المقدمة والفصل الاول

60.3K 747 19
                                    

(مقدمة)
فتاة يتمية أوقعها حظها العاثر بين مخالب الشيطان !
فهل من فكاك لها من بين أنيابه التي كادت أن تبتلعها؟!
أم أنه كُتِبَ عليها أن تظل تعاني من ويلات تهورها طوال
حياتها؟!
أم أن هناك أملا يلوحُ لها بين طياتِ هذا المصير الأسود؟!
***
بين ماض قاتم ومستقبل أكثر قتامة وُلِدَت هي,
من رَحِم العتمة ظهرت هي لتضيء بقلبها الناصع البياض
أيامه,
فتاة بقلب مُثقَل بالآلام تحتاجه أم أنه هو من يحتاجها؟!
تشوّش العقل بتشوّش القلب ولكن خطّ القدر كلمته .

(الفصل الأول)
"طلقني"
لم تكد تنطق تلك الكلمة حتى فُتِحَت عليها أبواب
الجحيم..
أجابها ساخرا:"وإلى أين ستذهبي لو فعلت حنين؟!
إلى خالٍ لم يسأل عنكِ منذ أن أثقل كاهلي بكِ؟
أم إلى ابن الخال حبيب المراهقة الذي حلمتِ به مرارا؟!
هل تظنين أني لم أرَ نظراتك له؟! هل تظنين أنكِ أخفيتِ
حبك جيدا بعيدا عن الأعين؟! حتى هو ملّ منكِ وتركك
لي بكل بساطة.. أفيقي حنين ليس لديكِ سواي, فانزعي
عنكِ رداء الجنون وظلّي كما عهدتك دوما.. هادئة, عاقلة,
جبانة"
هل آلمها؟! تعترف بأن نعم وجدّا ولكن أيهما يؤلم أكثر؟!
حديثه اللاذع أم صحة ذاك الحديث؟!
حاولت النطق, الاعتراض بوهن لتتلقّى نصيبها شبه اليومي من
الصفعات واللكمات حتى انهارت على الأرض غير قادرة على
الشعور بأطرافها من الألم.
كانت تلك المرة ال..... لم تعد تعرف كم عدد المرات التي
ضربها فيها أو حتى الأسباب لذلك الضرب وتلك الإهانة ..
فزوجها عماد كان يستمتع بضربها وإهانتها كلما تواجد معها
بسبب وبدون سبب وكأنه يرى بها تنفسيا عن غضبه المستمر
منها منذ علمت بسرّه وفضحت أمره..
وهي كعادتها استسلمت لضربه تحاول التفكير
بأشياء بعيدة حتى ينتهي.. تحاول صنع حاجز بينها وبين
الألم الذي تشعر به حتى تكون بمفردها ..
جبانة هي وتعترف بذلك ولكن حينما تفكر ما الذي
بيدها لتفعله والكل تخلّى عنها وكأنهم شعروا بالراحة
لتخلّصهم منها بالزواج!
انتهى أخيرا من مهمته الممتعة لديه ثم خرج وتركها تعاني
ويلات ما فعله بها من أضرار جسدية ونفسية..
عادت بذاكرتها إلى ذلك اليوم الذي جاء به خالها وجدي
ليخبرها عن الشاب الذي تقدّم لها وهي التي لم تفكر يوما
أنها ستغادر بيت خالها وطلب منها ألا ترفضه كعادتها دون
رؤيته والتحدث معه .
ووافقت تحت ضغط مشاعرها وشعورها بالإهانة ذلك اليوم ..
فقد رفضت الكثيرين في الفترة السابقة ولم يعد لديها
أعذار أخرى تسوقها لخالها رفضا للمزيد !
وأما شعورها بالإهانة فيعود إلى تلك الحيّة التي يطيب لها
أذيّتها كلما قابلتها وإسماعها كلماتها المهينة عن كونها
عالة بمنزل لا يرحب بوجودها فيه أحد ..
وحضر عماد وجلست معه مرتبكة فهي دوما كانت ترتبك
من التعامل مع أي رجل خارج نطاق أسرتها والتي تقتصر على
خالها وجدي وابنه حسام وابن خالتها كريم والذي كان أخا
لها بالرضاعة ..
حتى حياتها بالجامعة كانت منطوية ولا تعرف إلا القليل من
الفتيات ولا تعامل لها على الإطلاق بالشباب, فكانت كَغِر
ساذج أمام شاب ظنّته يوما بريئا مثلها لتكتشف أنه ..
شيطان!
