4_ قفزة في الظلام

6.9K 131 0
                                    


وصل إدي يوم السبت للعشاء كالعادة ، ودخلت جودي إلى المطبخ لتعد الطعام ، تاركة المجال لماغي للتحدث معه في غرفة الجلوس .
ولتقول له ما تشاء عما حدث في هذا الأسبوع ، وأطالت جودي بقاءها في المطبخ قدر ما استطاعت ، ولكن كان عليها أخيرا أن تعلن عن جهوز الطعام .
وجلسوا حول الطاولة الخشبية في المطبخ .. وقال إدي : 
- هذه مفاجأة يا جودي . لقد أخبرتني ماغي بخبر تخليها عن وظيفتها وبأنك ستتابعين عنها .. وهذا أمر غير عادي الحدوث الآن .
لماذا .. الآن ؟ وبدأت ماغي تصب المعكرونة بالجبنة والفطر في صحن إدي .. ماغي دائما قلقة على إدي لأنه يسكن لوحده ولا يحصل على ما يكفي ليأكل . وتبدو عليه بالفعل علامات سوء التغذية وحدقت به جودي عبر الطاولة وانتظرت أن يوضح ما عناه " بالآن " .
ولكن ماغي تكلمت قبله . وكأنها تتوسل :
- أنت تعتقد فعلا أنهافكرة جيدة . أليس كذلك يا ادي ؟ سيعطي هذا فرصة رائعة للتدرب لجودي ، وهي فعلا متحمسة لفكرة أن تصبح سكرتيرة حديثة متفوقة ، أليس كذلك يا حبي ؟
وضحكت جودي وهزت رأسها . من الواضح أن ماغي لا تزال تشعر بالذنب ، ولكنها لم تبلغ إدي ، كما ظنت جودي ، تفاصيل وصولها إلى حافة الإنهيار ، ومعاملة هال دايفدسون القاسية لها . ومال إليها ادي قائلا :
- أعتقد أن هذا أفضل شيء حدث منذ مدة طويلة لنا جميعا . كان عليك أن تتخلي عن وظيفتك يا ماغي ، فأنا لم أعتقد أبدا بأنك ملائمة لأن تكوني سكرتيرة . والآن سوف تصبحين حرة .
- إلى أن أصرف كل مكافأتي . وعندها سأضطر إلى التفتيش عن وظيفة أخرى . ولكنني لا أرغب في التفكير بالموضوع الآن . هيا احكي لنا أخبارك .
وبدا ادي غامضا ، ثم متحفظا ، واخيرا قال إن لديه أخبار هامة بالتأكيد . لقد سمع أنه فاز بمنحة دراسية ، وهذا يعني دراسة وعمل لستة أشهر في نابولي , وأضاءت عينا ماغي بالفخر والسعادة .
- ادي ! هذا رائع .. نابولي ! هذه بداية شيء عظيم لك . كنت أعلم دائما أنك ستحصل على فرصة كهذه .. نابولي !
وبالطبع ، استمر الحديث عن نابولي طوال وقت العشاء ، وأرادت ماغي أن تعرف كافة التفاصيل ، وتعلقت بكلمات ادي وعيناها مفتوحتان على اتساعهما ، وراقبتهما جودي بصمت .. كانا ملائمين تماما لبعضهما ، وسيكون رائعا لو تزوجا .. كانت تتساءل أحيانا إلى أي مدى وصلت علاقتهما ، ولكن ماغي متحفظة كثيرة في الكلام عن علاقة الحب وبالطبع لم تسألها جودي أبدا ، فهي وماغي من جيلين مختلفين ، وآراءهما مختلفة حول عدة أمور . ليس لأن ماغي عنيدة وعقلها ضيق ، ولكن لن هناك هوة بينهما في العمر ، وجودي تدرك هذا .
منتديات ليلاس
وعند انتهاء الطعام ، أخرجتهما من المطبخ قائلة :
- سوف أغسل الصحون ، وبعدها وعدت بالذهاب عند صديقتي اديت ، وقد نذهب إلى السينما .
- حسنا يا حبي .. لا تتأخري.
ودخل ادي وماغي إلى غرفة الجلوس ، وضحكت جودي واقفلت الباب وراءهما .
عند التاسعة والنصف من صباح الاثنين ، رن جرس الهاتف على طاولة جودي . وأتاها صوت السيدة وايت :
- الآنسة هيلدا غراي على الهاتف يا جودي ، تريد السيد دايفدسون هل تتحدثين معها ؟
- هل المكالمة تتعلق بالعمل ؟
- لا أظن !
