كانت أوكلاند، أكبر مدن نيوزيلندا، كشفاً مثيراً بالنسبة لناتالي بعد أن اعتادت العيش في القرية صغيرة على الساحل الغربي من " ساوث ايلند".
تمكنت ناتالي كونراد بعد شهر من النوم ليلاً دون أن تنزعج للأصوات غير المألوفة وازدحام السير. . لكن ، مع إنها كانت تتعلم تقدير هذه المدينة الصاخبة ، فهي لا تزال تشتاق إلي بلدتها ولهدوئها الآمن.
كانت تشتاق إلي أمها وخاصة لأخويها من أمها: الصغيرين ريكي وأندرو. .ي الثالث عشر والحادي عشر، فغالباً ما كانت أصواتهما المرتفعة، توتّرمنتديات ليلاس
أعصابها. . أما الآن فهي تتمني سماعهما يعذبانها ولو مرة أخري. . ومع أنها لم تفهم يوماً الرجل الضخم المتحفظ، زوج أمها ، إلا أنها تشتاق إليه كذلك. . فقد يكون ديسموند رجلاً متصلباً، وغير مرن، إلا أنه كان عزيزاً عليها. لم تشعر يوماً أنها وحيدة. . وهذا الإحساس يعصر قلبها. . فما من قاسم مشترك مع الفتيات الأخريات في النزل. . جميعهن قادمات من ضواحي ريفية، إلا أن معظمهن من أماكن قريبة جداً من أوكلندا. كن يبدين في عيني ناتالي السوداوين الكبيرتين محنكات ، لا يتكلمن سوى عن الأصدقاء، وعلاقات الغرام، وآخر الموضة. . كن لطيفات، لكن مشغولات ! كان الأمر في العمل مماثلاً كثيراً . . فهي الصغيرة الوحيدة والعزباء. . . لم يكن لزميلاتها الخيّاطات أي اهتمام سوى التركيز على عائلاتهن. كانت تفتقد إلي وظنها ويشدها الحنين إليه أكثر فأكثر، لذا كانت تحاول جاهدة التمسك بالصبر والسلوان، وتنتظر أوقات الغداء لتسلي نفسها فتتناول سندويشاتها في آخر الشارع مع صديقها الوحيد في أوكلاند . منتديات ليلاسكانت فتيات في النزل ساخطات دائماً على سيد ويبستر. . فقد كان رجلاً بكل ما في الكلمة من معني ، لكنه يكبرها بأربعين سنة وهو ليس بالعمر الذي يثير اهتمامهن. . لكن ناتالي كانت قد ادركت أنه كذلك . فقد كان وحيداً يبتسم لها ابتسامة خجولة ثم تحول تعارفهما من الابتسام إلي الكلام. . ومن ثم إلي حديث طويل . . ثم تقدمت معرفتهما إلي نوع من الصداقة. . وكانت ناتالي تتشوق إلي وقت الغداء لأنه كان محدثاً لبقاً يثير الاهتمام، ويعاملها بكياسة وبالطريقة التي تحبها وتفضلها. وكان ينتظرها اليوم، يرتدي بذلة من الواضح أنها ليست جديدة، لكنها تحمل طابع الخياط الجيد. قال واقفاً على قدميه حين تقدمت نحوه:
- كم تبدين جميلة، كالربيع في هذا اليوم الخريفي.
ابتسمت بخجل والتمع عمق عينيها بشرارت ذهبية:
- شكراً لك، وأنت تبدو وسيماً جداً.
انتظر إلي أن جلست قبل أن يجلس بدوره.
- أوه. . سأضطر للذهاب ‘لي البلدة فيما بعد. . أخبريني، هل استقريت هنا تماماًً ؟ يبدو أنك تفقدين تلك النظرة الكئيبة التي سبق أن لا حظتها في أول مرة رأيتك فيها.
- أوه. . بدأت أعتاد على الحياة هنا.
فتحت علبة الغداء بحركات مرتبة، تنظر إلي محتوياتها بإزدراء. . كان النزل يؤمن غذاءً معلباً كل يوم . . لكنه مصنوع بقلة ذوق مذهلة.
منتديات ليلاس
- هل أنت أكثر سعادة ؟ أما عدتِ مشتاقة إلي موطنك ؟
ابتسمت له:
- بلي، مع أن الفتيات في النزل لا زلن يعتبرنني الرفية الخرقاء . . اكنهن لطيفات جداً معي.
- ما الذي جعلك تقررين المجيء إلي وكلاند ؟
رفعت كتفيها النحيلين وأردفت:
- لم أكن أملك شيئاً ببلدتي، حين تركت المدرسة وجد لي زوج أمي عملاً في مكتب للمحاسبة، وكنت محظوظة لهذا.
