البارت ٢

2.3K 103 5
                                    


اندفعت لغرفتها تدخل بسرعة لتقفل الباب وتقف مستندةً عليه تبكي  الم جسدها من الضرب المبرح الذي نالته من (الخالة نهاد) قبل قليل لذلك الموقف الذي لم تنصفها فيه بل وقفت مع ابنتها المعتدية ككل مرة ،
نزلت من وقفتها  تجلس جلسة القرفصاء واضعة رأسها بين ركبتيها تأن وتبكي من غدر الزمن الذي اضناها ولم يسعدها مرة ....
تحوّل بكاؤها الى شهقات متتالية والألم ما زال قابعاً بكل ركن من اركان جسدها النحيل ، الموقف هذا ذكرّها بأول يوم اتت به الى بيت خالها ،
كان لمنظر والدتها بالمستشفى وعلى سرير الموت تلفظ انفاسها الاخيرة غصةً بقلبها لن تنساها .. توصيها بعدة امور لان ورد لم يكن لها غير أمها في حياتها  ..
(حبيبتي ورد.. وردة عمري الفواحة سامحيني يا فلذة كبدي .. سأتركك وحيدةً بدنيا ليس لك فيها احد .. تيقني يا ورد اني كافحت و جاهدت كي تتربي ببيئة نظيفة خالية من القذارة التي تحيطك
...سعيت ان تكوني فتاةً يشهد لها الجميع بحُسن اخلاقها واتزان تصرفاتها..  ، اني اعترف عند ولادتكِ   بكيتُ الماً عندما عرفتُ جنس مولودي هي انثى ، لم يكن لي الحق ان بكي وارفض نعمةً من ربي ، لكن الحياة القاسية و عذابها هو ما اجبرني على البكاء ، انا تهت بين دهاليز اخي المعتمة و زوجي الاكثر عتمة منه ، جاهدت كي احوّط نفسي بهالة الخوف من الحرام وان لا اتقرب منه، لم ارد ان تكون ابنتي تعيسةً مثلي و حالها كحالي مظلم ، مأساوي  ..) تأوهت ام ورد من الالم و تقطع نفسها ثم  اصبح ثقيلاً شيئاً فشيئاً
ازدادت نظرات الخوف الذي غزى عيني ورد المتلئلئة بالدموع ، ارتجفت اطرافها و برودةً سرت بجسدها هي كانت تعلم ان مرض والدتها نهايته الموت حتماً و مهما بكت لن يرجعها لها وكما وصتها والدتها بألا  تحزن .. لكن لم يكن بيدها حيلة رؤيتها هكذا تذهب مودعةً اياها بكلام يفتت الصخر و ترى روحها بدأت تغادر  جسدها شيئاً فشيئاً وعلامات الموت بدأت تأخذ محلّها بذلك الوجه الشاحب الذي يتوسل الموت  ان يتباطىء حتى تخزن الاخرى  من صورها قوتاً لايام حياتها و أُنساً من نبرات صوتها ،
احتضنت (ورد ) كف والدتها البارد اكثر وشهقاتها قد علت اكثر لم تسعها الارض..  احست بضيق المكان لم يكن بيدها غير ان تجري في المستشفى وتنادي بصوت عالي ( ارجوكم امي ... امي تموت .. ) وجدت اخيرا  الممرضة التي كانت مسؤلة عن امها ..
قالت الممرضة بنبرة عطوفة ( ورد ..عزيزتي .. ماذا هناك )
لم تجبها ورد سحبتها وهما يهرولان لغرفة ام ورد ..
كان قد تأخر الوقت فالنائمة على سريرها قد اصبحت جسداً بلا روح ، لن تفدها المساعدة ابداً

باردة .. فاقعة العينين ، تلمست ورد وجنتيها  مصدومة ، حدقتيها ترتجف و دموعها تنسكب انهارا لم تحرك رمشاً ..
( امي .. ) هزتها بعنف علّ الموت يرجع  ما سرق منها و يعتذر ..
كتمت شهقة كادت تفر من حنجرتها وهي ترى جسد امها الصريع على السرير مغطى بفرشة بيضاء والممرضة تسحبه لتغطي وجهها الشاحب معلنةً وفاة الانسانه الوحيدة التي كانت كل ناسها  فهي    الصديقة ..والاخت.. والام وحتى الاب الذي تنصل من مسؤليته اتجاهها واتجاه امها    .. اخذت الدموع تنهال من عينيها و برودةً تسري باطرافها و جسدها يرتجف ..
تقربت منها الممرضة التي شهدت شهور معاناة والدتها ..مربتةً على كتفيها مواسيةً لها ..
(كوني قوية يا ورد ،والدتك تعذبت كثيراً بمرضها والان سترتاح) .
زاد نحيبها وهي تقول من بين دموعها  .. (من لي غيرها .. امي ..) جرت بسرعة للسرير محتضنة جسد امها الخاوي من الحياة .. تشهق بعبراتٍ ممتزجة بكلام ٍ يقطّع نياط القلب ( من غيرك سيمشط شعري .. من غيرك سينام معي بسريري حين افزع من كوابيسي .. من غيرك يهدهدني بكف الحنان ... )
وقفت منتصبة شاردة بوجه امها بعد ان تذكرت شيئاً ( اتذكرين يا امي .. انت وعدتني .. نعم لقد وعدتني ..ستكونين معي حين ازف لعريسي .. وسوف تشترين لي احلى الفساتين .. وقلت ايضاً ستملئين البيت بأصوات زغاريدك .)
رجعت لنحيبها وهي تقول ( من سيكون معي بذلك اليوم ...)
جرتها الممرضة برفق من عند السرير قائلةً لها بدموع تجاهد كبحها و مشهد الوداع والعتاب  الذي امامها قطّع نياط قلبها (استغفري الله يا ابنتي .. هذا امر الله لا نستطيع ردّه و لا الاعتراض عليه ) زاد نحيبها وقد رمت برأسها على صدر تلك الممرضة الحنون تبكي بقهر ولوعة حائرة بأمرها و فكرة تشّردها ترعبها .. كان في يدها ورقة صغيرة تحوي رقم ابيها بعد ان ملّتها والدتها اياه قبل ساعات من وفاتها ..
كفكفت دموعها متراجعة الى الوراء قائلة بصوت متقطّع(شكراً لك لن انسى وقفتكِ معنا)
اشاحت بنظرها بعيداً لذلك الجسد المغطى بالملائة البيضاء ..متسائلة بسرّها كيف ستكون حياتي بدونكِ يا امي ؟؟ وانت الوحيدة بها ؟؟
اخرجتها الممرضة من الغرفه بخطى ثقيلة .. ساندةً جسدها المرتجف لتجلسها على اقرب مقعد ..
(حبيبتي ورد  سأذهب لاكمال الاجراءات ..
هل اتصل باحد من اقربائك .. يجب على احد منهم ان يكون معك ..لا يجوز ان تبقي وحدك وانت بهذه الحالة )

انحناءة الوردحيث تعيش القصص. اكتشف الآن