- حسنا ، أوصليها بي أرجوكِ .. صباح الخير ، سكرتيرة السيد دايفدسون تتكلم . هل أستطيع مساعدتك ؟
- أريد التحدث مع هال . قولي له إنني هيلدا .
- آسفة .. السيد دايفدسون ليس هنا . هل عندك رسالة ما له ؟
- ليس هنا ؟ أين هو ؟
- لا أستطيع أن اقول لك . لقد سافر يوم أمس ، تستطيعين الاتصال بعد عدة أيام .
- لا أصدق كلمة مما تقولينه . إنه هنا ، وأعلم هذا . أنت كاذبة !
وردت عليها جودي بصوت بارد :
- آسفة .. معلوماتك خاطئة آنسة غراي . السيد دايفدسون ليس في المكتب ، ولن يكون هنا قبل بضعة أيام . عمت صباحا.
وأعادت السماعة إلى مكانها . واحدة أخرى .. منهن ، وتبدو هذه أكثر عدائية من المسكينة آن بيور .
وعادت لتقرأ كتيب تعليمات الكومبيوتر . وبعد عشر دقائق عاد الهاتف يرن .
- جودي .. دايفدسون يتكلم .
صوته المفاجئ لم يكن متوقعا ، وخفق قلب جودي بشدة . لا بد أن السيدة وايت أوصلته مباشرة بها دون إعلامها ، فقالت :
- نعم ...
- ارفعي صوتك .. لا أستطيع سماعك .
- نعم سيد دايفدسون .
- هل أنت بخير يا جودي ؟ هل انت مريضـة ؟
- انا بخير تماما . شكرا لك سيد دايفدسون .
- جيد .. كيف تجري الأمور ؟ هل من مخابرات لي ؟
- واحدة فقط هذا الصباح . الآنسة غراي .
وسمعت تنهيدة على الطرف الآخر .
- أوه يا إلهي .. ليس هي ثانية ! ماذا قلت لها ؟
- قلت بأنك مسافر ولا أعلم إلى أين . أو إلى متى .
- فتاة طيبة ، وهذا جيد ، إذا اتصلت ثانية قولي لها إنني اتصلت بك وإنني سافرت الى سيبريا أو الى صحراء كالاهاري .
ولم تستطع جودي أن تمنع ضحكة .
- لا أظن أنها ستصدقني . فقد قالت إنني كاذبة.
- لا تهتمي يا عزيزتي .. هذا كله في سبيل قضية جيدة . والآن إلى العمل ، هل اتصلت باربرا ؟
وغاص قلب جودي .. باربرا ؟ أليست فتاة أخرى !
- لا لم التقي بمن تدعى باربرا .. وماذا سأقول لها ؟
- ماذا ستقولين لها ؟ أوه .. فهمت .. لا يا جودي استنتاجك خاطئ هذه المرة . باربرا جوردن ستأتي من مكتبي في لندن لتدربك على الكومبيوتر . وستكون معك في أي لحظة من الآن . إنها ساحرة في الكومبيوتر . . فتاة رائعة .. افعلي ما تقول لك وسوف تتعلمين في وقت قصير . 
- أجل سيد دايفدسون .
- هل عندك ما تسأليني عنه ؟
- لا سيد دايفدسون .
- جيد ، وداعا .
- وداعا سيد ...
ولكنه كان قد أقفل الخط ، وتأملت بالسماعة في يدها ، ثم أعادتها ببطء إلى مكانها .
ووصلت باربرا جوردن بعد ساعة . ودخلت إلى المكتب حاملة معها جو لندن وحيوية العمل فيها .
- مرحبا .. أنت جودي أليس كذلك ؟ لقد أخبرني هال كل شيء عنكِ .
وضحكت بطريقة جعلت جودي تتساءل عما أخبرها به هال ، ولكن ابتسامتها كانت ودودة . وأحست جودي بالراحة وهي ترد على ابتسامتها ، وتفحصت باربرا المكتب بنظرة شاملة ، بطاولاته القديمة وخزائن الملفات،وسقفه المتشقق ، وقالـت : 
- هل هال يعمل هنا ؟ لا أصدق ، إنه كشيء خارج من ...
- قصص التاريخ ؟ هذا ما يقوله . وسوف يعيد بناءه ، كما علمت .
- آه .. هكذا إذا .. السيد هال دايفدسون رجل يقود نفسه نحو القرن الواحد والعشرين ، وماذا عنك ، هل تعودتي على طريقة عمله ؟
- أجل .. وأنا أرغب جدا أن أتعلم كل ما هو حديث .
وضحكت باربرا وهي تخلع سترتها وتضعها بعناية فوق التعليقة القديمة ؟
- هذا أمر مفيد لك ! حسنا، عليك أن تتعلمي بسرعة إذا . فأنا أكره تعليم الفتيات اللواتي يقاومن التدريب .
