تشرق شمس الصباح لتعلن بداية يوم جديد، ويستقر ضؤها الخافت علي ذلك المنزل الصغير الذي طبع عليه الزمان اثره، ليزعج ذلك الشاب النائم في سلام، شاب يبدو في العشرينات من عمره، ذو بشرة قمحية وشعر اسود وجسد قوي البنية ينم عن مزاولته لحرفة صعبة.
ليستيقظ بملل من ذلك الضوء الذي يأبى تركه في سلام، ليزداد انزعاجه فور سماع طرقات والدته علي الباب وهي تقول بصوت ضعيف كعادتها:"استيقظ رونالد، هل علىّ ان اوقظك يوميا هكذا"
قان من فراشه و عدله ، نظر من تلك النافذة الصغيرة واخذ نفسا عميقا محاولا تعديل مزاجه، خرج من غرفته ليشتم رائحة فطور والدته الشهىّ، على الرغم من انه يأكله كل يوم، إلا انه لا يمل منه.
سمع صوت شقيقته اليسيا تقول فى مزاح:"واخيرا استيقظ الامير الوسيم لقد قاربت الساعة العاشرة واميرنا استيقظ لتوه" نظر لها ببرود و تجاهلها تماما ليجلس على طاولة الطعام، جلست اليسيا بجواره بغضب من تجاهله لها وهو استمتع بإغضابها.
تناول طعامه ثم ذهب لورشة الحدادة خاصته، او لنقول الخاصة بوالده المتوفي منذ سنوات، ولم يلبث ان اقترب منها حتي سمع صوت مرتفع لبعض الناس، وسمع صوت صديقه جوني يحاول تهدئتهم، وعندما وصل نظر له جوني بغيظ ثم قال للناس امامه:"ها قد جاء رونالد "
نظر الناس ناحيته في سخط ليرد على نظراتهم قائلا:" إن أغراضكم جاهزة خذوها واذهبوا، ولا تفسدوا ما تبقى من يومي".
بعد انصراف الناس، قال له جوني:" الن تكف عن التأخر عن العمل؟ ،لم علىّ ان اتحمل غضبهم كل صباح بسبب تأخرك!"
ليرد رونالد ضاحكا:" اولا لأنك صديقى وعليك تحملي، ثانيا هم عليهم انتظاري؛ فحداد بارع مثلي يستحق الانتظار" لم يكد ينهي جملته حتى سمعا صوتا من خلفهما يقول:" ولهذا السبب انت أنسب شخص لتنفيذ طلبي"
التفت له رونالد ليقول بتفاجؤ:" ومن انت لتقتحم ورشتي وتقاطع حديثي مع صديقي؟"،
ليرد الرجل قائلا:" انا رجل سمع عن مهارتك في الحدادة، وقيل لي انك تستطيع صنع السيوف بدقة ومهارة فائقتين، لهذا، انظر لهذا السيف جيدا" وناوله السيف فنظر له رونالد لبرهة أُعجب بجماله وحدة نصله ،والعلامة المحفورة عند نصله،وذلك الحجر الكريم في اوسط العلامة زاد السيف فتونا،لقد كان يبدو كسيف للملوك ،ثم اعاد نظره للرجل ليكمل، فتابع:
" اريدك ان تصنع لي واحدا مثله تماما، ولك ما تريد"، اطرق رونالد قليلا يفكر فى شئ ما، ثم قال:"ومتي تريده؟ انا لن أنهيه قبل ثلاثة اسابيع او اكثر ببضع ايام؛ علىّ اولا ان احضر ذلك الحجر من سفح جبل روثان فهو لا يوجد إلا هناك"،
رد الرجل قائلا:" خذ ما تحتاجه من الوقت، وسوف آتي بعد ثلاثة اسابيع ومعي مبلغ فخم يليق بحداد ماهر"
رحل الرجل وترك له جزءً من المبلغ والسيف ليصنع مثله، تناول جوني السيف وقال بانبهار وعينيه تتفحصان كل انش منه:" انه متقن الصنع ،من يعقل قد صنع مثل هذه التحفة! "
ليرد رونالد:" وصديقكك سوف يصنع مثل تلك التحفة، والان هلا تهتم بالورشة الي حين عودتي؟ سوف احرص علي العودة في موعد الغداء"
ليقول له جوني:" ستذهب الي ذلك المكان كالعادة، ما المميز بتلك الغابة بحق السماء"
ليرد رونالد :"انه هواؤها الذي يسحرني كما أنني أشتاق للسيدة جوناثان كثيرًا "
وصل رونالد علي مشارف الغابة، اخذ النفس العميق الذي اعتاد ان يأخذه قبل بدء شئ. توغل في الغابة وتوقف عندما وصل لمنتصفها تقريبا، وتحديدا امام كوخ بسيط جدا، ويكاد يبدو للناظرين مهجورا ،نظر مع ابتسامة له وطرق الباب منتظرا ردا.
