قلوب قلقة

11.8K 286 17
                                    


أحست حين استيقظت بصداع رهيب ، وبإحساس كارثة قادمة بقوة . . حتى أنها بعد ان أخرجت بيتسي في نزهتها الصباحية ، كانت لا تزال متأثرة بذلك الإحساس . خف الصداع لكنها أحست بالبرد والارتجاف ، وكأنها ستصاب بالأنفلونزة . كانت مع وصول تشاد مكورة في مقعد بذراعين ، تشرب الشاي بالنعناع . . وقال معلقاً وهو يمسكها بيديه :
- تبدين كالأموات .
منتديات ليلاس
تحركت عضلات عنقها الصغيرة وهي تبتلع ريقها بصعوبة . حين تمكنت أخيراً من الكلام بدا صوتها خشناً ، ومنخفضاً .
- أنا . . تشاد ، أنا لن أتزوجك .
جمد بقوة . . ثم اقترب حاجباه من بعضهما . . وقال بهدوء :
- لقد مررنا بكل هذا أيتها السخيفة . . هل بقيت طوال الليل ساهرة لتقوي عزيمتك ؟
كرّر بثبات ، مترنحة قليلاً : لن أتزوجك .
مدّ يده بسرعة ليثبتها ، فأجفلت للمسته . . اشتدت أصابعه عليها بقوة ، ثم استرخت ، وقال بنعومة :
- بلي ، ستتزوجيني عزيزتي . . أنت الآن متعبة ، مرهقة . .
- توقف عن معاملتي وكأنني مراهقة هسترية .
كان في صوته العميق حدةٍ أو سخرية :
- أنت تتصرفين كواحدة . .
- لا . . بل إنني أتصرف بتعقل أخيراً . وإذا لم تكن تريد أن تتقبل واقع أن الزواج بيننا سيكون كارثة ، يجب عليّ انا أن أكون متعقلة . . لن ادخل ميدان معركة وأنا أعرف أنني انتظر الموت .
ابتسم واثقاً بنفسه :
- يا له من دماغ صغير عندك ، يا حلوتي . . أعدك انني لا أنوي قتلك .
قالت بجرأة ، تتراجع عنه وهو يقترب منها :
- سيكون الزواج بك موتاً بطيئاً .
- كلامك سخيف ، وتعرفين هذا .
كانت عيناه مركزتان على وجهها ، وشاهدت وهي تدير رأسها عنه لهيباً مفاجئاً يشتعل في عمق عينيه الزرقاوين . .
منتديات ليلاس
شهقت : لا !
لكنه ضحك وأمسكها بكتفيها ، يضمها دون شفقة أو حنان .
حين أصبحت مثقلة العينين ، ترتجف ، أرخي ذراعيه عنها وأرجع رأسه قليلاً إلي الوراء . .
قال بصوت أجش ، يمتزج مع النصر في صوته :
- أرأيت . . قولي لي الآن إنك لا تريدينني .
رفعت رموشها تنظر إليه ، تستدعي احتياطي الشجاعة في نفسها :
- أنا لم أقل بأنني لا أريدك . . لكنني لن أتزوجك .
تركها يسأل :
- أخبريني لماذا ؟
- لقد أخبرتك لماذا . . ما بيننا هو المشاعر الجسدية . . وهذه المشاعر تزول ، ولا حاجة لأن أقول لك هذا . فماذا سيحدث لنا حين تكتفي مني ؟ تقول إنك لن تطلقني ، لكنني لن أعيش معك وانا أعرف أنك تكرهني ولا تريدني . هل تظن أنني أهوي تعذيب نفسي ؟
منتديات ليلاس
قال وغضبه يرتفع ليماثل غضبها :
- أظن أنك امرأة غبية . . أو ربما فتاة صغيرة غبية ، وهو وصفٌ أفضل لك . هل فكرت ماذا ستفعلين بأمك إذا لم تتزوجينني ؟
- لماذا لا ترد عليّ ؟
راقبها من تحت رموشه مفكراً . . وعرفت أن افتراضها ليلة أمس صحيح . . فهو قادر على إصابة شخصيتها بضررٍ كبير بحيث لا يمكنها العودة العودة إلي ما كانت عليه إطلاقاً .
قالت بشدة : لن أتزوجك .
جذبت الخاتم الذي اختاره لها من أصبعها ، ومدّت يدها إليه ترتجف .