- وهل التعليم صعب ؟
- بل بسيط جدا ، هيا بنا .. لنبدأ .
ولم يكن الأمر سهلا بالضبط . ولكنه كان مثيرا . وبعد ساعتين وعدة فناجين قهوة ، استقامت جودي في كرسيها وأطلقت تنهيدة كبيرة .
- هذا أكثر مما أستطيع استيعابه في جلسة واحدة . ما رأيك بالغداء يا باربرا ؟
- فكرة رائعة ! أنا أنزل في فندق " ديننغتون " فلنذهب إلى هناك على حسابي ، فلدي حساب خاص للمصاريف.
ونظرت إليها جودي بإعجاب ، كيف تشعر يا ترى لحصولها على وظيفة عالية وحساب مصاريف خاص ، وتسافر في سيارة الشركة وتتمكن من شراء أفخر الثياب ؟ هل تتمكن هي يا ترى أن تصل إلى هذه الدرجة ؟
وبقيت باربرا هناك يومين ، نما خلالهما شعور من الصداقة بين الفتاتين . مع أنهما لم تتبادلا أخبارهما الشخصية . وأشارت باربرا فقط أنها متزوجة من رجل في البحرية . وأنها تقضي معظم وقتها لوحدها ، لكنها لا تشعر بالضجر أبدا ، بحصولها على مثل هذه الوظيفة الهامة .
وتكلمت جودي عن أملها في أن تصبح شقيقتها ماغي يوما ما فنانة . ولكنها لم تذكر لها بأنها كانت تعمل في الشركة طوال سنين . وبعد نهاية أربع جلسات دراسية عبرت باربرا عن رضاها لتقدم جودي ، وقالت لها عندما كانت تودعها في سيارتها:منتديات ليلاس
- لقد كنت أنوي أن أخصص لك جلستين بعد ، ولكن هذا مضيعة للوقت لك ولي . لقد تعلمتي بسرعة وعليك الآن أن تتدربي وتتدربي ثم بعد أسبوعين نعود للدراسة مرة أخرى . كنت أعتقد دائما أن التدريب يستغرق شهرا أو ستة أسابيع ، ولكنك ذكية يا جودي وأرى أنك لست بحاجة لهذه المدة . ولديك الكتيب لتعودي إليه . وإذا تعذر عليك شيء اتصي بي للمساعدة في أي وقت . وإذا لم أكن في المكتب سترد عليك فتاة أخرى . وبالطبع سيكون السيد دايفدسون الرائع هنا لتسأليه . فليس هناك شيء لا يعرفه حول كل أنواع الكومبيتر .
فردت عليها جودي بسرعة :
- أوه .. لن أرغب في طلب المساعدة منه ، فسيكون هذا اعترافا بالفشل .
وأدركت فجأة كم ترغب في التأثير على هال دايفدسون بتقدمها عندما يعود ، ونظرت اليها باربرا وسألتها :
- منذ متى وأنت تعملين لهال دايفدسون ؟
- مدة قصيرة فقط .
وهزت باربرا رأسها ببطء:
- سيمضي وقت طويل قبل أن تتعودي عليه . إنه يتوقع الكثير .
- أوه نعم . لقد لاحظت هذا ، لديه عقل رائع .
- ليس عقله هو الرائع فقط ، صح يا جودي ، أتوقع أن تتعلمي هذا خلال عملك معه . أنت صغيرة جدا وجميلة جدا . وهال خطر على أية فتاة ، لذا حاذري في خطواتك معه ، وداعا يا جودي . لطيف أن أتعرف عليك ، وآمل ن نرى بعضنا ثانية .
وتحركت بسيارتها عبر الباحة رافعة يدها بالتحية ، وصعدت جودي ببطء السلم الخشبي نحو المكتب ، كل شيء كان يحذرها حتى تعتبر هال دايفدسون كربّ عملها فقط ، رجل يستطيع مساعدتها لتصل إلى مستقبل عملي ناجح ، وأن لا تسمح لنفسها بالتفكير به بطريقة أخرى بعد أن توصلت إلى هذه النتيجة ، عادت إلى الكومبيوتر ، الذي كان لا يزال يعمل ، وبدا لها وكأنه صديق قديم الآن . ولكن شعور ما أوحى لها وكأن الضوئين الأحمرين على اللوحة هما اشارات بالخطر .
