خلال أول أيام يوليو مع بداية الصيف القصير في إنكلترا، حيث الجوع ينهش أمعاء فقرائها، و السخط يعم شوارعها. مع كل تطورٍ أتت به الثورة الصناعية ، كان يظهر على جبين الفلاحين ما ينم عن غضب شديد ، و يُستشعر في انفاسهم كل المقت و الغيط لما هم عليه من حال . احتملت نفوسهم كل هذا و كبتته كما تحشر الحصى في جرة ، منتظرين بفارغ الصبر ، الوقت الذي سيتحرر فيه غضبهم ، ليصبوه على ظُلّامهم.
كانت تِلْك الحقبة التي تلت الثورة الصناعية بكل ما اتصفت به من ظلم ، هي الاتعس في تاريخ انكلترا كما وُصفت. لم يهدئ من غيظ الليل الطويل الحال عليها سوى عزف بريستول لها ؛ مدينة الشعر و الموسيقى، الحاناً حزينة و سيمفونيات حفرت معاناة الجائعين لتخبر التاريخ عن غضب الثوار المكبوت.
تسلل نور الشمس الذهبي لينير ضواحي لندن على غير العادة ، المدينة الضبابية مشمسة هذا الصباح ، و السماء صافية لا تشوبها شائبة.
في احد مبانيها الصغيرة الواقعة قرب حدودها، مبنى عتيق تؤجره امرأة مسنة، عرفت باللؤم و المزاج العكر، " السيدة ويلسون" أو كما يطلق عليها صبيان الحي " الساحرة الشمطاء " بدى أن الزمن قد أنهكها حيث تخلل خصلات شَعرها بضع شعرات رمادية كما طغت على بشرتها التجاعيد.
في تلك العمارة الصغيرة ، تسلل نور الشمس من خلال نافذة صغيرة إلى غرفة الحسناء ، ففَتحت عينيها بِرفق ، لتجعد أهدابها من شدة سطوع الشمس التي سرقت منها نومها، مثل ما سرقه صخب التجار و العامة في الخارج، فتترك سريرها الدافئ و تبدأ حكايتها ربما.
لتخطو نحو النافذة بخطى ثقيلة، و تفتح أبوابها على مصراعيها ، كما لا تفعل في أغلب الأيام. نَسمات الرياح الدافئة تداعب نعومة شَعرها المموج، بلونه الكستنائي، لون دافئ قد أمتزج برقة مع حنطية بشرتها و تَصبُغ وجنتيها بالزهري ، يعلوهن عينان خضراوتان تكاد تظن ان غابة تقبع داخلها ، يتوسط وجهها أنفٌ صغير فيه شيء من البروز منحدر نحو ابتسامة دافئة كفيلة بأن تجعل الشمس تشرق مرتين في اليوم.
اغلقت النافذة بِهدوءٍ بعد أن تناثرت أوراقها في أنحاء الغرفة قديمة الطراز. على الرغم من اهتراء أريكتها و صرير سريرها إلا أنها مهووسة بغرابة بكل ما تملكه من أثاث عتيق و بأشيائها المبعثرة في الأرجاء، لطالما كانت متيمة بكل ما تحمله تلك الأغراض من ذكريات تليدة دافئة.
ما لبث السكون لحظاتٍ حتى قطع حبل أفكارها طرقُ الباب العنيف،لم تحاول أن تحزر حتى من هو الطارق المعتاد الذي سيزعجها بشأن أهمية دفع الإيجار في كل صباح.-"أوه صباح الخير سيدة ويلسون! أليس رائعاً أن أراكِ في يوم جميل كهذا؟".
رفعت تِلْك العجوز حاجبها باستنكار لتردف :
-" لا تتملقيني يا مارلين!،لقد مر بالفعل أسبوعان بأكملهما على موعد دفع الإيجار! و كما تعلمين، لست الوحيدة التي تتضور جوعاً هنا."تلاشت ابتسامة مارلين الزائفة لتتكأ بظهرها على طرف الباب العتيقة قائلة بملامحٍ منزعجة : -"فلتهوني عليك يا سيدتي، لقد أخبرتك بالفعل انني سأدفع قريباً، هل تعيرين الأسبوعان كل هذا الإهتمام؟."
ثم أضافت ساخرة و هي تشدد على كلماتها محاولة تلطيف مزاج تِلْك العجوز المغتاظة
-" أنتِ تقلقين كثيراً بشأن كل شيء، أظنه الوقت المناسب لتواجهي وسواسكِ هذا."
أنت تقرأ
أَبْكَم بريستول - Bristol's voiceless
Romanceو بين الحانك الصامتة احببت الوقوع بين طياتها، و كأنها تحمل الكثير من صفحاتٍ لـكتابٍ حمل بين طياتهِ الصمت كقصة. - "بماذا يجدر بي ان ادعوك؟" خطهُ الذي مزج الحروف بشكلٍ مهندم، و لم تفهم منهُ حرفاً "أنا...لا اُجيد القراءة" اجابت بصوت خافت. - ربما كانَ ا...