8_ أحبيني ... فأنا أحبك!

8.7K 237 13
                                    

الشعور بالغربة هو تقريبا أسوأ شعور على الإطلاق . في اليوم التالي استيقظت جودي ، وارتدت ثيابها ، ثم حضرت الإفطار . طوال الوقت كانت تشعر أن شخصا آخر يفعل ما تفعل وأنها تتفرج على ما يجري .
ومضى بها الوقت . نظفت المنزل ورتبته ، ثم غسلت الملابس التي كانت معها وأخيرا حضرت إبريقا من القهوة وجلست إلى طاولة المطبخ محاولة التفكير بما ستفعله وبعد فترة أخرجت دفتر التوفير في البنك وبدأت تدون بعض الحسابات وأخرجت جواز السفر الذي طلب منها هال تحضيره فور بدئها العمل معه قائلا : " لن تدري متى ستحتاجين إليه . فأنا أسافر إلى الخارج كثيرا وأريدأن أصطحبك معي " حسنا ستحتاجه الآن ولكن ليس للسفر معه .. بل للهرب منه . ستسافر إلى نابولي إلى ماغي . إلى تلك المدينة الساحرة التي وصفتها لها . وهناك سوف تتمكن من نسيان هال دايفدسون ، وكل ما حدث لها خلال الأسابيع الماضية منذ أن وقفت أول مرة أمام طاولة مكتبه ، وأحست بتاثير هاتين العينين الغريبتين اللتان استطاعتا أن تثيرا بها مشاعر لم تشعر بها من قبل ، إنه رجل خطر على النساء ، ولكن مع الوقت ستنساه . ولكن مشاعرها لم تبدِ أية موافقة ، كانت تتوق إلى لمسته ، إلى رنة صوته ، حتى ولو كان يصيح في وجهها ، وارتجفت فجأة ، أجل .. يجب عليها أن تبتعد ، وستفهم ماغي ، وربما تدبر لها عملا وأخذت تخطط لما ستفعله ، وعندما أنهت شرب قهوتها ، خرجت نحو البلدة ، ودخلت مكتب سفريات.
وقالت لها الفتاة الموظفة هناك من خلف الطاولة رافعة رأسها نحو السقف :
- نابولي ؟ آه .. هذا جميل جدا ! إنها رومانسية حقا .. لقد ذهبنا إلى هناك في العام الماضي ، خلال جولة سياحية في إيطاليا ، أنا وصديقي ، ألا يقول المثل " شاهد نابولي ثم مت " و هل تريدين أسعار جولة كاملة ، أم مجرد أجرة السفر إلى هناك؟
- أسأل فقط عن أجرة السفر بمفردي ، أرجوكِ .
وأسقط في يدها عندما سمعت المبلغ .
- شكراً لك .. علي أن أدرس الوضع .
وبدأت تدرس الموضوع وهي جالسة على مقعد في الحديقة ، قرب مكتب دايفدسون ، حيث جلست أول يوم قابلت فيه هال . منذ أسابيع فقط ، ولكنه يبدو وكأنه دخل حياتها منذ الأبد . ودفعته خارج أفكارها ثم عادت للنظر في دفتر التوفير ، لديها ما يكفيها لدفع أجرة السفر والبقاء هناك الأسبوع ، أو لأسبوعين .. هذا إذا ، وهنا الأمر المزعج .. إذا لم تضطر إلى إعادة أي قسم من مرتبها الذي حصلت عليه سلفا من هال . وبعد فترة وقفت على مضض ثم سارت نحو مكتب دايفدسون . وفي المخزن استقبلها دان بحرارة من فوق رؤوس عدة زبائن ، ثم دخلت إلى المكتب الخلفي ، حيث نظرت إليها السيدة وايت بعبوس تحول إلى ابتسامة عريضة بعد أن تعرفت على جودي :
- حسنا حسنا .. وماذا تفعلين هنا يا جودي ؟ كنت أظنك مشغولة في مكتب السيد دايفدسون في لندن ..
منتديات ليلاس
- كنت .. ولكن الأمر لم ينجح .. إنها قصة طويلة يا سيدة وايت ولكن .. لقد تركت العمل بالأمس .
ونظرت إليها السيدة وايت بفضول:
- الأمر مفاجئ قليلا .. أليس كذلك ؟
- أجل .. أخشى أن يكون هكذا .. لقد تركت العمل هكذا .