- كنت محاسباً من قبل، أتعرفين هذا؟ ألم يعجبك العمل ؟
- لا. . أردت أن أقوم بعمل يدوي. . ولطالما كنت أخيط وأطرز . كان زوج أمي يضن أنها مجرد هواية صغيرة، وأعتقد أنها هكذا ، لكنها الشيء الوحيد الذي أملكه ، وأردت استخدامه. . أحسست أنني إذا لم أبتعد ، فسأنتهي إلي لا شيء. . لا تفهمني بشكل خاطئ . . بلدتي رائع للسكن فيها ، لكنني أردت أن لأري ما إذا كنت أستطيع . . كان عليّ الابتعاد ويكاد هذا يخيفني.
أدهشتها اللهفة المفاجئة في صوتها كما أدهشته. . وقالت بخجل:
- آسفة. . لطالما لامني زوج أمي على أحلامي. . لكنني أحسست فعلاً أنني بحاجة امغادرة بلدتي.
- لا تعتذري. . فأنا مندهش قليلاً لأنني وجدت هذا الإحساس المتوقد خلف ملامح وجهك الهادئ . . قالت بخشونة: أحاول السيطرة عليه قدر الإمكان. .
- وتنجحين بإعجاب. . لكن لماذا أوكلاند ؟إنها بعيدة جداً عن موطنك. .
هزت رأسها ولمعت أشعة الشمس على خصلاتها السوداء:
- اقترحت أمي عليّ هذا، مع أن زوجها أبدى الرعب للفكرة وهو شخص عزيز وطيّب ، لكنه من الطراز المتحفظ جداً. . لكن أمي أقنعته بأن أوكلاند هي المكان المنطقي للوصول إلي هدفي. . ولقد جاءت معي ، ورتبت لي أمر الوظيفة لأعمل كخياطة في محلات دوغلاس، ووجدت لي النزل لأسكن فيه.
منتديات ليلاس
- وكيف تستطيعين خياطة الستائر والوسائد والتنجيد في محلات للديكور الداخلي؟
- إنها مجرد وسيلة لكسب العيش ، وأنا أتعلم كثيراً.
- وماذا تحبين فعلاً أن تفعلي ناتالي ؟
- أحب أن أصنع أشياء جميلة. . فمنذ أن عملت في المحلات دوغلاس وأنا أري الكثير من الأشياء الجميلة: مفارش طاولات، مناديل، مفارش للأسرة وأغطية، وسائد . وأشياء كهذه. . وأرغب في أن أقدمها بدوري لمحلات الديكور أمثال دوغلاس. . وهي من الأشياء المميزة التي أستطيع صنعها. . وسوف أفعل يوماً ما . .
شجعها بصوت منخفض: جيد . . وهل هذا مربح ؟
استدارت إليه متهللة لهفة:
- أوه. . أجل ، لا تهتم النساء سوى بالأشياء التي تسترعي اهتمامهن بطريقة ملفتة جداً بغضّ النظر عن صانعها ، وهن يدفعن الكثير شرط أن تكون السلعة جميلة ومميزة عن غيرها.
ارتجف صوتها الجميل قليلاً وهي تشرح له عن الزبونات اللواتي يستخدمن المحل لمجرد إملاء وقت الفراغ، ثرثارات يشترين كل ما يستهويهن بغض النظر عن ثمنه أو نوعيته.وتراقصة أشعة الشمس على رأسها الصغير ، الكثيف الشعر، لتُضفي لوناً ذهبياً على بشرتها السمراء الفاتحة . . وجهها غير اعتيادي، وهو صغير بشكل غريب لفتاة قد تجاوزت عيد ميلادها الثاني والعشرين. .
كانت تسخر ممن يدعوها بالجميلة لأنها ليست كذلك وتضحك ممن يقول أنها تسرّ العين. . إنما في الواقع لم تكن صوتها عادياً . . كان عميقاً ، ومن المبهج جداً الاستماع إليه، وكانت محظوظة بامتلاك عذوبة ونشاط تعجبان كل من ينظر إليها بعمق. . بوجه عام، كانت حيويتها ، وجرأتها صورة مذهلة ! ابتسم دانيال ويبستر حين أنهت كلامها ، وكان بابتسامته مرارة ساخرة:
- أعرف هذه الأصناف. . نساء كهؤلاء يجعلن ريك دوغلاس سعيداً . . آه ، ها قد وصلت وسيلة إيصالي إلي البلد. .
كانت وسيلة إيصاله رجلاً طويل القامة، يتحرك بخطوات رشيقة سريعة فوق العشب. . رفعت ناتالي رأسها ، تبهرها الشمس ، لتنظر إلي وجهه وكأنه قد من حجر. . كانت القسمات البارزة بشكل خشن، أقل تأثيراً من عينين لامعتين شديدتي الزرقة، وفم رفيع ، مستقيم قاسٍ ، ترتسم ملامح السلطة عليه، حتى أن ناتالي أحست بالخوف. ارتفع ذقنها من دون وعي منها ، وقابلت التساؤل في نظرته بوقار ألزمها كل التركيز على قوتها لتحافظ عليه .
منتديات ليلاس
حيّاه السيد ويبستر بحبور:
آه تشاد. . مبكر كعادتك. . ناتالي ، هذا ابن أختي تشاد غرايزر. . تشاد، لقد سمعت بناتالي كونراد التي تتلطف دائماً بأن تمضي معي بعضاً من أوقات راحتها.
