مرّت أكثر من عشرة أيام ولم يقترب منها . . ولم تتوقع منه أن يفعل . . فما حدث كان صدمة له ولها . لقد كان بحاجة لأن يستوعب سبب رفضها عرضه للزواج . وسيكون هذا وقتاً مريراً له . أشغلت نفسها في الخياطة والشوق يكبر في قلبها نحوه ، تحادث نفسها وتعاند أحاسيسها آملة عدم رؤيته مجدداً . أوصلت في يوم ممطر لفافة بضائع إلي محل ، وكانت عائدة مسرعة إلي موقف الباص ، تتجنب قدر المستطاع المجانين غير القادرين على السيطرة على مظلاتهم . . كانت السماء تمطر منذ عدة ساعات والميازيب تتدفق بالماء . كان الجميع متجهماً باستثناء صبيّ صغير كان يرتدي " منتديات ليلاسجزمة" صفراء ، ويقفز بمرح في كل بركة ماء صغيرة تصادفه . . كان على أمه مظهر من سئم محاولة منعه . . لكن حين التقت عينا ناتالي الضاحكتين بعينيها ، ضحكت بدورها . كانت حادثة صغيرة لا أهمية لها ، لكنها أدفأت قلب ناتالي وأعطت خديها بريقاً كان مفقوداً منها لبعض الوقت . . فجأة اندست يد تحت مرفقيها وهمس تشاد في أذنها :
- لو تزوجتني لأنجبت صبياً مثله .
سلبتها الصدمة قدرتها على الكلام ، وأدارت رأسها تنظر إليه . . كانت قسمات وجهه أكثر حدة ، ابتسامته متوترة ، فقدت عيناه اللون الحيّ الذي يجعلهما ساحرتين .
لكنه وضع أصبعه على فمها ، يهز رأسه :
- لا تكملي . . تعالي لتناول الغداء معي .
- تشاد . .
- دون ارتباطٍ . . مجرد غداء لطيف ، في محيط لطيف وبصحبة لطيفة .
كان يجب أن تقول لا . . لكن قلبها المتشوق تغلب على تحذيرات عقلها . .
قال بصوتٍ أجش: لا تجبري نفسك !
ابتسمت غضباً:
- أوه أنت بغيض ، يصعب التعامل معك !
- وأنت كذلك لسوء الحظ . . ويصعب نسيانك .
- أكنت تحاول ؟
- أوه . . أجل . . كثيراً .
منتديات ليلاس
أمسكت أصابعه ذراعها ، لمنعها من الخلاص :
- لقد وافقتِ على تناول الطعام معي . . لنتظاهر أننا تقابلنا للتو . . سنكون مهذبين ، لكن مهتمين جداً ببعضنا ، وسأظهر لك أنني قادر على التصرف بلباقة تامة.
ابتسمت بسخرية مجدداً وقالت بهدوء:
- لم أشك في هذا يوماً .
- أبداً ؟ أنا مندهش ، فأنا بالكاد تصرفتُ معك بأي نوع من اللباقة.
- ظننتك قلت بأننا سننسي هذا .
ابتسم لوجهها المحمر:
- بالطبع . . أتعلمين ؟ عندما تغضبين تلمع عيناك بشظايا ذهبٍ صغيرة ؟ ولك طريقة ساحرة في رفع رموشك ببطء .
- بالنسبة لشخص. . التقيته لتوي. . أنت تتكلم في أشياء شخصية .
ضحك ، ثم قال بوقار:
- أنا مشهور بطريقة غزلي. . أتصرف بسرعة بمجرد رؤيتي لشيءٍ أريده . . ومع أننا التقينا لتونا ، فقد اكتشفت أنني أريدك .
أوه . . إنه ميؤوس منه !