قال ، دون أن يتحرك ليأخذ الخاتم :
- تعملين على مبدأ ان ما يقال ثلاث مرات هو صحيح .
- بل أعني ما أقول .
هز رأسه :
- أجل . . أري أنك تعنين ما تقولين . . لكنني قادر على جعلك تغيرين رأيك .
هزت رأسها بدورها :
- لا. . يمكنك الضغط عليّ . . لكنني لن أغير رأيي .
أخذ الخاتم منها ، وأحذ يقلب الشيء الجميل في يده ورأسه محني . . ثم قال :
- حسن جداً إذن . . لا شيء بعد يقال .
ارتفعت يدا ناتالي إلي قلبها . . لقد توقعت . . أوه . . توقعت أن يضربها ، يهددها ، يتوعدها بالشر . . لكن هذا القبول الهاديء أربكها . . وراقبته صامتة يسير عبر الغرفة نحو الباب ، وجسده الرشيق متوتر.
قال بهدوء عند وصوله إلي الباب :
- لا داعي للقلق حول سرّ امك . . فلا أنوي أن أقول شيئاً لزوجها .
منتديات ليلاس
امتلأت أذناها بضربات قلبها الراعدة ، وأحست بالضربات تحت يدها ، وكأنما قلبها يريد الانفلات من سجن اللحم والعظم . . وهذا ما منعها من سماع ما قاله لبيتسي ، لكنها سمعته ينادي ، وينادي ، وينادي ثانية ، وكانت تركض نحوه حين سمعت صرير المكابح ، وعواءها القصير .
صاح بها تشاد من فوق كتفيه : إبقي هنا .
لكنها كانت خلفه حين وصل إلي السيارة وسائقها المرتجف المحتج . . وتوقف قرب الكومة الصغيرة من الفرو التي كانت بيتسي ، وقال السائق :
- أحمد الله أنني بالكاد كنت أتحرك . . لا يمكن أن تكون قد ماتت بالتأكيد ؟
لا مست يداً تشاد الجسد الساكن ، ثم بعد لحظة :
- لا . . إنها حية . . ربما ضلع مكسور أو ضلعين. هذا كل شيء .
وقف . . وأدركت ناتالي في لحظتها فقط أن الدموع تغرق وجهها . . وقال بلطف :
- حبيبتي ، اذهبي واتصلي بهذا الرقم . . إنه رقم هاتف طبيبنا البيطري . . سأضعها في السيارة .
عادا بعد ساعتين إلي المنزل ، وبيتسي هادئة بالرغم من إصابتها ، لا تزال مسترخية بسبب المخدر الذي أعطي لها . وزوّدها البيطري بقفص وضعه تشاد لها في بقعة مشمسة قرب الباب .
منتديات ليلاس
قالت ناتالي مرتجفة :
- من الغباء التعلق هكذا بالحيوانات الأليفة .
- لماذا ؟ إنها صغيرة محبوبة ، ومليئة بالمرح . . هل يجب أن يكون المرء قاسي القلب جداً كي لا يشعر نحوها بشيء ؟ أنت لست قاسية القلب ناتالي .
- حين سمعت السيارة فكرت : هذا كل شيء الآن ! لم يعد لي شيء ، كل شيء ذهب وانتهي .
قال تشاد بسهولة :
- أوه . . إنها سالمة . . لا تقلقي عليها . . سأصنع لك بعض القهوة .
وهذا ما أعطي ناتالي فرصة لاستعادة رباطة جأشها . . وهو يتحرك في المطبخ الصغير ، أخذت تراقبه وقلبها في عينيها . . وشربت القهوة وهي تستمع إلي رنة صوته . . كان يعاملها بأفضل طريقة ، يخفف عنها صدمتها بحديثه الهادئ .
قالت له بامتنان بعد أن أتمت القهوة تأثيرها المهدئ.
- أنت تمتلك مهارة في معاملة الناس . زادت ابتسامته الكسولة على تعابيره نعومة متوقعة .
- هذا من ضمن تدريبات كلية الحقوق ناتالي . . ما الذي دفعك لرفضي هذا الصباح ؟
- لن أستطيع تحمل العيش معك وأنا أري ان ما تشعر به نحوي يتحول إلي عدم اكثرات بل إلي كراهية .
