في نفس الليلة، توجهت جيسيكا بعد العشاء لتعود الى العمة ماريا في المستشفى
كانت العجوز ممددة في الفراش مسندة رأسها إلى عدد من الوسادات الصغيرة، تنتظر السماح لزوجها بزيارتها
رفعت رأسها مبتسمة لجيسيكا و هي تدخل الغرفة
ماريا:أهلاً بحلوتي الصغيرة. ما اسمك الأول يا دكتورة نيل؟
جيسيكا: جيسيكا
ماريا:حسنا، اسمعيني يا جيسيكا زال الألم الآن، و أشعر بتحسن ملموس، فهل بإمكاني العودة إلى المنزل لأبقى مع أوم هايني؟
جيسيكا : لن نبحث هذا الموضوع في الوقت الحاضر، فزوال الألم مرده إلى الدواء الذي وصفته لك وغداً سنقوم بتصويرك على الأشعة
همهمت العمة العجوز بسخط
ماريا:أعلم ألاعيبكم أيها الأطباء، ما ان تضعوا أيديكم على مريض مسكين مثلي حتى تدخلوه المستشفى، فلا يخرج إلا و قد عملت مباضعكم في في جسمه
وضعت جيسيكا أصبعها على معصم المريضة تتفحص نبضها مبتسمة
جيسيكا : لن نجري أية عملية جراحية ما لم تكن لصالحك
ماريا: أعلم ذلك يا صغيرتي، و ان كنت دائمة التذمر فلأني قلقة على زوجي العجوز. لقد اشتقت إليه
جيسيكا : و أنا متأكدة من شوقه إليك أيضاً... أعدك بأن الأمر لن يطول
فتح الباب فجأة و أطل دان ترافورد بطلته البهية، فهتفت العجوز بحبور
ماريا: ها هو الدكتور ترافورد الطيب (و نظرت إلى جيسيكا مضيفة) أليس جذاباً؟
أجابت جيسيكا متلعثمة: لا... لا أدري.
علا صوت الدكتور ترافورد بنبرته التهكمية المعهودة و هو يتجه إلى حافة السرير المواجهة لجيسيكا
دان: ما الذي لا تدرينه يا دكتورة نيل؟
سبقت جيسيكا العجوز إلى الاجابة: كنا نناقش أموراً خاصة يا دكتور ترافورد
هتف دان موزعاً نظراته الساخرة بين جيسيكا و العجوز قائلا:
آه، بات لديكما ما تخفيانه عن الآخرين و لم يمض على تعارفكما يوم واحد. ستخبرينني كل شيء عندما تغادر الدكتورة نيل الغرفة، أليس كذلك يا سيدة دلبورت؟
ردت العجوز بلهجة حازمة خفف من حدتها بريق ضاحك في عينيها:
لن أخبرك شيئاً أيها الداهية
تصنع دان الكآبة و أمسك بيد العمة ماريا معاتباً:
أبهذه اللهجة تلكمني فتاتي المفضلة؟
ضحكت العمة بمكر:
من حظك أني لا أصفعك أحياناً
دان: إنك تهينني يا عمتي العزيزة
ماريا: لم أعهدك حساساً إلى هذا الحد يا دان ترافورد. حان لك أن تقلع عن طيشك و تجد لنفسك فتاة طيبة تشاركك مستقبلك
ارتسمت على شفتيه ابتسامة ماكرة
دان: جدي لي فتاة طيبة مثلك يا عمة ماريا و سأتزوجها في الحال
ماريا: لست بحاجة لمساعدة أحد، استعمل عينيك و عقلك إيجاد الفتاة المناسبة. و لكنك لن تفلح في ذلك ما دمت دائماً هائماً على وجهك في الاتجاه الخاطئ
أدركت جيسيكا ما تعنيه العجوز بكلامها و تذكرت ما قالته فيفيان عن علاقة دان
أطلق الدكتور ترافورد ضحكة قصيرة و أجاب: لعلني راض بالطريق الذي اخترته
لم تجد العجوز فائدة من متابعة الكلام، فقالت مشفقة: أذن، إني أرثي لحالك يا عزيزي
هز دان رأسه بتململ و تطلع في عيني العجوز قائلاً: لا أدري لماذا أسمح لك بالتحدث إلي بهذه الطريقة
ماريا: لأني عجوز كفاية لتعتبرني كوالدتك، عدا عن أني معجبة بك بالرغم من سوء أخلاقك
قاطعتهما جيسيكا مودعة من غير أن تلتفت إلى دان: سأراك غداً يا سيدة دلبورت
رفع دان ذراعه قاطعاً عليها طريق الخروج وقال: دقيقة واحدة يا دكتورة نيل
ترافق دان و جيسيكا في الرواق الطويل الفاصل بين الغرف و قبل وصولهما إلى المصعد، التفت إليها دان قائلاً: يقدمون قهوة لذيذة في هذا المطعم
جيسيكا: فكرة جيدة، لكن الوقت متأخر و أفضل العودة إلى المنزل
لمعت عينا دان ببريق شيطاني غريب بعث الرعب في قلبهاوقال: فكرة أخرى جيدة، فأنا واثق من أن قهوتك أفضل من هنا
ردت جيسيكا بحدة: لا تفسر كلامي على أنه دعوة
دان: لا بل إنها ألطف دعوة (و أفسح لها المجال للخروج من المصعد متابعاً) لقد دعوت نفسي
توقفت جيسيكا عن السير و التفتت إليه بانفعال وقالت : إن كنت تظن أني....
قاطعها دان بهدوء: سأتبعك بسيارتي و لا تسرعي، فالقانون صارم في لويزفيل
لم يكن بوسعها أن ترفض عرضه هذه المرة، فقد آن الأوان لترد له التحدي، و تشعره بقدرتها على مقاومة هزئه و سخريته. ستثبت له أنها لا تهابه و تريه مدى ثقتها بنفسها. جلست خلف مقود سيارتها تراقبه يستقل سيارته الحمراء... ثم أدارت المحرك تتساءل إلى أين سيؤدي بها الأمرهذه المرة، إن حاول هذا الطبيب الوقح تمضية بعض الوقت معها للتسلية مستغلاً سفر صديقته إلى بريتوريا، فسيلقى من الرفض و الصد ما يلقنه درساً لن يغرب عن باله أبداً. لن تدع علاقتها به تتعدى حدود المشاركة المهنية. لحق بها في الطريق المؤدي إلى منزلها، و بقي خلفها إلى أن فتحت الباب و أضاءت غرفة الاستقبال
أصبح المكان جميلا للغاية (و تبعها إلى المطبخ مضيفاً)