وتبددت كل المشاعر المحبطة والمريرة وكأنها لم تكن . . ضحك معها حول مائدة الغداء ومازحها وأخذ يعاملها كشيء رقيق هش قابل للانكسار ، بل وثمين جداً له . أوصلها فيما بعد إلي منزلها بالرغم من احتجاجها وقال وهو يفتح الباب لها :
- ألن تطلبي مني الدخول ؟
منتديات ليلاس
ردت برزانة:
- لا. . فأنا لا أعرفك جيداً لأدعوك .
وعدها شيء ما في لمعان عينيه بالردّ ، لكنه خبأ ما فيهما بسرعة وقال بخفة :
- إذن علينا تبديل هذا الواقع .
التقط يدها يقبّلها ، وهو ينظر خلسة إلي وجهها الأحمر . . وقال أخيراً : أورڤوار.
اتصل بها تلك الليلة ليسألها ما إذا كانت تحب الخروج معه إلي العشاء ثم السينما ، فتلعثمت وترددت ، فأكمل بهدوء:
- سأمرّ لآخذك مساء الغد في السادسة إذن .
وأقفل الخط قبل موافقتها وقبل أن تقول له إنها لا تريد الذهاب معه إلي أي مكان . كان المطر مع قدوم الصباح قد رحل ، تاركاً المدينة تلمع تحت سماء ساطعة زرقاء . جاهدت بعد المشوار الصباحي لبيتسي كي تكون جاهزة عند الخامسة ، لكن صداعاً أليماً أصابها . أخذت حماماً ساخناً خلّصها من الصداع ، لكن الألم دفع إلي عينيها بالسواد الخفيف ، حتي وضعت بحذر الظلال لتخفيه . . ثم حاولت أتن ترتب شعرها المتجعد ، لكن دون جدوى ، فهذا حاله منذ الطفولة .
أظهر اللون الصدئي الأحمر القاتم للفستان لون بشرتها ، وأعطى بعض الدفء لوجهها . وارتدت حذاءً أسوداً ، ثم رشّت نفسها بعطرٍ خفيفٍ من " مس ديور". .
منتديات ليلاس
تمتم تشاد يمسك الباب ليفتحه لها :
- أتحاولين إثبات وجهة نظرٍ ما ؟ تبدين كشقيقة صغيرة .
- وهل خاب أملك ؟
- لا. . حلوتي ! لم يخب أملي أبداً .
- حتى ولو وقعت في نفس الفخ ؟
لم يتظاهر أنه لم يفهمها ، وقال بهدوء:
- لا. . أنا لا أكره هذا أبداً ، ألم تلاحظي إعجابي ؟
- بلي ، لاحظته.
ولم تستطع منع نفسها من الارتجاف.
- اسمعي ، أنا لا أتخلي عمن أريدها بسهولة ، لست مثل دانيال . . لذا إذا كان لديك أية فكرة للهرب مني ، فانسي الأمر . . لأنني سأجدك ولن تكوني مسرورة . قد لا أكون الزوج المثالي في نظرك ، لكنني لا أنوي التراجع.
علق شيء قاسٍ ومؤلم في حلقها : فهمت .
هل يعني هذا أنه تخلي مرحلياً عن فكرة الزواج ؟ أذهله رفضها لزواج منه بقدر ما أغضبه. . فهو غير معتاد على أي رفض من أي نوع . لا شك أن ذلك الدماغ البارد المنطقي قد أجبره على أن يدرك أن زواجاً مثل الذي اقترحه لن ينجح . لكنه عوضاً عن ذلك قد يقترح عليها ترتيبات أخرى . . لا. . فحتى مخيلتها الناشطة لا يمكنها تصوّر معاشرة تشاد لها دون زواج .
قالت لكي تُبعد هذا التفكير عن رأسها :
- إلي أين سنذهب ؟
- أوه . . إلي مطعم صغير ، الطعام فيه جيد وقريب من دار السينما.