لم ترغب ناتالي لسبب ما في مصافحة تشاد غرايزر . لكنها بالطبع مضطرة، ولو أن لمسة أصابعه السمراء القوية حول أصابعها أرسلت قشعريرة في جسدها .
قال بوقارٍ متحفظٍ :
- آنسة كونراد. . أتعملين قريباً من هنا ؟
كان يتكلم بحد قاطعٍ مما زاد من صحة انطباعها الأول عنه أنه رجل خطير . . واقشعرّ جسدها مجدداً ، فسحبت يدها من يده. . إنه يحاول التأثير عليها، يعرف ما يفعل ، ويرغب أن تعرف هي كذلك. أجابت : أجل. . وأنت سيد غرايزر ؟
لمعت عيناه الشديدتا الحدة من بين رموشٍ كثيفةٍ تغطيهما. .
- لا. . مكتبي في المدينة.
كان يرتدي بذلة سوداء أنيقة التفصيل، كلّفت على الأرجح أكثر مما يصرفه زوج أمها على ملابسه في عشر سنوات. . كادت تهتز إجفالاً وهو يمرر عينيه عليها في تقييم شامل، قبل أن يصرف النظر عنها مع تصاعد اللون القاتم إلي بشرتها ، استدار إلي خاله يقول:
- أخشي أن يكون هذا وقت ذهابنا. . فأنت لا ترغب في أن يفوتك موعدك.
رد العجوز بحبور:- آه. . يُبقي الأطباء المرء منتظراً كعادتهم ! على أي حال أعتقد أنه كمن الأفضل أن نذهب . . وداعاً ناتالي.
- وداعاً سيد ويبستر. . وداعاً سيد غرايزر.
بدا متعجباً من مخاطبتها له ، ورفع حاجبيه السوداوين ليرد عليها : وداعاً . . ناتالي.
أبرز بهذا ، بدون لطف ، الفارق الاجتماعي بينهما. ونظر خاله بحدة إليه وكأنه يمرر ابتسامة اعتذار نحوها ، ولم يفعل أي شيء ليرد ، حينما قاده ابن أخته بعيداً . كانم يقوده بسرعة قدر استطاعته، وكأنما وجود ناتالي قد يصيبه بالبتلوث. أحست ناتالي بموجة إذلال ساخطة. . أخفت وراء هذا الإحساس شعوراً بالغضب والكبيرياء. . من يظن السيد تشاد غرايزر نفسه؟ لقد تعمد جرحها لتحس بأنها أقل شأناً ، وقد نجح في مسعاه. . وهذا ما يفعله المال والمركز لأشخاص مثله. عجرفة
منتديات ليلاس
اصطناعية وتعصب متكبرٍ ، وكأنه أكبر منها بكثير. . إنه لا يزيدها بأكثر من عشر سنوات، لكنه نجح تماماً في إظهار حجم الهوة بينهما والتي لا يمكن ردمها. بقيت على المقعد الخشبي الطويل ، عيناها ثابتتان على الرجلين وهما يبتعدان حيث تنتظرهما سيارة فخمة، بدت كبيرة قوية . . وباهظة الثمن. رقّت استدارة فم ناتالي اللطيفة . . ثم استرخت . فمن الغباء ترك الرجل يكدرها. وجدت نفسها لدهشتها تقسم بأن تشاد غرايزر سوف ينظر إليها يوماً ، ولن يجد ما يدعوه رفع حاجبيه بازدراء. . مندهشة للشراسة التي أقسمت فيها للقدر بوعدها ، فتتت كسرة خبز في يدها وقدمتها إلي العصافير الدوري الجريئة قبل أن تقف. لم يظهر السيد ويبستر في اليوم التالي ، ولا الذي يليه. ومر أسبوع دون أن يأتي، وبدا أنه خلال هذا الأسبوع قد انكمش، وأصبح متعباً وأكبر سناً. . ولم تحاول ناتالي إخفاء سعادتها لرؤيته. . فابتسمت له بدفء جعل ابتسامته ابتسامة دهشة. . وتَلَفظَََ بجملته المعتادة:
- كم تبدين ساحرة.
ضحكت ناتالي ، فثيابها جميلة وبسيطة، لكنها بعيدة عن أي طراز محدّد
- شكراً لك. . أواثق أنت بأن الطقس هذا لن يؤثر عليك؟ أجد صعوبة في أن أصدق بأن الشتاء على وشك الوصول . . لا زال الطقس دافئاً , والأيام جميلة صافية.
- آه .. انه الخريف .. هل تناولت غدائك؟
- لا .. سأتناوله ألان .. أكاد أموت جوعاً.أخذ يتكلم بسهولة وخفة وهي تزيل الأوراق عن سندويشاتها ، يشرح عما يحدث في المدينة. . واضح أنه يعرف الكثير من الناس الذين يتكلم عنهم ولم تفكر ناتالي يوماً بخلفيات حياته ، بل تقبلته كزميل لها في معانات الوحدة. . لكن ثراء تشاد غرايزر الواضح جعلها جعلها تتساءل لماذا يتنازل العجوز إلي الحديث مع فتاة التقاها على مقعد حديقة عامة.
