تنهدت ناتالي وهما يسيران عبر المرجة الخضراء باتجاه المنزل القديم خلف ستار الأشجار الصنوبرية :
- هذا كثير . . إنها طباخة رائعة .
رد باقتضاب :
- جيدة جداً .
استرقت نظرة إليه قبل أن تدير وجهها عنه . . انتشر اللون القرمزي على خديها وهي تفكر به . . وسألت :
- كم عمر هذا المنزل ؟
- قيل لبيتر إنه بني منذ مئة سنة .
منتديات ليلاس
وبدا هذا صحيحاً . . تحيط به شرفات عريضة مقنطرة معمّدة ، على علوّ درجتين فقط فوق المرجة الخضراء الممتدة أمامه . . مظلل بشكل كثيف بأشجار كبيرة قديمة ، صحيح أنه معتم وبارد ، لكن وهما يسيران عبر الغرفة الكبيرة المرتفعة السقوف ، تصورت ناتالي كم كان جذاباً في أيامه .
قالت تنظر مرتاعة إلي المطبخ الرهيب :
- يلزمه كثير من الإصلاح .
ابتسم تشاد :
- هذا صحيح ، حقاً . . رأيته أول مرة ، كانت الجدران تتمايل كلما هبّ الريح . . ولقد جرى إصلاحها بالطبع . . ماذا كنت ستفعلين به ؟أحبت أن تُعرِبَ عن رأيها، لكن شيئاً ما في نظرته جعلها تهز رأسها .
- يحتاج إلي خبير ليعرف إمكانياته .
- أتظنين هذا ؟
حذرها شيء ما بأن غريزتها كانت على حق . . وقال :
- لقد قمتِ بعملٍ ممتازٍ لمنزل المدينة .
- مقارنة بهذا ، منزل المدينة مجرد لعبة .
- ظننت ان كل النساء يحببن فكرة صرف مبلغ ضخم من المال على بيوتهن .
أجفلت ، لكنه تحرك بسرعة وأمسك بكتفيها . .
منتديات ليلاس وقال بوضوح وكأنه يتحداها أن تعترض :
- فكرت حين ننجب أطفالاً أن ننتقل للسكن هنا . أعرف أن الطريق مريعة . . لكننا نستطيع إصلاح هذا . ثم هناك مدرسة لا تبعد كثيراً . . سيكون مكاناً جيداً لتربية الأطفال .
وقفت متصلبة :
- أنا واثقة من هذا . . لكننا لن ننجب أولاداً تشاد .
- ألا تحبيبن الأطفال ؟
- ليس أطفالك .
- هذا مؤسفٌ . .
أخفض رأسه ليرتاح على شعرها ، مكملاً :
- بالطبع ، إذا كانت فكرة إنجاب الأطفال تخيفك ، إذن لن ننجب . صحيح أن أمي سيخيب أملها ، في النهاية إنها حياتنا نحن ، وليست حياتها .
لا شك انه يعرف كم يؤلمها بهذا الكلام . .قالت عبر شفتين شاحبتين متصلبتين :
- لن أتزوجك تشاد .
ضحك :
- بالطبع ستتزوجينني . . أين تظنين بأنني أمضيت الأيام القليلة الماضية ؟
همست : أين ؟
راقبها بتسليةٍ باردةٍ :
- أتعرّف على عائلتك .
- لا . . لا تشاد .
- بلي ناتالي . . ولقد أعجبنا ببعضنا كثيراً . . أعتقد أن زوج أمك تأثر كثيراً لأنني جئت أطلب يدك منه . . وكنت واثقاً أنه سيوافق معي على أن أتزوجك .
منتديات ليلاس
رفعت يدها تصفع وجهه الساخر :
- كيف تفعل هذا ؟ أستطيع قتلك الآن .
آلمها يدها ، لكنها تمتعت بالألم ، وراقبت عينيه بغضبٍ مريرٍ ، بينما كانت بشرته تشحب ثم تحمر لقوة الصفعة .
