الفصل السادس:النجاح كان بداية المآسي

827 18 2
                                    

#أمي_تكرهني_وأنا_أيضا
الفصل السادس: النجاح كان بداية للمآسي.
___________
حياتي كلها منامة..
عمري جوزتها ندامة..
في بلادي مانيش هاني..
وحداني طول الليالي..
خلاو في قلبي شامة..
في عمري زرعوا السامة..
حتى نفسي لي نساتني..
شدة في ربي العالي..
مسلسل مربوط..
بين ربع حيوط..
تلفولي لخيووط ... تلفولي لخيوووط...
" ديدين كلاش "
أبكي وحدتي وأعزي فرحتي اليتيمة، أكملت نصف يومي في الثانوية، فرحت لصديقاتي وفرحوا لنجاحي، باركو لي وباركت لهم، تبادلنا الأحضان والقبلات وكانت فرحتي لا تقدر بثمن، كذبت تنبؤات والدتي، ها قد نجحت وحصلت على تأشيرة الذهاب للجامعة، لم أنمّ منذ يومين، قلبي مرهق، وعيوني منتفخة مغمضة، لكن بإستطاعتي المقاومة للمساء، سأبقى يقظة حية، أغتنم كل فرصة للفرح والإحتفال بنجاحي، أعلم جيدا أن ذلك القبر الذي أنتمي إليه والناس الذي أعيش معهم لن يفرحوا لفرحي، إلا أبي وأخي وليد وغاليتي نجاة، أما الباقي فوجودهم في حياتي وعدمه سواء.
إستغليت كل دقيقة، ضحكت ملئ فمي، رقصت، تكلمت بصوت عالي وكأنني أخرج به كل غصة أحرقة قلبي منذ أيام، كان معدلي جيد نوعا ما، لم أصدق أن تلك الضغوط التي عشتها منذ أيام، كانت مجرد وهم وإنقشع ضبابه، وهم زرعته بقلبي أمٌ لا قلب لها، ولا ضمير.
إتجهت صوب منزلي بعد إنتهاء حفلة الجنون مع صديقاتي، كان رمضان يسيطر علينا بهيبته، شعوري بالعطش أنهك قواي، كنت أحسب الخطوات كي أصل للمنزل، وألقي بنفسي في الماءالبارد، وأستلقي على سريري وأذهب في سبات عميق أعوض فيه ما لم أنمه منذ أسابيع مضت وستبقى ذكرى منقوشة على تلافيف الذاكرة.
وصلت للمنزل أخيرا، فتحت ودلفت، كسرت قاعدة أمي تغار مني وتكرهني، ولا تحب الخير لي، إتجهت مباشرة إلى المطبخ حيث كانت.
وقفت على بابه وقلت بنبرة متحمسة:
- أمي نجحت...
لم تستدر لي مطلقا قالت بنبرة باردة :
- بصحتك، بدلي جوايجك وأرواحي تعاونيني، باباك جاب دوارة.
لم أكن أتوقع ردها هذا، " بصحتي؟" هذا هو مقدار حبك لي؟ أين هي كلمة " مبروك" أين هو ذلك الحضن؟ ولماذا لاأسمع زغاريت في بيتنا كما أسمعها في بيوت الغير؟ لماذا لست كالكل! هل أنا إبنتک حقا؟
حسبي الله ونعم الوكيل...
بلعت غصتي وإتجهت للحمام أغرقت وجهي وكلي بالماء البارد، جلست تحت المرش وتركت للماء مهمة إطفاء النار التي إشتعلت بداخلي، خافقي ينبض بضعف، شعرت بالوهن ولم أقوى على النهوض، إختلطت عبراتي بقطرات الماء، وإختلطت نبضات قلبي، بسوء الحظ ومات حب أمي في قلبي يومها.
حتى لو عادت بعدها لن تجد مكان لها بقلبي الميت، لن تجد إبنة تنتظرها، ولن أحنّ عليها حتى لو بكت أمامي بدل الدموع دماً.
