الفصل الخامس

15.2K 485 15
                                    

(الفصل الخامس)

تشعر بالحزن الشديد على ما آل اليه حال حنين, فحنين ليست
فقط ابنة عمتها بل هي الشقيقة والصديقة, رغم أنها
تكبرها بعامين إلا انها طالما شعرت أن حنين هي من تكبرها
وليس العكس.
حنين التي طالما احتوت غضبها ودلالها.. رقتها ورومانسيتها
جعلاها تتعجب كيف لفتاة بمثل رقة ورومانسية حنين لم
تقع بالحب حتى الآن!
حسنا هي توهمت قبلا أنها وقعت بحب شقيقها حسام ولكن
بعد خطبته لتلك ال.. سمر وابتعاده وتحاشيه الواضح لحنين
ثم خطبة حنين وزواجها من ذلك النذل عماد كل ذلك
جعلها تشعر أن أفكارها خاطئة رغم أنها توقعت زواج حنين
وحسام لفترة طويلة ولكن دخول سمر  حياتهم قَلَبَ كل
الموازين.
سمر التي لم تستطع أن تتقبلها رغم مرور سنتين على زواجها
من حسام ولكن إحساسها أن حسام يستحق من هي أفضل من
سمر جعلها لا تتقبلها ولا تسعد برؤيتها على الإطلاق.
هي حتى الآن لا تفهم كيف تمكّن حسام من حب من هي
مثل سمر فهما لا يتشابهان بشيء تقريبا, كما أنها تشعر أن
حسام ليس سعيدا معها ولكنها اختياره وعليه تحمّل تبعاته.
عادت بأفكارها إلى حنين وما اكتشفوه عن حياتها التي
عاشتها طوال سنتين بعيدا عنهم..
حسنا الحق يقال هم الذين ابتعدوا بل وسمحوا لذلك النذل
أن يبعدها عنهم ويذيقها شتى أنواع العذاب كما عرفوا من
جيرانها ولولا ذلك الرجل شريف والذي بعثه الله لها
لينقذها بتلك المرة لظلّوا على حالهم لا يعرفون شيئا
عما يحدث معها.
حنين والتي مضى ثلاثة أشهر على طلاقها وهي بعد لم تخرج
من غرفتها ولا توافق على الخروج لأي مكان معهم, لا تعرف
كيف تخرجها من حالتها تلك وهي التي طالما عرفت
مفاتيحها!
عزمت على النزول للجلوس معها قليلا لتحاول أن تخرجها مما
هي فيه وحتى تنسى أيضا الألم الذي ينتابها منذ الصباح..
نزلت لتجد حنين كما هي العادة مؤخرا تجلس في غرفتها
والطعام الذي أحضرته لها سمية لم يمس .
ألقت إليها بالتحية ثم جلست وهي تمازحها:
"حبيبتي حنين.. لماذا لم تأكلي قبل أن يأتي الدب والذي هو
أنا ليلتهم طعامك كاملا ولا يترك لكِ شيئا؟!"
نظرت لها حنين بحنان وهي تخبرها:"لا يغلو عليكِ شيء
عبير"
ثم وضعت يدها على بطن عبير وهي تردف:"أشتاق بشدة
لرؤية طفلك وكريم وأتساءل من سيشبه؟"
قالت بحنان:"أعلم حبيبتي مدى اشتياقك له وأنا أشتاق أيضا
لرؤيته"
ثم أردفت بمزاح:
"وسأستغلك كثيرا عندما يأتي فجهّزي نفسك من الآن فأنتِ
خالته وعمته فلا تحاولي التنصل من مسؤلياتك"
قاطعهما طرق على الباب ليدخل كريم ويخبرها أن هناك
من يريد رؤيتها ويجلس خارجا مع وجدي وحسام..
نهضت وارتدت حجابها وخرجت مع كريم لترى من أتى
لرؤيتها لتتفاجأ بآخر شخص توقعت رؤيته مرة أخرى!
"شريف".. الرجل الذي أنقذها من مصير أسوأ من الموت!
احمّر وجهها بشدة خاصة تحت أنظار حسام المتفحصة
وال.. غريبة!
جلست بجانب وجدي وهو يخبرها أن شريف قد جاء ليراها
ويطمئن عليها وأنه كان يهاتفه مرارا ليطمئن عليها وقد
استأذنه حتى يراها ليتحدث معها وهو أَذِنَ له..
لم تستطع أن ترفع عينيها طوال فترة حديث خالها وهي تشعر
بنظرات حسام الغريبة مسلطة عليها وكلمات شريف
المجاملة لخالها..
حتى وجدت وجدي يخبر حسام وكريم أنه يريدهما خارجا
ليتركها مع شريف بمفردهما لتزداد ضربات قلبها وهي
تحاول جاهدة التماسك حتى لا تركض خلفهم..