كرّرت بخشونة أكثر :
- لن أتزوجك . . أبداً .. حتى ولو وقعت كل عائلتي ضحية فتنتك الخادعة التي تستخدمها كسلاح . . ألا تستطيع إدخال هذا في رأسك ؟ لا أريد أن أتزوجك ! لا أستطيع التفكير بشيء أسوأ من الارتباط بك إلي أن تسأم مما تريده مني ، ثم تطلقني . . أفضّل أن أموت !
- لا حاجة لأن تقلقي حول الطلاق ، فأنا لا أمن به . . إضافة إلي هذا ، أعتقد ، ان نقص خبرتك ، هو الذي يجعل من الصعب عليك فهم ما أريده منك . . أريدك كلك ، أريد أن أمتلكك ناتالي ، جسداً ، قلباً ، وروحاً . . أريد أن أعرف انك حين تنظرين إليّ ستعرفين من هو سيدك !
ارتعشت خائفة وظنت بان يديه ستسحقان كتفيها . . وبدأت تهز رأسها ، خائفة أكثر مما فعلت من قبل . . وقالت عاجزة :
- لن تستطيع . . لن أسمح لك .
منتديات ليلاس
- لن تستطيعي منعي .
تركها وسار إلي النافذة . . حدّق للحظات طويلة نحو الخارج . . وكان صوته حين تكلم بارداً :
- إذا كنت لن تتزوجينني . . سأخبر زوج أمك كل شيء عن أمك . . إنه رجل متدين ، ومتصلب في وجهات نظره . . ويكره الكذب والخداع .
أجفلت ناتالي ترفع يديها إلي وجهها . . لقد ظنت اته آلمها كثيراتً بحيث لن تتألم أمكثيراً . لكنه كان ذكياً جداً في اكتشاف طرق جديدة للتسبب بالألم .
استسلمت في تلك اللحظات ، كانت مدركة بأن ديسموند يجد صعوبة في مسامحة من يكذب عليه . . ولو اكتشف أن زوجته خدعته سينهار زواجهما . . كانت فوليت تعرف هذا حين طلبت من دانيال أن لا يكشف علاقته بناتالي . . ولو نفذ تشاد تهديده ، ستخسر فوليت الكثير . . وكذلك زوجها . سألها بصوتٍ متعبٍ ، لكن دون لين في تصميمه :
- حسناً . . ما هو قرارك ؟
سوف يدمر العالم ليحصل على ما يريده . . سألته بصوتٍ يثير الشفقة :
- لماذا ؟
رفع كتفيه دون اكثرات :
- الله يعرف . . أتظنين أنني أريد هذا وبهذه الطريقة ؟ ربما تثيرين بي تعصبي . منتديات ليلاس
- وهل يستحق كل هذا زواجك من امرأة تكرهك لمجرد أن تأخذها إلي الفراش ؟
ضحك وعاد بسرعة ممسكاً يدها ، وقال :
- لكنني لا أريد فقط أن آخذك إلي الفراش . . أنت تفهمين لماذا . . أليس كذلك ؟ لا ، انا لا أريد خدمات جسدية فقط ناتالي . . فانا أريدك .
تنهدت ناتاليب :
- حسن جداً . .
يمكن أن تكون سعيدة في حياتها معه ، لكن ستبقي تعي أنه لا يحبها . وما يشعر به نحوها قويّ لكنه ليس الحب . تركّزت عيناها الواسعتان على وجهه ، وظنت انها تقرأ الازدراء فيهما والغضب ، فارتفعت يداها لتغطي وجهها . تمتم يبعد يديها .
- لا . . مع أنني اريدك بيأس ، لن أفعل لك شيئاً . . أستطيع الانتطار . . ولا تنظري إليّ هكذا ناتالي . . أرجوك .
قالت بمرارة : - وكيف أبدو لك ؟ خجولة ؟ حسناً . . انا خجلة !