سقطت من قلبي كما تسقط دموعي الأن، ومن يعيد ترميم شرخ قلبٍ ينكسر في اليوم مائة مرة؟.
لا أدري كم من الوقت جلست هناك، شعوري بالعطش يزداد، غير أن رجفة باردة إستولت عليّ، كانت أسناني تصطك، قمت بتكاسل أغلقت صنبور الماء، ونزعت ملابسي وتدثرت بروب الحمام جيدا وإتجهت إلى غرفتي.
سمعت صوت أمي ينادي وأنا أجتاز الرواق إلى حيث سأنام إلى مالا نهاية، غير أنني لم ألقي لنداءاتها بالا، أغلقت باب غرفتي، وإستلقيت على سريري، ولا أدري ما حدث بعدها.
فتحت عيناي والغرفة كلها ظلام في ظلام، شعرت بالرهبة لأن فوبيا الأماكن المغلقة والمظلمة تأخذ حيزا كبيرا في حياتي، قرأت إسم الله ونهضت بحذر من سريري، بحث عن هاتفي وفتحته لأضيء مكان مفتاح النور، شعرت بالأمان ما إن أشعلت نور الغرفة، وجدتني لا أزال أرتدي روب الحمام، وشعري هائج متناثر فوق رأسي، لملمته كيفما بدا لي، وغيرت ملابسي على عجل.
نظرت للساعة فوجدتها الثانية صباحا، يا سبحان الله كم نمت؟ لماذا لم يوقظني أحدٌ؟
فتحت الباب وإتجهت للمطبخ بخطىً سريعة، شعوري بالجوع أنهك قوتي، وجدت الأكل كله في الثلاجة، سخنت القليل من الحساء، وحبة عصبان، ولم أستطع حتى إنتظارهم ليسخنوا كما يجب، وضعتهم في طبق وجلست على المائدة آكل بشهية، منذ أكثر من شهر لم آكل بهذه النفس المفتوحة كمل آكل الآن، صدقا " الصحة تاج فوق رؤوس الأصحاء لا يراه إلا المرضى ".
لم أرفع رأسي عن الأطباق حتى شبعت، رفعت تلك الأطباق وضعتها في الحوض وحملت هاتفي أتفقد المكالمات الواردة.
وجدت كمًّا هائلا من الإتصالات من طرف العديد، منهم نجاة أختي، ويوسف، إلاهي أربعون مكالمة، أخرها منذ نصف ساعة، يبدو أنه ملّ إجابتي عليه فلم يعاود الإتصال.
إتصلت به فلم يردّ لابد أنه غاضب مني وما ذنبي أنا كنت نائمة؟
لا أزال جالسة إلى طاولة المطبخ، سمعت باب المنزل يفتح وصوت محمد ووليد، خرجت إليهم في خفة أبشرهم بنجاحي، غير أنني صدمت وتوقفت قبل أن أصل إليهم، كان يوسف بجانب وليد، تطلعت إليه بإستغراب، رجفة هزت كياني غير أن وليد قطعها بمزاحه:
- هذا وين تنوضي يالفنيانة.
لم أجبه، ولم أتجرء على الكلام، قال محمد بنبرة جدية:
- أراد يوسف أن يبارك لك بنفسه، قال أنك لا تردين على مكالماته.
أخذ وليد بيدي ودلف بي للصالون، بينما تبعنا يوسف، وبقيت أنا كالبكماء لا أتحدث.
جلست في أقرب مكان للباب، بينما جلس هو بجانبي، لم أتذكر أن هيئتي مزرية وشعري أشعث غير مرتب وبيجامتي طفولية، تحوي أشكالا لرسومات كرتونية، شابكت أصابع يدي مع بعض وضغطت عليهم، ولم أتكلم، ليكسر هو صمتنا بمزاحه الذي يجعل المجنون يضحك..
- يبدوا أنني سأغير رأيي، وأعيد حساباتي بالزواج منك، خدعوني وزوجوني بطفلة.
