لا اذكر منذ متي و انا حبيس لذلك الخندق الخانق عطن الرائحة.ربما مر علي عدة شهور، ربما هي سنة أو اكثر.
من الصعب فعلا ان تميز الوقت و انت لا تري ضوء الشمس، و لا تعرف ان كنت في الشتاء او الصيف.اعيش في غرفة صغيرة خانقة، عبثا حاولت ان اجعلها تبدو رحبة برسوماتي التي اضيع وقتي بها و الصقها علي الجدران.
لم اكن اعيش وحيدا، بل كان يشاركني اثنان من الفتيان الاقامة في ذلك القبو، و كان سجاننا كهل في اواخر الاربعينات أو اوائل الخمسينات... رجل غريب الاطوار، يحاول اقناعنا بأنه قد انقذنا من نهاية العالم التي المت بالدنيا و اننا الوحيدين الباقين علي قيد الحياة بعد ما حدثت الكارثة.
عبثا حاولنا اقناعه بأن يسمح لنا بمغادرة المكان و لكنه كان يستشيط غضبا و يهددنا بالقتل اذا ما حاولنا الهرب.
كان يصر ان نتجمع حول مائدة صغيرة كل ليلة لنتناول العشاء بينما يحكي لنا عن مغامراته في شبابه و كيف كان بعيد النظر عندما جهز هذا المخبأ متوقعا ما حدث بحذافيره.
لاحظت أنه يقدم لكل منا كوبا كبيرا من العصير بعد العشاء و لا يطلق سراحنا الا بعد أن نتناوله كاملا.
قفزت الفكرة الي عقلي، ربما هو يسقينا مخدرا ما او نوعا من العقاقير هو المسؤول عن حالة فقدان الذاكرة التي اصابتنا فلا نعرف من اي جئنا و لا حقيقة ما حدث.
و في تلك الليلة اجتمعت برفيقي قبل العشاء و اتفقنا علي الا يمس أيا منا كوبه و ان نتظاهر بأننا شربناه بينما نحن نتخلص منه في انية الزهور المجاورة.
و بالفعل نجحنا في تشتيت انتباهه واحد تلو الاخر حتي استطعنا التخلص من ذلك المشروب اللعين كما عزمنا.
و بينما هو يصارع النوم بعد وجبة دسمة انقضضنا عليه ثلاثتنا لنقيده و نشل حركته تماما.يحاول التملص و هو يصرخ:
- ماذا تفعلون هل جننتم؟!
- بل انت المجنون، انت مريض بالأجورافوبيا، مرض رهاب الأماكن المفتوحة لقد قرأت عنه في احدي الدوريات التي تحتفظ بها في مكتبتك الصغيرة، و لأنك وغد اناني ابيت الا ان تختطفنا لنشاركك سجنك الابدي، و تسقينا المخدر يومينا حتي لا نقاوم، و لكن ذلك سينتهي الان و الي الابد، نحن سنغادر اليوم.اخذ يتملص في جنون و هو يقول:
- اي تفكير احمق ذلك، اياكم و الخروج لقد انتهت الدنيا بالخارج و اشباح الجحيم تطوف بحثا عن ناجين لتقنصهم، صدقوني انا لست مجنونا.اشرت لرفيقي فوضع منديلا علي فمه حتي لا نسمع تلك التخاريف و انطلقنا نقلب المكان رأسا علي عقب حتي وجدنا مفاتيح البوابة الرئيسية للقبو، بوابة الخلاص.
قررنا ان نغلق عليه الباب من الخارج و ان نلقي بالمفاتيح بعيدا عقابا له علي احتجازنا، و عندما ازحنا المزلاج و خرجنا من ذلك السجن صدمنا الظلام الدامس الذي يلف المكان من حولنا.
ظلام رهيب لا يبدو ان له اخر و الخواء مترامي الاطراف يحيط بنا بلا نهاية و لا اثر لأي حضارة او مدنية من حولنا، فقط الرياح تبعثر الرمال تحت اقدامنا بلا صوت بينما نحن نحث السير نحو اللامكان و لا اثر لإنسان واحد علي قيد الحياة.
اقشعر بدني و انا احاول اختراق الفراغ من حولي دون جدوي بينما غمغم واحد من رفقائي :
- يبدو ان الرجل كان علي حق، لقد انتهت الدنيا.هتف الاخر في ذعر:
-ان كان علي حق في موضوع انتهاء الدنيا فمن المؤكد انه علي حق ايضا في ان اشباح الجحيم تطارد الناجين.تلاقت اعيننا في رعب بينما تناهى لسمعنا صرخات مفزعة تقترب منا في سرعة لكائنات دعوت الله ان اموت قبل ان اشاهدها.
(تمت)
#Agoraphobia
#فوبيا
#احمد_مجدي_جلال
#قصص_قصيرة_جدا
أنت تقرأ
فوبيا
Horrorسلسلة من القصص القصيرة، التي تحكي عن الفوبيا التي تصيب الإنسان في اطار من الخوارقيات و الرعب و التشويق و الإثارة