قال بهدوء ناتالي .
توقفت غير قادرة على النظر إليه ، وارتفع أصبعه ليرفع ذقنها . . نظر في وجهها للحظات طويلة ، ثم قال : لا يهم .
ثم أمسك بمرفقها بقبضة عفوية .
كان الوقت متأخراً جداً حين عادا إلي المنزل . . أمضيا أمسية سارة مع بيتر وزوجته ، ثم عادا في ليل صاف . لم تستطع ناتالي بالرغم من نفسها ، أن تمنع تسارع دقات قلبها وهما يقتربان من أوكلند. .
مرّ الوقت بعد ذلك كالحلم ، وتعشيا في الأمسية التالية عند أمه ، التي كان لها كل فتنة تشاد ، مع قليل من شدته والتي أوضحت أنها تستقبل ناتالي بارتياح تام ، قائلة بحبورٍ :
- لقد آن الوقت لأن يكون لي أحفادي .
اجرى تشاد بعد العشاء مخابرة مع " ساوث ايلند" ليخبر فوليت السعيدة بأنه نجح في إقناع ابنتها بالزواج به . . وقالت فوليت بإثارة لناتالي :
- نحن مسرورون جداً لك ، حبي . . لقد أحببناه كثيراً . . يعاني الصبيان من حالة إعجاب شديدة به كبطل .
دعا صوتها ابنتها لتشاركها الضحك ، أكملت الحديث معها مبتسمة ، وتمكنت أن تكون ناتالي التي تعرفها أمها . وسألت فوليت وكلها أمل :
- لا أظنكما ستقيمان حفل الزفاف هنا .
- أنا . . أنا لم أفكر بهذا .
تمرد كيان ناتالي كله ضد فكرة المضي بهذه التمثيلية الفارغة أمام أعين عائلتها المحبة ، لكن قبل أن تقول شيئاً أخذ تشاد السماعة ليعلن أنهما بالطبع سيتزوجان في موطن ناتالي ، إنما بزواج بسيط ، فهو لا أقرباء كثر له . ثم أعاد السماعة لتتكلم مع زوج أمها وأخويها الصغيرين . وانتهت المكالمة تاركة ناتالي تشهق شهقات بكاء عظيمة ، أتتها من حيث لا تدري . . دموع محرجة ، وبؤس شديبد ظنت نفسها ستموت منه . منتديات ليلاس
أمسكت ذراعا تشاد بها ، واستخدمت منديله لتجفف أسوأ تدفق للدموع مرّت به . . وقالت السيدة غرايزر :
- يا للطفلة المسكينة . . أطنك مرهقة . . تشاد توقف عن التمسك بها وكأنها ستختفي . . اذهب وأحضر لها القهوة .
- ليس القهوة . . إنها لا تحبها كثيراً .
- لا دخل لحبها بهذا ، فالقهوة تنبه حواسها . . هيا تشاد ، إنها بحاجة إلي شيءٍ ساخن .
وأستبدلت الذراعان القويان بذراعين أنثويين . . وشهقت ناتالي ، ونفخت أنفها ، تجفف الدموع التي كانت تتساقط لوحدها ، ثم قادتها حماة المستقبل إلي الصوفا ، قائلة :
- إنها إثارة قوية .
عاد تشاد بفنجان قهوة يتصاعد البخار منه :
- دون سكر . . اشربيه كله .
كان طعم القهوة المرة مريعاً ، لكنه أوقف دموعها . . وما هي إلا لحظات حتي أثرت حرارته عليها واسترخت . . واقترحت السيدة غرايزر بعد نوبتين من التثاؤب ، ان تمضي ناتالي الليل عندها . لكنها قالت بسرعة :
- أوه . . لا. . شكراً لك . . لقد تركت بيتسي محبوسة في المنزل .
ابتسمت السيدة لها :
- حسناً . . يجب أن تذهبي إذن .
