الجمعة 6 اكتوبر .. الساعة العاشرة والنصف صباحاً ..
ما زلت أجاهد عضلاتي المتعبة كي تلين و أستطيع مغادرة السرير .. كل جزء في جسدي يئن الماً .. كل عصب داخلي مشدود ومتشنج ... كأن عجلات شاحنة ضخمة مرت فوقي مراراً وتكراراً ... ألم تكن شاحنة ؟! بلى فزبون ألامس الستيني كان بجسده البدين وحركاته العنيفة أشبه بشاحنة ثقيلة متهالكة الإطارات .. معطوبة الفرامل .. ويتسرب زيتها بلا انقطاع ... ألا لعن الله من اخترع حبوب الفياجرا .. فقد جعلت من النعاج ثيراناُ هائجة تصعب السيطرة عليها ... وجعلتنا نحن كالفوطة التي توضع في دورة مياه عامة .. متعددة الاستخدامات .. ومليئة بالقذارة ...
في السابق كان الزبائن ذوو الاعمار الكبيرة والجيوب المنتفخة سلعة مرغوبة لنا نحن معشر بائعات الهوى .. فهم سريعوا الإرضاء ويسهل التعامل معهم .. وفي بعض الأحيان كانت الجلسة تقتصر على كثير من الكلام .. وقليل من الأفعال .. وعندما أكون مع أي منهم أحس وكأنني طبيب نفسي يتقاضى أجرا باهظاً كي يستمع إلى مشاكل تافهة ليس مطلوباً منه حلها .. عليه فقط أن يستمع بانتباه .. ويبدي التعاطف المطلوب .. أما الآن فقد تساوى الكهول مع الشباب وهم اصعب فئات الزبائن إرضاء .. فهولاء يأتون مشبعين بثقافة الأفلام والمجلات الغربية .. امتلا خيالهم بنظريات صعبة التطبيق .. بعضهم يأتي غريراً وبه مسحة حياء سرعان ما تختفي .. وبعضهم يأتي منتفخاً كالديك الرومي لينهار غروره مع سقوط ملابسي ... ويصبح كالدمية في يدي أحركها كيفما أشاء ...
" ابتسام يا بتي الساعة قربت على حداشر ..مالك الليلة نايمة للوقت دة ؟! قومي الدنيا جمعة " ..
أتاني صوت أمي الحنونة الغافلة عن مهنتي السرية ... فهي شانها شان جميع الأمهات تعتبرني اطهر مخلوق على وجه الأرض ... أمي التي رفضت الزواج بعد وفاة أبي فجأة .. دفنت شبابها الغض في عيون أبناءها الثلاثة احمد الكبير الذي سافر إلي ليبيا منذ سنين وانقطعت أخباره والمساعدة الضئيلة التي كان يرسلها .. أعيانا السؤال عنه .. بلا جدوى .. فقد اختفى ولا ندري برغبته واختياره أم لاسباب قاهرة لا نعلمها .. أنا في الوسط ثم آخر العنقود أمير المدلل الذي تخرج من الجامعة و أدمن الجلوس على ناصية الشارع بعد أن أعياه البحث عن عمل يتناسب مع مؤهله الغريب " فنون جميلة " .. كأنه لم يدرك بان الجمال لم يعد يقطن مدينة الفنون .. وان تخصصه لن يؤهله لوظيفة محترمة تدر دخلاً نعتاش منه .. تذكرت إصراره الحالم على دخول الكلية لصقل موهبة الرسم اعتقاداً منه بأنه سيكون دافنشي عصره .. هدر سنوات من عمره ليجلس في نهايتها عاطلاً على حجر أمام دكان عم ياسين يدخن السجائر التي يبتاعها بعفتي المسلوبة يومياً على فراش الغرباء ..
كل ليلة عندما أعود بحسد منهك وروح ميتة اجلس لادون الأحداث التي مرت بي خلال اليوم .. ولكن قبل أن يخط قلمي حرفاً واحداً في الصفحة الجديدة .. أتلذذ بتعذيب نفسي والعودة إلى صفحات قديمة بتاريخ يعود إلى سنوات مضت ... تاريخ بداية السقوط ...