الجزء الثاني

149 17 9
                                    

"نصف ساعة تأخير!"
توقعنا سماع صراخ المدير، و وقفنا كالطلاب أمامه نحاول تخبئة غضبنا.
لم تقينا المظلة من غزارة المطر، فقد تبللت خصلات من شعري و بالطبع، معطف جيمين.
"نحن آسفان" انحنى جيمين بقدر ما يمكن.
له الحق في ذلك..
فهو الجديد الذي سيلام على كل شيء من الآن..
"هل أنت بخير؟" سألته بصوت منخفض فور خروجنا و توجهنا للطائرة، بينما رقبت عيناي يديه المحكمتين على بعضهما.
إنه متوتر..
و رغم ذلك..
أجابني بابتسامة و تنهيدة بسيطة..
.....
"أعزائي المسافرين، ستقلع الطائرة خلال ثوان، الرجاء ربط الأحزمة و إغلاق الهواتف المحمولة، لكم جزيل الشكر و رحلة سعيدة"
أغلقت المكبر فور انتهائي لألقي بثقلي على الحائط.
داعبت خصل شعري المبللة، و راقبت الأرض وهي تبتعد عنا.
"حان وقت تقديم الطعام" نادتني إحدى المضيفات، فسارعت بتعديل ملابسي و اتجهت نحو المطبخ حيث كانت العربات بانتظارنا.
أخترت واحدة و بدأت بتوزيع الأطباق على المسافرين مع الابتسامة المعهودة.
"شريحة من الدجاج المطهو على البخار مع بعض البطاطس المهروسة" الطبق الاعتيادي.
"متى يأكل الطيار؟" تساءلت لأول مرة.
استوقفني مظهر غريب، شاب يجلس إلى جانب مقعد فارغ.
"عذراً سيدي" اقتربت بلطف و سألت "هل فوّت أحد ما رحلته؟"
"لا، إنها عادة" أجاب و قد ارتسمت على شفتيه ابتسامة ساخرة.
لم يبدُ أنه يسخر مني، بل من نفسه..
انتابني الفضول أكثر، فوضعت وجبته على الطاولة و أنا أناظر الكرسي الفارق.
سمعت قهقهة خفيفة.
"إن كنتِ بهذا الفضول فاجلسي" أشار بجرأة إلى ما أحدق فيه.
لكنني أخذت خطوة للوراء.
"لا تخافي" لقد فهِمني و استطرد "دائماً ما أحجز مقعداً إضافياً بجانب مقعدي كي أتكلم مع إحدى المضيفات هنا"
"ماذا؟" رفعت حاجبي بشك، هل هو لعوب؟
"ألن تجلسي؟"
"سأفعل" قبلتُ التحدي و قد ازداد فضولي، من هذا الرجل؟
"قلتَ دائماً؟" سألته
"أجل، أسافر كثيراً" أجاب باختصار و قد بدأ تناول وجبته.
أشارت ملابسه و نوع الحاسب الذي يحمله إلى أنه رجل أعمال.
مرر أصابعه على حافة حاسبه حيث حُفرَت أربعة حروف:
JEON
لابد أنها حروف اسمه الأولى
"بالمناسبة، ما اسمك؟" سألني أولاً، لم أرغب في الإجابة بسبب شكوكي، و قد أنقذني جرس المضيفات فأسرعت بالذهاب دون تبادل الأسماء.
"تذكري، لا يجب على المضيفات الاحتكاك بشكل مباشر مع المسافرين" نبهتني إحداهن، و هززت برأسي موافقة، ثم اتجهت إلى مقصورة الطيار.
كانت من عادتي أن أجلس هنا لنصف ساعة في كل رحلة، فالنافذة هنا كبيرة، أستطيع بفضلها الشعور أنني أعيش وسط الغيوم.
"كيف الحال؟" سألت جيمين الذي بدا بقمة تركيزه
"جيد كرحلتي الأولى"
تمنيتُ أن أفتح معه حديثاً آخر، لكنني لا أريد توريطه.
هل أعود لذلك الشاب الغامض؟
.....

بلا جاذبيّةحيث تعيش القصص. اكتشف الآن