أدارات اهتمامات إلي ابنها :
- لا تدعها ساهرة كثيراً تشاد . . غنها تحتاج إلي النوم . . فالمسكينة تبدو سوداء العينين .
منتديات ليلاس
تفحص البيت مرة أخرى قبل توديعها . . لكن عناقه هذه المرة كان من النوع الذي تخشاه . . كأنه يشعر بالغضب ، وبحاجة لأن يعبر عن قوته أمامها . . لو أنه أدرك لمرة واحدة أنها تحبه ، سيكون في يده سلاح لا يقهر . . سلاح سيستخدمه في معركته الصامتة التي يخوفها بها وتركها لأفكارها وذهب .
مرت الأيام تلاحق بعضها بعضاً بشيء من الضبابية . كان تشاد ، قد أعلن لها أنهما سيتزوجان خلال شهر . . وأن عليها العودة إلي موطنها قبل أسبوع من الموعد . وجدت نفسها تستخدم عملها كعذر ، تخيط في كل دقيقة فراغ لها ما بين اختيار ثوب العرس وبين الجهاز ، وتحت إشراف السيدة غرايزر الحريصة . اعترضت ناتالي في البداية على كمية المال المقدمة لخزنة ثيابها ، والتي تظنها السيدة غرايزر ضرورية . . لكنها زجرتها بلطف . - يجب أن تكوني مستعدة لكل شيء ، بالرغم من تحفظ تشاد وعزلته ، إلا أن له حياة اجتماعية جيدة . . من شاي الصباح إلي الباليه ، إلي الحفلات الراقصة .
- شاي الصباح ؟
ضحكت السيدة ، وأكملت :
- ربما لا. . لكن أرجوك أن لا تتعبي في موضوع الملابس عزيزتي . . تملكين جسداً صغيراً وجميلاً ، وسيسعد تشاد كثيراً بأن يلبسه أفضل الثياب . . أنا واثقة أنك لست بحاجة لمن يذكرك بأنه كان يعتبر لقطة رائعة . . حتي بعد أن يتزوج سيكون هناك الكثيرات من الشابات حوله اللواتي يسعين إلي لفت نظره .
منتديات ليلاس
- جعلها هذا التحذير الجريء تبتسم . . لو كان هذا زواجاً عادياً فلربما اهتمت بتلك النسوة المتصيدات لكنهن في هذه اللحظات آخر ما يقلقها .
- - وما سيحدث أنك يتواجهين العديد منهن ليلة الغد . . لا أستطيع أن لا أدعوهن ، فنحن نعرفهن منذ كن أطفالاً ، وأهلهن من قبل ذلك بكثير .
كانت ليلة الغد حفلة الخطوبة . . كان من المفترض أن تكون مناسبة صغيرة ، لكن يبدو أن السيدة غرايزر لم تكن قادرة على الحد من العدد . . وكان يجب أن ترتاع ناتالي لفكرة مقابلة هذا العدد الكبير من الأقرباء والمعارف ، لكن القوقعة التي غلفت نفسها بها عزلتها عن مثل هذا الخوف . وكأن هذا أمراً جيداً لها . . فأول من وصل إلي منزل العائلة الكبير والقديم ، كان أونا دراير . . وجذبت بعد أن ابتسمت بأقل قدر من الكياسة لناتالي ، رأس تشاد تعانقه مهنئة بحماسه ، ثم قالت تنطربسرعة إلي ناتالي :
- حبيبي . . أنت متعب . . او قلق . ., أيزعجك شيء ؟
ضحك في وجهها :
- لا شيء من هذا أونا . . أحسني التصرف الآن . . أو ستظن ناتالي أن لا أخلاق لك .
ردت بإثارة واستفزاز :
- انا لم أدع القلق حول اخلاقي يقف يوماً في طريقي .
وابتعدت عنه متمايلة ، وتمتم تشاد في أذن ناتالي :
- تظاهري على الأقل بالغيرة . إنها تراقبنا من زاوية عينها.