- لقد حدثت أمور .. جعلت من المستحيل بقائي هناك ليوم آخر . لقد أتيت أطلب نصيحة منكِ . أنا لا زلت مسجلة في سجلات الموظفين هنا ، أليس كذلك ؟ أعني أن أجري يدفع من هنا . وأعتقد أن عليّ دفع أجر شهر الإنذار الذي لم أعطيه . اليس كذلك ؟
- حسنا .. هذا يتوقف بالطبع على سبب تركك العمل فجأة . يجب أن أتشاور مع السيد دايفدسون بالأمر .
- أوه .. أرجوك لا . لا تفعل هذا . كنت أتساءل .. هل بإمكانك تأخير الأمر لبضعة أسابيع ؟ أترين ، لقد علمت لتوي أن ماغي تزوجت وهي تعيش الآن في نابولي ، وأرغب كثيرا في السفر إليها ، وإذا أعدت دفع مرتبي لن يكون معي ما يكفيني وبدت السيدة وايت وكأنها نسيت كل شيء عن الأجر :
- ماغي .. تزوجت ! كم هذا رائع ، أنا مسرورة جدا ، أحب شقيقتك جدا يا جودي . وكنت قلقة عليها عندما تركت العمل ، وهذه أخبار رائعة عنها ، سأرسل لها معك هدية صغيرة وأبلغها كم أنا سعيدة لها .
ثم عادت إلى الموضوع الأساسي.
- سأتدبر الأمر مع السيد دايفدسون عندما يعود إلى هنا ، لا بد أنه سافر الآن ، لقد اتصل وقال إنه ذاهب إلى اليابان . كان سيأتي إلى هنا لإلقاء نظرة على الأعمال فوق ، لماذا لا تصعدين وتلقي نظرة ؟ أظن السيد بورغلي موجود فوق . وأنت تعرفنيه . إنه شاب لطيف جدا. 
ما شاهدته فوق سبب لها صدمة ، لم تستطع التعرف على المكتب القديم حيث عملت مع هال . الحائط الذي يفصل غرفة الملابس أزيل من مكانه ، وستائر من النايلون وضعت مكان النوافذ ، الأرضية الخشبية رفعت من مكانها وهناك العديد من الأسلاك ممددة في كل اتجاه تحتها . واختفى السقف تماما ، وملأت الجو رائحة الغبار والعمل ، كان ديك في ثياب عمله العادية يتحدث إلى أحد العمال عند طرف المكان . ولوح لها عندما شاهدها ، وصاح:
- انتظري لحظة ، أنا قادم .
العمال كانوا يتحضرون للذهاب إلى الغداء ، وأقبل ديك نحو جودي ، والبسمة تملأ وجهه الأشقر .
- هذه مفاجأة سارة ، كنت سأزورك فيما بعد لأطمئن عليك . اعتقدت أن بإمكانك الحضور لتناول العشاء معنا هذه الليلة . فوالدتي راغبة أن تراك. 
وبدا لها مليئا بالأمل ، حتى أن إراداتها بدأت تخونها . هل هي بلهاء في قرارها الهرب ؟ ألن يكون أكثر تعقلا لو أنها تبقى وتجد لها عملا هنا ، وتبدأ علاقة جديدة مع ديك ، وهي واثقة الآن أن هذا سيقودها نحو مستقبل جيد وسعيد ؟
ولمس ذراعها ، وعيناه تتوسلان ، وكأنه يعرف أن هذه لحظة حاسمة .
- جودي؟
ولكنها هزت رأسها ببطء وحزن :
- أنا آسفة جدا يا ديك ، ولكنني لا أستطيع .. لقد قررت مغادرة بريطانيا ، أنا ذاهبة إلى إيطاليا ، لاكون مع شقيقتي . لقد تزوجت لتوها ، وتريدني أن أذهب اليها .
- إلى الأبد ؟
واصبح وجهه فجأة شاحبا .. فقالت : 
- لست أدري .
وساد صمت متوتر ، ثم تنحنح ديك وقال :
- إذا .. عليّ أن اكون واضحا يا عزيزتي . اعلم بأننا لا نعرف بعضنا جيدا ، ولكنني كنت آمل أن نفعل هذا معا .لم .. ألتقِ من قبل بفتاة مثلك يا جودي . ولم أفكر كثيرا في الحب من قبل . ألن تعيدي النظر بسفرك . لو أننا استطعنا .. 