خلال الأيام التي تلت ، عملت جودي ضد الوقت ، مصممة أن تصبح خبيرة بهذا الكومبيوتر قبل عودة هال . كان يتصل بها كل يوم ، ولكن لم يكن لديها شيء تبلغه اياه . وكل الرسائل الموجودة ممكن أن تنتظر عودته ليتعامل معها بنفسه ، السيدة وايت ودان كانا يتوليان أمر الطلبات والمبيعات ، ولم يك قد قال كم سيغيب ولم تسأله . وبدا غير مهتم ، وتوقعت أن يكون العمل في لندن قد استحوذ على كل طاقته .
يوم الجمعة حضر ديك بور غلي الى المكتب . 
- مرحبا يا جودي ، ألم يعد الريس بعد ؟
وابتسمت له جودي ، ولأنها كانت تشعر بالوحدة ، كانت البسمة مرحة ومرحبة أكثر بقليل مما قصدت ، فملأت الابتسامة وجه ديك .
- هاي .. أعتقد أنك فعلا مسرورة بمشاهدتي !
- بالطبع . كيف تجري أعمالك ؟
- بشكل جيد تماما ، كما آمل . سوف أجعل رأس رئيسك يدور من روعة أفكاري ، متى سيعود ؟
- لم أعرف بعد .. لكن ليس هذا الأسبوع كما هو ظاهر .
- حسنا لا تدعي هذا يحزنك . لديك هنا بديل يرغب بك . ما رأيك بالخروج معي للغداء ؟
وترددت جودي ونظرت إلى الساعة :
- لم يحن وقتي بعد . وهناك بضعة رسائل عليّ طباعتها . ربما في يوم آخر يا ديك ..
- أستطيع الانتظار .. تعالي .. ليس هناك أية روابط بيننا ، وأنت تعلمين هذا .
- أوكي ديك .. عشر دقائق إذا .
وعادت إلى الكومبيوتر . واستدار ديك حول الطاولة .
- ماذا سأقول ! لديكم إحدى هذه الآلات المتطورة ، أليس كذلك ؟ هل استطيع أن أنظر إليه ، أم أنه يعض ؟
- أحيانا .
- أنت رائعة تماما يا جودي . متى تعلمتي العمل عليه ؟
- هذا الأسبوع فقط ، كنت أتلقى دروسا .
وسمعت صوت نفسه السريع ، كان يميل من فوق كتفها ووجهاهما متقاربان جدا ، وقال بصوت مرتجف :
- لا تنظري إليّ هكذا يا جودي أو...
- أو ماذا ؟ إذا كنت تفكر بإغواء سكرتيرتي يا بورغلي ، فالأفضل أن تنسى الأمر .
ووقف ديك ، وقد احمر وجهه عندما دخل هال دايفدسون المكتب ، وكأنه الرعد ، وأجفلت جودي تماما .
وقال ديك بسرعة وأدب :
- أؤكد لك سيد دايفدسون ، أن إغواء الفتيات الجميلات ليس من عادتي . أنا فقط معجب بمهارتها على هذه الآلة الجديدة ، فهي تبدو خبيرة جدا في استخدامها .
- أنت معجب بأكثر من مهارتها . أستطيع تصور هذا . على كل ، توقف عن هذا .
وتقوم نحو طاولته دون أن ينظر إلى جودي . كما لو انها جزء من أثاث المكتب ، وشعرت بالغثيان في داخلها . كانت تخطط لأن يصل هال ويجد كل شيء على ما يرام ، ولكن الأمر انقلب إلى الأسوأ .. وتبع ديك هال ، والتقط خرائطه.
- لقد أتيت على أمل أن أراك سيد دايفدسون . لدي خطتان بديلتان هنا جاهزتان بانتظار الموافقة .
ووضع الخرائط على الطاولة ونظر إليها هال بعدم اهتمام .
- أوكي .. اتركها معي .
وأزاحها إلى جانب ، والتقط البريد المشار إليه بكلمة " شخصي " والذي لم تتعامل جودي معه . ووقف ديك حيث هو مترددا ، ونظر إلى جودي ، التي تجاهلت نظرته ، ولم يلتفت إليه هال حتى أنهى قراءة الرسائل ، ثمنظر إلى جودي . 
- هيا يا جودي ، سوف نخرج لتناول الغداء . هناك أشياء أود أن ابحثها معك .
والتفت ديت عندها قائلا :
- عمت صباحا يا سيد دايفدسون ، أتوقع أن أسمع رايك قريبا .
ورفع هال رأسه ، وكأنه لم يشاهد ديك من قبل ، ثم تمتم :
- أوه .. اجل .. ربما...
وهز ديك كتفيه وقد بدا عليه الغضب وغادر المكتب .
وأحست جودي بالغضب أيضا . حقا إنها لا تحتمل الطريقة التي يعامل هذا الرجل هال ديفدسون الناس الذين يعملون معه بها . وبدأت متعمدة ، بإقفال الكومبيوتر ببطء ، بعد أن أخرجت الاسطوانات منه ووضعتها بعناية في مغلفاتها .