مرت بضع دقائق قبل ان يقول ذلك الصوت الأنثوي العجوز من خلف الباب:" أهذا انت عزيزي رونالد؟" ليقول هو بملل من بطئها في فتح الباب:
" ومن يزورك غيري سيدة جوناثن! اسرعي بفتح الباب فلن ابقي اليوم بطوله"، فتحت السيدة جوناثن الباب وسرعان ما اخذت بأذنه مدخلة إياه المنزل وهي تقول في عتاب:
" اتقول لي اني بطيئة! انا لم اطلب منك ان تزورني يوميا، انت من وعدني بذلك ،لذا عليك تحمل بطئي هذا دون تذمر"، رد عليها رونالد بألم من قبضتها:"حسنا حسنا أيتها العجوز القوية اتركي اذني التي لن اسمع بها بعد اليوم"، تركته السيدة ليباشر عمله وهو ترتيب البيت واحضار الطعام والحطب للنار، بعد أن انتهى من عمله خرج ليجد السيدة جوناثان جالسة على مقعد امام المنزل وتحيك شيئا ما، وعندما أحست به بجوارها افسحت له مجالا ليجلس، قال لها وعيناه محدقا ببعض الاشجار امامه:
" لقد نمت هذه الاشجار بسرعة كبيرة، من يصدق انني من زرعها قبل سنوات"
ردت عليه وقد حولت نظرها لما ينظر اليه:"نعم هي كذلك، وانت ايضا كبرت بسرعة، معلمك كان ليكون فخورا بك"
ابتسم ابتسامة خفيفة ثم قال:" لن استطيع ان ازورك لمدة بضعة أيام، لقد طلب مني احدهم ان اصنع له شيئا وسوف انطلق غدا لسفح جبل روثان لاحضر بعض الاغراض، وقال انه سيعطيني ما اريد، ربما سيكون المال كافيا لاحضار الدواء لمرض والدتي فقد بدأ يتفاقم، اعتني بنفسك في هذه المدة"
تركت السيدة ما كانت تفعله ونظرت له نظرة فارغة لم يفهمها رونالد، ثم قالت:"اتمني لك رحلة موفقة، وكن حذرا، هلا تأتي الي قبل ذهابك غدا؟" اومأ لها رونالد موافقا لا يعلم ما تريده، بقي رونالد لفترة بجوارها ثم استأذنها للرحيل، نظرت له وهو يبتعد شيئا فشيئا بعينان يمتزج فيهما الحزن والخوف معا وكأنها تعلم شيئا ومنعت نفسها من اخبار رونالد به، وقالت في نفسها:' ربما هذه هي البداية التي كتبها لك القدر لتتغير حياتك، اتمني ان تكون بخير دائما'
--------------------------------------
في مكان آخر وتحديدا من داخل القصر الملكي، وقف الوزير امام الملك قائلا بأدب بعد ان حياه قائلا:" لقد وجدت ابن ذلك الحداد الذي صنع السيف، وربما يستطيع صنع سيف مثله مولاي، انه افضل حداد بالمنطقة"
قال الملك :" اتمني ان يكون ابنه ماهرا مثل والده، فهو سيكون سيف ولي العهد والوريث الشرعي لهذه المملكة، يجب ان يكون مميزا"
رد الوزير قائلا:" ولكن مولاي لما رفضت ان يصنعه احد حدادي القصر؟ انهم ماهرون جدا"
رد الملك قائلا :"وحده والده من كان يستطيع صنعه وليس غيره، ولكن بعد موته انتقلت عائلته ولم اعلم الي اين، وبعد ان تأكدت من عودتهم لمنزلهم القديم هنا ارسلتك له ليصنع مثله، فلابد وأن والده علمه أسرار صنعته، وإن اتقن الصنع سوف يصبح الحداد الملكي كما كان والده."أومئ الوزير إدوارد بتفهم ثم أذِن له الملك للرحيل وهو يفكر كيف سيكون شكل رونالد، هو يعرف جيدًا من يكون ويعرف أيضًا أنه يوجد بالقصر من يستطيع صنع ذلك السيف، تلك فقط كانت مجرد حجة ليضع بها سببًا منطقيًا أمام وزيره لاختياره هو بالتحديد وإحضاره للقصر.
____________________
أنت تقرأ
Ronald || رونالد
Ficción históricaماذا لو أن حياتك التي تعيشها ليست حياتك الحقيقية؟ ماذا لو أن الأشخاص الذين عرفتهم طوال حياتك ليسوا الذين من المفترض أن تعرفهم أو تتعامل معهم؟ ماذا لو أن كل ما عرفته طوال حياتك ليس صحيحاً؟ ماذا لو اكتشفت فجأة أن لك أصول ملكية؟