أخبرها عن حياته, عن أسرته التي عاد يوما من الجامعة
ليجدها تحت أنقاض المبنى الذي يسكنونه ولم يتبقَ منهم
سوى رفات تم دفنه بمقابر الصدقة ليذوق هو بعدهم ويلات
الفقر والوحدة حتى أكرمه الله والتحق بوظيفة في شركة
صغيرة نسبيا وارتقى الدرجات حتى وصل لأن يكون
اليد اليمنى لصاحب الشركة وأصبح لديه دخل أكثر من
كافِ حتى  يُكَوِّن الأسرة التي حلم بها طويلا ووقع اختياره
عليها لتكون شريكة لحياته وأم لأطفاله..
وبكل سذاجة وقتها أعجبت بكفاحه وطريقته اللبقة في
الحديث وشخصيته التي أَسَرَتها فوافقت بدون تفكير ..
واتخذته مهربا من الحيرة التي كانت تعيش بها وقتها..
ولِمَ تفكر وقد وجدت خالها مرحبا به بل ومادحا له أمامها
بكل وقت فوافقت لتخط بيدها أسوأ فصول حياتها مع
الشيطان!
وتم الزفاف أسرع مما تخيّلت لتقع بين يدي الشيطان نفسه!
شيطان اكتشفت أنه يعاقر الخمر منذ الليلة الأولى لهما معا..
وهذا أقل ما اكتشفته عنه..
فما اكتشفته بعد ذلك حوّل حياتها إلى جحيم خالص!
وبعد الزفاف سافرت معه لإحدى المدن الساحلية الداخلية
وتلك الرحلة كانت هدية من صاحب العمل والذي يضعه
بمرتبة الابن الذي لم يحصل عليه كما فهمت من عماد
وقتها..
شعرت بالصدمة عندما رأته يغمز لإحدى الفتيات من جنسية
أخرى وأقنعت نفسها أنها توهمت بالتأكيد لتفاجأ به يتركها
أول ليلة لهما معا ويخرج متعللا بعمل مفاجئ ولن يتأخر..
تركها تنظر خلفه بدهشة وهي ترى زوجها يتركها بليلتهما
الأولى ليذهب لقضاء عمل ما..
ورغم دهشتها الكبيرة إلا أنها تنفست الصعداء لتركه لها
فهي لم تكن قد تقبلت بعد فكرة زواجهما والسرعة التي
تمت به قررت النوم قليلا لترتاح من عناء السفر لتستيقظ
صباحا وتجده بجانبها فانتفضت مذعورة لتنهض مسرعة إلى
الحمام لتهدئ نبضات قلبها ثم تخرج بعدما أنعشت نفسها
وارتدت ملابسها لتجده قد استيقظ وطلب الإفطار ..
تحدث معها ببساطة وأريحية وكأنها أحد أصدقائه وليست
زوجته في أيامهما الأولى معا ..
تعجبت منه فهو لم يبد أي رغبة فيها حتى لم يمسك بيدها
طوال فترة تواجدهما معا..
في البداية توهّمت أنه يمنحها الفرصة للتعود عليه بعد
زواجهما السريع ولكنها اكتشفت السبب بل الأسباب
فيما بعد وسريعا..
في اليوم التالي خرج أيضا وقد اقترح عليها أن تأخذ قسطا
من الراحة حتى تستطيع السهر ليلا معه في الحفلة التي تقام
في الفندق والذي سيحضرها العديد من الشخصيات المهمة
لعمله والتي تعرف أغلبهم بكل تأكيد من نشأتها بمنزل
خالها..
لم تستطع أن تخبره أنها لم تشارك بحفلات خالها من قبل إلا
نادرا فهي لا تفضل الاختلاط خاصة في حفلات العمل..
وافقته بهزة من رأسها فخرج وتركها..
لم تستطع النوم فهي قد نامت كثيرا ليلة أمس فخرجت
للتنزه قليلا على الشاطئ وأمام المصعد كانت المفاجأة.....
زوجها العزيز يخونها وفي أولى أيام زواجهما!
رأته يدلف إلى إحدى الغرف مع تلك الفتاة التي رأته يغمز لها
يوم وصولهما.. لم تشعر بنفسها إلا وهي تركض حتى وصلت
للشاطئ وظلّت تبكي حتى أنهَكَت..
لم تكن تتخيل في أسوأ كوابيسها أن يحدث ذلك معها!
لماذا تزوجها إذا؟؟
بل لِمَ كان بكل ذلك الإصرار في الإسراع بالزواج إذا لم
يكن يريدها؟؟
هل وقعت بين يديّ شاب عابث؟؟
وقتها لم تكن تعلم أن آخر همها أن يكون زوجها عابثا..
بل إنها تمنت بعدها لو كان عابثا ولم يكن كما اكتشفت!
عادت إلى الغرفة لتجده لم يعد بعد فعزمت على ألا تذكر له
شيئا مما رأت وأن تتصرف معه بطريقة طبيعية ولكنها لن
تجعله يلمسها أبدا..
ولم يكن عليها القلق أبدا من تلك الناحية فهو لم يحاول
لمسها قط!