منتديات ليلاس
- ولماذا يحدث هذا ؟
- أليس هذا ما يحدث عادة ؟ انت بحاجة للحب ، بكرم ودون انانية ، لتعيش سعيداً إلي الأبد . . مع ذلك أحياناً لا ينجح الزواج .
سألها بنعومة :
- هكذا إذن ؟ ألم تعرفي بعد أيتها الأرنبة الصغيرة السخيفة أنني أحبك ؟ احبك بيأس لا أستطيع الصبر معه ؟ واظنني كنت هكذا منذ اول مرة رأيتك فيها تقريباً ؟
حدقت ناتالي به مذهولة ، عيناها متسعتان من الصدمة . . ثم قالت وكأنها فاقدة الحس :
- لا أصدقك .
هز كتفيه :
- أجد صعوبة في تصديق نفسي . . لكنها الحقيقة .
أبعدت نظرها عن عينيه المشتعلتين ، لتضم يديها في حجرها بشدة ولتوقف الارتجاف الذي كان يجتاحها . .
- لا . . ليس منذ البداية . . فقد كنت تظنني فاسقة ، وقلت لي هذا .
كشّر:
- لو كنت أذكر جيداً ، فأنا قلت لك إنك فاسقة صغيرة جميلة . . ولو لم أقع في حبك ، فلماذا لم أتركك وأبتعد ؟ لأنني لم استطع . أردتك أكثر من إرادتي أن آكل أو أنام أو أتنفس .
رفعت عينيها لتنظر إليه :
- لماذا ؟ أعني ما أقول تشاد ، أنا لست من صنفك المعتاد من النساء . . فلماذا تحبني ؟
اقترب ليجلس قربها :
- ربما السبب هو أنك لست من النوع المعتاد . . لقد التقيت بأونا ، وهي صنفي المعتاد . . جميلة ، ذكية جداً ، قوية الإرادة بحيث أن علاقتنا لن تترك أي أثر في قلبي ، ومرغوبة جداً .
منتديات ليلاس
أحست ناتالي بغيرة شرسة جعلتها تغمض عينيها . . فابتسم :
- أعرف لماذا أحبك . . لكنني لا أعرف إطلاقاً لماذا تحركينني بقسوة . . لا أعرف السبب . . أهو التجاذب الكيميائي ؟ التناغم ؟ كل ما أعرفه انني حين رأيتك أول مرة ، تجلسين إلي جانب دانيال ، والشمس تلتمع في تجاعيد شعرك . . أحسست بخفة استسلام . . وكأنك لي . وكأننا كنا زمناً لبعضنا ، ثم تفرقنا ، والتقينا مجدداً بعد دهور من التفتيش .
كان يتكلم بفتنة . . تسحر كلماته المغوية قلبها ومخيلتها ، ولم تعد تتحمل قربه منها . . اعترافه بحبها لم يكن متوقعاً حتى أنها لم تستطع حتى الآن تقبّله ، فوقفت على قدميها قائلة :
- لكن هذا لم يكن . . لقد كنت قذراً تماماً معي .
- هذا طبيعي . . كان واضحاً لي أنك متورطة مع دانيال . ولم أصدق أن علاقتكما جسدية ، لكن لم أجد تفسيراً آخر . . فقد كان الرباط بينكما قوياً جداص . . وكانت الغيرة تنهشني بوحشية . . وكرهت أن أكون قربك .
- مع ذلك كنت تأتي لرؤية دانيال .
- كانت تلك الأمسيات بعد أن وقعت في حبك . . كنت جريئة ، مستقلة ، وذكية ، وأردت كل هذا . . حنانك ولطفك ، وكل شيئء فيك . كنت تبتسمين لدنيال . . وكنت انا على استعداد ان اجثو على ركبتي في سبيل ابتسامة مماثلة لي .
قالت من بين أنفاسها :
- لو كنت أعلم . . لكنت وقعت في حبك منذ ذلك الوقت أيضاً . . لكنني لم أتعرف على ما تشعر به .
- إذن لماذا رفضتِ الزواج مني ؟
ابتسمت :
- لأن إحساسك بالذنب هو الذي دفعك إلي طلب يدي ! أردت . . أردت أكثر من هذا بكثير منك . . أرتك انت ، وليس فقط سعادة ما تعطيني . . أنا جشعة . . وإذا لم أستطع ان أحصل عليك دون شروط او حواجز فلا أريدك . .