منتديات ليلاس
وانقلب منذ لحظتها إلي ما كان عليه وقت الغداء في اليوم السابق ، يدفع نفسه لفتنتها . . يجعلها تضحك ، يمازحها بخفة عبر الطاولة . . ولم يعد هناك أي دليل على التكبر والسيطرة في الصوت العميق وهو يناقش أمر الصراع السياسي الذي حصل ذلك اليوم . . وتجاهلت ناتالي السعادة التي تتلقاها من النظرات الحاسدة حولها في المطعم . . نظرات من أشخاص جاءوا ليحيّوا تشاد ، بعد أن قدّمها لهم وأوضح لهم أنه لا يريد بقاءهم طويلاً . . وكلهم ابتسموا نفس الابتسامة لها . . وابتعدوا عنهما ، تاركين الميدان خالياً لها .
قال :
- يضنون أنني وكيلك لترتيب شؤونك .
أجابت : - ويصابون بالدهشة لأنني لست امرأة من طرازك . . لو أنهم يعلمون .
- يعلمون ماذا ؟
هزت كتفيها : أنت تعرف .
- أجل . . أعرف. لكنني أشك في انك تعرفين خقاً .
- أنا لم أحاول يوماً أن أقرأ ما في الأفكار.
قال والحدة تعلو ابتسامته :
- أوه . . لست أدري. . فأنت تملكين دماغاً ناضجاً ، وبعد نظر مخيف.
منتديات ليلاس
كان يمكن لناتالي أن تضحك لهذا . . فلو كان صحيحاً أن لها بعد نظر ، لهربت راكضة وهي تصرخ إلي أن تصل " ساوت ايلند" منذ وقعت عيناها عليه . .
تحركت كتفاها ، وقالت :
- المعرفة شيء والخبرة شيء أخر . .
- دعينا نذهب .
كان الفيلم السينمائي جيداً ، دراما نفسية فيه لمحات رعبٍ إلي حد أن ناتالي في مرحلة ما تمسكت بِكُمّ سترة تشاد . رأت لمعان أسنانه البيضاء وهو يبتسم . وكانت السماء ممطرة حين خرجا إلي الشارع نحو السيارة . . انزلقت امرأة مسنة في بركة ماء ، ووقعت شاهقة . وتأوهت حين حاول زوجها مساعدتها لتقف ، وغاصت إلي الأرض مجدداً قائلة وقد تجمع الناس حولها :
- أظنني لويت كاحلي .
بعد قليل ، كان الناس المتجمعين قد أعطوا زمام القيادة لتشاد ، يفعلون ما يقوله لهم . . وما هي سوى ربع ساعة حتى كانت ناتالي وتشاد والزوج ينتظرون في ردهة المستشفي ، والزوج يردد للمرة السابعة ، وعيناه العجوزتان قلقتان :
- لطفٌ كبيرٌ منك سيد غرايزر. .
منتديات ليلاس
ابتسم تشاد :
- هل تمتعتما بالفيلم ؟
- - أجل ، فعلاً . . أنت والسيدة زوجتك ؟
نظر تشاد إلي ناتالي متحدياً أن تعترض : كثيراً .
هذا هو الجانب الآخر من شخصية تشاد ، الجانب اللطيف الذي يخفيه عن معظم الناس وكأنه يخجل منه . وها هو يهتم بأمر زوجين مجهولين كما اهتم بأمر دانيال ، كما وسيهتم بأولاده . كان بطريقة ما ، اختياره لعمله دليلاً آخراً على اهتمامه بالناس . ‘نه مزيج غريب من السخرية والحب واللطف . . والتفتت ناتالي لتلهي الرجل عن مخاوفه حول زوجته. وما هي سوى دقائق حتى كان يبتسم . . حتى أنه مع ظهور زوجته على كرسي متحرك ، بدا مذهولاً لمرور الوقت بسرعة.
قال الطبيب بمرح :
- مجرد التواء ، ولقد ربطت لها قدمها وأعطيتها أقراصاً ضد أي ألم قد تحسّ به . . لكن عليها أن تتحاشي الوقوف عليها أطول مدة ممكنة .