وهزت رأسها :
- أنا آسفة يا ديك .. آسفة حقا ، أنت تعجبني كثيرا .
وللحظة مريعة قصيرة اعتقدت أنه سينفجر بالبكاء . ثم ابتسم .
- أوه .. حسنا .. لقد حاولت .
وسمعت صوتا على السلم الخشبي .. لا بد أن أحد العمال نسي غداءه ، وتحركت جودي مبتعدة عن ديك ، واستدارت إلى حيث كان الباب . ثم جمدت مكانها ، وكأن موجة جليد قد ضربتها فجأة .
- هال !
ولم تكن واثقة بأنها قد لفظت اسمه بالفعل أم لا .
وتقدم إلى الداخل ، ولم تستطع إبعاد نظرها عنه . كان يبدو رائعا ، ولم تكن قد لاحظت تماما كم هو وسيم . وقال دون اكتراث : 
- مرحبا يا جودي . هل تبحثين عن عمل .
- ليس تماما . لقد قالت السيدة وايت بأنك سافرت إلى اليابان .
- سوف أسافر .. قريبا . ولكنني الآن هنا .
والتفت إلى ديك ، بعد أن أدار نظره في المكان .
- أرى أنك تتقدم في عملك .. عمل رائع .. هل هناك أية عقبات ؟
- ليست بذات الأهمية...
ولاحظت أن ديك تكلم ولكنها لم تستوعب كلماته ، بل سمعت هال يقول :
- لا .. في الواقع أردت التحدث إلى جودي .
وأخذ ديك ينظر إليهما ، ثم قال بصوت بدا عليه الإحراج .
- أوه .. فهمت .. حسنا سوف أذهب إذا ، إذا لم يكن هناك شيء ..
وقال هال باقتضاب :
- لا ... ليس هناك شيء .
ورفع ديك كتفيه ، وكأنه يحاول رد ضربة ما ، ثم ، ودون كلمة ، عبر الغرفة إلى الخارج ثم هبط السلم .
وبلعت جودي ريقها بصعوبة . 
- أردت التحدث معي ؟ هل الأمر حول الأجر الذي يجب أن أعيده لك ؟ كنت أسال السيدة وايت عن الموضوع .
- أعلم هذا .. لقد قالت لي .
وانتظرت ، دون حراك ، فقال بصوت خفيض جدا :
- جودي .. التفتي نحوي .
وكأنها تحت تنويم مغناطيسي .. استدارت ، ونظرها إلى الأسفل ..
فقال لها :
- انظري إليّ.
ورفعت عينيها ، وأعمى نظرها ما شاهدته على وجهه .
- هل ستتزوجين هذا البورغلي الأبله ؟
- ديك ليس أبلها ، إنه رجل لطيف وصديق جيد جدا .
- هل ستتزوجين هذا البورغلي اللطيف ؟
- لم يطلبني للزواج .
منتديات ليلاس
- لم يطلبك ؟ هذا قصر نظر منه ، لأنه الآن خسر فرصته .
ها قد عاد للكلام بالألغاز .
- ماذا تعني بحق السماء ؟ ليس من شأنك من أتزوج أو لا أتزوج .
- ولكن هذا من شأني .. إنه من شأني تماما.
ونظر حوله .
- أريد التحدث معك يا جودي ، ولكن ليس هنا ، حيث يمكن أن نقع إلى الأسفل فوق المخزن في أية لحظة ، هيا بنا ، لنذهب إلى أي مكان متدمن .
كان يبدو في أقصى درجات تسلطه ، وبشكل غريب ، أحست جودي بأنه يتوقع منها الرفض ، فحضرت دفاعاتها ، ثم قالت : 
- لست واثقة من أنني أرغب في هذا . لقد تركت لندن لأبتعد عنك .
- أعلم هذا ، وأتيت إلى هنا أبحث عنك ، وهذا يجعلنا سواء .. أترين .. أنا بحاجة إليك .
هل هو بحاجة لها لتعود إليه كسكرتيرة ؟ هل عاد كل هذه المسافة ليقنعها ، لأن الآنسة راو كانت كارثة في عملها له ؟ ولم تكن في حالة تستطيع التفكير بالأمر . وهزت كتفيها بقلة اكتراث ، وسارت عبر الحفر في
ارضية المكان . وفي الطابق الأرضي قادها إلى الخارج نحو سيارته ، ثم أدارها ، وتوجه نحو الريف .