- هيا .. بسرعة!
ولكنها لم ترد ، فقد تعلمت بأنها قد تتلف الاسطوانات لو تعاملت معها بعدم عناية ، وأعادت الاسطوانات إلى مكانها في الصندوق ، وأغلقته وأطفأت الآلة ، وعندها فقط انضمت إليه في الناحية الأخرى منه المكتب .
- لقد تأخرتي .
فابتسمت له ببرود ، متجاهلة قسوته ، وقالت :
- انا جاهزة الآن .
وتناولا الغداء في مطعم " ديننغتون " على نفس الطاولة . ولم تكن جودي تشعر بشهية للأكل .
- حساء فقط وبعض الخبز ، أرجوك . 
وأخذ هال صينية وعاد بها الى طاولتهما وعليها الحساء وصحن مليء باللحم والسلطة لنفسه . وقال باختصار :
- لم أتوقف لتناول الإفطار في طريقي إلى هنا .
وأفرغ نص صحنه قبل أن يقول :منتديات ليلاس
- والآن جودي . أخبريني بما كان يجري أثناء غيابي . ولا أريد سماع أي شيء عما دار بينك وبين ديك المهندس .
وسيطرت على غضبها وقال ببرود:
- لم يكن بيننا أي شيء . لقد أحضر خرائط جديدة وهذا كل شيء ، قبل دقائق من وصولك .
- هه . . لقد ظننتي أنني أتجسس عليك ، أليس كذلك ؟
- ألم تكن ؟
- لا تكوني طفولية يا جودي ، لست أهتم بما بينك وبينه طالما لا تضيعين وقت المكتب . ولمعلوماتك لقد اشتريت حذاء بكعب مطاط . وهكذا لن تعرفي بعد اليوم عندما أكون قادما .. أليس كذلك ؟
وابتسمت جودي بالرغم منها . بإمكانه أن يظهرها كالغبية دون جهد كبير . وتغير التعبير على وجهه وعاد إلى أمور العمل.
- حسنا ما هو تقريرك ؟ كيف سارت الأمور مع باربرا ؟ لقد التقيت بها لوقت قصير عندما عادت وقالت إنك كنت سريعة في التعلم . هل تمتعتي بالتدريب ؟
- أوه .. أجل .. كثيرا . باربرا كانت رائعة ، كما قلت تماما ، وصبورة كثيرا معي . لقد بدأت أشعر بالألفة مع الكومبيوتر . وسيكون مضجرا جدا العودة إلى الطراز القديم من الطابعات .
- هذه هي جودي التي تعجبني .. هل تعلمين أن عيناك يتغير لونهما عندما تكونين متحمسة . إنهما تلمعان كالماس الأزرق . وهذه ظاهرة مثيرة للاهتمام ، لم أراها من قبل.
- حقا ؟
ولخيبتها لم يتابع الحديث عن الموضوع .
- أنا مسرور لأنك أصبحت خبيرة بالكومبيوتر ، وهذا مفيد جدا . وماذا عن العمل اليومي ؟ هل هناك شيء غير عادي ؟
- لا أعتقد فالسيدة وايت كانت مشغولة بالكتب ودان مهتم بالمخزن .
وطبعت بعض الرسائل . وهناك اتصالات هاتفية ، ولكن ليس بينها ما هو طارئ . وكتبت لك ملاحظات لتتعامل معها .
- إتصالات بخصوص العمل ؟
- حسنا .. معظمها .
- أخبريني عن التي ليس لها علاقة بالعمل .
- تلك الآنسة ، غراي ، التي استمرت بالاتصال . ولم تصدق بأنك لست في المكتب ، وكان عليّ أن أكون حازمة معها .
- وهذا ما احببت سماعه .
- بإمكاني دائما أن أكون حازمة لو أردت . وتعاملت مع الآنسة بيرو لصالحك أيضا .
- آن ؟ وهل ظهرت ثانية ؟ كنت أخشى هذا . فهي على عكس هيلدا التي عندها وظيفة تشغلها . فوقت آن ملكها ، وأموال أبيها تجعلها فتاة مدللة وفاسدة . ماذا كانت تريد ؟
- إنها تريدك بالطبع . ولكن عندما أبلغتها بأنك مسافر ..
- نعم ؟
- حاولت أن تعرف .. إذا .. أنت وأنا كنا...
- أوه يا عزيزتي . أخشى بأنني وضعتك في موقف حرج يا جودي أرجوكِ اقبلي اعتذاري القلبي ، أنا آسف جدا .
