﴿خَرِيفٌ وَسَمرَاء!﴾
فُصُول الحياة التي نَمُر بها لا تبقى ثابتة كما يظن البعض، فالفصل الواحد يختلف عن نفسه في كل عام وإن ثبُت اسمه، فلا خريف اليوم شبيه بالخريف الماضي، وكذلك باقي الفصول، بالرغم من كل شئ فتبقى ذكريات الفصول الماضية حاضرة بحلوها ومُرِّها..
هكذا كان يُفكر عُمر وهو جالس على تلك الأرضية الجافة التي وُضِع عليها الليلة الماضية، بالطبع هذا الخريف يختلف عن الخريف الماضي، فبالخريف الماضي كان في اسطنبول مع والديه وأخته الصغيرة مريم، وابن اخته نِضال، يالله! لكم يشتاق لذلك الصغير!
تطلع إلى المكان المظلم الذي يجلس فيه، هذا السجن البليد! بالرغم من أنهم في الصباح إلا أنه مُظلم تماما، والسبب في ذلك رجل عجوز خَرِف!
-عجوز خسيس!
تمتم عمر تلك الكلمات بلغته الأم، بنبرة تحمل البُغض والتوعد، ولكنه انتفض فزعا من مكانه بعدما سمع صوتا أنوثيا يتحدث بالتركية أيضاً
-لا تسب أحدا في الصباح.
تطلع حوله يبحث عن مصدر الصوت، ولكن كل ما قابله كان ظلاماً، كثوبه بالضبط، ليصدح الصوت مرة أخرى قائلاً بمرارة:
-لا تخف، أنا أمامك بالضبط، لوني كلون الجدران تماماً.
____________________________________________
-لما كثُرت مهامي هذه الأيام!
هتفت بها إيڤ بصوت منزعج عال، مما جعل الصوت يتردد مرة أخرى في تلك الغرفة الخالية إلا منها وهذه القاذورات الكثيرة.
كان قد طُلِب منها تنظيف تلك الغرفة الفارغة التي في القبو، لأنهم يريدون أن يضعوا بها معدات، وما أدراها ما تلك المعدات؟!
ابتلعت ما تبقى من الماء في جوفها، وشمرت عن ساعديها مستعدةً لتلك المهمة التي ليست بسهلة على الإطلاق، فكل شئ بتلك الغرفة عبارة عن رماد حقا، إضافة إلى تلك العناكب التى خاطت شباكها على الجدران، لكن لا بأس.. ستنهي مهمتها تلك وتخرج بسرعة.
و قد كان الواقع عكس ما توقعت إيڤ تماماً، فقد أنهت مهمتها بحلول مايزيد عن خمس ساعات تقريباً، وهي بالتأكيد لا تعرف ما الوقت الآن، فما كان منها إلا ان جلست على الأرضية شاكرةً الإله.
الغرفة الكبيرة الآن تلمع بالفعل، وبسبب ذلك المجهود فإيڤ تعاني حتماً من الآلام في كل جزء من أجزاء جسدها، وهي الآن لا تحتاج سوى لحمام دافئ -هذا إن كان موجودا- و أخيراً بعد الحمام تحتاج لنوم هانئ -هذا إن كان مسموحا به- وهذا إن حدث ستكون في تام سعادتها بالطبع.
وأخيراً افاقت من أحلامها التي تتمنى تنفيذها بعد أن قامت من على الأرض ونفضت ملابسها من الغبار الذي هي ممتلئة به هي وملابسها والذي بالطبع قد نزل على الأرض بالطبع، ولكن هي قد سئمت بالفعل وعليها الآن الخروج.
وما إن أغلقت باب الغرفة خلفها وصعدت إلى الأعلى حاملة تلك المعدات الثقيلة حتى توقفت بمكانها، لقد كان هو واقفا أمامها دون مساعديه... برنارد.
________________________________
أفاق عمر من فزعه بسبب هذا الصوت الذي جاءه من اللا مكان، و لكن بعد تركيزه قليلاً استنتج أن هذا الصوت ما كان مصدره إلا امرأة سمراء تجلس مقابلة إياه.
-يا الله!
قالها أخيراً بطريقة فزعة، لقد كان موجودا منذ الأمس ولم يلحظ أن أحدا موجودا من الأصل! ولكنه أنزل رأسه مرة أخرى، هي امرأة في كل الأحوال.
-كلكم هكذا أيها الصنف الأبيض، ما ان تروا أسمرا أمامكم حتى تصابوا بالجزع، وكأنما قابلتم عفريتاً.
كانت نبرتها العدائية مملوءة بالألم، وكأن تذكرها بالتجربة التي مرت بها كفيلة بجعلها تتألم أكثر كل مرة.
ولكن عمر فتح عينيه على وسعهما، كيف لم يلاحظ ذلك من بادئ الأمر؟! ، إنها تتحدث التركية! ياله من ملاحظ! فما أسرع أن قال :
-تتحدثين التركية أيضاً! إذا...
ولكنها أسرع بتوقفه و كأنه تدارك أمرا عظيماً كاد يفعله، اتبع ذلك بقوله :
-استغفر الله.
ولم يكن من الجنس الجال أمامه إلا ان تنهد بألم على حال لن يصلح أبدا وكل هؤلاء الناس يعيشون بتلك الطريقة الخاطئة.
فالعنصرية حقا قاتلة!
_________________________________
-ماذا تريد مني الآن؟
هتفت بها إيڤ وهي تشعر برغبة في قتل هذا المخلوق الواقف أمامها شنقاً، فقد اكتفى بسد الطريق أمامها، وهي لم تنحني له أصلاً، وذلك جعلها تشعر ببعض الرضا لأنها خطت خطوة كتلك.
-لم ننهي كلامنا بعد إيڤا!
-إذاً؟!
-إذاً لمَ قصصتي شعرك؟
نظرت له إيڤ نظرة لم يستطع تفسيرها، إلا أنها أكملت على نفس الوتيرة :
-ما أعرفه هو أنك ببادئ الأمر خدعتني، ثم قتلت والدي، ثم جرحتني، حتى أنك هنا قد أسرتني وجعلتني خادمة، ولكن ما لا أعرفه هو لماذا الإستغراب من أنني قد قصصت شعري أليس ملكي؟ أو أنك كنت تريد أن تستحوذ عليه هو أيضا؟!
لم تتلقى منه إلا نظرة لا تعبر عن شئ سوى الإندهاش، وذلك ما شجعها أن تُكمل:
-أرجو أن تدعني وشأني سيد برنارد... لقد عطبتني بما فيه الكفاية!
__________________________________
أنت تقرأ
مآل الثقة
Historical Fictionهل سمعتم عن الغدر قُبُلًا أو جرّبتموه؟! إنه شعورٌ مقيتٌ مؤلم، خاصةً حينما يأتي من الأقرب. قصتنا تبدأ بهذا الشعور الذي قد زُرِع في قلبٍ مشتت، وصاحبهُ مجهول الهويّة والنّسب. تُرى ما هي قصة أبطالنا أصحاب الأعراق المختلفة؟ تابعونا^^