ساد صمت طويل ، وبدا ان تشاد يفكر بكلماتها ، يبحث عما فيها من معاني . حين رفع رأسه ، كانت عيناه مليئتان بالمرح .
- هل أقول لك ما أشعر به نحوك ؟
- إذا أردت هذا .
ضحك ضحكة غريبة وكأن ردّها جرحه . ثم قال بخشونة :
- أستطيع ان أتعامل بالكلمات بأفضل طريقة . . لكن حين أحاول تصور حياتي دونك يلتصق لسلني بسقف حلقي . . ولو تركتني . .
توقف ليبتلع ريقه بصعوبة . . أمر لا يصدق . . وكانت عيناه مثبتتان على الأرض :
- أرعبتني الفكرة ولم أجرؤ على تصورها . . من المستحيل عليّ تصور أي نوع من الوجود دونك .
تحركت ناتالي بقلقٍ ، وكان صعباً عليها ان تصدق ان تشاد الساخر ، المحنك ، هو الذي يتحدث باكتئاب شديد . وتملكها الفرح لكن ليحل مكانه على الفور خوف شديد . . لكنه أكمل :
- يا أعز ما في قلبي ، كيف يمكن لي أن أقنعك ؟ لقد تصرفت معكِ كمتوحشٍ ، أُرهبك لأنني كنت أغار مما كنت تشاركينه دانيال ، بجرأة وشراسة . . ألا يمكن أن تصدقي ان قوة مشاعري هي الدليل على السلطة التي لك عليها ؟
منتديات ليلاس
-  لكن . . ما إن اكتشفت من أنا ، حتى لم يعد لك سبيل للغيرة .
تنهد ، ينحني إلي الأمام ، يمد يده ليمسك يدها ويشدها إلي جانبه .
- كان كل حبك وابتساماتك ، واهتمامك ، لدانيال . وأردتك لنفسي . . ألديك فكرة عما تفعله الغيرة ؟
- قليلاً .
- أنا مسرور لهذا . . هذا يجعل منا على الأقل اثنان يعانيان منها . بالنسبة لي كانت أول مرة . . فأنا لم أهتم بامرأة إلي درجة أن يزعجني أن لا يكون اهتمامها كله لي .
استدار ليضع ذراعه حول كتفيها :
- كان هذا نوع من العبودية المريرة ، عبودية لمشاعري . . واضطررت لمتابعة زياراة دانيال لأنها الطريقة الوحيدة لأراك . لكن يا إلهي كم حسدته على ترابطه معك ، كرهت نفسي ، لكنني كرهتك أيضاً . . لقد وهنت إرادتي ، وأظنني جننت لفترة ما .
منتديات ليلاس
تنفست بارتياع وبحدة . . حذرها الإذلال الفج في صوته أنه بالرغم من كل حبه لها ، لا يزال يري مشاعره كنوع من الضعف . . ستكتشف السبب في يوم ما ، حين يستطيع أن يتحمل القول لها ، اما الآن فهي لا تريد سوى التخفيف عنه . صمت بخجل ، يده بين يديها الصغيرتين تشد بقوة على الأصابع النحيلة . . وقالت :
- انا آسفة . . بالرغم من كل شيء كنت لطيفاً معي . . لقد كنت في مزاج خطير ، حتى كان بإمكانك قتلي .
قال باكتئاب :
- ليس تماماً . . فلم أكن أريد موتك . . بل كانت مشاعري مزيجاً من الحقد والرغبة .
- أهذا ما كنت تعنيه بقولك ان هناك سبب لكل شيء مهما كان رهيباً ؟ تذكر أنك جعلتني أعترف بأنني ، وفي ظروف محددة ، يمكن أن أقتل ؟
- أعتقد هذا بطريقة ما ، ما عدا أنني كذبت أوهامي ، بتصور أنك تحت رحمتي تماماً ، كنت أتظاهر أنني سأسلب قلبك بغزلي ، ثم أتركك تتوسلين إلي جاثية على قدمي . لكن ، طوال الوقت ، كنت أعرف أنني لن أمتلك القوة لأبعد عنك . . وأنني بدلاً من تركك ، سأعطيك حياتي وشرفي وقلبي .
جلست ناتالي جامدة ، متوقفة الأنفاس . . أدارت ببطء رأسها ، ترجعه إلي الوراء لتركيز نظرها على وجهه . .