- لا أعتقد بأنك آسف ، ولا يمكن أن أتصور بأنك متواضع .
- أنت مخطئة يا جودي ، قد أكون متواضعا جدا عندما أكون أطلب شيئا ما .
وحاولت أن تتجاهل خفقان قلبها لما قاله .
- أود أن أوضح لك سيد دايفدسون ، قبل أن أتابع العمل معك . لقد وضعتني بالفعل في موقف حرج عندما دخلت الآنسة بيور إلى المكتب ، وكنت .. كنت..
- نعم ! تابعي ..
- كنت تعانقني ..
واصبح لونها أحمر من الارتباك والاحراج ، فمال إلى الخلف في كرسيه يتفحص وجهها .
- هكذا فعلت إذا . وكنت مسرورا ، فأنتِ مرغوبة للعناق يا جودي ليندساي ، وأنا متأكد تماما أن هذا قيل لك عدة مرات من قبل .
ونسيت أنه رئيسها وأنها موظفة تقبض راتبها منه فصرخت به. 
- اخرس ! واسمع ما سأقوله لك . فأنا أظن بأنني أعرف الآن لماذا وظفتني .. أحد هذه الأسباب التي لم تخبرني بها عندما سألتك أظن أنك تريد أن تعطي انطباعا بأننا .. بأننا على علاقة مع بعضنا ، وأظن أنك تريدني أن أكون نوعا .. نوعا من السياج يبعد عنك صديقاتك عندما يصبحن متطلبات زيادة عن اللزوم ، أو يرفضن كلمة " لا " منك !
وساد صمت طويل ، مزقت خلاله قطعة الخبز أمامها ، وأبقت نظرها على صحنها .. وأخيرا قال :
- إذا هذا ما توصل إليه عقلك الذكي الصغير ، اليس كذلك ؟
- أجل...
والتقت بنظراته متحدية . لقد بدأت التحدي وستتابعه حتى النهاية .
- لا حاجة لأن تكون ساخرا .. انا أظن بأنك تستغلني ، وأنا لا اوافق على هذا الاستغلال . لقد كنت مستعدة للعمل مكان ماغي لأن الأمر يناسبني ، ولكنني لست مستعدة للبقاء والعمل سكرتيرة لك إذا كان هذا يعني أن يظن الناس أنني .. أنني عشيقتك .. الأمر الذي أفضل أن أموت قبل أن يحدث .
- كلامك متماسك ومختصر ، مع أن المنطق مهتز قليلا ، ألا تظنين هذا ؟
فشهقت ، وهي اقرب للدموع:
- أوه .. أنت .. أنت .
وحدق بها للحظات ، ثم مال على الطاولة وغطى يديها بيديه ، وتمتم :
- أيتها المسكينة الصغيرة ، جودي ، عيب أن أداعبك بإزعاج . فأنت لا زلتِ صغيرة ، ولكنك تقفزين إلى الطعم بشكل لذيذ ، وأعترف أن الفتاة التي يحمر وجهها خجلا في هذه الأيام نادرة الوجود . ولنعد لاتهامك لي ،الذي أنكره تماما . فأنا لم أستخدمك لأبعد عن نفسي الصديقات المتطلبات جدا من النساء ، فعادة أستطيع أن أقوم بهذا العمل بنفسي دون مساعدة. 
ونظرت إليه, إلى الخطوط القاسية المتغطرسة تقريبا ، في وجهه ، ولاحظت النغمة المتعجرفة في صوته ، وظنت أن بإمكانها التصديق . وتابع قوله :
- أنا حقا آسف لأن تلك الحادثة الصغيرة مع آن أزعجتك . فعندما عانقتك كنت أتصرف باندفاع ، وهذا أمر نادرا ما أفعله .. والسبب بصراحة أنني أردت إنقاذ نفسي .. وإنقاذك من الفضيحة التي كنت أعلم بأنها ستحدث ولم يكن لدي وقت للتصرف معها ، وأمامي موعد قطاري للسفر إلى لندن . وهذا كل ما في الأمر .
ولكن هذا لم يكن كل شيء . فجودي تتذكر أن أول عناق تبعه آخر ولم تكن آن حاضرة لتشهده ، ولذا فإن توضيحه لم يكن متماسكا ، وتابع كلامه بلطف:
- هاك .. ها قد اعتذرت .. هل أنتِ راضية ؟
- أعتقد هذا .
منتديات ليلاس
- جيد .. ولكن لمجرد إرضاء فضولي قولي لي كيف تدبرت أمر آن ؟ 
وسنحت لها الآن فرصة تسجيل نقطة عليه فقالت ببرود :
- لقد أقنعتها بأنك لا تستحق بأن يتحطم قلبها لأجلك . ونصحتها أن تفعل ما يقال عندما يضيّع المرء كلبه . . إذهبي وجدي لنفسك واحدا آخرا بأسرع وقت ممكن .