أما شريف فكان يحاول جاهدا أن يشيح بنظره عنها حتى لا
يخجلها دون جدوى فتعلقت أنظاره بها منذ دخولها إلى الغرفة
برفقة كريم رغم نظرات حسام والتي شعر أنها سترديه لو أن
النظرات تقتل ولكنه لم يستطع أن يشيح بوجهه عن وجهها
المشتعل من الخجل.
لا يصدق أنها كانت زوجة لذلك النذل لسنتين تحمّلت بهما
كل أنواع الإهانة والتي رأى قسما منها ذلك اليوم..
ومنذ ذلك اليوم وصورتها لا تبارح خياله بنظراتها
المكسورة والتي رأت به طوق النجاة وهو يلتقطها قبل أن
تسقط أرضا.
بدأ حديثه:"مرحبا مدام حنين كيف حالك؟"
احمّر وجهها من كلمة مدام واحمّر أكثر وهو يسألها عن
حالها وهو أعلم الناس به بعدما أنقذها ذلك اليوم ورآها
بذلك الوضع المخزي .
عندما طال صمتها تنحنح ثم حاول مرة أخرى:
"هل تسمحين أن أخاطبك باسمك مجردا؟"
أومأت برأسها في صمت فتابع حديثه:
"هل تعلمين أني لم أسمع صوتك حتى الآن حنين؟!"
رفعت رأسها بدهشة تنظر إليه وهي تهتف:"حقا؟!"
ابتسم لها لتخجل من جديد لتزداد ابتسامته اتساعا وهو ينظر
إليها بحنان ويتابع:"أريد أن أتعرف عليكِ أكثر حنين فهل
تسمحين لي؟"
ارتسمت الحيرة على ملامحها ليوضّح:
"أنا شريف سيف الدين مقدّم بجهة أمنية, لدي شقيق
يكبرني ببضع سنوات وهو طبيب ومتزوج ولديه
طفلين, أعيش مع والدتي حاليا بشقة مؤقتة حتى تنتهي
التعديلات التي أدخلتها في المنزل تحضيرا لزواجي, والدي
قد توفي منذ ثلاثة سنوات وكان عميدا بالجيش وأعيش
براتبي ولدي إرثي من والدي وإيجارا لبضع عقارات يقسّم بيني
وبين شقيقي.. وسأكون سعيدا للغاية إذا شرفتيني
بقبولك الزواج مني"
صدمها طلبه كثيرا ولم تستطع النطق للحظات ثم تمالكت
نفسها وهي تخبره:"حسنا لقد أدهشني طلبك للزواج مني
خاصة أن رجلا بمواصفاتك تتمناه أفضل النساء و..."
قاطعها بخفة وهو يهتف:"ليس هناك من هي أفضل منكِ
بنظري وأعتقد أن تلك المقدمة تسبق رفضك طلبي؟!"
ابتسمت بحزن وهي تقول:"لا أستطيع التفكير بالزواج مرة
أخرى بعدما عانيت منه في زيجتي الأولى فأنا أريد إعادة بناء
نفسي أولا قبل أن أفكر بالزواج مرة أخرى.. هذا لو فكرت
بالزواج مرة أخرى من الأساس"
أومأ برأسه بتفهم وهو يقول:"أنا أتفهم تفكيرك ومشاعرك
كثيرا لذا لن أصر عليكِ بالوقت الحالي وسأصبر حتى
تعيدين بناء نفسك وخذي الوقت الذي تحتاجين إليه
وتأكدي أنني سأكون في الانتظار عندما تكونين مستعدة
للزواج مرة أخرى"
همّت بالاعتراض فأشار إليها وهو يقول:
"ولكني سأقول لكِ شيئا.. أنتِ أقوى مما تتخيلين وأنا أكيد
أنكِ ستتخطّي تلك المرحلة من حياتك.. ولن تدعي أي
شيء يقف أمام تحقيق ذاتك"
نظرت له بامتنان فابتسم متابعا:"سأتغاضى عن تلك النظرة
حاليا ولكن مستقبلا لن أتقبل منكِ سوى نظرة أخرى"
وأتبع كلماته بغمزة من عينيه لتحمر خجلا وتنهض مرتبكة
فيبادرها قبل أن تهرب منه:"من الآن فصاعدا ستجديني
بطريقك فاستعدي حنّة"
هربت مسرعة إلى غرفتها تحت نظرات وجدي الغامضة
ونظرات كريم المفكرة ونظرات حسام الحانقة..
وجدت عبير لازالت تنتظرها بغرفتها وبادرتها متسائلة عن
هوية زائرها لتخبرها عنه ووجنتيها تشتعلان من الخجل
ليقتحم حسام الغرفة للمرة الثانية وهو ثائرا يسألها عن
شريف:"هل ستتزوجينه حنين؟"
ارتبكت حنين أمام هجومه غير المبرر بالنسبة إليها
وأمسكت بيد عبير تسألها المساندة ولم تتأخر عليها
فواجهته عبير وهي تهتف:"وما دخلك أنت حسام؟ إنها حياتها
وهي المسئولة الأولى والأخيرة عنها"
هتف حسام بغضب أكبر:"حقا؟حياتها التي دمرتها من قبل
بزواجها بذلك النذل! لن أسمح لكِ بتحطيم حياتك مرة
أخرى حنين.. هل تفهمين؟!"