تطلعت إليه بإستغراب وقلت بنبرة متساءلة:
- ماذا تقصد؟
قال ببرود:
- أنظري إلى هيئتك وملامحك، وكأنك إبنة الخمس سنوات، هل يعقل لرجل في السابعة والعشرين من العمر أن يتزوج بطفلة لا تزال ترتدي بيجامات لرسومات كرتونية، ولا تمشط شعرها؟
تطلعت إليه في غضب وقلت بحسم، ونهضت من مكاني لأخرج من الصالون:
- كما تريد...
أمسك يدي بعنف وأجلسني مرة أخرى، وقال بنبرة غاضبة:
- لماذا لم تردي على مكالماتي؟
شعرت بالخوف من نبرته، كادت عبراتي تخونني وتسقط تباعا، إلا أنني تماسكت، وقلت بنبرة متشنجة:
- كنت نائمة، وكان الهاتف على الوضع الصامت.
ردّ بنبرة عنيفة:
- كل هذا نوم؟
إغرورقت عيناي بالدموع، وقلت بصوت متقطع.
- لم أنم منذ أسابيع، ماذا أفعل؟
ناظرني بطريقة باردة لينفجر ضاحكا بعدها
- هل ستبكين؟
يا إلاهي تزوجت طفلة و " بكاية " أيضا، أي بلاء هذا الذي وقعت به؟
مسحت ما سقط من دموع، ظننت أن دموعي جفت وأنا التي بكيت ليلا نهاراً في الأسابيع الماضية وطيلة تسع عشرة سنة، غير أن هذا لم يحدث لا تزال لي القدرة على إنتاج كميات هائلة منها.
أردف بندم جليّ ممسكا بكفي.
- لم أقصد أن أسقط دموعك الغالية هذه، غير أنك " بكاية " ندمت لأنني مازحتك.
عموما آلف مبروك على نجاحك، سعدت جدا بك..
فخور بزوجتي أنا.
إبتسمت من بين دموعي، أول مبروك أسمعها، قلت بنبرة فرحة:
- الله يبارك فيك، شكرا لك.
لم نكمل حديثنا إلا ودلفت أمي، تجمد الدم في عروقي، سلمت على يوسف وجلست بجانبه، تبادلا التحايا سألته عن أهله ووالدته، وعن حال رمضان والصوم معهم، ثم قالت بنبرة باردة:
- لمياء لم تساعدني منذ دخل رمضان للآن، كل شيئ ملقى على كاهلي، لا معين لي في هذا المنزل.
كانت إجابة يوسف كمسكن لآلامي، قال بنبرة حاسمة ألجمها بها.
- لمياء كانت مريضة تعرفين أن مرض " بوصفاير " ينهك قوى الإنسان، لولا هذا لكانت ساعدتك، أليس كذلك لمياء!
هززت رأسي في توتر، بعد أن إحمرت وجنتاي من الخجل.
هل وصل بها الأمر لتشتكيني ليوسف؟
عشت طوال حياتي كالخادمة في بيتك، وعلى أولادك، نسيت كل ما سبق وركزت على أسابيع مرضت فيهم؟
آآآه كم أكرهک يا أمي، وكم أكره كوني إبنتك، حسبي الله ونعم الوكيل.
إستأذن يوسف للرحيل، غير أن أمي حلفت عليه يمينا أن يبقى لتناول السحور معنا.
قالت بنبرة باردة قاصدة إذلالي أكثر أمام يوسف.
- نوضي بدلي حوايجك، ألبسي حاجة بطبع، تباني خارجة من جوانفيل.
لا يا أمي يوسف يحبني كيفما كنت، لا داعي لكلماتك هذه، حتى أنني أبدو إبنة الخمس سنوات لا مجنونة هربت من المصحة كما قلت.
قلت بإبتسامة طائعة:
- حسن كما تريدين، سأغير ملابسي وآتي لمساعدتك.