منتديات ليلاس
وقال ملاحظاً : تبدين مفكرة.
مسحت أصابعها في منديل ورقي.
- كنت أتساءل كيف كان موعدك مع الطبيب.
ابتسم:
- أوه. . هذا. . مجرد فحص روتيني. . وكما توقعت كان عليّ أن أنتظر. . تشاد رجل نافد الصبر. . إنه ليس ابن أختي في الواقع، بل ابن أخت زوجتي الراحلة. وهذا ما يجعله يحس أنه قادر على إعطاء الأوامر لي.
- يبدو متغطرساً قليلاً.
ضحك:
- أجل. . أخلاقه منفرة. . حاله كحال جميع المحامين يرتاب دائماً بالدوافع والأفعال.
- لاحظت هذا.
- لكنه لامع الذكاء. . ومن الصعب جداً خداعه. كان ليصبح محامياً لامعاً وكاد أن ينجح في الجنايات، لكنه فضّل إدارة أموال وأسهم عائلته. . وهم زمرة ثرية جداً. . " عائلة غرايزر" . ويهتم تشاد بهم وبكل شيء: الأسهم الحصص ، عدة مؤسسات كبيرة، ومزارع. أوه. . مجموعة كبيرة من الأعمال. . إنه رجل صلب لكنه أهل للثقة، له من رجاحة العقل ما يجعلنا نحس بقلة الراحة معه.
جلس صامتاً يفكر قليلاً قبل أن يكمل:
- لكن لا داعي أن تقلقي بالك به وبطريقته المتعجرفة ، جئت أسألك ما إذا كنت ترغبين في تناول العشاء معي مساء الغد.
فغر الذهول فمها وعينيها ، وقال ضاحكاً:
- لا. . أنا لست عجوزاً قذراً. . أعدك. لكنني أحمل عبئاً منذ سنوات، وأظنك قادرة على مساعدتي به.
أحست بالفضول طبعاً فهي ساذجة في كثير من الأمور. . لكنها وثقت به غريزياً ، ولم يخطر ببالها أن الآخرين قد يستنتجون استنتاجاً خاطئاً عن موعد عشائهما. ولا حتى حين أوصلها التاكسي الذي أرسله إلي أحد المنازل الفاخرة ، في ضاحية فخمة من المدينة. كان العشاء فاخر التحضير. . وقد تمتعت ناتالي به. . جلسا معاً بعد العشاء يرتشفان القهوة أمام النار المدفئة. نظرت ناتالي حولها في الغرفة. . في الخارج، كانت قد ثارت رياح خفيفة. كانت الغرفة جميلة ودافئة. . وابتسمت لمضيفها.
وضع فنجان قهوته من يده بحركة حادة:
- أخبريني عن اسمك. . إنه جميل جداً. .
ضحكت:
- اسمي الأصلي ناتاليا، وهو اسم جدة أبي، وأرادني أن أحمله لأنه يحبها جداً.
حدّقت باللهب المتوقد بتعابير حزينة:
- أعتقد أن أمي قد أحبت أبي كثيراً لأنها كانت تتألم حين تحدثني عنه. . وبعد فترة من الوقت لم أعد أسأل. لكنني أعرف أن طفولته كانت تعيسة، وكانت جدته لطيفة جداً وتحبه كثيراً، لقد مات قبل أن أولد.
منتديات ليلاس
- حقاً ؟
كان في صوته رنة غريبة لفتت انتباهها . . لكنه لم يكن ينظر إليها:
- كانت جدتي تحمل اسم ناتالي أيضاً . . وكان لها عينان قاتمتان كعينيك، لدرجة لا يعرف المرء أكانتا سوداوان أم بنيتان. . وكان في عينيها شظايا ذهبية مثلك تماماً . . وحين كانت تغضب تتحرك الشظايا وكأنها ألسنة لهب.
توقفت أنفاس ناتالي في حلقها، ليصدر منها صوت غريب، جعله يرفع نظره إليه ، وشيء ما كالتوسل في عينيه:
- ماذا ؟ لا يمكنني ، لا يمكن. .
لم يتقبل دماغها ما كان يحاول الإحاء به إليها . . لكنه بادرها قائلاً بتحفظٍ:
- لقد كتبت لي أمك حين كانت في أكلند. . لم تستطع دفع نفسها للاعتراف لك. . مع أنني واثق أنها لم تكن تحتاج إلي أن تقلق . . فأنت لن تكرهيها بسبب ما فعلت.
