حركة بيدق خاطئة

134 21 96
                                    

خلال الممر الضيق والذي كان معتما قليلا بالرغم من اننا في لب الصباح كنت اخطو خطوة اخرى الى الامام متجاهلا تلك النظرات المترددة من ذلك الشاب ذو تقاسيم الوجه المنفرة خاصة بوجود ندبة واضحة كان لها الفضل في ان تجعل اناقته الكلاسيكية تبدو مصطنعة نوعا ما ..

كل ما في الامر ان شكله المريب و تحديقه المستمر كان كافيا ليبعث في نفسي شعورا مخيفا و رغم الحاح قلبي الذي دق سريعا فقد رفض عقلي هذا الخوف محاولا جعلي اتنفس الصعداء و مع ذلك فهو لم ينجح ، ولسبب او لآخر كانت هذه الخمس ثوان تبدو أطول بكثير لربما كانت اقرب لخمس ساعات ..
كنت اردد في نفسي : - اهدأ ، كن طبيعيا ، انه مجرد زائر عادي

وصلنا للنقطة ذاتها ، وقد وصلت دقات قلبي ذروتها ايضا ، فكرت فقط في أن خطوة واحدة وحسب وسأكون بمأمن من هذه النظرات الغامضة
وبالفعل استطاعت خطوة واحدة ثابتة أن تشعرني بالارتياح ، وتجاوزته اخيرا ولو لم اكن لابدو مريبا لكنت تنهدت بعمق حينها ..

ولكن لم يدم هذا الشعور لوقت أطول بعدها فلم استطع ان اخطو خطوة اخرى ، احساس سيء اخر ، احساس بشد قوي احساس بيد تمسك ذراعي الضئيل لاستدير ببطء فأرى الشاب ذاته وقد أمسك بذراعي بشدة بيد باردة مرتجفة تميزها عروقه البارزة ، وقد انتقلت العدوى ليدي فبدورها اخذت ترتجف خوفا لا بردا ..

و لم يكن ليصبح هذا الوضع اسوء الا عندما نطق بجملته التي احدثت من الضرر ما يكفي لتوقف قلبي فقد قال بعد ان امال راسه ورمقني بنظرات حائرة:
- هل أنت نيرو باريت ؟

ولقد كان لهذه الجملة أثرا بليغا في نفسي ، فقد جعلت قلبي يدق بصوت عال حتى خيل لي أنه يسمعه أيضا ، وداخل عقلي اخذت خواطري السوداء تتسابق فيما بينها ، في حين لم يحرك عيناه بعيدا عني فقد كانت يدقق في كل شيء منتظرا الاجابة مما جعلني افزع فهو يعرف اسمي بينما أنا لا اعرف عنه شيئا
لا شيء ابدا

ازدحمت كل الاحتمالات و قد كانت كلها تنذر بالسوء ، ولكن رغم ما كان بداخلي من صراعات قوية بين التفاؤل والتشاؤم حيال الوضع الا أنني تمالكت نفسي وبقيت محافظا على صورتي الجديدة ، الشخص الهادئ والكتوم و برفق أبعدت يده راسما ابتسامة مصطنعة و قلت على اثر ذلك:
- كلا يا سيدي ، يبدو انك مخطئ

لتبدو عليه علامات جدية فيتنهد محاولا اقناعي بكونه محقا ويردف بانفعال :
- لا تقلق يا فتى
فالتفت بعض الموجودين هناك وقد اظهر بعضهم ملامح تعجب وحيرة فتدارك ذو القامة الفارعة ان صوته قد كان اعلى مما يجب فهمس لي واضعا يده على كتفي ثم واصل حديثه:
- لست عدواً ، اطمئن

نظراته الجادة بدت مقنعة لكنها لم تكن كافية لكي أصدق بنواياه التي زعم بأنها حسنة .
ابتسمت ثم ابتعدت خطوة الى الوراء كتمهيد لانسحابي فما كنت لاسمح بفتح ستائر الثقة بهذه السرعة ، و ختمت قولي :
- أعتذر ، ولكنني لست الشخص الذي تبحث عنه

هيبت - Hept حيث تعيش القصص. اكتشف الآن