كان العجوزان مسترسلين كثيراً في شكرهما ، وزاد استرسالهما حين أوضح تشاد أنه ينوي إصالهما إلي منزلهما . . وما أن وصلوا حتى حمل السيدة إلي المنزل ووضعها في سريرها ، ويرفض بابتسامة أن تشكره ، أو أن يبقي لاحتساء فنجان قهوة.
لم يقل في السيارة شيئاً . . ولم تستطع ناتالي منع نفسها عن التثاؤب. . كانت خيوط مستمرة من المطر الفضي تتجه رأساً إليهما . . لم يكن هناك سيارات كثيرة . . وتساءلت ناتالي كم من الناس سعداء الليلة؟ وكم منهم حزاني؟ وهل هناك غيرها في أوكلاند يشعر بمزيج من الانفعال والعزلة كما تشعر الآن ؟
منتديات ليلاس
حين توقف محرك السيارة أدركت أنها كانت نصف نائمة ، كان حزام الأمان وحده يبقيها في مكانها . وقال تشاد وهو يكاد يضحك :
- أتريدين أن أحملك إلي الداخل . . أيضاً ؟
- لا . . لا. . شكراً لك ، أنا متعبة فقط .
- يا للأسف !
لكنه خرج من السيارة قبل أن تُتاح لها فرصة الردّ. . فتح لها الباب كالعادة ، وضحك بخبث حين شكرته بأدب ، وقال :
- ليس بهذه السرعة حبيبتي.
كان عناقه خفيفاً ومداعباً . . وكان يجب أن تكون سعيدة . . لكنها أحست أن هذا هو جزء من الخطة ما رسمها لنفسه . دفعتها شعلة غضب صغيرةٍ فدفعته عنها قبل أن تنسحب وتصفق الباب خلفها . وتصاعد في لحظات أخري ، صوت محرك ، وصوت الإطارات وهي تشتد على الإسفلت . . وتنفست ناتالي بعمقٍ . . إنه استفزاز متعمد ، وقد أظهر لها سابقاً ردة فعله للتحدي . وحاولت جاهدة في العتمة الطويلة لليلها الخالي من النوم أن تتخذ قراراً جدياً لحياتها . . لم تتردد أبداً حين اتصل بها في التاسعة من مساء اليوم التاي ودعاها للخروج معه في نهاية الأسبوع قائلة :
- لا تشاد . . شكراً لك ، لكنني أظن من الأفضل أن لا . .
كانت اللهجة العنيدة التي تكرهها في صوته قاسية حين قاطعها :
- حقاً ؟ لكنني لا أظن هذا ، وإذا كنت غير مستعدة ، فلسوف أتأكد قريباً من أن تكوني مستعدة ، ولو اضطررت أن أجبرك بالقوة !
قالت بحدة:
- لن تجرؤ !
- أتظنين حقاً أنني لن أجرؤ ؟
جمّدت موجة إدراك باردة بشرتها ، وتابعت بشراسة :
- هذا سخيف . .
لكنه قاطعها مرة أخرى:
- أعرف . . ولهذا السبب أنت مضطرة لأن ترتدي أفضل ملابسك وتجهزي في السابعة والنصف ، وتكوني بانتظاري وإلا . .
- أكرهك !
ضحك :
- أعرف حبيبتي . . ويا لها من كراهية مثيرة . . أراك مساء السبت .
وقفت تنظر إلي يديها بعدما صفقت السماعة في مكانها . . كانتا ترتجفان ، ولم تكن تعرف ما إذا كان الارتجاف لأنها تكرهه أم لأسباب ترفض الاعتراف بها .
وهمست :
- أكرهه . . أكرهه !
كانت جاهزة بالطبع . . ولم تكن بحاجة إلي لمعان الإعجاب في عيني تشاد لتعرف بأن مظهرها ملائم . . قال بلهجة ساخرة : رائعة !
رفعت رأسها تحدياً:
- إلي أين سنذهب ؟
- أنت تلائمين أي مكان .