- أمي . . وأنت ؟
هذا كثير. . انفجرت باكيةً وأخذت ترتجف خصلها السوداء وهي منحنية الرأس فوق وسادة الصوفا . تركها تبكي لبعض الوقت. . لكن حين لم تبدِ دموعها دلائا على التوقف، تقدم إليها ليقول بهدوء:
- هس عزيزتي. . ستسببين صداعاً لنفسك لو استمريت في البكاء أكثر تقبلت المنديل وبدأت تجفف دموعها ، وجعلها ترتشف المزيد من القهوة الساخنة ، ثم أمسك يدها وسألها:
- هل لي أن أخبرك كيف حدث هذا ؟ إذا أردت بعد ذلك العودة إلي المنزل، سأستدعي تاكسياً ولن ترينني مرة أخري. وأرجو أن أجد في طيات قلبك مكاناً للغفران.
كانت قصة عادية. . قصة رجل أرمل مع ولدين يجد نفسه مكبلاً بهما، وسكرتيرة شابة وفاتنة قادمة من مدينة أخري. . جمعتهما الوحدة دون إرادة، وبدافع من حاجتهما المتبادلة للمؤاساة. . تزوجا سراً. .
منتديات ليلاس
- حين أخبرتني أنها حامل، عرضت أن أخبر أهلي . . لكن فيوليت، أمك رفضت، فقد كانت تعرف أن الزواج بيننا غير متكافئ، ولن ينجح. . تركتني فجأة وغادرت إلي ويلنغتون، إلي صديقة لها هناك. . بالطبع توليت إعالتها. . حين أنجبتك، كتبت لي أنك جميلة، سوداء العينين والشعر، تملكين بشرة سمراء كالزيتون. . فطلبت منها أن تسميك ناتاليا. .
هزت ناتالي رأسها. . تبتلع ريقها بصعوبة. . وركزت عينيها الموروثتين عن جدتها عليه وهو يكمل:
- كما قالت لك أمك . . كانت طفولتي تعيسة متجهمة. . وكانت جدتي هي لمسة الإشراق الوحيدة فيها . . حين تزوجت أول مرة، كان زواج مصلحة، دون حب. . أردت تسمية ابنتي على اسم جدتي، لكن زوجتي رفضت بعناد ، لأنها وجدت الاسم غير لائق. وسمت ولدينا آنا وريتشارد . وأنا سعيد لهذا الآن ، فابنتها تشبهها . . لكن أنت . . أنت جدتي ، وقد تجسدت مجدداً. . كانت سليلة أسرة اسبانية عريقة. . وكان جسمها صغيراً مثلك ولها نفس الضحكة الدافئة، والصوت الجميل. .
- أنا . . مسرورة لهذا. .
نظر إليها بمزيج من اللهفة والندم:
- حقاً ناتالي ؟ أرجو هذا . . وأدرك تماماً الصدمة التي أحسست بها الآن .
- لماذا لم تقل لي أمي إنك لا زلت حياً ؟ لطالما تساءلت كيف شكل أبي . . أعتقد أنني أعرف الآن سبب ادعائها أنها أرملة، لكنني أتمني لو كنت أعرف الحقيقة. . كل ما قالته عنك هو إنك . . كنت لطيفاً وذكياً. ابتسم بسخرية، وامتلأت عيناه بالحزن:
- وهي كذلك كانت لطيفة
ساد صمت مثقل بالذكريات، إلي أن سألت ناتالي:
- وهل بقيتما على اتصال؟
- لا. . فما إن بلغتِ سن الدراسة حتى رحلت إلي " ساوث آيلند" رافضة أن أعيلكما أكثر . . كتبت لي قبل رحيلها تقول إنه من الأفضل للجميع أن تتوقف العلاقة عند هذا . . وطلبت أن أطلقها . كانت حياتي في ذلك الوقت تمر في فترة مضطربة. . واخشي أن أكون أحسست بالارتياح لهذا. . لسنوات طويلة نسيت وجودكما، ولو ليس تماماً.
ابتلعت ناتالي ريقها بصعوبة ونظرت إليه، بعينين مبللتين:
- أتمني لو كنت أعرف . . لكان الأمرُ رائعاً.
منتديات ليلاس
أطرق يقول ببساطة: أنا آسف.
هزت رأسها :
- لا. . لا تكن آسفاً. . لقد كان لدي طفولة سعيدة. . لكنني فقط كنت أتساءل عن أبي.
- حسناً. . أصبحت الآن تعرفينه.
ساد الصمت مجدداً، لكنه صمت مريح. . طقطق حطب المدفئة بصوت منخفض. كانت تتمدد على السجادة كلبة جميلة، ودّية. . وبدا من الغريب جداً كيف تقبلت ناتالي واقع أن هذا الرجل هو والدها. . وأحست أنها في بيتها.
قالت بعد قليل:
- قلت أن أمي كتبت لك . . متى كان هذا؟
- حين جاءت معك لتطمئن على استقرارك هنا. قالت ستشعر بسعادة أكبر بأن شخصاً مثلي سيرعاك. . وأعطتني الخيار في أن أقابلك أولاً.
تنهد:
- ولقد دهشت لاكتشافي بأن عندي رغبة قوية بمعرفة ابنتي الأخرى.
