الفصل الأول

14.3K 203 3
                                    

(( الفصل الأول ))
قد يختلف الناس على طرق الحب أو أسبابه أو حتى أنواعه ولكنهم يتفقون
جميعا أن الحب ضروري لحياتهم وأنه بدون الحب لن يكون هناك
معنى للحياة ..
ومن أقوى أنواع الحب .. الحب بين الأخوة
فهو حب فطري يزرع بداخل الإنسان ولا دخل له باختلاف الشخصيات
أو الطباع .. فهمها اختلفت طباع الأخوة يجمعهم الحب ويوحدهم .
كانت تنظر إليها بحب وحنان وهي تفكر .. رغم أنها الصغرى إلا أنها
تشعر دائما أنها تكبر شقيقتها بسنوات ..
ربما لأن شقيقتها رومانسية كثيرا ولا تكاد تستخدم عقلها إلا فيما ندر ..
تظل تبحث عن الحب ويوقعها حظها بطريق الكثير من الأوغاد ..
ولكنها دائما موجودة للدفاع عنها وإعادتها للطريق الصحيح ..
فبالرغم من نشأتهما بين أب سكير وأم خائنة إلا أنهما نشأتا مختلفتان
عن كليهما .. فقد اتفقتا معا على عدة قوانين لحياتهما لا تخالفانها مهما
حدث وساعدهما وجود جدتهما لأمهما التي أخذت على عاتقها تنشأتهما
وغرز القيم التي نشأت عليها بالكنيسة علها تنجح معهما فيما فشلت فيه مع
ابنتها الجاحدة ..
وكان أول شيء غرزته بهما المواظبة على الذهاب معها للكنيسة
وتلك هي العادة التي لم تقطعاها حتى بعد وفاة جدتهما منذ عدة سنوات ..
التفتت لتجد شقيقتها تنظر إليها بنظرتها التي تجعلها تشعر بالأمان لتبادلها
الابتسام وهي تتجه إليها لتطبع على وجنتها قبلة رقيقة وهي تهتف :
" لماذا تنظرين إليّ هكذا ؟؟"
" كلما أنظر إليك أتذكر والدتنا .. فقد ورثت جمالها الفاتن وانطلاقها
العفوى"
أكملت لها شقيقتها :
"لذا تخشين أن أتورط مع رجل يشبه أبي أليس كذلك ؟
فتحيطيني برعايتك وتخبريني بكلمات مبطنة أن أحترس وألتزم باتفاقنا"
" لا تغضبي آن .. فأنا فقط ......."
قاطعتها بحب وهي تضمها :
"لا أستطيع الغضب منك ميا .. فأنا أتفهم خوفك جيدا.. أريدك فقط
أن تثقي بي "
تنهدت ميا وهي تخبرها :
" أنا أثق بك آن ولكني لا أثق بالعالم خارجا ..
وأنتِ رومانسية وتبحثين عن شيء لم يعد له وجود "
" ماذا ؟؟"
هتفت بها آنيت بدهشة عارمة لتتابع ميا :
" نعم آن لا وجود للحب سوى في الروايات الرومانسية التي تمتلئ بها غرفتك"
" تلك الروايات كنا نقرأها معا ميا هل تذكرين ؟!"
قالتها آنيت بنبرة يشوبها بعض اللوم والشفقة على حال شقيقتها التي
أغلقت قلبها بعد تجربة واحدة فاشلة في الحب ..
أغمضت عينيها وهي تهتف :
" ولكنها ليست واقعية آن فلا وجود لفارس الأحلام الذي سيخر
صريع هواك منذ النظرة الأولى ويصرخ معلنا حبك الذي لا يموت ..
كل ذلك وهم فقط"
" لا ميا ليس وهما .. الحب لا زال موجودا ويوما ما سنجد نصفنا الآخر
كما كنا نحلم دائما .. نصفك الحقيقي وليس هذا الوغد .. مايكل الذي لم 
أكن أطيقه ولم أستسغه قط"
لم تستطع أن تخبر ميا أنه كان ينظر إليها بطريقة تثير الغثيان بنفسها
لم تستطع أن تحطم ثقتها بنفسها أكثر مما هي محطمة بسبب ذلك الوغد
" حسنا لا تبالين بي هيا إلى موعدك حتى لا تتأخرين"
" ألم تغيري رأيك بالقدوم معي ؟؟"
"لا حبيبتي فلدي عدة أشياء أريد إنهائها بعطلة الأسبوع .. هيا اذهبي
وتمتعي بوقتك "
قبلتها مرة أخرى وهي تودعها وتخبرها أنها لن تتأخر ..