قالت ساخرة :
- أتتملقني تشاد ؟ منتديات ليلاس
اشتدت قساوة صوته وهو ينظر إليها بشكل مهين :
- ألا تستطيعين معرفة الحقيقة حين تسمعينها ؟ مكتملة ، فاتنة ، حلوة، هادئة برزانة ، بريئة . . أوه .. ستتجاوزين الحدود الليلة.
قالت لتشعره بمدى بلاهته ، ولتحاول تعليمه شيئاً صعباً :
- أين سنذهب الليلة ؟
إنها لا تثق به . . ستحتاج الليلة إلي كل شجاعتها وذكائها .
رد ببرودة :
- انتظري لتري . . يمكننا بالطبع أن نبقي هنا . .
وابتسم في وجهها الغاضب . .
- أحتقركَ .
- أعرف . . لكن لسوء حظك ، تريدينني أيضاً ؟ ؟ والآن ، هل ستخرجين معي أو نبقي براحتنا هنا ؟
- هل تنحط دائماً إلي مستوى التهديد لتحصل على ما تريد ؟
- تقريباً . . فهذا يوفر عليّ الجدال وإضاعة الوقت .
برزت ابتسامة على أطراف فمها . . غنه صعب المراس . وأية لعبة يلعبها الآن هي نوع من العذاب الذيذ بالنسبة لها . .
كانت متكدرة المزاج حين أدار السيارة بعد عشرين دقيقة من انطلاقهما إلي طريق داخلية خاصة لمنزل ضخم في إحدي ضواحي أوكلاند الفخمة على شاطئ البحر .
سألت :
- حفلة خاصة ؟ منتديات ليلاس
- أصدقاءٌ لي . . سيعجبك باتريك وباولين .
أطفأ المحرك ، ونظر إلي وجهها المتوتر :
- استرخي ناتالي . . لن يأكلك أحد .
لا. . لا أحد يفعل هذا . . كما أنها أحبت باولين انغرام ، وزوجها الوسيم الذكي . . لكنها أدركت بسرعة خلال خمس دقائق أنهما من طبقة أجتماعية أكثر فطنة وثقافة من أي طبقة تصورتها من قبل . . باترك أوسترالي الأصل ، رجلٌ أسمرٌ وسيم إيجابي ، يشارك تشاد الثقة المكتملة بالنفس . . اما زوجته الفاتنة فكانت عارضة أزياء ، هذا ما قاله تشاد لناتالي ، وكان من السهل أن تري أنهما يحبان بعضهما كثيراً . ووجدت نفسها تقاوم اندفاعاً خبيثاً للحسدِ.
همس تشاد في أذنها بهدوء:
- تبدين غاضبة . . ظننت بأنني الوحيد الذي يسبب لك هذا . . فما الأمر؟
لم تكن تدري ما إذا كان قد أتي بها إلي هنا كنوع من التجربة ليري مقدارتها على التعامل في مناسبة اجتماعية كهذه ، أم أنه يتباهى ويزهو بها كصديقة جديدة .
رفعت رأسها مبتسمة له بإثارة متعمدةٍ:
أترغب في أن يتكلم عنا نصف المدعوون هنا ؟
لمع شيء بشع تحت رموش عينيه :
- لا يقلقني كلام الناس . . أما الموجودين هنا . . منتديات ليلاس
ودارت عيناه في الغرفة :
- . . باتريك وباولين هما الوحيدان اللذان يستحقان المعرفة هنا . . وقد فكرت في أنك ستجدين أشياء كثيرة مشتركة مع باولين . .
نظرت إليه بحيرة :
- لماذا ؟
- تملكين عقدة نقصٍ مماثلة لها . . وعليك أن تدركي أنكِ بعيدة جداً عن البساطة أو القبح . . فعيناك بحيرتان جبليتان ، وفمك نديّ كالورودة. . !
ضحك في وجهها الحائر :
- . . أصارحك القول أن سبب ظني أنك ستتمتعين بصحبة باولين ، هو أنكما من الريف . . فهي آتية من براري الشمال النائية.