- كنت سآخذك إلى شقتي .. ولكنني خشيت أن تسيئي فهمي . هناك مكان هادئ وجميل أعرفه ، ونستطيع تناول الغداء هناك . 
ولم يقل المزيد ، إلى أن جلسا جنبا إلى جنب ، على مقعد طويل من المخمل الأحمر في غرفة خافتة الأضواء منخفضة السقف .
- المكان جميل أليس كذلك ؟
وكان عليها أن تقول شيئا :
- كنت أظن أنك لا تحب الأمكنة القديمة .
- كل إنسان بإمكانه أن يغيّر رأيه ، ويغيّر قلبه ، لقد أتيت بك هنا ، لأنني هنا ، وعلناً ، أستطيع أن أفعل الشيء الذي اتوق لفعله .
- وما هو ؟
- أن آخذك بين ذراعيّ وأحضنك حتى أخنق أنفاسك . أوه يا جودي
لو تعلمين بما مررت به منذ تركتي المكتب يوم أمس ، وأنفك المرتفع في الهواء ! بدأت أحطم كل الأشياء حولي وأنا أفكر بأنك قد هربت مع ذلك الأبله .. تصحيح .. مع ذلك الشاب الجميل اللطيف ديك بورغلي . لقد أخذتك إلى لندن لأبعدك عنه بعد ذلك ، وأنا أحاول استجماع شجاعتي لأقول لك إنني وقعت في حبك . عاد للظهور ثانية ، ممسكا بيدك ، واضعا ذراعه حولك ، لقد كانت الجريمة تجري في دمي يوم أمس عندما دخلت إلى غرفة الانتظار ورأيتكما معا! .
ها هو الخطر قد برز للعيان الآن .. إنها تستطيع الحصول على هذا الرجل .. ولكن إلى متى ؟ أسبوع .. شهر ؟ ثم ماذا بعد ؟ سوف ينبذها ، مثلها مثل غيرها .
- جودي .. ارجوك قولي شيئا . ارجوك ! قولي إنك تحبيني ولو قليلا . في تلك الليلة ظننتك تحبيني .. كنت دافئة وناعمة بين ذراعيّ ، وأقسم على هذا . لو لو تتصل باربرا .. لكنت...
- أجل أعرف هذا .. ولهذا السبب هربت منك .
- هربت مني ؟
- بالطبع منك .. اية فتاة تكون حكيمة بأن تهرب منك . أنت رجل خطر ، وقلت لك من قبل بأنك مثير ، أنسيت هذا ؟
- أنا أذكر هذا وكأنه كنز ذكريات . لقد حاولت معك ، ولكنني اصطدمت بكل تحفظاتك . أنت صغيرة جدا ، واستمريت بالقول لنفسي هذا . ولكنك دخلت إلى رأسي منذ اللحظة الأولى التي رأيتك فيها ، ورأيت عينيك الماسيتين . الزرقاوين . وأردتك . ولكنني شعرت بذنب كالجحيم ، وكنت مؤمنا على الدوام بأن الزواج لا يناسبني ، لقد شاهدت ما حصل لوالدي . وبدا الزواج لي مخاطرة .
- لقد كنت قادرا على الحصول على أية فتاة دون زواج ، اليس كذلك ؟ وهذه مشكلتك ، وكما أظن بأنني قلت لك ، أنا لا أريد الانضمام إلى اللائحة . ولم أرد أيضا أن أبدأ علاقة مع خطيب فتاة أخرى . - ماذا ؟ عما تتكلمين ؟
- ألن تتزوج من إفريل ؟
وعبرت وجهة نظرة رعب :
- يا إلهي .. لا ! لم أفكر بهذا في حياتي . وهي تعلم هذا .
- لقد حضرت إلى شقتك صباح الأمس قبل أن أغادرها ، وارتني خاتم زمرد كبير .. لقد كانت عدائية بشكل رهيب . عندها قررت أنني قد اكتفيت من صديقاتك ، وحان وقت رحيلي .
- نعم .. نعم أظن أنني فهمت ..
وعاد إلى الصمت ، ونظرت إليه جودي ، ثم عاد للكلام :
- وماذا أستطيع أن أقول لأقنعك أن ولا أية واحدة من الأخريات تهمني ؟ وبأنك تختلفين عنهن .. تختلفين عن أية فتاة عرفتها من قبل عن كل الفتيات ، لقد كان هناك العديد منهن ، وهل كنت تتوقعين مني أن أعيش مثل الراهب ، أكنت تتوقعين هذا ؟.