تابعتها ميا بنظرها حتى أغلقت باب المنزل لتنهار على الأريكة وهي
تسترجع ذكرياتها مع مايكل الذي طعنها بقسوة ..
                       -----------
" ألم توافق على الخروج هذه المرة أيضا ؟؟"
"لا لم توافق"
أومأ برأسه وهو يزفر بحنق من تلك العنيدة التي تسجن نفسها طواعية
من أجل شخص لا يستحقها أبدا ..
نظرت له آن بشفقة فهي تعلم مدى حبه لشقيقتها ومحاولته دائما للتقرب
منها .. تلك المحاولات التي لم تلق قبولا لدى ميا بعد تجربتها مع ذلك
الخائن الذي دمر ثقتها بالرجال والحب معا ..
"امنحها مزيدا من الوقت كريس فهي لم تتخط بعد ما مرت به مع ذلك
الوغد مايكل"
"لها كل الوقت الذي تحتاجه آن ولكن هل ستشعر بي في النهاية ؟؟
هل ستكون لي أم ستظل تراني صديقا مقربا لا أكثر ؟!"
"لا أعلم حقا كريس .. ف ميا بعد تلك التجربة أصبحت متباعدة ولا  تتحدث سوى بمرارة تؤلم قلبي ولم أستطع حتى وقتنا هذا أن أغير رأيها
أو أخرجها من الحزن الذي تعيش به"
"أنا أفهمها جيدا آن .. أفهم ما تمر به من عدم ثقة بنفسها وبالناس خاصة
الرجال منهم .. أنا فقط أريد فرصة واحدة أثبت لها إنني لست كغيري
وأنني أحبها حقا وليست مجرد علاقة عابرة بالنسبة إليّ"
"الوقت ياعزيزي يشفي كل الجروح فاصبر وتقرب منها لعلك تستطيع
إخراجها من تلك الحالة التي أدخلت نفسها بها عنوة بعد ما حدث"
انتهى حديثها مع كريس بوصولهما إلى المكان الذي سيقابلان فيه
أصدقائهما .. سبقته إلى الداخل تبحث بعينيها عن أصدقائها لتشاهدهم
يلوحون لها من بعيد فتبتسم وهي تتوجه إليهم غير مبالية بالنظرات التي
تتابعها بنهم ,وفضول ,و....... انبهار
                     ..............
قابلته بإحدى الحفلات التي يقيمها أصدقاؤها وشقيقتها ..
لفت نظرها لأنه كان يرافق جينا .. تلك المغرورة التي تمقتها ...
عرفهما أحد الأصدقاء واندهشت عندما لاحظت عفويته وخفة دمه والتي
كانت بعيدة كل البعد عن جينا المغرورة التي تنظر إليهم من عليائها
ولا تكاد توجه كلمة واحدة لأحد منهم ..
تساءلت كيف يمتلك شخصية مرحة ومنطلقة هكذا ويكون صديقا لتلك
المتكبرة التي تضع نفسها بمكان اسمى من باقي البشر ؟!
ولابد أن تساؤلها ظهر بعينيها فقد ابتسم لها ابتسامة جذابة وهو يخبرها
أن والده يكون شريكا لوالد جينا في العمل لذا نشأت بينهما صداقة بالتبعية
أمضى قسما كبيرا من الأمسية معها حتى أنه اثار استياء جينا منه ..
فكيف بمايكل ابن أثرى أثرياء واشنطن أن تلفت نظره امرأة عاملة غير
جذابة من عاملة الشعب مثل ميا ؟!
وما إن لاحظ استياء جينا حتى اعتذر ل ميا وعاد إليها ولكن ليس قبل أن
يدون رقم الهاتف الخاص بميا ويعدها بالاتصال ..
وغادرت هي الحفل وهي على يقين أنه لن يتذكرها بعد تلك الأمسية
هي ترى نفسها امرأة عادية ليس بها شيء مميز .. فهي لم ترث ملامح
أمها الفاتنة مثل شقيقتها .. ولا قوامها الذي يغوي قديسا ..
ولا شقرة شعرها الطويل والتي تلفت أنظار الرجال إليها ..
