الغداء الأن موعد الطعام 
فسارع عماد فى لهفة وهو يضع يده على معدته : نعم إنى جائع جداً ومشتاق لطعامك الشهى ياست الأحباب 
طبعت والدته قبلة على وجهه قائلة : حسنا ولكن أدخل غرفتك بدل ثيابك وأغسل وجهك ويديك أولا وسوف أجهز الغداء على المائدة حالاً 
دخل إلى غرفته وهو فى قمه السعادة بدفء اﻻسرة وعبق الذكريات وهرع على النافذة ليلقى نظرة على نافذة الجيران .... النافذة مغلقه ترى هل تركوا المنزل أم أنها فى بيت زوجها أم تراها فى عملها ولم تعود بعد 
قطع تساؤلاته صوت والدته تناديه : عماد هيا الطعام جاهز وأخوتك لن يصبروا 
هتف بمرح : أنا قادم يا أمى 
تجمعوا حول مائدة الطعام فى جو أسرى حميم افتقده عماد كثيراً فى الغربة وزاد من هذا الجو الجميل ضحكات أطفال أخيه وأخته الذين يجرون حولهم فى مرح 
انتهوا من طعامهم وجلسوا يتسامرون لبعض الوقت حتى رحل أخوته وأزواجهم وأولادهم بعد توزيع الهدايا عليهم فى جو مرح وصاخب 
توجه لغرفته ليرتاح قليلاً واتجه للنافذة فوجد نافذة الجيران مفتوحة والستائر تطير من الهواء 
ابتسم على أمل بأن يراها وانتظر أمام النافذة حتى أصابه التعب فقرر أن يرتاح قليلاً فأستلقى على سريره وغط فى نوم عميق بدون قلق فى ظل أسرته الحبيبة 

نافذة الجيران *مكتملة* بقلمي /إيمــان سلطـان حيث تعيش القصص. اكتشف الآن