رفع صوته متعمداً بحيث أن مضيفتهما المقتربة منهما ، لم يكن أمامها سوى أن تسمع ، فضحكت . . كانت دون أدني شك أطول امرأة في المكان ، لكنها لم تكن تهتم بطولها . . مع ذلك ، وحتى مع كعبي الحذاء الطويلين ، كانت أقصر من تشاد وزوجها . . وأحست ناتالي بأنها كالقزم أمامها . . سألت باولين بدلالٍ:
- أليس ممازحاً رهيباً ؟ وليس عجيباً أن يتفق مع باترك تماماً . . إنهما شيطانان . . تركت الشمال النائي وأنا طفلة ، وأمضيت معظم حياتي في مدن أوستراليا الكبيرة .
قال زوجها وهو يدس ذراعه حول خصرها النحيل :منتديات ليلاس
- آه . . لكن الشمال موطنك الروحي.
التفت إلي ناتالي مبتسماً ، وأحست فجأة أنها وسط دائرة ساحرة وقال :
- نحن هنا لعرض ابنتنا على جدّيها .
منتديات ليلاس
ضحكت زوجته :
- وقليل من العمل .
مضت بعد السهرة بلطف ، وزاد من لطفها أن ناتالي وجدت نفسها معجبة بشدة بالزوجين " إنغرام". . كانت باولين مضيفة فاتنة ، وكانت تجد الوقت الكافي للحديث مع ناتالي ، ولسحرها بدفئها . انتهت الحفلة بعد منتصف الليل بقليل . . وبقي تشاد وناتالي بعد أن غادر الجميع لتناول القهوة ، وجرى حديث سائغ لطيف. . وعرفت ناتالي أن باولين وزوجها الديناميكي كانا يقيّمانها ، لكنهما كانا يخفيان هذا الواقع بذكاء دفعها إلي الارتياح ، وشاهدا قبل ذهابهما إلي المنزل الصغيرة ناني ، البالغة ثلاثة أشهر فقط ، التي بدا واضحاً أنها فرح والديها . كأنما كانت هذه الحفلة إشارة ما ، فقد وجدت ناتالي نفسها مدعوة إلي حفلات أخري ودائماً مع تشاد . . أخافها في البداية هذا الاختلاط الرائع مع الناس ، لكنه كان يصرّ على ذهابها ، عندما زال قلقها بدأت تتعرف إلي الناس الذين يؤلفون دائرته الاجتماعية . . كانوا من الأغنياء الجذابين ، ومعظمهم من الأذكياء . . وتمتعت بصحبتهم ، لكنها بقيت قلقة ، تعي تماماً أنها موجودة بينهم بتسامح منهم . . واكتشفت أن أونا دراير موجودة في أمريكا لكن من المتوقع عودتها قريباً . . كانت تسمع أحياناً همسات الناس حول علاقتهما ، وبدا لها عموماً أنها مقبولة كآخر حبٍ له .
مرت أسابيع وناتالي المسكينة تسبح بالارتباك والحيرة ، وتخرج معه غصباً عنها . . كانت تقنع نفسها أن هذا بسبب سهولة الأمر عليها . لكنها سرعان ما أدركت بأن إحساسها هذا أكثر من تجاذب جسدي . .
همست لنفسها : لقد وقعت في حبه !
كانت تلك الليلة هائة ، تخفي خوفها بتحفظٍ لم تستطع أبداً التغلب عليه . . كانا في حفلة أخرى . . وكانت أونا قد عادت ، تتقاذفها أمواج الغيظ، لكنها كانت تخافه أكثر من أن تفعل شيئاً . لكن ناتالي لم تكن مرتاحة لهذا ، تعي النظرات الحادة الكبيرة كانوا يراقبون الثلاثي بأعين تواقة شرهةٍ للقيل والقال. تعامل تشاد مع الموقف بشكل متفوقٍ ولم يكن أبداً أقل لطافة واحتراماً لأونا ، لكنه أبقي ناتالي ملتصقة إلي جانبه يبتسم لها بسحره الكسول ، وفي أعماق عينيه تحذير شرس . دخل إلي المنزل كعادته لآحتساء فنجان من القهوة بعد أن عادا . . وقالت له ناتالي وهما يحتسيانها ، إنهما يجب أن يفترقا . . فنظر إليها بعينين نصف مغمضتين ، وسأل : لماذا ؟
- ما من داعي لأن نري بعضنا. أعني لقد عادت أونا .