فقط شعر كستنائي شديد النعومة والقصر تتخلله بعض الخصل الذهبية ..
شديدة النحافة من يراها يظن أنه سوء تغذية .. طويلة القامة ..
وعيون خضراء شبيهة بعيون القطط وبشرة عاجية تعتبرها أجمل ما فيها
وانشغلت بالعمل كعادتها حتى أنها نسيته تماما حتى ظهر أمام مقر عملها
بإحدى المرات يدعوها لتناول العشاء معه ..
ميا الفتاة البسيطة المتزمتة التي لم يسبق لها الدخول بعلاقة تجد ثري
وسيم كمايكل يرغب بمواعدتها فماذا سيكون رد فعلها ؟؟
لم تستطع أن ترفض أمام كلماته الرقيقة التي خلبت لبها ..
أخبرها أنه لم يستطع نسيانها منذ تلك الليلة التي قابلها بها ولكنه سافر
بمهمة خاصة بالعمل ولم يعد منها سوى اليوم السابق ..
وما إن انتهى من عمله اليوم حتى حضر إليها يريد الخروج معها ..
وافقت على الفور وهي تشعر بالبهجة لتتوالى اللقاءات ما بين عشاء
وغداء أو نزهة على الأقدام وبمرور الوقت أحكم سيطرته على قلبها
البريئ الذي لم يسبق له الوقوع في الحب ..
كلمات الغزل التي أغرقها بها كانت تشعرها بالسعادة وبأنها وجدت الحب
الذي قرأت عنه كثيرا في الروايات التي كانت تقتنيها وشقيقتها ..
الحب الذي طالما بحثت عنه ولكنها لم تجده قط قبل التعرف إلى مايكل ..
ورغم اعتراضات آنيت على علاقتها بمايكل وأنه ليس الشخص المناسب
لها إلا أنها انجرفت بمشاعرها معه كمراهقة غرة ..
شيئا واحدا تمسكت به بعلاقتهما ولم يستطع مايكل رغم كل محاولاته
وتوسلاته أن يجعلها تتزحزح عن رأيها قيد أنملة ..
حتى كان الخلاف الأخير بينهما
"أنتِ لا تحبينني ميا"
هتف بها مايكل بحدة غاضبا من تمسكها برأيها رغم كل محاولاته معها
طوال الأيام الماضية ..
امتلأت عيناها بالدموع وهي تنظر إليه تتوسله أن يفهم ..
"لا أستطيع مايكل .. صدقني لا أستطيع أن أفعل ذلك "
أشاح بوجهه عنها غاضبا لتقترب منه تمسك بيده وهي تهتف :
"حاول أن تفهمنى مايكل .. لن أستطيع أن اخلف وعدي لآنيت ..
ليس قبل أن ...."
عضت على شفتيها تمنع الكلمات أن تخرج .. ودموعها تسيل على
وجنتيها بحزن وقلبها يؤلمها ..
كيف تفهمه أنها لن تستطيع أن تسلمه نفسها قبل الزواج ؟؟
وهو الذي لم يأت على ذكر الزواج أبدا ..
كيف تستطيع أن تفهمه أنها لا زالت .........
قاطعت دموعها كلماته التي طعنتها كالخناجر ..
"وهل تعتقدين أن آنيت تتمسك بذلك الوعد الساذج مثلك ؟؟
إن آنيت ياعزيزتي ميا تستمتع بحياتها مع أصدقائها وليست مثلك تعيش
كناسكة وكأنها ما زالت مراهقة عذراء لم تمارس الحب قبلا .."
وأكمل بداخله بقهر .. ليتني صادقتها هي ولم أصادق تلك العجوز الدميمة
المملة ولكنها لم تعطنِ أكثر من نظرة عابرة وليست كهذه الساذجة البلهاء
التى تتمسك بي كالغراء ..
زفر بملل قبلة خفيفة على الوجنتين هو كل ما حصل عليه منذ ستة أشهر
كلما حاول الاقتراب أكثر وجد منها الممانعة والصد وذلك يقهره ..
فهو لم تقف أمامه امرأة من قبل فكيف بساذجة مثلها !!
لم تستطع أن تستمع له أكثر من ذلك .. كيف طاوعه قلبه أن ينطق بمثل
تلك الكلمات؟؟
هل يظنها وشقيقتها لعوبا تهوى ممارسة الحب مع أي كان ؟؟
كانت تعتقد أنه عرفها جيدا وعرف سبب ممانعتها كلما اقترب منها
لكن يبدو أنه لا يهمه سوى ذلك الجانب من العلاقة فقط  ..
