إكفهرت السماء و افرغت ما تحمله من مياه فوق كل شيء في ذلك اليوم من أيام شهر يناير... و وسط تلك العاصفة الهوجاء، عبرت تلك السيارة السوداء بوابة مستشفى المعمورة للأمراض العقلية بمدينة الإسكندرية، لتتوقف أمام مبنى الادارة الرئيسي للمستشفى، ويغادرها شاب لا يبدو علي ملامحه الجامدة، و خطواته الثابتة أنه يهتم بالجو من حوله و هو يعبر البهو المؤدي للداخل بتؤدة.
يدلف الى المبنى، و يتوجه نحو مكتب مدير المستشفى مباشرة، و كأنه يعرف غايته جيدا...يطرق الباب طرقات قوية؛ تدل على شخصيته الكاسحة التي اعتادت السيطرة قبل أن يدخل ليقابل المدير.
يستقبله المدير بحذر مشوب بالاحترام؛ و الشاب يعرف نفسه بأنه مندوب لوزارة الصحة و هو هنا في مهمة رسمية للتفتيش علي المستشفى...عزز كلامه ببطاقته الشخصية و بخطاب رسمي مختوم و ممهور بإمضاء وزير الصحة شخصيا ، ناوله للمدير الذي هب واقفا من على مكتبه و هو يقول :
- كيف يمكنني مساعدك يا دكتور (ياسر) ؟
- فلنبدأ بجولة عامة على عنابر المرضى.اومأ مدير المستشفى برأسه موافقا، و اصطحبه في جولة لتفقد عنابر المرضى، حتى وصلا أحد العنابر المنفصلة فقال المدير:
- العنبر (ج) حيث نحتفظ بالحالات شديدة الخطورة، هل ترغب في تفقده؟
برقت عينا الدكتور (ياسر) في ظفر و ان بدى صوته جامدا و هو يقول في اقتضاب:
- لما لا ؟
دلف الاثنان إلى الداخل و مدير المستشفى يقول :
- حاليا لا نستضيف سوى مريضاً واحداً شديد الخطورة هو الدكتور (محسن عبد الصبور)، أحد علمائنا القلاقل النابغين في علم الميكروبات، و الذي أصابته حالة من فوبيا الميكروبات (باسيللوفوبيا) مصحوبة ببارانويا متقدمة، دفعته الي قتل عشرة أشخاص دفعة واحدة، بحجة أنهم مستحوذون من قبل ميكروبات فضائية عاقلة تسيطر علي البشر في طريقها لغزو الأرض.
يزدرد المدير لعابه قبل أن يتابع:
- الغريب أنه ما ان انهى جريمته حتي توجه إلى مديرة الأمن ليبلغ عنها، و يقول أنه استطاع تطوير طريقة خاصة للتعرف علي المصابين بتلك الميكروبات... بالطبع تم القاء القبض عليه، و ارسل هنا ليوضع تحت الملاحظة الدقيقة.
توقفا أمام الغرفة التي يحتجزون المريض بها فقال الدكتور ياسر :
- ارغب في محادثته على انفراد.
تبدو الدهشة على المدير و هو يهتف:- و لكنه شديد الخطورة، حتى اننا قيدناه في فراشه حتى لا يؤذي الممرضين!!
تلاقت عيناهما للحظات قبل أن يقول (ياسر) بتؤدة و هو يضغط على كلماته في لهجة مرعبة :
- سأقابله و ستغادر العنبر بأكمله و ستنتظرني في مكتبك.
ساد الصمت قبل أن يغمغم المدير و هو يفتح باب الزنزانة و على وجهه نظرة ذاهلة :
- بالطبع كما تشاء.
ثم ناوله مفاتيح العنبر قبل أن يغادر المكان برمته.
وقف (ياسر) جامدا لدقائق حتي يتأكد من ابتعاد المدير، ثم اقترب من الفراش الممد عليه الدكتور (محسن) الذي التفت نحوه في توجس فبادره قائلاً :
- مرحبا يا دكتور (محسن) هل افتقدنا؟
يبدو الذعر علي (محسن) و هو هتف :
- انتم؟!
- نعم نحن، لقد حاولنا بشتى الطرق معرفة الطريقة التي تكتشفنا بها و تحمي نفسك من غزونا و لكننا فشلنا مع الأسف... لذا فقد قرر القادة انهاء حياتك التي قد تهدد مخططنا في احتلال ذلك الكوكب الثرى.حاول الدكتور (محسن) التملص من قيوده دون جدوى بينما اقترب منه ذلك الرجل و هو يخرج محقنا طبي من جيبه و يقول :
- لن تشعر بأي الم فسأحقنك بمادة طورناها ستصيبك بغيبوبة عميقة تبدو خلالها ميتا للجميع حتي نستطيع أن نخضعك لأبحاثنا دون مشاكل.
صرخ الدكتور (محسن) في يأس بينما اتسعت ابتسامة الرجل و المحقن يقترب من الدكتور محسن دون أدني امل في النجاة.
(تمت)
#فوبيا
#أحمد_مجدي_جلال
#قصص_قصيرة_جداً
أنت تقرأ
فوبيا
Horrorسلسلة من القصص القصيرة، التي تحكي عن الفوبيا التي تصيب الإنسان في اطار من الخوارقيات و الرعب و التشويق و الإثارة