ثم خرج مغلقا الباب خلفة بقوة حتى كاد يتحطم..
غضبت حنين من حسام كثيرا فمن هو حتى يتحكم
بحياتها بل ويهددها أن تقبل برجل جيد مثل شريف وهو الذي
رفضها قبل ذلك بل وكانت عبئا عليه كما أخبرتها سمر
سابقا.
عبير وقد لاحظت تلون وجنتي حنين من الغضب فأرادت أن
تخرجها من غضبها فقالت:"كيف هو شريف هذا؟"
نظرت لها حنين بدهشة قائلة:"ماذا تقصدين؟"
"أقصد كيف هو مظهره؟ وسيم أم قبيح؟ طويل أم قصير؟
صفيه لي وأسرعي قبل أن يقتحم الغرفة كريم تلك المرة
ليخبرني كيف هو حقا"
ولأول مرة تضحك حنين منذ فترة طويلة ثم أخبرتها:
"حسنا.. هو طويل أطول حتى من كريم وحسام وبشرته
سمراء تقريبا وعيونه داكنة فأنا لم أستطع النظر إليه سوى
لحظات عندما كان يفاجئني بحديثه.. وأعتقد أن شعره
داكن أيضا أسود أو بني داكن لا أعلم تحديدا"
هتفت عبير مازحة:"كل ذلك رأيتيه بلحظات؟ إذا كيف
ستصفينه لو دققتِ النظر به؟"
ضربتها حنين بخفة ووجها يتلون من الخجل وهي
تهتف:"وقحة".
****
اليوم كانت أول خطوة بطريق سعادته, كان يعلم أنها
ستجيبه بذلك الرد ولكنه أيضا كما أخبرها لن يتركها
أبدا بل سيظل معها خطوة بخطوة حتى تطوي تلك الصفحة
من حياتها إلى الأبد.
"لو كانت ستكون هذه حالتك بني فسأذهب إلى من ملكت
قلبك وأخبرها أن تتزوجك على الفور قبل أن تحرقنا
أحياء"
قالتها والدته بمشاكسة وهي تغلق الغاز وتحمل الطعام شبه
المحترق إلى المغسلة ليحك رأسه محرجا ليسمع ضحكة
أمه التي تقول:"أخبرني عنها"
توتر قليلا فبالرغم أنه يعلم تفطير والدته إلا أن جزءا منه
يخشى رد فعلها لو علمت بكنه حبيبته التي يبحث عنها
منذ ما يزيد عن العامين بل ربما كان يبحث عنها طوال
حياته دون أن يدري!
"حنين"
"تُدعَى حنين؟! إذا سنكون حنان وحنين وتكون أنت
المدلل بيننا شريف"
قالتها والدته وهي تغمزه فضحك وهو يقاوم توتره ثم يقول:
"لو وافقت أمي, لو وافقت"
"وهل ستترك لها الفرصة للرفض بني؟!"
رمقها بغموض وهو يقول:"مستحيل"
ابتسمت ثم قالت بحب:"هذا هو ابن أبيه"
"هي مطلّقة أمي"
قالها سريعا وكأنه يحاول التخلّص من حِمل يُثقِل كاهله
لتعقد حاجبيها قائلة:"وهل هذه هي المشكلة؟"
ابتسم قائلا:"بالنسبة إليّ على الإطلاق, ولكن ب..."
قاطعته بحزم:"وما أهم من رأيك أنت؟! أم أنك ستخبرني
أنك تهتم لآراء الناس العقيمة بالمطلقات؟!"
حرّك رأسه برفض قائلا:"كلا بالطبع أمي, أنا فقط خشيت
أن..."
قاطعته هذه المرة بغضب قائلة:"خشيت رأيي أنا شريف أليس
كذلك؟ وهل تراني بهذه السطحية و.."
قاطعها مقبّلا رأسها بحب:"حاشاكِ أمي, فقط كل أم تريد
لابنها الأفضل و.."
"ألا تراها أنت الأفضل؟"
سألته بغضب ليجيبها مسرعا:"بل لو بحثت عمري بأكمله لن
أجد مثلها أبدا"
ابتسمت بحب:"يبدو أن ابن أبيه واقعا بالغرام بقوة"
أشاح وجهه وهو يقاوم الإحراج لتضحك والدته بقوة وهي
تقول:"إذا متى سنذهب لخطبتها؟!"
زفرة حارة فلتت منه لتزداد ابتسامة والدته اتساعا ثم قال:
"عندما تستعيد ولو جزءا من ذاتها القديمة, عندما تكون
على استعداد للخوض بالتجربة مرة أخرى.. وقتها لن أتركها
سوى وهي امرأتي وبداخل منزلي".

 بين مخالب الشيطان (مكتملة) بقلمي حنين أحمد (ياسمين) حيث تعيش القصص. اكتشف الآن