وبقدر ما أراحها ذلك بقدر ما جرحها في صميم أنوثتها,
خاصة بعد الحديث الذي ألقته على مسامعها سمر بأحد الأيام
وجعلها تشك بجمالها وأنوثتها..
فكرت بسخرية.. يبدو أن سمر كان لديها كل الحق
بالسخرية منها ذلك اليوم عندما أخبرتها أن من يتزوجها
سيكون طامعا بثروة خالها فقط ولن يكون حتما من أجلها
هي ..
شعرت بالألم يخترق قلبها.. ألن تكون أبدا مثل أي امرأة
أخرى؟!
هل ستظل طوال حياتها مختلفة عمّن حولها؟؟
وليت كان اختلافها جيدا بل للأسف اختلافها كان مؤلما
لقلبها وجارحا لأنوثتها إلى أبعد حد .
وحلّ الليل..
ليذهبا معا إلى الحفل وهناك فهمت لِمَ كان مصرّا على
حضور مثل ذلك الحفل بموعده الغريب.. فقد كان هناك
الكثير من رجال الأعمال الذين سمعت عنهم دوما في منزل
خالها بل ورأت بعضا منهم من قبل في الحفلات التي كانت
تقام آنذاك..
ورغم حضورها القليل إلا أن البعض تعرف عليها وأصبحت
محطا لأنظارهم مع زوجها وبالطبع كاد عماد يحلق من
السعادة فكل ما يحدث يخدم عمله والذي لا تعرف طبيعته
حتى لحظتها هذه, حسنا ولم تهتم بالواقع لمعرفته.
انتهى أسبوع العطلة وانتهت معه طاقتها على التمثيل والصبر..
وما خدمها أكثر أنها منذ عودتهما تكاد لا تراه وهذا أراحها
بقدر ما آلمها.. ألم يحن الوقت لتحيا كباقي النساء؟!
ألم يحن الوقت ليكون لها عائلة خاصة بها؟!
طالما حلمت أن يكون لها منزلها الخاص وزوجها الذي يحنو
عليها وأطفالها الذين ستعيش معهم طفولتها التي انتزعت منها
بوفاة والديها بالرغم من حنان خالها وزوجته وعدم تفريقهما
بينها وبين أطفالهما إلا أنها طالما شعرت بغربتها بينهم ولم
تفهم يوما السر خلف شعورها ذلك!
وها هي بعد مرور تلك السنوات وزواجها الغريب من عماد
مازالت تشعر بالغربة..
تشعر أنها لا تملك شيئا بحياتها حتى حياتها نفسها!
فكرت أن تحاول معه, أن تخبره بما تشعر به من ألم ووحدة
علّه يحن عليها, علّه يعود لرشده ويقترب منها ليكون زوجها
لها عن حق.. حتى ولو لم يكن هناك حب فهناك المودة
والرحمة وهما أهم من الحب بنظرها..
ولكن تعامله أو إذا أردنا الدقة تجاهله لها ولوجودها كلية
وخياناته المستمرة لها جعلها تتراجع عمّا فكرت به..
فهي لن تحتمل إهانة أخرى لأنوثتها.
استمرت بها الحياة على نفس المنوال ..
هو, يستغل اسم عائلتها ليصل إلى ما يريده ويتابع خيانته لها
ويعاملها إما ببرود أو يتجاهلها كلية ..
وهي, لا تعترض على أي شيء, استسلمت كعادتها للأمر الواقع
وعاشت بهدوء أقرب للفناء.. تتلقّى أوامره وتنفذها كما يريد.
تبتعد عن عائلتها شيئا فشيئا لتتحاشى الألم والغربة التي
زادت بوجودها بينهم.. لم تعد تذهب إليهم, حتى
المكالمات الهاتفية قللت منها كثيرا وما آلمها أكثر أنهم
لم يحاولوا معرفة سبب ابتعادها عنهم ..
بل ومنحوها الأعذار أنها عروس جديدة ولها الحق في الانشغال
بحياتها وزوجها ..
كادت تضحك عاليا ساخرة مما سمعته!
حياتها وزوجها !!
حقا؟؟!
أين هي حياتها وأين زوجها؟!
هي تعيش بمفردها تقريبا, لا تراه إلا نادرا, حتى أنه يعيش
بغرفة منفصلة عنها ولا يسأل عنها أبدا.. لا يحاول حتى
التظاهر بأنه يلاحظ وجودها بحياته .
وهي لم تفعل شيئا لتجعله يلاحظ, استسلمت لمصيرها تماما
وعاشت على الهامش كما اعتادت دائما سارت حياتها بهدوء
حتى سمعته ذات يوم....
ليتحول هدوء حياتها إلى عاصفة عصفت بكل كيانها
بل ......
                             وحياتها!

 بين مخالب الشيطان (مكتملة) بقلمي حنين أحمد (ياسمين) حيث تعيش القصص. اكتشف الآن