***
ذهب إلى غرفتي غيرت ملابسي ومشطت شعري ووضعت مشبك أنيق، دق الباب، فأذنت للطارق بالدخول، كان " وليدي " عانقني وبارك لي نجاحي، وبعدها دلف محمد ورضا، وكذلك فعلو، شعرت بفرحة تغمر قلبي، كل إخوتي في غرفتي يباركون نجاحي، وضع كل منهم مبلغا من المال في يدي كهدية لي، إسغليت تلك اللحظات التي لا تتكرر إلا مرة كل عشر سنوات،فتحت هاتفي وإلتقطت صورة جماعية قبيل الإمساك، كان الجميع ملتصقون بي يعانقون أختهم التي إهملوها منذ كانت طفلة، كانت تلك الصورة كنز بالنسبة لي، تعمدت إخراج أربع نسخ منها، مع كل واحد منا نسخة، أردت تذكيرهم كلما نظرو إليها أن لهم أخت تحتاج لحنانهم ورعايتهم وحبهم، أخت أهملوها وتركوها بين يدي من لا ترحم.
تناولنا السحور جماعة، بارك لي أبي نجاحي أمام يوسف وبرّر ذلك أنني نمت طوال اليوم، فلم يجد فرصة للمباركة لي.
***
مرت الأيام مرور البرق، سجلت في الجامعة التخصص الذي أحببت وبدأت رحلة أخرى من الكفاح، وبدأت حياة جديدة تختلف كل الإختلاف عن الثانوية.
تعرفت على وجوه جديدة، وقت فراغ كبير، لم أعرف كيف أملؤه، كنت أكره العودة للمنزل مساءً، ولما عساي أعود؟ أعود لجحيم ما ألبث أتخلصه منه لسويعات حتى أجدني فيه مجددا.
كان إهتمام يوسف بي وبدراستي جميل، مبرهنا على حبه لي بإهتمامه المتفاني، غير أن ذلك الإهتمام أصبح مكثفا لدرجة الإختناق، كان يتصل كل نصف ساعة يسأل مع من أنا جالسة ومع من أتحدث، متى أخرج...
أصبح إهتمامه يشعرني بالضجر، لم يترك لي مساحة من الحرية، لم أكن أتذمر في بادئ الأمر، ومع مرور شهر ونصف ضعفت مقاومتي، وجدتني أكره فتح الهاتف فقط حتى لا تردني إتصالات منه تعكر صفو نهاري، أصبحت أتهرب من تحكماته الزائدة وغيرته غير المبررة، كنت أهرب منه ما إن أجده يبحث عني في الجامعة، وكيف له أن يلحق بي إلى هنا أيضا؟
قررت مواجهته، قابلته بكل ما أملك من شجاعة وثرت في وجهه بعد أن بلغ السيل الزبى.
قال بنبرة غاضبة بعدما وجدني جالسة مع صديقاتي في الخارج:
- هاتفك مغلق، إتصلت مرات عديدة، حتى إنني قلقت عليك، وأتيت بنفسي لأتفقدك.
قلت بنبرة باردة:
- خلص شحن البطارية، ماذا سأفعل؟ ولماذا أتيت أصلا هل أخبروك أن الجامعة تحوي وحوشا تأكل البشر، كما ترى أنا بخير، وفي أحسن حالاتي، شكرا لمجيئك.
لم تعجبه نبرة صوتي ولم تعجبه طريقة ردي عليه، فثار بوجهي كالعادة.
- لا تكلميني هكذا، أنا زوجك ولي الحق لأقلق عليك، ما هذه الدراسة التي تجلسين فيها خارجا أكثر من مكان الدرس، مجيئك هنا دوما لا داعي له، عودي للمنزل..
_ها؟ أعود للمنزل؟ هل أنت جادّ؟ عذرا لا أنت ولا غيرك يلقون أوامرهم في وجهي كما تفعل، أنا حرة ولا أفعل شيئا أخجل به، لهذا يمكنك الذهاب وعندما أقرر أنا سأعود للمنزل..
قلت ما قلت دون تفكير، ليثور بوجهي ويسحبني سحبا أمامه، وعاد بي للمنزل، وطول الطريق يسب ويلعن دخولي لتلك الجامعة.