- يا إلهي ! أنا آسفة . . آسفة . .
قال بهدوء :
- لماذا يجب ان تكوني آسفة ؟ هذه ليست غلطتك ؟
منتديات ليلاس
-  لقد أسأت الحكم عليك كثيراً .. لم أكن أعرف . . لم أكن أدرك . .
- أعرف . . وأعرف أنك لو عرفت يومها لكنت أكثر خوفاً مني مما كنت .
أطرقت :
- بدوت لي محنكاً وأكثر خبرة من ان تعاني من أي نوع من المشاعر المعذبة التي كانت تمزقني . .
انخفضت رموشه تخفي عينيه . وقال :
- أضنني كنت في الخامسة عشر ة من عمري حين أدركت ان والدي لم يكن مخلصاً لأمي . . وجدتها يوما تبكي . . واخترعت عذراً لكنني عرفت أنها كانت تكذب . وسمعت بعد بضعة أيام اثنين من أصدقاء أبي يتحدثان . . وعرفت أنه لا يستطيع مقاومة أي وجه جميل . . حين كبرت ، اكتشفت أنه كان بين حين وآخر ينزلق ، وهذا ما جعل أمي تعيسة .
أخيراً فهمت :
- فهمت . .
- ولأنني كنت صغيراً صارحته بأمرهن . . قال إنهن لا يعنين شيئاً له . . كان يكلمني كرجل لرجل . . ولأكون صادقاً ، صدّقت أنهن لا يعنين شيئاً له . كان يحبّ أمي بقدر ما يستطيع ،و كان يؤمن أن الرجال يعبثون بطبيعتهم .
سألته بغضب:
- وهل تؤمن انت بهذا ؟
ضحك ، وهمس :
- لا. . لا. . ما أردت سوى امرأة واحدة . . فمنذو التقيتك ولم يكن هناك سواك .
أزهر وجهها بالثقة ، مما جعله يتنفس بحدة ، وقالت :
- جيد . . أخبرني كل شيء عن والدك .
منتديات ليلاس
-  أعتقد أنك تستطيعين أن تخمني . . لقد لمته لأنه لا يملك السيطرة على النفس ليكبح نفسه . . كان حسب طريقته الخاصة شريفاً . . وكان يصرّ على ان لا وجود لسيد محترم يغوي بريئة . . لذا بإمكانك فهم سبب شعوري بالكراهية حين رأيتك مع دانيال .
تنهدت :
- أجل .
- ثم هاجمتك ولم أقصد أن أتحرش بك . . ظننت ، بالرغم من انجذابي إليك ، أن لدي القوة لأن أتركك . هكذا اضطررت لمواجهة واقع أنني لست أفضل من أبي . . قوي الإرادة ، كابح لنفسي ، مسيطر ، وكل الأسس التي بنيت عليها حياتي قد طارت ولم تعد لها قيمة . فيما بعد أدركت خطأي ، وانا من نظر إليك على أنك فاسقة .
كانت الشمس قد بدأت تأفل ، والجو تحول إلي البرود والظلمة النسبية . . عما قريب ستنار كل الأضواء ، وسيأتي في الشهر القادم فصل الربيع . .
سألت ناتالي :
- لماذا قلت لي إنني يجب أن أتزوجك ؟
- قلت لنفسي إن هذا من واجبي لتصحيح تصرفي معك ، لأنني لن أعترف ولا أستطيع أن أعترف أنني لا أريد مواجهة الحياة من دونك . . ولم يخطر ببالي أبداً انك قد ترفضينني .
رفعت يدها تداعب فكه ، واشتدت تحت أصابعها بشرته الطرية .
- لم أستطع أن اقبل . . فكرت ، وكنت واثقة ، أنك لن تحبني . وخفت . . فكرت أنني سأجن لو علقت في زواج تفرضه فرضاً عليّ . . كنت تبدو وكأنك تكرهني ومع ذلك تريدني .
- كنت مشلولة التفكير .
التقت عيناها عينيه دون وجل . . أدركتان المشاعر الجسدية لوحدها لم يكن لها قيمة . . وهذا هو الأهم ، هذا التواصل ، هذا القاء للأفكار والقلب . . ابتسمت لعينيه بخجل ، ومشاعرها شفافة ، ورأت فيهما حناناً متجاوباً ، كاد يسدّ أنفاسها .