هل صادقها فقط من أجل ذلك ؟؟ أم أنه لا يحسن التعبير ؟!
تركها بألمها وغادر دون أن يلتفت إليها ولو لمرة واحدة ..
تركها بجراحها وتفكيرها يتراوح بين إرضائه والتمسك بمبادئها ..
ظلت أسبوعا كاملا تحاول الوصول إليه ومحادثته دون جدوى ..
لا يجيب على هاتفه .. وإذا سألت عليه بالعمل يخبرونها أنه مشغول أو
مسافر .. وهي تكاد تجزم أنه يتهرب منها ومازال غاضبا عليها ..
وبعد تفكير حدثت نفسها أنه لديه الحق ليغضب منها ..
فهو يحبها وهي تحبه فماذا تريد أكثر ؟؟
كانت تريد أن تتوج قصة حبهما بالزواج قبل أن تمنحه الحق في الحصول
عليها ولكن .....
حسنا الزواج خطوة كبيرة بالنسبة إليهما كما أن المشاكل التي يواجهها
مايكل بسبب معارضته والده في الزواج من جينا جعلت موضوع زواجهما
شيئا بعيدا في الوقت الحالي ..
لذا وبعد تفكير عميق .. قررت أن تمنحه نفسها لتثبت له أنه حبيبها وأنها
تثق به وليس كما يتهمها أنها تستمع لشقيقتها التي لا تحبه ..
هيأت نفسها حتى أنها ابتاعت ثوبا جديدا رغم ميزانيتها المحدودة ..
وعزمت على الذهاب له بيوم ميلاده حتى تفاجئه وتسعده ...
ستكون هي هدية ميلاده وستحتفل معه على طريقتها ..
ابتسمت بخجل عندما وصل تفكيرها لتلك النقطة..
سيسعد كثيرا بهذه المفاجأة غير المتوقعة بالتأكيد..
تأنقت من أجل مفاجأته وتناولت مفتاح شقته الذي تركه لها في غمرة
غضبه وذهبت لشقته التي لم تطأها قدمها من قبل ..
قلبها يقرع بقوة وهي تتخيل رد فعله ..
فتحت بهدوء ودلفت للداخل لتشعر أنها ليست بمفردها في الشقة ..
ابتسمت بخجل وهي تتساءل هل هو نائما ؟؟
وهل ستدخل إليه بالغرفة ؟؟
خطوات قليلة مترددة ووصلت إلى غرفة النوم والتي لم تكن مغلقة
تماما..
تسمرت أمام باب الغرفة وهي تنظر إلى المشهد الذي حطم قلبها لأشلاء ..
مايكل على الفراش وبين أحضانه جينا يتبادلان الغرام دون أن يشعرا
بمن تقف أمامها محطمة تناظر كل أحلامها تتحطم بقسوة ..

أغمضت عينيها بقوة وهي تحاول أن توقف سيل الذكريات المريرة
مرت عدة أشهر على ذلك الموقف ولازالت تشعر بمرارة الذكرى ..
لم تستطع إخبار آن بما حدث .. كل ما أخبرتها به أنه يخونها وفقط ..
لم تستطع حتى الآن أن تتقبل ما حدث ..
هل كانت ساذجة لتلك الدرجة ؟؟
كان يخونها مع جينا طوال الوقت الذي يتشدق فيه بحبها ..
لم تكن مجرد صديقة كما أخبرها ذات يوم ..
كان مستمرا بعلاقته مع جينا وهو يصر عليها أن تبادله الحب بل وتنتقل
إلى شقته للسكن معه ..
شعرت برأسها يكاد ينفجر من التفكير فخطرت لها فكرة مجنونة ..
لم لا تخرج لتستمتع بوقتها ولو مرة واحدة بحياتها ؟؟
ولكنها لن تخرج ك ميا الساذجة  بل كأخرى مختلفة عنها تماما ..
أخرى لا تحمل همّا ولا تقيم وزنا لمبادئ ولا وعود ..
من حقها أن تكون مجنونة ومتهورة ولو مرة واحدة بحياتها ..
وستكون .......

نوفيلا حين عشقت بقلمي حنين أحمد (مكتملة) حيث تعيش القصص. اكتشف الآن