***
مرّ وقت لا بأس به بدأت فترة الإمتحانات، وبدأت رحلة البحث عن دروس نراجع منها، فدروسنا ناقصة لا تحتوي كل المنهاج الذي درسناه، دلفت للمكتبة يومها مع صديقاتي، وبدأنا المراجعة، لم يتبقى إلا أياما على إمتحانات أظن أنني لن أتجاوزها في سلامٍ، كانت المكتبة مكتظة بالطلاب، لم أركز حتى على الدروس الموضوعة أمامي، شعرت بالضجر من تلك الحالة، وفجأة أحسست بيد وضعت فوق ذراعي، صدمت بوجه يوسف المحتقن يناظرني بغضب، أشار لي بالخروج فخرجت دون أن أسبب مشكلة، وقفنا على مقربة من باب المكتبة، ليبدأ هو سيل الشتائم.
- كم مرة عليّ إخبارك أن هاتفك يجب أن يبقى مفتوحاً لماذا تصرين على فعل ما أكره؟ ومن ذلك الذي كنت جالسة معه؟
قلت بإستغراب وبدهشة:
- جالسة معه؟
طاولة المكتبة طويلة وعريضة، ويجلس عليها من يشاء ليست من ممتلكات أبي لأمنعه من الجلوس، لأن خطيبي المبجل يغار عليّ من نسمة الهواء.
كلماتي أشعلت ناره، مدّ يده بإتجاهي، ظننته سيصفعني، إبعتدت قليلا بوجهي من أمامه، زلّت قدمي، ووقعت من الدرج، وكسرت ذراعي..
أشهدت عليه البعض أنه من دفعني عنوة لأسقط، كان الخبر على أهلي كالصاعقة، لم يصدقوا ما حدث، لام أخوتي يوسف على تصرفه الطائش، وإستغليت أنا الفرصة لأنفذ بجلدي، وأعيش حريتي بطريقتي، لا أريد لأحد أن يقيدني من اليوم وصاعدا.
يوسف الذي ظننته ملاك وتعويضا من الله على أيام شقائي لم يكن سوى نسخة طبق الأصل عن حياة سابقة عشتها بمرّها وسأعيش نفس المرارة معه، لا يثق بي ويضغط عليّ ويغار بشكل جنوني، ليست هذه الحياة التي طالما حلمت بها، هاربة من جحيم لأقع في جحيم يضاهيه أو يفوقه مرارةً.
ضاعفة أمي من حدة معاملتها السيئة معي، كانت تعايرني بأبشع الصفات وتدعي عليّ ليلا نهاراً، حرضت إخوتي عليّ، لم تكن تتوانا في حشو قلوبهم ورؤوسهم بهتانا ضدي، وهذا ما نجحت به، كنت أتوجع من كسرِ يدي، وكسر خاطري، أردت القليل من الحرية، أردت أن أتنفس وأعيش حياتي طبيعيا كما يعيشها الناس حولي، لماذا يصرّ قدري البائس على تحطيم حياتي وسلب كل الناس الذين أحبهم.
أصبح إخوتي في صف والدتي، يأتمرون بأوامرها ويظلمون نفسا أنهكها البؤس دون أن يراعوا ظروفي السيئة ولا يدي المجبرة بجبس يلفها ويشد الخناق عليها.
مرّ أسبوع وأنا في البيت ألقيت قراري في وجوههم كالقنبلة، قلت بنبرة حاسمة غير آبهة لما سيحصل معي.
- قررت وإنتهى الأمر، أريد فسخ خطوبتي من يوسف، لا أريد الزواج لا به ولا بغيره.
إنتفضت أمي كالتي تلبسها جن صرخت في وجهي ولم أسلم من كلماتها الجارحة المتهمة بهتانا وظلما.
- والفتي الزنق، بنات الجامعة ياه، علاش تحوسي عالزواج وانت لتم من راجل لراجل، هو لي ميرضاش عليك يا...