منتديات ليلاس
- حسناً . . لقد حاولت جهدها بكل تأكيد . . أترغب في أن أتعلق بذراعيك وأنظر شزراً لكل امرأة تحت الأربعين تقترب منك ؟ آسفة .
- كاذبة . . أنت لا تهتمين بتمثيل أونا ، لأنك تعرفين مسبقاً بأنني لا أهتم بها أو بأي امرأة أخري .
وقفا للحظات متواجهين ضائعين في دائرة من مشاعرهما المتبادلة ، وجه مستغرق فوق وجه مستغرق أكثر ، وكأنهما ضمن دائرة سحر قوية . إلي أن قدمت السيدة غرايزر ، أنيقة بفستان ليلكي ، لتقطع الصمت . . ثم وصلت ابنة دانيال آنا وزوجها . . هو قلق ، وهي بتعابير غير راضية تعكر وجهها الجميل . وهما يبتسمان و ويتظاهران ، كانا يعيان اهتمام الضيوف الآخرين ، فالكل يعرف بان دانيال ويبستر قبل موته ، كان دائماً برفقة ناتالي .
لكن أنا كانت على أفضل خلق ، وكذلك ريتشاد شقيقها ، حين وصل بعد قليل . . واستقبل تشاد الموقف بكياسة . يا لنا من كاذبين . . فكرت ناتالي بعد ساعات : كنا جميعاً مختبئين وراء أقنعتنا ، نكتب ما في أنفسنا بدهاء ، بانزلاقنا قليلاً إلي النسيان .
كانت فيما مضي تحلم بحب لطيف ورقيق يراعي أحاسيسها . . وما حصلت عليه لم يكن حباً ، ولا لطيفاً أو رقيقاً . . مع ذلك ، فما على سوى ان ينظر اليها لترتجف . . ما تحس به نحوه كان حباً . . أما هو لا يحبها، ولو أنه يحبها، ولو أنه يحبها لما استخدم إخلاصها لأمها ليجبرها على هذا.صفر أحدهم وتعالي الهتاف والتصفيق ، ردّ عليها تشاد بثقة المعروفة بالنفس والتي تجدها ناتالي مثيرة للتوتر . . وقالت تبتسم له ، تنظر إلي وجهه المتعجرف :
- أكرهك .
- أعرف ، ويا للأسف . . فأنا معجب بك . . مع ذلك فهذا لا شيء ، لأن ما يجمعنا معاً شيء لا نستطيع كبحه أو السيطرة عليه ، بمجرد إعجاب أو الكراهية .
قالت بسخريو :
- تعني الرغبة !
- بالضبط .
منتديات ليلاس
تظاهرت بالابتسام ، محدقة في لهيب عينيه :
- لكنت تزوجت فتاة لطيفة من أصل رفيع ، لا تهدّد صفاء بالك ، و لأعطيتها أطفالاً ، ولكنت مسيطراً تماماً على حياتك وسعادتك .
لقد أصابت وتراً حساساً فيه . . لكن وجهه لم يتغير . كان يبدو مبتسماً بحبٍ بالنسبة لأونا التي تراقبهما عن كثب ، وهو ينظر إلي ناتالي . . وشدها حتى استندت إليه :
- أتظنين انك أكثر سعادة بالحياة الرتيبة التي كان يمكن أن تختارينها مع رجل أخر ؟ بإمكاني ان أعطيك أكثر منه مجرد السعادة بكثير ناتالي .
أغوي صوته الجميل أذنيها . . صحيح انه من الصعب المقاومة ، لكنها قاومته وحاولت جعل كلماتها هادفة وهي ترد : - الاختيار هو الأساس . . فما من أحد يستطيع توقع السعادة أو اختيارها . . إنها حصيلة جانبية . . لكن يجب أن يكون لنا الحق باتخاذ القرار . . إذ ليس من العدل ولا يحق لك أن تنتزع هذا الخيار مني .