قال بارتجاف :
- يا إلهي كم أحبك . . لم أفكر يوماً . . لم أكن أعرف أنني قادر على الحب هكذا. . من قبل كان الأمر مجرد رغبة وإعجاب ، وكنت أنا دائماً المسيطر . لم اكن أؤمن بالحب الذي يتشدق الشعراء به . .
ضحك ، ووقف ليذرع الغرفة مجيئاً وإياباً ، ولحقت عيناها به ، وراقبت من بين جفنيها تحرك عضلاته وهو يسير ، استقامة كتفيه العريضين فوق خصره الضيق ، وأحست بمشاعر قوية كادت تغرقها .
منتديات ليلاس
كيف يمكنه ان يفعل هذا بها ؟ لم يكن السبب هو جسده ، ولا جاذبية ملامحه . . حتى السحر الذي يستخدمه كسلاح ، لم يفسر السبب . . لا شك أنه الوعد غير المتحفظ الذي تحسه فيه كل امرأة دون كلمات .
وقد اختارها هي من بين كل النساء . . والتمعت شرارات الحب والثقة في عينيها ، لتخفي القلق من وجهها . نظر إليها يردد بهدوء :
- اجل . . لم أستطع أن أصدق بأن سعادتي تعتمد على فتاة ليست جميلة بما يكفي ، ولا ذكية . . لقد استحوذت عليّ بكل كيانك ، ووجدت نفسي أفكر بك مرات ومرات ، أخطط لطرق أسعدك بها . . إذا كان لدي فرصة أخري .
استدار ينظر إليها ، متعالياً محتقراً كما كان أول مرة :
- لقد وقفت بيني وبين عملي . . لاحقتني ، خفّضت قيمة نفسي أمام عيني . ابتعدت ، لكن التفكير بك كان يتآكل ثقتي بنفسي، مع ذلك ، لم أعترف أنني أحبك ، كانت الطريقة الوحيدة لاستبقاء بعض الكرامة هي أن أقول لنفسي ، إنك ستتزوجيني ، وأنني متي حصلت على هذا ، سأشبع نفسي منك إلي أن لا تعودي بالنسبة لي سوى امرأة اخري حصلت عليها .
كانت إذن محقة ليلة أمس . . لكن الأمر لم يعد مهمّاً الآن . .
وقالت بهدوء:
- متوحش.
التوت فمه بابتسامة :
- أوه . . أجل . . كنت خائفاً خلف كل هذا ، لهذا كنت ألاحقك لتخرجي معي . . كنت أتعمد العبث معك ، وأخذك إلي أماكن عدة حتى أري كيف تتصرفين .وسرني أن أشهد بأن لك الوقار الكافي لتمري بأي وضع كان . وقررت أنك قادرة أن تكوني زوجة مناسبة لي . . وكان من الواضح أنك لم تكوني دون اكتراث بي . . حاولتِ إخفاء هذا ، لكنك لم تنجحي .
منتديات ليلاس
ابتسم ساخراً لوجهها المصدوم :
- ثم ، رفضتِ طلبي للزواج بك . . هكذا رفست قلبي ، وابتسمت وأنت تفعلين هذا . . ولم يخفف ألمي سوى معرفتي بأنني أستحق هذا .
- كم كنا سخيفين . . كلانا ألا تعلم أنني كنت أفضل أن أقتل نفسي ؟ كنت أظن أن الكراهية والرغبة هي التي تربطنا . . لكن ، كان يجب أن أعترف أن الحب وحده هو الرابط القوي بيننا .
تقدم نحوها :
- ناتالي . . يا فرحي العزيز ، يا قلبي .
والتقيا ، تعانقا ، كحبيبين حرما من بعضهما لزمن طويل . . ورفع أخيراً رأسه هامساً :
- الحقيقة التي كانت تختبئ خلف كل تصرفاتي فقط أنني أحبك .
مدّد نفسه قربها على الصوفا . . وكرر بهدوء :
- مجرد أنني أحبك . . بعد أن تقبلت هذا ، لم يعد يهمني شيء ، سوى ان تبادلينني الحب .
- أوه . . أبادلك الحب . . لكنك تعرف هذا .
- آمل هذا . . والله وحده يعرف لماذا . .
- لأنني أحب تعذيب نفسي ، طبعاً ، وأريد أن أكون لك .
