الفصل الاول /٣

3K 35 2
                                    

سمعته يقول بعد لحظة :((حسنا.هذه القواعد الاساسية . سنعمل في روزوود، بيتي في الجبل. فهناك لن يزعجنا احد. )) حاولت الابتسامة ان تجد زوايا فمها. واضاف :((عليك ان تتركي بيتك ، ورفاقك واهلك وتلامذتك ، وحياتك الاجتماعية ،كل حياتك ، في الواقع ،طالما العمل يدوم . ))
اومأت برأسها بصمت ، وهي تنظر الى كوبها  وتتسائل كيف بإمكانها  احتواء كل هذه السعادة وكيف لها ان تبقى جالسة وهي تتكلف الهدوء في حين انها تريد القفز والصراخ و...
قال:(( سوف تكون الساعات رهيبة ، فأنا عديم الصبر ، حاد الطبع ويستحيل العمل معي ....)) جازفت مادلين بنظرة الى اعلى الى حيث مخرج صوته الخشن :((في الحقيقة ،الشيء الوحيد اللائق في هذا العمل هو الاجر. استطيع ان اعدك انه سيكون ممتازا .))
حدقت مادلين في شرخ بارز في ورق الجدران خلفه ، وهي تبتسم لما كان يعتقده مهما من أمر الساعات وشروط العمل والأجر. كيف عليها ان تخبره ؟ وكيف لها ان تفسر له ان موسيقاه هي أملها الوحيد في حياتها الرتيبة ؟ وأنها احست بانتمائها إليه منذ اللحظة التي بدأت تعزف فيها موسيقاه ؟ وما هجرانها حياتها من أجل اللحاق به سوى الجانب الشكلي للإلتزام المعنوي والروحي الذي كانت قد قطعته على نفسها منذ زمن طويل .
قالت بهدوء :(( لقد عرضت علي عملا ، وأنا قبلت به ، فهل انت تتراجع عن عرضك الآن ؟))
تفرس وجهها وكأنه يفتش عن علامة وهن فيه ، اجاب :(( لا. فلا يزال العرض قائما. لست هازئا .))
اومأت برأسها بحزم :((حسنا)) ولسبب ما احبطت ثقتها عزيمته .
راحت حدقتاه الخضراوان تضيقان قليلا وقال محذرا :(( نحن لسنا في مجال اللهو، يا آنسة شيبرز . موسيقاي هي الشيء الوحيد الذي يهمني . ليس لدي الوقت او الرغبة في ان ادغدغ عواطف النساء . في الحقيقة ، لا املك صبرا على التعاطي معهن . والعمل معي هو الاقتراح الوحيد الذي  لدي.))
نظرت مادلين إليه بهدوء وهي تحاول ان لا تبتسم :(( حسنا، يا سيد شيبرد ، لقد ربحت. كم تريد لقاء عملك ؟ انا سأدفع لك .))
استغرق في ضحكات خرقاء ناشزة حتى كادت ان تتسائل في ما اذا كان ضحك قبل ذلك ، ثم قال وطيف ابتسامته لا يزال مرتسما على زوايا فمه :(( حسنا ، يا انسة شمبرز ، وضبي اغراضك لمغادرة المدينة لفترة من الوقت ...))
((كم من الوقت ؟))
((هذا يتوقف على امور كثيرة . قد يكون لشهر...))
توقف لحظة وهو يبحث في وجهها عن تعبير غريب :(( او اكثر .))
نظرت إليه من دون ان تتفوه بشيء وقطب جبينه عندما لاحظ شيئا على وجهها .
(( اعتقد اننا سننجح بالعمل معا ، يا انسة شمبرز .))
وانحنى قليلا الى الامام امسك باحدى يديها ووضعها بين يديه وشرع يقلبها ضمن راحتيه وهو يتفرس فيها بإعجاب وكأنها قطعة ثمينة بين يديه . وكانت ملامسته لها متجردة ، فقد كان في صدد تفحص الآلة التي ستنجز موسيقاه ، أما هي ، ربما لذلك السبب ، لم تمتعض كما كانت تفعل لدى ملامسة احد ما لها .
أمرها من دون ان يرفع نظره :(( اعطني يدك الأخرى .)) وضعت فنجانها على طاولة قريبة منها ومدت  له يدها الأخرى صاغرة . أمسك بهما بين راحتيه وبسط أنامله تحت اناملها لتبسط أناملها هي ايضا . كانت بين يدي طبيب يقوم على فحصها ، وراحت تراقبه وهي غافلة وكأنها قد سلخت عن تلك الأجزاء من جسمها التي كان قد لمسها .
سألها فجأة :(( ماهو مدى أصابعك ؟))
اجابت (( عشرة مفاتيح .)) ومطت اناملها على وسعها فوق راحته لتبيان ذلك ، وفجأة من دون أي انذار ، حدث شيء .
شعرت بأطراف أناملها وكأنها تحترق وهي ترسم خطوطا من اللهب على طول راحتيه الدقيقتين .
وبدأ واضحا ان الشعور عينه قد انتابه  ، إذ جحظت عيناه وقد اثقلتهما الدهشة تماما كما فعلت عيناها . وانسحب في سرعة خاطفة متنفسا بصوت مسموع . جمدت مادلين في مكانها عاجزة عن الإتيان بأي حركة وهي مأخوذة بالإشارات العجيبة التي كانت تتسابق طردا وعكسا من يديها الى دماغها ، إضافة الى طبيعة نظرته المغناطيسية . وراحت حدقتاه تتسعان حتى كاد اللون الأخضر ان يزول تاركا مكانه لونا اسود على شكل دائرة . ولسبب ما ارعبها ذلك .
سحبت يدها من قبضته بخوف ظاهر وعيناها متسعتان من الدهشة . بقيت عيونهما معلقة في نظرة طويلة ، اغمض عينيه ، وتحول برأسه بعيدا عنها ورفع منكبيه الى أعلى وكأن شيئا لم يحدث .
قال بأختصار (( كوني جاهزة في العاشرة من صباح غد .)) ووقف عند الباب . تقريبا قبل ان تنتبه لحركته .(( سأريك روزوود ، ثم نعمل على التفاصيل .))
فيما كان يهم بالخروج ، استدار وحدق بها وهي ما تزال جالسة حيث تركها . اما ملامحه فكانت قاتمة وواعدة وكأنه توجه إليها اتهاما خطيرا . قال :(( لا اعتقد اني سمعت عزف موسيقاي حقيقة إلا يوم سمعتك تعزفينها .))  اضاف بنبرة فيها وعيد :(( لن اسمح بشيء اخر ان يتعارض مع ذلك.))
اما مادلين فقد بقيت ساكنة في كرسيها تحملق في يديها لفترة طويلة بعد مغادرته .
.........................................
#zainab_alabody

اغنية من القلب/ Abeer Novelحيث تعيش القصص. اكتشف الآن