- وهل تظنين أن لدّي بديل عن هذا ؟
نفذت الكلمات المريرة إلي دماغ ناتالي . . ودخلت روحها . . لكنها ردّت بعناد :
- يبقي دائماً هناك خيار .
منتديات ليلاس
فجأة ضحك ، رامياً رأسه إلي الوراء ، وكأنها تسلية . وحدها تستطيع استشفاف السخرية في ضحكته ، وفي كلماته التي تلت :
- هنا حبيبتي ، يا أعز الناس ، يا قلبي ، انت مخطئة ن هذا ما تفعله المشاعر بنا ، تتلاعب بمزاحها مع الجميع حتي لا يعود لنا خيار . . لكنه مزاحٌ مريرٌ ، مزاح قاس يترك المرء دون إرادة . تقولين إنك تكرهينني ناتالي ، ولا يمكنك كراهيتي أكثر مما أكرهك أنا . .
انكمش قلبها عذاباً ، غنه يتعذب ، وألمه يدفعه إلي مهاجمتها . . لو انه فقط يتعلم كيف يحبها . . لكن ما من جدوي من البكاء على الإطلال. ومن غير المجدي الأمل بأي شيء أكثر من التعاسة المريرة في هذه الحياة التي يجبرها عليها . . فهو يري انجذابه إليها ضعفاً منه . . بل عيباً في بنية شخصيته، ويكرهها لأنها السبب في هذا الضعف . قالت :
- أتمني . .
لكنها لا تعرف ما تتمني ، إذ لا مجال للوصول إلي حبه . . وأفلتت منها تنهيدة حادة ، فرفع ذقنها ليقول لها بقسوة :- لا تستمري في مظهر الأميرة الضائعة ، وإلا سيظن الناس أنني ضربتك .
- أيهمك ما يظنه الناس ؟
ردّ بهدوء :
- أبداً . . وإلا لما كنت سأتزوج المرأة التي يقتنع معظم الناس أنها كانت صديقة خالي . . صحيح ؟
كان يمازحها وابتسمت له .. وطغت الموسيقي حولهما ، وتركهما ما تبقي من المحلقين غارقين في عالمهما الخاص . . الحب والرغبة ، واإعجاب والاحترام لرجل كان لطيفاً مع خاله ، ومع المرأة المسنة التي لوت كاحلها على
منتديات ليلاسالطريق . . وكان هناك كذلك الكراهية ، الرفض والغضب البارد ، إضافة ألي هذا الحنان الذي تشعر به ويخالج ضلوعها . لكن، ألا يري بماذا يلزمهما معاً ؟ حياة أساسها جوع مندفع من المحتمل جداً ان ينهار إلي فراغ .
ام ان هذا هو ما يتوقعه ؟ اعتراها برد مفاجئ وطغي على بشرتها ليبردها . . اكان يأمل ان ينخبو هذا الشوق بحيث يستعيد احترامه لنفسه ؟ وأحست مجدداً بذعرٍ باردٍ جعل قلبها يخفق بقسوة حتى احمرت وجنتيها . . وفكرت بجنون : يجب ان أبتعد . . أخيراً رأت بوضوح معالم الدمار الذي يحضره لها تحت قدميها . . وسيكون في النهاية أسوأ بكثير لو أن الرباط بينهما انقطع في النهاية ، ونظر إليها بغير اكتراث . . وفكرت بيأس وقنوط : أفضل أن أموت . .؟ يا إلهي . . الأفضل أن اقتله ثم اقتل نفسي ،بدلاً من اضطراري لمراقببته وهو يملّ مني ، وأنظر إلي عينيه لأري فيهما السأم والقرف . لا ! لا شك بأنني هسترية في تفكيري هذا . لن أستطيع هذا . . ليس تشاد ، ليس الرجل الذي أصبحت أحبه على كراهية مني . . رفعت عينيها الواسعتين ، لتمعن في وجهه ، تجفل لقوته ولعجرفتة بنيته ، ولعينيه الزرقاوين التي لا تعرف لهما قراراً . لم يقل شيئاً ، بل ابتسم بهدوء وقسوة ، يبدو كأنه يحس بيأسها ويتمتع به .