ومرر أصابعه في شعره الأسود وتابع :
- يا إلهي .. أنا أخلط الأشياء من جديد . أترين يا حبيبتي جودي .. أنا مجنون بحبك .. لقد دخلت تحت جلدي مباشرة . أفكر بك طوال الوقت . أنت تقفين بيني وبين عملي . اريدك .. أحتاجك معي .
ونظرت جودي إلى الخارج من النافذة نحو الحديقة ، أزهار الصيف كانت قد بدأت تزهر ، كانت تحس بشكل قوي بتأثير الرجل الذي يجلس إلى جانبها ، واستلزمها كل جزء من شجاعتها لتمنع نفسها من أن تذوب إليه ، وأن تشعر بذراعيه من حولها ، عندها سيأخذها إلى شقته ..ثم .. هذا جنون .. ولكنني أحبه ، أريده ، ولا أستطيع مقاومته ، ولن آبه بالأخريات ، ولا بما سيحدث لاحقا .
ومال إليها اكثر وقال بصوت خفيض ناعم:
- أقسم لك ، أنا لم أقل لفتاة من قبل إنني أحبها ، ولكنني أقولها لك يا جودي . أحبك يا حبيبتي . لم أكن أتوقع في عمري أن أسمع نفسي أقول هذا .. ولكن الأمر سهل الآن ، عندما يكون حقيقيا . عندما يعنيه المرء من أعماق قلبه . أحبك ، أحبك ، أحبك .
وأحست بالدوار من قربه لها ، ما كان عليها سوى أن تدير رأسها لتلتقي بعينيه . ولكن ، لو أنه ليس كاذبا بقوله إنه لم يقل لأية فتاة بأنه يحبها .. فماذا عن تلك الرسالة ؟ ماذا عن صوته الذي كان يقول " أحبيني ، فأنا أحبك " أوه .. لا .. بالطبع هذه ليست المرة الأولى التي يقولها !
وقامت بمحاولة يائسة أخيرة :
- لا أستطيع .. لا أستطيع أن أبدأ بشيء الآن ، أنا مسافرة إلى الخارج .
- إلى أين .. الخارج ؟ ولماذا ؟
- الى إيطاليا .. شقيقتي ، ماغي ، تزوجت ، وسأسافر إلى نابولي لأنضم إليها .
- أوه .. زيارة ، أهذا كل شيء ؟ حسنا .. ليس من مشكلة إذا ، سنتزوج نحن أيضا ، وفي الحال ، وسنسافر معا إلى نابولي ، فهي مكان رائع لشهر العسل ، ما رأيك ؟
وتجمد الدم في عروق جودي ، وبدا أن قلبها توقف . وأدارت عيناها نحو وجهه في ذهول كامل ، وشهقت قائلة :
- أتزوجك ؟
- بالطبع ، وعن ماذا تظنيني كنت أتكلم طوال العشر دقائق الفائتة ؟
وابتلعت جودي ريقها ، ثم تنفست ، ولم تقل شيئا .. فتابع :
- هل كنت تظنين أنني أقترح عليك علاقة مؤقتة ؟
وهزت رأسها بغباء . فقطب هال ونظر من حوله ... كان هناك ثلاثة رجال ، وثلاث نساء على الطاولة المجاورة .
- أوه يا إلهي ..هذا مكان سخيف لطلب يد فتاة ! لنعد إلى شقتي وهناك أطلب يدك بشكل لائق . أتفعلين هذا؟
صوته العميق الدافئ جعلها تلتقط أنفاسها بصعوبة ، فقالت هامسة :
- نعم .. أوه نعم ..
***
غرفتهما في الفندق تطل على جمال لا يصدق لخليج نابولي . كانت الشمس على وشك المغيب عندما وقفت جودي مستندة إلى حافة الشرفة الحجرية ، عيناها حالمتان ، وجسدها كله مليء بالمرح الذي غمرها منذ تلك اللحظة ، منذ ثلاثة أيام ، التي وقفت فيها إلى جانب هال في الكنيسة الصغيرة في لندن ، تعد بأن تحبه وتتعلق به طالما هما أحياء . لقد كان أهدأ زفاف ، لم تحضره العائلة ، ماغي لا يمكن الاتصال بها لعدم وجود هاتف لديها ، وأمه وزوج أمه في أميركا ، يزوران شقيقته الكبرى الوحيدة .
