الجزء الأول

375 20 9
                                    

بلا جاذبية
كان يوماً ربيعياً، لكن الربيع كاذب نوعاً ماً..
فالشمس تبتسم تارة، ثم تختبئ خلف الغيوم تارة.
شككتُ أن المطر سيهطل فأحضرت مظلتي، لكن ثوبي الصيفي لم يوحي أنني مستعدة للمطر.
تنهدت أدعو أن يكون اليوم مستقراً، لكنني لم أعلم أن مشاعري لن تكون..
وصلت الموقف المخصص لباصات مضيفات الطيران، وأحكمت قبضة يدي على حقيبتي، ثم اسندت ظهري للسور التي يحوي خلفه حقل قمح بدأ يعيش.
صوت النسيم الخفيف كان الموسيقى لهذا الصباح، لكن رجلاً ما قاطع مقطوعتي حين بدأ يلهث بصعوبة بعد ركضه.
بدا على التوتر رغم أن مظهره لم يوحي بذلك.
بذلة بلون سماء الليل، قميص حريري أبيض يبرز من حتى منتصف جذعه، و شعر شبه رمادي يتغير مع تغير اتجاه أشعة الشمس.
بدا محترفاً في مجال ما.
و قد أكدت لي الحقيبة التي يحملها ذلك.
"هل أنت بخير؟" تجرأت على سؤاله بعد أن لاحظت شروده في عقارب ساعته.
"أوه، هلا أخبرتني موعد حافلة مضيفات طيران سيؤول؟"
بدا صوته لطيفاً مقارنة بمظهره.
"ستأتي خلال دقائق"
وعمّ بعدها السكون، حتى أن النسيم هرب.
تساءلت حينها، من هو هذا الشاب؟ فقد كانت اول مرة يركب فيها شاب حافلة المضيفات.
و من التوتر، توقعت أنها مرته الأولى.
هل أسأله؟
"عذراً.." بدأ بالحديث مجدداً "أأنتِ مضيفة طيران؟"
"أصبت، لكني أراك أول مرة هنا"
"إنها مرتي الأولى كطيار"
"طيار؟" يا إلهي!
"تشرفت بمعرفتك.."
"بارك جيمين" نطق اسمه و قد ضاقت عيناه بسبب ابتسامته، كدتُ افقد عقلي للحظة.
"اهلا سيد جيمين، نادني هيرا، انا تحت خدمتك"
"أوه لا تقولي ذلك! أنا الذي تحت إمرتكم"
لم أر طياراً متواضعاً من قبل.
دققت في معالم وجهه الطفولية التي مُزجت بشيء من الرجولة، كان من الصعب عدم التحديق به.
"تأخرت الحافلة" تمتم جيمين، و هززت برأسي موافقة، فجاءتني الإجابة على هيئة اتصال من المدير:
"عذراً هيرا، لكن الحافلة لم تستطع المرور بمنطقتك البعيدة، يجب عليك إيجاد حل آخر"
لا أصدق! ألأن بيتي يقع على حدود المدينة سأعامل معاملة الريفيين؟
"ما الذي يحدث؟" سأل جيمين حين استشعر غضبي
"لن يأتي! علينا إيجاب طريقة للوصول على الموعد"
"تباً! لا تقلقي، فالطائرة لن تقلع بدوني" قالها بنبرة مرحة و رافقها بغمزة و ابتسامة جانبية.
كنت محظوظة أن الطيار شخص يسكن في نفس منطقتي! فأنا كمضيفة لا شيء.
مرّت ربع ساعة من المشي على الطريق الخالي بحثاً عن شخص يقلّنا، و كما توقعت، لقد خدعنا الطقس و أتت الغيوم معلنة عن مطر غزير.
خلع جيمين معطفه و بدا محتاراً، فأخرجت مظلتي و تنهدت.
"أمسكها" أخبرته و أخذت المعطف بجرأة، فقد كنتُ بحاجة لتغطية أكتافي.
شعرت بابتسامته بتورّد وجنتي، و أكملنا الطريق على موسيقى قطرات المطر.
لن يكون يوماً عادياً معه، بارك جيمين..

بلا جاذبيّةحيث تعيش القصص. اكتشف الآن