- أتمني أن أجعلك سعيدة طيلة السنوات التي نبقي فيها معاً .
- أوه . . أعرف أنك ستتمكن من هذا . . بمجرد أن تكون قربي . . هذا كل ما أريده .
وأكملت تسأل :
- تشاد . . لماذا قرر ولدا دانيال أن لا يطعنا بالوصية ؟
- لأنني أقنعتهما بأن لا يفعلا هذا .
- كيف . . ولماذا ؟
- كيف ؟ لقد أشرت إلي أن الطعن بالوصية سيؤخر توزيع الحصص ، وبما أنهما كانا بأمس الحاجة إلي المال ، اضطرا إلي الإذعان . . أما السبب . . فهو أنني أردت أن أعتني بك شخصياً . ., كرهت التفكير في أن تستمري بالكفاح من أجل مرتبٍ صغير ، واضطرارك إلي عمل إضافي . . ولم أكن أدرك أنك مصممة مبتكرة ، قادرة على إعالة نفسك جيداً دون مساعدة. فيما بعد ، حين أدركت قدراتك وعرفت من أنت أحسست بالسرور . . وأخبرت آنا وريتشاد .
تأوهت آهة دهشة ، لكنه أكمل :
- قلت لهما كذلك بأنه لو علم أحد غيرهما من أنت فسأتأكد بنفسي أن تحصلي على حصة متساوية من الأملاك كابنة لدانيال . . وبقيا صامتين لأن الطمع هو خطيئتهما الكبرى .
- أمر غريب . . إنهما أخواي من أبي . . مع ذلك لا شيء مشترك بيننا . . حتي أنني لا أحبهما كثيراً .
- لن تريهما كثيراً ، وحين يحصل هذا سيتصرفان معك بأدب .
وكان يعني ما يقول . . للحظات عاد ليكون تشاد غرايزر الذي التقته أول مرة ، قاسٍ ، لا رحمة في قلبه ، بتعابيره المتجهمة . . ثم ابتسم لها :
- لا تقلقي . . لقد أسعدتِ دانيال كثيراً قبل أن يموت . تذكري هذا فقط . .
منتديات ليلاس
كانت الخطة أن يكون الزفاف حفلاً صغيراً . . لكن الحال كان عكس ذلك في الضاحية الريفية ، إذ لا يوجد ما يُسمي بحفل الزفاف الصغير . جرى في النهاية الزواج بحضور كل أصدقاء ناتالي وجيرانها ، وعدد مذهل من أقارب تشاد وأصدقائه .
قالت ناتالي تمازحه :
- أنا واثقة أن الحفلة تؤكد على رأي أصدقائك بأنك جننت .
كانا في غرفة جلوس " شاليه" سبق أن استعاره تشاد من أصدقاء له . . وتقدم نحوها يدسّ ذراعيه حولها :
- لم أشاهد هذا في وجوههم . . ربما الحسد ، هذا ما رأيته بالتأكيد . . ما من رجل في الحفل التهنئة إلا وتمني لو كان مكاني .
- حتى باتريك انغرام ؟
- آه . . لكنه مفتون بباولين .
- كان لطيفاً أن نراهما معاً .
- بالكاد لاحظت وجودهما .
كان الشاليه مطلاً على " كوينزتاون" الجميلة ، وعلى الجبال المغطاة بالثلج عبر مياه بحيرة " واكتيبو" العميقة . . وليس ببعيد كان هناك ميدان تزلج حيث يمكن أن يتزلجا يوماً خلال إقامتهما لأسبوعين هناك .
لامست ابتسامة بطيئة خفية شفتي ناتالي . . وأستندت رأسها إلي الوراء على كتف تشاد ، وتتمتم :
- كم أنت قوي ، وأهلٌ للثقة ، ودافئ . صوت قلبك هو الأكثر هدوءاً من كل الأصوات التي سمعتها في حياتي . . لو كان لي خبرة أكبر ، لعرفت من دقات قلبك ومنذ زمن طويل ، أنني أحبك .
بدا متسلياً ، أنما غاضباً قليلاً :
- أوه . . لست أدري . . كنت غافلاً أكثر منك ، والسماء تعرف ذلك ، رغم أن خبرتي كانت كافية . .
- لكن ليس في الحب .
منتديات ليلاس
تمتم في شعرها :
- لا. . ليس في الحب . . أتعلمين بأن زوج أمك حذرني ليلة أمس لأعتني بك ؟
- لا!