وأدركت ماذا يجب أن تفعل .
انتهت الحفلة حوالي الثالثة صباحاً . . وكانت السيدة غرايزر تتثائب بشدة وهي تبتعد عن الباب ، قائلة :
- كانت حفلة رائعة . . تبدين متعبة ناتالي . . كان يجب أن نرتب أمر بقاءك هنا الليلة .
قبّل تشاد خدّ أمه :
- ليس المكان ببعيد . شكراً لك .
- على ماذا ؟ انا احب الحفلات ، وتعرف هذا ، ولقد أحببت هذه الفرصة جداً . . لقد انتظرت طويلاً لأراك تقع في الحب ! سأتصل بك صباحاً ناتالي . . عزيزتي . . وسنضع الخطط النهائية . . متي ستعودين إلي الجنوب ؟
رد تشاد :
- الأربعاء القادم. . تعالي حبيبتي . .
منتديات ليلاسستقعين إذا استمريت بالوقوف . كانت ذراعه قوية حولها ومطمئنة ، وتمكنت من الابتسام له ، ومن شكر أمه قبل أن يقودها إلي السيارة .
كانت المدينة ساكنة ، ما من سيارة أخرى على الطريق . امطرت السماء خلال المساء ، وكان الإسفلت مبللاً بالماء . . أنوار الشارع تنير الرصيف الفارغ الأسود . . وحدقت ناتالي من خلال الزجاج الأمامي ، تجمع شجاعتها لتبقي صامدة .
أوصلها إلي المنزل ، وتمني لها بعد أن تفحصه كالعادة ليلة سعيدة دون شيء يذكر سوى قبلة عابرة ، مماثلة كتلك التي أعطاها لأمه ، على خدها .
كانت متعبة ومرهقة جداً ، إلي درجة لم تكن قادرة على الإحساس بالارتياح لتأجيلها قرارها ، تسلقت السلم . . وقدماها تؤلمانها ، وكذلك حنجرتها . . كان هناك تحت عظام صدرها مباشرة غصة ثقيلة ، جعلت من المستحيل عليها أن تبتلع ريقها . لكنها نامت وكأنها مخدرة . . ولم تبدأ الحراك والتأوه من بين أنفاسها إلا بعد بزوغ النهار بكثير .
منتديات ليلاس
قال يعلق بهدوء :
- أنت صامتة جداً، سيظن ضيوفنا أننا تخاصمنا.
وكانا فعلا تحت المراقبة:
- إذن فهم مخطئون.
- أتظنين هذا ؟ نحن لم نتخاصم يوماً . . كل مشاجراتنا كانت كقتال المحترفين المتفق عليه سلفاً . . و النصر أمرُُ مسلم به .
قالت بمرارة:
- حسناً . . لقد انتصرت.
- وهل انتصرت ؟ لا . . لقد خسرت . . و النصر النهائي لك.
- غير صحيح . . فأنت حصلت على ما تريد.
رد ببرودة:
- بل حصلت على إذعانك المزدري الرافض . . على أي حال ، هذا ليس وقت البحث في هذا .
أنت تقرأ
شمعة تحت المطر_للكاتبة روبين دونالد
Romanceكان هناك سحر مخيف في تشاد غرايزر يجذب ناتالي كونراد فتاة الريف الساذجة، لم تستطع مقاومته. . . وكان هناك بالمقابل كراهية واحتقار جارفين في نفس تشاد تجاهها، سببهما الظاهر علاقتها المشبوهة مع خاله، ولم تكن نتالي مستعدة للتخلي عن هذه العلاقة بأي ثمن...