وكانا قد سافرا رأسا إلى إيطاليا ، وأقاما في هذا الفندق ، وجودي لا تزال تقنع نفسها أن تصدق بأنها لن تستيقظ لتجد أن الأمر كان حلما من خلفها , ان زوجها ممددا على السرير ، ويداه خلف رأسه ونادته :
- هال .
ومرى ساقيه الطويلتان عن السرير وتقدم نحوها عاري القدمين ولف وسطها بذراعيه من الخلف .
وأمسكت بيديه تشدهما أكثر إليها . وهي ترتعد شعورا بقوتهما ودفئهما . وتركزت نظراتها على المشهد الرائع أمامها .
- ألا تشعر وكأنه من خارج هذا العالم .
- إنه أروع من أن يكون هذا المنظر حقيقيا .
- ومع ذلك فهو حقيقي . أليست الحياة رائعة ؟ عندما تعتقد أنها أقفلت تماما في وجهك ، تعود لتتفتح من جديد ، مثل الزهرة ؟
وشدّ عليها أكثر وتمتم في أذنها :
- هه .. أنا لا أشعر بأنني فيلسوف في هذه اللحظات .. تعالي إلى الداخلي .
- هل نسيت أن ماغي وادي قادمان للعشاء معنا ؟ أليس رائعا أن ماغي سعدت لزواجنا ، وأننا سنصبح أصدقاء كلنا معا ؟
- ولكنك جميلة ، كل جزء منك جميل ، لا أستطيع المقاومة .
وجذبها إلى الداخل وهي تتمنع دلالا . بعدها ، بقيا لبرهة بين ذراعيّ بعضهما ، وهما يراقبان الشمس وهي تختفي من فوق الخليج ، وفكرت جودي : لقد أدركت الآن بأنني لم أعد طفلة ، لقد أصبحت امرأة ناضجة الآن ، أصبحت زوجة هال .
وأخذت تضحك .. والى جانبها تمتم هال :
- ما الذي يضحكك ؟ 
ولأنها أصبحت الآن واثقة منه ، غير خائفة من غضبه ، قالت :
- هل تذكر أول يوم أتيت فيه للعمل معك ، وتركت رسالة غرامية على الشريط المسجل ؟
ورفع رأسه عن الوسادة وحدق بها :
- أنا لم .. أنا متأكد .. ماذا قلت ؟
منتديات ليلاس
ودون مقدمات شعرت بالخجل فقالت بصوت خفيض ، حتى أنه اضطر إلى تقريب رأسه من فمها ليسمع الكلمات .
- أحبيني ، فأنا أحبك .. إلى أية فتاة على لائحة انتظارك كانت هذه الرسالة موجهة ؟
وللحظة بدا مرتبكا . ثم انفجر بالضحك .
- أوه .. تلك ! أجل تذكرت الآن ، ألم تكن هذه للفت الانتباه ؟
- لفت الانتباه.
- أجل . مجرد فكرة . كنت أفكر بدعاية جيدة لورق الشركة ، ثم اكتشفت أن الفكرة مستخدمة من قبل لذا محيتها عن الشريط ، والآن يا فتاتي الحبيبة ، على الرغم من الدليل الجرمي الذي ظننتي أنك وجدتيه ، فقد كنت صادقا عندما قلت بأنني لم أقل لفتاة إنني أحبها من قبل ، إلى أن قلتها لك يا زوجتي الحبيبة .
وصمتت جودي . لم يكن الأمر يهم ، ليس الآن . ولكنها شعرت برضى غريب بأن اللغز قد حل في النهاية ، وربت على شعرها بنعومة وقال :
- صدقتيني .. اليس كذلك؟
ولمعت عيناه لعينيها في الغرفة التي بدأت تعتم .
- هل صدقتي الآن بأنه لم يكن هناك فتاة أحببت أن أبقيها إلى جانبي .. إلى الأبد .. وأن الأخريات ما هن سوى أشباح من الماضي . حيث سيبقين هناك ؟ هل صدقتيني ؟
- أوه . . نعم .. لقد صدقتك .
وعاد رأسه ليرتاح على الوسادة إلى جانب رأسها . وذراعه تشدها إليه ، وتمتم لها في أذنها ، وابتسامة تلوح من صوته :
- أحبيني .. فأنا أحبك.

النهاية

من بعدك لا احد _كارول رومحيث تعيش القصص. اكتشف الآن