وتراجع رأسه إلى الخلف بقوة ، وكأنما تلقى ضربة على فكه ، ثم انفجر بالضحك .
- أوه يا جودي .. أنتِ رائعة ّ ماذا سأفعل من دونك ؟
وابتسمت على مضض ، ثم تغير كل شيء ، وانفجرا معا بالضحك .
وعندما تركها ليحضر القهوة راقبته وهو يقطع القاعة ، بين الطاولات ، نحو طاولة الخدمات ، وبدأت مخاوفها وشكوكها تتلاشى ، إنه يبدو رئيسا رائعا ، واستطاعت ان تتخيل العمل معه مستقبلا بشكل حميم ، كما يجب أن تكون السكرتيرة الشخصية ، تتفهمه ، وتتسامح معه ، لا أن تغضب عندما يكون متوترا ، تدافع عنه أمام الثقلاء من الناس الذين يحاولون التعدي على وقته ومشاغله .
وتراجعت عن هذا الحلم الوردي عندما وضع فنجان القهوة امامها على الطاولة وقال :
- والآن دعيني أشرح ما في ذهني عن المستقبل القريب . سوف اقبل أحد مشاريع بورغلي الشاب لإعادة البناء هنا . وأطلب منه أن يبدأ فورا.
وبما أنه لن يكون لي مكتب إلى أن ينتهي من أعماله ، فسوف أنقل كل ما هو أساسي .. الملفات وما شابه .. إلى مكتب السيدة وايت .. وأتخلص من ما تبقى من الأثاث القديم . وأعتقد أن الأمر سيستغرق حوالي الشهر ،وفي هذه الأثناء سأعود إلى لندن .
وتنفست بصعوب ، وشعرت بأن معدتها تقلصت وكأنها هبطت فجأة في مصعد سريع . وفاجأها شعور خيبة الأمل . ألن تراه لمدة شهر !وكان يراقب وجهها عن كثب ، وقال:
- بالطبع . أريدك أن تأتي معي إلى لندن .
فشهقت ، مقطوعة الأنفاس ، وكررت بغباء :
- آتي معك إلى لندن ؟ معك ..؟
فابتسم وقال:
- لا تجعلي الأمر يبدو وكأنه اقتراح امبراطوري ، سأطلب منك خدمات سكرتيرة فقط ، على الرغم من وساوسك ، أعتقد أن هذه مفاجأة لك يا جودي . فأنت صغيرة جدا ، وهذه أول وظيفة لك ، ولكن كما قلت لك مرة ، أعتقد أنك فتاة منفتحة على العالم الحديث ، والعالم الحديث مليء بالتحديات . المرأة التي كانت تعمل كسكرتيرة خاصة لي في لندن ستترك العمل بعد أسبوعين بسبب توقعها طفلا ، وسأحتاج إلى بديل ، ومما رأيته من عملك ، وسمعته عن طريقة استيعابك للمعلومات عن التقنيات الحديثة ، أعتقد بأنك ستنجحين معي تماما.
- ولكن .. ولكن لندن .. لا أعرفها أبدا ، وليس عندي مكان أسكن فيه .
- لقد تدبرت الأمر ، باربرا جوردن ستعطيك غرفة في شقتها في الوقت الحاضر . فزوجها بعيد في الخدمة في الشرق الأقصى ، وأعتقد بأنها ستكون سعيدة برفقتك .
- لا أعلم .. هل أستطيع أن أفكر بالأمر ؟
- إذا أردتِ هذا ، وأخبريني بقرارك غدا .. هل أنتِ جاهزة الآن ؟ سنبدأ بعملية النقل .
ومضى بعد الظهر بنشاط متسارع . وحضر ديك بورغلي بعد طلبه على الهاتف وقد بدا عليه القلق . وبعد لقاء قصير قبل هال أحد مشاريعه وقال:
- ابدأ به في الحال .. هل قلت إننا لن نحتاج إلى رخصة ترميم ؟ وهل عمالك مستعدون ؟ هذا جيد ، سأترك المشروع كله بين يديك إذا ، وسأعتمد عليك . وسأكون في لندن أثناء العمل وسأتصل بك باستمرار لإعطائي تقريرا عن سير العمل . هل هذا كله واضح ؟
وقال ديك وهو ينظر باتجاه جودي ، التي كانت تضع الملفات فوق طاولتها :
- ستكون في لندن ؟
فابتسم هال وقال :
- أجل .. وسكرتيرتي ستأتي معي .