- بلي . . قال إنه لم يرك بمثل هذه السعادة من قبل ، ولا يريد أن يختفي بريقها من عينيك . . وأظن أن سمعتي كزير نساء قد وصلته .
- أوه . . ماذا قلت ؟
ضحك بنعومة :
- أوه . . أظنني استطعت أن أقنعه ،مهما كانت حياتي قبل أن ألتقيك ، من الآن وصاعداً ، كل ما أريده هو أن أتمكن من إسعادك .
رفعت يدها إلي وجهه ، تضمها بمحبة إلي خده .
- إنها مسؤلية ضخمة ، أليس كذلك ؟
- صحيح ، حقاً . ماذا كنت تناقشين مع أمك قبل أن نرحل ؟
صمتت لحظات ، ثم قالت بهدوء :
- كانت تشرح لي قبل عودتي إلي المنزل بأنها صارحت زوجها وكشفت له عن سرها مع دانيال .
منتديات ليلاس
- و . . ؟
- كان يعرف طوال الوقت ، وانتظرها أن تصارحه طوال تلك السنين . . لطالما ظننتُ أنه كان متصلباً جداً ، قاسياً وضيق التفكير . . لكنني كنت مخطئة . . لا شك أنه يحبها كثيراً لينتظر طويلاً أن تفضي إليه بسرها .
تأثر تشاد :
- بالطبع يحبها . . ولقد وجد نفسه من خلالي . . عرف أنني مثله . . رجل لا يحب سوى مرة واحدة ، وبالكامل ، دون تحفظات أو شروط .
قطبت ناتالي :
- كما أحبك . . لكن ، لو كان يعرف هذا حبيبي ، فلماذا يحذرك ؟
- لاننا نميل سوياً إلى السيطرة . . ونجد من الصعب أن نشارك أحداً، ونكره الابتسامات التي كنت تطلقينها نحو أصدقائك القدامى اليوم.
أرجعت رأسها مجفلة، فسألها:- وهل ظننت أنني لم أعرف من هم؟ أنا أغار من أي شيء أحببته، أو قضيت وقتاً معه. . وهذا ما حذرني ديسموند منه. . أريد أن أمتلكك بالكامل، أريد كل أحسيسك . . أن يتركز وجودك على إسعادي أنا وحدي وأن أبادلك نفس الاحاسيس. لقد سبق أن قلت لي مرة بأنني أخفتك . . وأنا قادر على هذا بسهولة.
منتديات ليلاس
نضرت ناتالي إليه تحسّ بمدى المسؤولية التي يلزمها حبها إلى عمق العينين الزرقاوين ورأت فيهما السؤال ، و أدركت بأنها قوية بما يكفي.
فقالت بهدوء :
- لا . . لا تستطيع هذا . . كل ما عليك أن تفعله هو أن تتذكر أنني كنت أحبك في الوقت الذي كنت فيه تتصرف معي برعونة وعجرفة. وأنك كنت صعب المراس ، مسيطراً ، أكثر مما يمكنك أن تكون. . أحبك أكتر من أي شيء . . أحبك لأنك قوي، لطيف، تراعي مشاعري . ولقد عرفت منذ رأيتك لأول مرة أنك رجل أستطيع أن أخسر قلبي لأجله . . لماذا تظن أنني كنت متصلبة و متوترة إذن؟
ابتسم:
- أظن أنك كنت تخافين أشياء أخرى.
- لا. . لا . . كان الامر أكثر من هذا . . لأنك كنت تهتم كثيراً بدانيال. .
همس:
- لا تتكلمي . . لقد فات وقت الكلام . . يكفي أنك تحبينني.
أحست ناتالي بعرفان عميق للجميل . . لم يعد هناك مجال للتراجع عن شيء الآن . . إنه يكشف أعماق نفسه لها . . واثق أخيراً بأنها لن ترفضه أو تسيء استخدام سلطتها عليه . . كما تعرف تماماً أنه لن يفعل هذا بها . . لقد وصلا أخيراً إلي بينهما ، وبيتهما هو بعضهما .
...........................................................
تمت

🎉 لقد انتهيت من قراءة شمعة تحت المطر_للكاتبة روبين دونالد 🎉
شمعة تحت المطر_للكاتبة روبين دونالدحيث تعيش القصص. اكتشف الآن