- وهكذا سعيت إليّ.
- أجل. . فكرت أنني قد أسهل عليك الأمر لو أعطيك فرصة لتحبيني أولاً .
هزت ناتالي رأسها. . ربما أراد أولاً أن يعرف كيف تبدو هذه الابنة المجهولة قبل أن يلزم نفسه. .
- ناتاليا . . هل أمك سعيدة ؟
بدت عليها الدهشة:- أجل . . أجل هذا ما يبدو لي. . لماذا؟
- لأنها طلبت في رسالتها أن لا نعلن علاقتنا. . والسبب الذي أعطته هو أن زوجها سيجد صعوبة أن يسامحها لخداعها له.
- خداع . . أوه. طبعاً ، أعتقد أنه تقبل أنها أرملة ، كما تقبلته أنا . أجل. . إنه متشدد جداً في وجهات نظره. . وقد يجد كذبة كهذه لا تغتفر. . إنه طيب ومستقيم. . ومع أنه قد يسامح أمي، لكنه قد لا يمكن من الثقة بها مجدداً.
هز رأسه ليقول بهدوء:
- مسكينة فوليت. . إذن لا يجب أن ندمر سعادتها. . وهذا لسوء الحظ يعني أن الصلة الحقيقية بيننا يجب أن تبقي سراً. . وهذا ما قد يسبب ببعض الكلام.
منتديات ليلاس
انتشر الاحمرار السريع على بشرة ناتالي ، لكنها قالت بجرأة:
- أنا لا أهتم. . إذا كنت أنت لن تهتم .
- أخشي أن لا يكون لديك فكرة عما سيكون الكلام. . ستكون الشائعات من نوع البذيء . ز وبما أنني لن أستطيع المخاطرة في إخبار ابني وابنتي بأمرك. . قد أصادف أوقاتاً سيئة هنا كذلك. .
جعلها شيء ما في صوته ترفع رأسها ، لتقول مترددة:
- يبدو عليك وكأنك لا تحبهما كثيراً . . أو تثق بهما.
- هذا مكرٌ منك . . لا . .أنا لا أثق بهما . . أعتقد أنني وأمهما قد أفسدناهما. . لقد تربيا في جو من الارتياب والكراهية وحاولنا أنا وأمهما التعويض عن هذا بتدليلهما ، والنتيجة كالعادة.
قالت وصوتها متلون بمعرفتها المفاجئة عما سيكون هناك في انتظارها:
- ليس بالضرورة أن أقابلهما.
- وهذا ما أطنه الأفضل.
تنهد يمسك بيديها وينظر إلي عينيها بنظرة ماكرة متفهمة للحياة:
- ربما. . من الأفضل أن تفكري بالأمر ناتالي . . لا. .لا تقولي نعم بعد . . أنت الآن غير متوازنة. . سيصل التاكسي في أية دقيقة الآن ليأخذك إلي النزل. حين تصلين هناك فكري بحذر شديد. ز فسيكون زياراتنا للحديقة عُرضة للكلام الخبيث والسخرية، ولا أريدك أن تتأذي . . سأفهم لو فضلت أن لا تعرضي نفسك لمثل هذا . . فأنت لا تدينين لي بشيء.
بدا مستوحداً وهو يلوح لها مودعاً ، عجوز، ومتعب. . لا صحبة له سوي الكلب الصغير. . ربما هذا ما اتخذ عنها قرارها، وهذا ما حدث وهي تتجه إلي الحديقة العامة في اليوم التالي، فالشمس مشرقة والسماء صافية مع أن الحدائق كانت لا تزال تلمع بزهور الصيف، إلا أن من السهل تقبل أن الشتاء ليس ببعيد. . كالعادة ، كان جالساً ينتظرها على المقعد الخشبي ، وأسرعت نحوه تنير ابتسامتها وجهها، تتلاعب الريح بخصلات شعرها الأسود القصير تدفع باللون إلي وجنتيها. حين اقتربت تعثرت خطواتها . . لم يكن الجالس هناك والدها . . بل ابن أخته تشاد. . كان يستند إلي مؤخرة المقعد، ساقاه الطويلتان ممدودتان، تعابير وجهه مفترسة. حين وصلت بقي كما هو وتسمرت عيناه البراقتان في وجهها بشكل مهين. كان الذعر من أول ردود فعلها . . وسألت مترددة:
- هل . . من خطبٍ؟ هل السيد ويبستر بخير؟
رد بكلمات باردة عن عمد ، مليئة بالسخرية:
- ليس مريضاً، ولا متعباً . . اجلسي ناتالي. .
شدت فمها لكنها أطاعت إشارته الكسولة، وجلست بعيدة عنه بقدر ما سمح المقعد الخشبي الطويل.
ابتسم وقال متشدقاً:
- فاتنة. . أجل،أستطيع أن أري ماذا يريد دانيال . . يريد شبابك، وجو النضارة البريء . . لكن ما أفشل في فهمه، هو ماذا ترين أنت فيه. . المال كما أعتقد.