وحملت جودي كومة الملفات إلى مكتب السيدة وايت ، وساعدتها في ترتيبها على الرفوف . وعندما عادت إلى المكتب كان ديك قد ذهب وهال منكب على ما أمامه على الطاولة ، وقال لها دون أن ينظر إليها :
- هذا كل شيء لهذا اليوم يا جودي ، اذهبي إلى منزلك .
كانت ماغي منحنية فوق الطباخ تنظر إلى شيء ما في طنجرة ، عندما فتحت جودي الباب ، فاستدارت وابتسمت :
- مرحبا حبيبتي ، كيف جرت الأمور ؟
- بشكل رهيب ، لقد وصل السيد دايفدسون اليوم دون توقع . وبعد ذلك أصبح المكان في ثورة . سوف يغير معالم المكتب ويجعله عصريا. وبما أنه قرر بدء الترميم ، سوف يعود إلى لندن .
وأزاحت ماغي الطنجرة عن النار ، وأقبلت نحو جودي قائلة :
- إذا ستتوقف وظيفتك ؟ مسكينة يا جودي ، لقد بدأتِ تستمتعين بعملك ، أليس كذلك ؟
- يريدني أن أذهب معه إلى لندن ، فسكرتيرته هناك ستترك عملها ويبدو أنه واثق بأنني سأذهب معه . حتى أنه دبّر لي مكان أسكن فيه مع باربرا جوردن ، الفتاة التي دربتني ، في الوقت الحاضر .
- ولكن هل تريدين أن تذهبي ؟
- حسنا أعتقد هذا . وأعتقد بأنها ستكون تجربة مفيدة . فلندن قلب الأعمال في البلاد وهي المكان المناسب لسكرتيرة شابة طموحة ! ولكنني لن أتركك هنا لوحدك يا ماغي وذهاب ادي إلى نابولي اصبح مؤكدا . وهذاقرار نهائي.
ولاحظت أن كتفا ماغي يهتزان من الضحك ثم قالت بعد قليل وهي تمسح عيونها من دموع الضحك .
- نحن زوج من المغفلين .. ها أنت .. تفكرين بترك فرصة رائعة للذهاب إلى لندن بسببي .. وها أنا قد تخليت عن فرصة العمل بالسفر إلى نابولي لأنني لا أستطيع التفكير بتركك لوحدك هنا .. أوه يا جودي ، ياحبيبتي ، كلانا غبيتان.
- نابولي .. انت ؟
- أجل .. ادي يريدني أن أذهب معه . وأستطيع استخدام مال تعويض الخدمة في السفر ، وممكن أن أعمل هناك في تدريس الانجليزية أو اي شيء . حتى غسل الصحون في المطاعم . سأعمل أي شيء كي أسافر إلى نابولي .. إنه .. إنه يريد ان نتزوج فيما بعد يا جودي .. ولكن ...
وأحاطت جودي عنق ماغي بذراعيها وحضنتها بقوة:
- هذا أروع شيء حدث لنا ! ولا أستطيع تمني أفضل من هذا . ادي شاب عظيم وأنا واثقة بأنك ستكونين سعيدة معه ، أوه ماغي يا حبي . لنضع الخطط على الفور . وعندما نتعشى يجب أن تذهبي لرؤية ادي وتقولي له " نعم " 
- ولكن ...
ووضعت جودي يدها على فم ماغي .
- دون ولكن .. فهذا ما يجب أن يحدث .
- وستذهبين إلى لندن ؟ وهل سيعجبك هذا ؟ هل أنتِ واثقة ؟
- نعم .. سأذهب إلى لندن . وسيعجبني هذا ، أنا واثقة .
ولكن عندما خرجت ماغي في طريقها لرؤية ادي لتبلغه الخبر .
جلست جودي ترتشف آخر ما تبقى من قهوة في فنجانها وحاولت تهدئة أعصابها المتوترة . فهذه فرصتها لتصبح فتاة لندنية مثل باربرا ، الفتاة العصرية بالكامل ، ولن تستطيع التخلي عن التحدي الآن . ولكن .. هل سيعجبها الأمر ؟ إنها ليست واثقة من هذا تماما . في الواقع ، تذكّر الطريقة التي راقبتها بها عينا هال دايفدسون ، جعلتها تشعر بأنها لن تكون واثقة من شيء ، واقل شيء ، هو ما قد خطّطه لها ، تلك النظرة أخافتها وأثارتها . فهي ستقفز قفزة رهيبة نحو الظلام ، واخذت معدتها تتقلص ، وهي تفكر بالمستقبل.

نهاية الفصل

من بعدك لا احد _كارول رومحيث تعيش القصص. اكتشف الآن