تكلمت وتكلمت حتى حسبتها آلة لا تتوقف، أوقفها صوت رضا قائلا بغضب:
- لو فسختي خطوبتك لا تحلمي بالعودة للجامعة مرة أخرى.
هذا ما لم أتوقعه، كيف له أن يحرمني من دراستي من أجل رجلا كان سيودي بحياتي، قلت بنبرة مكابرة، معلنة تمردي على قوانينهم الجبرية:
- قررت وإنتهى الأمر.
رد محمد ببرود:
- إذن إنسي أنك دخلت الجامعة، ستتعفنين في المنزل كالكلبة ولن تخرجي بمفردك بعد الآن ضعي هذا في حساباتك المستقبلية.
أعلنت التمرد وأعلنو الحصار، ويجب أن أفكر في حلٍ سريعٍ يخرجني من هذه الورطة، فقرارات محمد وورضا لا نقاش فيها، وإذا تمسكت برأي لن أكون سوى الخاسرة الوحيدة في اللعبة.
بكيت دموع التماسيح أمامهم، ورجوت عطفهم وغيرت قانون اللعبة ليصبح في صالحي لا في صالح تلك الحية.
قلت بنبرة بريئة وقد تعلمت ذلك من أمي حين تريد لعب دور الأم الحنون معهم:
- لكنه كاد يودي بحياتي، دفعني من الدرج، كيف ستأمنون على أختكم مع رجل عنيف مثله، ماذا لو كرر نفس ما فعل وأنا زوجته، هل ستسكتون على ظلم أختكم وأنتم في الحياة؟
زفر محمد في ضيق وقال بنبرة هادئة محاولة إقناعي.
- تناقشنا بالأمر وشرح لي كيف حدث الأمر، قال أنه لم يلمسك أصلا، كنت قريبة من الدرج وزلت قدمك، وهذا كل ما في الأمر، هل تريدين تلبيس الرجل قضية بهتانا، حرام عليك.
وافقه رضا ما قال، وتحول غضبهم المزعوم مني إلى سياسة إقناع كل واحد منهم يحاول إقناعي بالعودة له ومسامحته.
بعدما وجدتني خاسرة لا أمل لي في إقناعهم، كما أن إمتحاناتي لم يتبقى عليها الكثير، رضخت لهم، مصبرة نفسي أنني سأفكر في طريقة أخرى لأتخلص منه بموافقتهم، كل شيئا إلا دراستي حاليا.
قطعت كل خيط يربطني بيوسف، عدت للدراسة بعدما نزعت الجبس قبل وقته، غيرت رقم هاتفي، وإعتكفت في المنزل أحاول حفظ دروسي، مرت أسوء الأيام عليّ، ضغطُ رهيب من كل الجهات، إستطعت تجاوزه بفضل الله، قررت بعد أن إنتهينا من إمتحانات السداسي الأول أن أتعافي من مرضي وشعوري الدائم بالنقص، بحثت عن طبيب نفسي، وكم كانت سعادتي لا توصف وأنا أحجز مكاني عند طبيبة إكتشفت بعدها كم هي رائعة وحنونة.
بدأت رحلة العلاج دون أن أخبر أحداً حتى الأقربون، كنت أسرد كل ما مرّرت به على مسامع تلك الطبيبة الرائعة، كنت أدخل إليها مثقلة بالأوجاع والكلام الذي طالما حزّ في قلبي وأردت البوح به لأقرب المقربين، غير أنني كنت جبانة ماذا عساي أقول؟ هل أخبر الناس أن معاملة أمي لي سيئة؟ مهما تحدثت سأتلقى اللوم على بلادة عقلي، كيف لأم أن تكره إبنتها، الوحيدة التي صدقتني ولم تلمني، طبيبتي، وكم كانت راقية في تعاملها مع مشكلتي، صدقا أحسن مافعلته في حياتي زيارتها.
___________

أمي تكرهني.  (وانا ايضا) حيث تعيش القصص. اكتشف الآن