عائِد..

613 21 7
                                    

علقت حقيبة الكاميرا على كتفها وهي تخطو نحو الردهة فتوقفت عند مرآة مستطيلة معلقة على الجدار في المدخل ،

خلخلت بأصبعها تسرح شعرها شديد السواد مسقيم الخصل حول أكتافها ، كانت ترتدي بنطالًا أسود يصل لأعلى الخصر تطوي داخله قميصًا فاتح الزرقة طبقت أكمامه ، مكملة المظهر بأقراط كرستالية ناعمة حمراء اللون تتدلى ،
عدلت غرتها شديدة القصر فوق حاجبيها ثم تحركت ..

أمسكت مقبض باب الشقة ،
سكنت لوهلة ..

تسائلت مجددًا لمَ لم تسمع رد باب جارها الساكن مقابل شقتها ..
هل خرج أبكر من عادته أم أنه لن يذهب لعمله اليوم أصلًا ، أهو مريض مثلًا ؟

تسائلت في سرها تلصق أذنها بالباب علَّها تسترق حسه ..

فجأة فُتح باب الشقه المقابل على عجل ، رفعت عينيها إلى العين السحرية ترصد الرجل طويل القامة عريض المنكبين والذي سرعان ما ابتعد عن مجال رؤيتها ..

فتحت الباب بسرعة وحذر ألا تصدر صوتًا ،
من شق الباب الضئيل رأته وهو يسرع الخطى وكأنه يركض ،
" تهرب بعيدًا ؟ " همست معلقة ..

إنتظرت مكانها هُنيهة حتى يتسنى لذلك البائس-كما تصفه- الهروب ثم خرجت ..

تعرف أنه يتهرب من لقائها ، كما الأمس كذلك الأسبوعين الفائتة ، كانت تسمعه يغادر شقته صباحًا أبكر بساعة أو نصف ساعة ، وتسمع طرق نعله و كشكشة مفاتيحه قرب الحادية عشرة مساءً..

متجنبًا أي فرصة لقاء بينهما ، أهو لهذا القدر خائف ؟

دفلت الشابة صاحبة الشعر الأسود المصعد وحدها ،
ضغطت زر الطابق الأرضي وبدأ المصعد بالنزول
رمقت انعكاس وجهها الضبابي على الباب كعادتها ؛ تضع أحمر شفاه صارخًا وترسم جفنيها العلويين بخط كحل بسيط .

عاينت الرقم التنازلي أعلى الباب ، يعود بها للوراء في شريط ذاكرة فِلم حياتها ، والسبب الذي أتى بها حيث هي هنا الأن ..

_ذلك لأني ..
في بيتي ذاك ، في الحي ذاك ، الجميع يعرف قصتي ،كان الجميع يعرفها .. يعرفها أكثر مني
بل قَبل مني ، أراهم يروونها لي بنظراتهم ثم يشفقون آسفين على حالي بتقطيبة حاجب ، أو يسخرون شامتين برفع شفاه مبتسمةِِ لائم ،

كنت أرتدي الأكمام الطويلة ،البناطيل والسترات لأني أشعر دومًا أني ؛ عارية .. في ملء أعينهم النهمة، .. مجردة ..

كنت أغضب فأبكي ثم ألعني نفسي وفي بعض الأحيان أصرخ على خالتي من ربتني ،

لماذا عشت ؟ لمَ لم أمت في بطن أمي وأرحل معها لم أنقذوني ؟ والخطأ خطأي ؟؟
لم أحبت أمي رجلًا سيئًا ؟ لم عبث هو الأخر بقلبها ثم ولَّ هاربًا تاركًا أيانا ؟؟ لم أصرَّت الأحتفاظ بي حد الذي جعلها تدفع حياتها ثمنًا لذلك ؟..

غائِب .حيث تعيش القصص. اكتشف الآن