- وما دخلها بهذا ؟
- حسناً . . هذا هو سبب مرافقتك لي . . أليس كذلك ؟
- لا. . كنت أرافقك لأنك ستتزوجينني . . وأردتك أن تعرفي كيف ستكون الحياة وأنت زوجتي.
قالت بهدوء بالرغم من سماعها لدقات قلبها :
- إذن هذا هو السبب . . مؤامرة لتدفعني إلي الزواج منك .
منتديات ليلاس
- أؤكد لك ما من مؤامرة . . فأنا أتودّد إليك لأن هذا من حقك . . بما أنك ودانيال لم تثقا بي ولم تجرؤا على قول الحقيقة ، فقد كانت بدايتنا معاً خاطئة ، و لا داعي إطلاقاً لأن تفوتك سعادة تودّدي إليك.
نظرت إليه وعيناها قاتمتان :
- يبدو هذا أمراً مكتوباً في دليل العشاق بالقرن الماضي . . أكنت تتحدث إلي أمك عني ؟
لم يدعها حتي الآن للقاء أمه السيدة غرايزر . . وهذا إهمال جعلها تتساءل عدة مرات عما يجول في خاطر تشاد بالنسبة لها .
- لقد تجاوزت السن الذي أعتمد فيه على أمي لتسدي لي النصيحة حول كيفية معاملة امرأة .
ناقش إذن الأمر مع أمه . . صحيح أنه لا يحتاج لهذا ليكوِّن قناعة شريفة حمقاء . . فهو يعاملها معاملة خاصة وسيتزوجها ليعيشا بعد ذلك " بتعاسة" إلي الأبد . ما من مجال لهذا . . لقد كانت فوليت حكيمة ، وخرجت من حياة دانيال عن قناعة . . ولن تكون ابنتها أقلّ قوة في إرادتها منها . وتصلبت لقرارها هذا لتقول بصوتٍ جاهدت لتجعله عادياً:
- هذا غير مهم . . لأنني لن أتزوجك ، لا الآن ، ولا أبداً . . لن ينجح زواجنا .
سألها بنعومة :
- لماذا إذن كنت تخرجين معي ؟
قالت بصوتٍ حادٍ :
- لأنني أهواك كالمجنونة . . لكنني لن أتزوجك .
منتديات ليلاس
ساد صمت كالذي يسبق الزلزال الذي يدمر الأرض زاحفاً بالموت . . وتشابكت يدا ناتالي أمامها .
غرزت أصابعه في كتفيها ، وتديرها لتواجهه . . بدا وكأنه يريد قتلها تبرق عيناه في وجهه . . وبشرته مشدودة فوق عظام برزت فجأة .
أغمضت عينيها مترقبة . . وساد صمت رهيب . . وفتحت بعد قليل عينيها لتنظر إليه . لكنه كان قد لختفي دون أن تشعر أو تلاحظ خروجه.

أنت تقرأ
شمعة تحت المطر_للكاتبة روبين دونالد
רומנטיקהكان هناك سحر مخيف في تشاد غرايزر يجذب ناتالي كونراد فتاة الريف الساذجة، لم تستطع مقاومته. . . وكان هناك بالمقابل كراهية واحتقار جارفين في نفس تشاد تجاهها، سببهما الظاهر علاقتها المشبوهة مع خاله، ولم تكن نتالي مستعدة للتخلي عن هذه العلاقة بأي ثمن...