كان ينظر إليها بعينين نصف مغمضتين، يراقب تلاشي اللون عن بشرتها ، ليتركها صفراء مذهولة.
أكمل بهدوء:
- لديه الكثير من المال. . فهو لم يكن محاسباً ناجحاً مقابل لا شيء. . إذا كنت تتوقعين الثراء من ورائه، فكري مرة أخرى.
إذن لقد بدأت المعركة. . جهلها التعبير المتذاكي الذي على وجهه تشعر بالغثيان . . لكنها رفعت رأسها بكبرياء .
- أنت تفترض أشياءً لا داخل لك فيها ؟
- عزيزتي . . أعرف أنك ذهبت إلى منزله ليلة أمس ، ولم تخرجي قبل الحادية عشرة!
تراجع في المقعد إلى الخلف ، ودس يديه في جيبيه. . راقبها من تحت أهدبه الطويلة ، وضاقت عيناه في مواجهة الشمس.
- مهل تمتعت بتجسسك علينا سيد غرايزر؟
ابتسم بلؤم:- لدي أشياء أفضل بكثير أفعلها بدلاً من اللحاق بساقطة جميلة و صغيرة في شوارع أوكلند . . كان يكفي إجراء بضع مكالمات هاتفية لأحسم الأمر.
انبعثت من اعماق عينيها الشرارات الذهبية إلى الحياة. . وتملكها غضب بارد . . وقفت بسرعة تقول بصوت جلي : وداعاً سيد غرايزر.
و ابتعدت عنه بسرعة، ظهرها متصلب حتى كادت تحي به ينشطر.
لم تتوقع منه اللحاق بها ، حتى ان صوته من خلفها جعلها تجفل وتتعثر. . أمسك بها على الفور ليوقفها . . صاحت به بوضوح مثلج :ابتعد عني.
نظر اليها من ارتفاع هامته. تلاشت كل التعابير من قسماته الجافة:
- سأبتعد بعد أن تسمعي الى ما سأقوله. . إذا كنت بريئة كما يقترحه احمرار وجهك ، فقد يوفر عليك هذا ألم القلب .
منتديات ليلاس
ترددت فأكمل بوقار:
-أظن من الافضل أن تسمعي ناتالي. . أين هم و الديك؟
في جزيرة " ساوث ايلند".
نظر إليها طويلاً، ثم ايتسم ابتسامة فاتنة لا تقاوم.
- ما كان يجب أن يتركاك تأتين إلى هنا وحدك. . كم عمرك؟أجفلت ناتالي لهذه الفتنة غير المتوقعة. . و اتسعت عيناها وهي ترد:
- اثنان وعشرون. . وهذا سن ليس صغيراً جداً لأن أطرد من " العش".
- أهذا ما حدث؟ طردوك من العش؟
- لا! كنت . . كنت أتكلم مجازاً.
- طالت الابتسامة التي حوّلته إلى رجل جذاب جداً. .
- فهمت . . اثنان وعشرون سنة في حماية كاملة. . وبكل تأكيد حان الوقت لأن يعلمك أحد وقائع الحياة. لكن لا يجب أن يكون دانيال. . وتعرفين هذا.
- لكنه ليس. . .
صمتت تشيح برأسها ، تدرك ببؤس أن عليها الحفاظ على سرّ أمها. . قال بصوت لطيف، مما جعل نبضاتها تتسارع:
- إنه كبيرُ بما يكفي لأن يكون و الدك! لا شك أن أمك حذرتك من المدينة الكبيرة المليئة بالرجال السيئين. . يعرف دانيال تماماً أن لك جسداً نحيلاً مغرياً. . وبشرة كأنها الحرير، وعينين سوداوين . . لقد تناقشنا بأمرك يوم أخذته إلى أوكلند. ردت بخشونة غاضبة للتسلية المزدرية في كلماته. - لا أصدقك . . لن أستمع إليك تقول مثل هذه الأشياء الفظيعة . . أنت لست بالنسيب المخلص.
سخر بها:
- أوه. . أنا رجل محنك. . و كذلك دانيال. .
و لن تكوني الأولى . منذ موت خالتي تتواجد نساء كثيرات في حياته. . كلهن أصغر بكثير منه. . كان دائماً هكذا . . و خالتي كانت أصغر منه.
- لست مضطرة لأن أستمع إلى . . هذا الكلام السخيف.
واستدارت لتبتعد عنه . . لم تكن ترغب في شيء أكثر من أن تصرّح بالحقيقة في وجهه، حول علاقتها بعمه . . لكنها لم تستطع . جعلتها يده على مرفقها تقفز رعباً . . لم تكن قبضة مؤلمة لكنها أحيت بنفاد الصبر في أصابعه الطويلة.
منتديات ليلاس
حذرتها غريزة ما بأنه في هذه اللحظات قد يرغب بأن يؤلمها ، وسيستغل أصغر عذر يُتاح له.
- بلى . . ستستمعين إلي أيتها الحمقاء الصغيرة . . ألا ترين . .
