" الجندي المجهول كالفاصلة (،) بجملة ما ، من دونه قد ينشب سوء فهم للجملة "
و كأن رياح الأيام تجري بما لا تشتهي سفينة الحياة ، تعاكسها فنغرق نحن في لجج متلاطمة و في اتجاه آخر تخطف البابنا عن وجهتنا ، و تجاهد في إثباط عزائمنا نحو المرام .موت جدي كان تلك الريح و لكنها لطمت صدغي تناجيني أن هناك لذلك البيت بقية فالريح تجري كما تجري سفينتنا ...
مازالت ذكراه و ذكرى لقياه الأخير تلاحق جل تركيز لدي و لكن جدي كان للفكرة خير من يحمل حتى أنها روحه قد صارت ، و الأفكار تخلد لا تموت ،و روح جدي في كل ذرة من جوارحي حية تمكن ،كما هي فكرته.
اقص اليوم عليكم اخر فصلٍ من فصول تلك القصة الغاسقة .
لكل حرب جندي مجهول ، و ذلك المجهول كان خطيبي ... الذي اندثر مع لجج الايام و لم يُرى.في جملة حياتي المبهمة و التي هي قتاد في جوف العادون القاتلون للكتب كان هو الفاصلة ، في انتظاره كنت ... على امل أن يغدو لتلك العبارة المجهولة ماهية أو معنى.
في كل يوم عيناي تبقى مشدوهتان ، مصلبتان نحو باب بيتنا العتيق ،انتظره يطرق الباب بطرقته الفريدة ، اتخيله يدلف من الباب بحزمة كتبه كالأبله ، يكاد يقع في انتشاء و تيه ، فتتنضح عيناي دمعا ، و تريني العبرات براثن خيالي العميق ... هو فقط لم يعد..
خرج من منزله صباح اليوم الفارق ، ذلك المشئوم .. كعادته كان يحمل الكتب على رصغيه من اجلي كنا سنطالعهم معا ، عيان قالوا إن بعض الجنود اقتادوه لمكان ما و لم يسمح لأحد أن يعرف طريقه .
اعرف انه بخير و اعلم انه ذلك المجهول الذي يقتل جنود الطاغي كل يوم أمام منزلنا ، و لم أجهل يوما أن تلك الرسائل و تلك الكلمات التي احتوتها اوراق الرسائل و أن ذلك الخط ، و كل شئ هو له .
هو الشخص الأخير الذي انتظرته ، لم يعد لي سواه ، و لم يبقى لي كتب غير كتبه .
★★★★★
عزيزي القارئ ، يسعدني اخبرك انك بلقياك لذلك الكتاب قد تكون صاحب السر الوحيد بيننا ، "عبق" اليوم توجه لك لسلام و تستأمنك على كل ورقة من ذلك الورقي ، و كل كلمة عليك أن تعرفها انها كعبرة تنضحت من عيناك ، فهي غالية .
اليوم دلفت من باب بيتنا ، طفقت احدق بتلك الجثة الملقاة على وجهها إيذائي ، هل تظنها جندي مثل الذي يقتلهم عزيزي المجهول ؟!
ماذا لو اخبرتك أنه نفس المجهول ، نفس وجهه البرئ ، عيناه كما هي بنية غامضة ، أنفه كبير مثلما كان لكنه كسر كغصن في ايكة شائكة ، شفتاه مثخنة بجراح تنضخت بدماء طاهرة ، كل شئ كان كما هو إلا انفاسه ، تخلت عنه و انثنت راحلة ، مسلمة إليه انعتاقه الابدي .
وجوم فقط ، و رضوخ مع بعض السأم ، لقد مللت و قضي الأمر ، لا كتب و لا أحباء و لا حتى جملة بكلماتها تواسيني ، دماؤنا أضحت قانية سارحة خارج عروقنا نحو الأرض تتطهرها .
عزمت الذهاب الى القلعة ، سأسير الى هناك ، فلربما يقبل الظالم بالحوار ، سأناجيه ، و قد اتمكن من اقتلاع حقوقي التائهة في كل شذرة من طغيانه ، إن لم يكن مرامي محقق ، فعندها صرت شهيدة الكلمة و إن كان "فأي نقطة أخرى تراها في ذلك الكتاب بين يديك ، تكون نقطة نهاية قصتي ، و لن تجدها إلا إذا قُدر لي الحياة في حرية ،حينها تكون الكتابة مكافأة لا عقاب "
غابت الفاصلة غارقة في لجج الدماء القانية ، و اضمرت نقطة البداية ، و الفكرة مندثرة تحت التراب ، و الجملة راضخة ، تخطو خطاها الوثيرة نحو النهاية ....حافظ على كتابي فهو امانتي الأخيرة و هو الأخير من نوعه .
عبق.
-يتبع بالخاتمة-
أنت تقرأ
الكتاب الأخير
Short Story" أنت ورقة ، فلا تدعهم يلوثوك بحبرهم " [مكتملة] #هدف_سامي #قصة_نظيفة