- كل ما أراه أمامي هو رجل يتدخل في شيء لا علاقة له فيه . . هل عيّنتك عائلة دانيال لتراقب مصالحها؟ كان يجب أن تختار مرتزقاً أكثر ملائمة منك . . فقد أكون ساذجة وآتية من مناطق ريفية . . لكنني أكره أن يتعالى عليّ أحد.
ضاقت عيناه في نظرة متشدّدة مركزة:
- وهل قلت إنك ساذجة ؟ كم هذا غباء مني . . لا شك أن احمرار وجهك من تجهيزات العمل . . حسن جداً ناتالي .. كم؟
كادت أن تهوي من لهجته الرسمية الباردة القاطعة . . وقفت فاغرة الفم صامتة إلى أن استقرت الإهانة في دماغها ، فابتلعت ريقها وشدت قبضتي يدها.
قال بنفاذ صبر :
- هيا . . لا داعي للتظاهر بعد . لقد كدت تخدعينني، و انصحك بتجربة العمل في التمثيل.
- أنت . . أيها . . أيها . .
قاطعها بحدة : كم؟
وكان صوته خنجراً وهو يسمي مبلغاً جعلها تشهق مجدداً. و أكمل بلهجة الآمر:
- فكري . . إنه مبلغ معقول جداً . . ولن تضطري إلى النوم مع عجوز لتحصلي عليه. راعتها المباشرة الفجة في مساومته، فابتسم ساخراً، يمد يده ليدفع خصلة شعر إلى وراء أذنيها:
- أنا واقعي . . لا تقرري الآن . . سآخذك الليلة إلى العشاء ،وستعطينني ردك.
جعلتها الطريقة التي كان ينظر فيها إليها متوترة، و قالت باختصار: لا . . شكراً.
قال بوقاحة:
- يمكنك أن تفيدي نفسك أكثر مما سيفيدك دانيال.
- إذا كنت تعني ما أفكر به . فالرد لا . . قطعاً.
ارتبكت بشكل لا يصدق و لم يكن صوتها مرتجفاً . . لا يمكن لهذا أن يحدث لي . . لكنه يحدث . . هي ناتالي المتحفظة و التي لا تملك خبرة عما يسمونه بالحب! يخطئ هذا الرجل الظن بها على أنها "ساقطة"!
منتديات ليلاس
أكمل كلامه بهدوء توضح نظرته ما سيتحدث عنه تماماًً:
- أظنك ستتمتعين بالبديل أكثر من الطريق الذي اخترته . . دانيال ليس أخرقاً ولا فاقد الكفاءة . . لكنه عجوز. .
كان تشاد غرايزر يجبرها أن تواجه حقيقة بشعة . . فلهجته الساخرة المحنكة، تقطع براءتها إرباً . . كرهته في تلك اللحظة، كرهته كراهية ازدادت قوة مع الجاذبية الحقيقية التي شعرت بها حين ابتسم لها . وكان يتعمد الابتسام ليفتنها حتى تستسلم . .وليفعل هذا استجمع جاذبيته التي لا شك بأنه استخدمها آلاف المرات من قبل.
قالت ببرودة : ربما هذا ما أريده. .
قال بازدراء متوحش :
- فهمت . . أنت لست مستعدة لكسب مالك بشرف . . فليكن إذن . . لقد بدأت المعركة . . ولا تأتي إليّ متذمرة تطلبين الرحمة في أية مرحلة قادمة . . وإلى ان انتهي منك ناتالي ستتمنين لو أنك قبلت عرضي . . لا يمكن أن تكوني قد تعلمت الشيء الكثير عن العلاقات بين المرأة و الرجل بعد.
انتزعت مرفقها منه، خائفة من البرودة في لمسته ووجهه وكلمته: دعني!
تصلب جسدها الشاب أمام موجات الغضب التي أحست أنها تكاد تغرقها ، و اشتدت قبضتاها إلى جانبها.
- بإمكانك أن تذهب . . إلى الجحيم!
واستدارت مبتعدة . .
أحست به يراقبها . . وسارت مسرعة تحت الأشجار المائلة الغصون إلى البوابة حيث كوخ لبيع الزهور . . ووصلت إليها رائحة عطرة جميلة ، كانت عادة تقف لتبدي الإعجاب بأوراق الزهر المخملية، لكنها اليوم سارعت تمر بها دون أن تراها . . كانت رغبتها الوحيدة تتمثل في وضع أكبر مسافة بين نفسها وبين تشاد غرايزر، بأسرع وقت ممكن.
أنت تقرأ
شمعة تحت المطر_للكاتبة روبين دونالد
Romanceكان هناك سحر مخيف في تشاد غرايزر يجذب ناتالي كونراد فتاة الريف الساذجة، لم تستطع مقاومته. . . وكان هناك بالمقابل كراهية واحتقار جارفين في نفس تشاد تجاهها، سببهما الظاهر علاقتها المشبوهة مع خاله، ولم تكن نتالي مستعدة للتخلي عن هذه العلاقة بأي ثمن...