الفصل الثالث

2.9K 46 0
                                    

فيما كان الياس منهمكا فى قيادة سيارته وسط
زحمة سير خفيفة، صبيحة نهار الأحد، أخذت مادلين
تنظر إليه خلسة من مقعدها فى سيارته الفخمة. هذا
هو الياس شيبرد. اخبرت نفسها مرارا، احد كبار
مؤلفي الموسيقى في هذا العصر، على الرغم من
النقاد، وإنك جالسة آلآن الى جانب رجل مقدر له ان
يصبح اسطورة.
لسبب ما كانت تلاقي عناء كبير في تخيله اسطورة.
فهو لا يبدو، من الأساطير، وهو جالس خلف المقود
يركز اهتمامه فوق الطريق أمامه مثل بقية السائقين
العاديين، إنه إنسان من لحم ودم كسائر الاحياء من بني البشر .
قال منبها :((قد لا نعود في وقت قريب)) ولم يتجاوزا شارعين بعد.
«لا بأس في ذلك. فأنا لا أدرج مواعيد جديدة
لتلامذتي في نهاية الاسبوع.»
«أليس لديك مشاريع هذا المساء؟»
اخفت ابتسامتها وقالت:«لم يكن لدي متسع من الوقت للقيام بما يمليه الواجب الاجتماعى.» اردفت بعد
تردد بسيط:«كما أنه ليس لدى موهبة كبيرة في ذلك.»
استغرب ردها وهو يبتسم ابتسامة خفيفة، وسرعان
ما عمّ صمت مطبق بينهما فيما أخذت السيارة تنهب
الأرض على الطريق العريضة التي تربط كل المراكز
الموجودة على خارطة ولاية نيويورك. غابت اخيراً -
وراءهما آخر نقاط حدود المدينة وبدأت الطريق تنعطف
يمنى ويسرى بزوايا منفرجة، باتجاه.قمم الجبال المستديرة السحيقة فى قدمها والتي لا يمكن مشاهدتها بسبب بعدها .
استغرقت مادلين فى مشاهدة الطبيعة من خلال
نافذتها وقد أخذ بمجامع قلبها مشهد الريف وهو
يعانق الربيع بعد شتاء طويل قاس وكانت قطعان
الماشية تثب مرحا فى مراعيها الجديدة، وفاضت الجداول
بمياه الثلوج المتدفقة فى الأخاديد التي حفرتها.
كان المنظر لمن سكن الأبنية الحجرية في المدينة أشبه بسجادة مزدانة بالرسوم والصور، لكن النسبة لمادلين فقد كانت الموسيقى معيارها للجمال حتى انها كادت ان تنسى كيف تقدر الأشياء الأخرى حق قدرها.
بعد مضي ساعة تقريبا، استهل الياس حديثه الذي كان قد انقطع بينهما منذ مغادرتهما المدينة: «نحن على وشك ان نصل.» خفف من سرعة السيارة لينعطف في موازاة الطريق السريع.
«حقا؟» رفت عيناها كمن يستيقظ من شبه حلم.
فقد كانت شاردة لمسافة أميال وهي تحدق في مكان
ما من أجهزة القيادة أمامها وهي تدندن إحدى
مقطوعاته فى ذهنها .
أطلت برأسها من نافذة السيارة وراحت تتأمل
طريق الأسفلت الضيق الذي كانت السيارة تنهبه
نهباً. ونظرت شزرا الى خميلة من أزهار الربيع
في صفرتها الصارخة والمتكوكبة على جانبي
الاسفلت.
رمقها الياس بنظرة، فيما كانت السيارة ترتقي
صعودا على إحدى المرتفعات ثم تنحدر الى قرية بدت في منظرها أقرب الى الصورة الفوتوغرافية منها الى الواقع المرئي. قال لها :«انها برايتون سكواير.»
شارحا فيما راحت السيارة تخفف من سرعتها
وصوت عجلاتها الواهن ينبه الى التحول عن طريق
الاسفلت الى آخر من الحجارة المرصوفة:« منزلي
على بعد كيلومتر فى الجهة الاخرى من البلدة.»
هزت مادلين رأسها  بصمت وعيناها مأخوذتان
بروعة المحلات القديمة ومظلاتها الملونة الممتدة على طول الشارع الرئيسي وإلى أعمدة الإنارة المصفحة بالحديد والتي كانت تعيد الى الذهن قرنا من الزمن مضى ،فيما كان أزهار التوليب البري تفترش مساحة كبيرة من مرج القرية فكرت مادلين ،وهي تستدير ، لا شك في ان كلمة فاتن قد صيغت لأماكن كهذه، استدارت لتشاهد
من خلال النافذة الخلفية في السيارة، القرية وهي
تنسحب وراءها، قالت : «إنه لكان جميل حقا . لقد
بدأت أفهم لماذا تعيش هنا.»
اجابها بنبرة باردة «اعيش هنا لأن هذا يناسبنى.»
جعلت مادلين تتساءل ما إذا كانت قد أخطأت بما
قد تفوهت به.
أدار مقود سيارته بخفة ومضى في طريق خاصة
ضيقة مصفوف على جانبيها، شجيرات متشابكة
أخذت تورق حديثا. قال:« هذه روزوود. سترين
منزلى بعد هنيهة.»
«لم آت الى منزل يحمل اسما قبل الآن.»
تقلصت عضلات فكه لبرهة، عادت بعدها
للاسترخاء:«لا تكوني فكرة خاطئة. فهذا المنزل ليس
قصرا، والدتي كانت مولعة بالأسماء، هذا كل شيء وقد أعطت اسما لكل شيء كانت تملكه ، بما في ذلك
هذا المكان، وقد بقي الإسم ملازما له بعد وفاتها .»
« هل كان هذا المكان لوالديك؟»
قال مصححا ومشددا على ذكر المفرد : «لوالدتي. لقد
انفصلا بعد ولادتي بوقت قصير، ولم تتزوج والدتي
بعد ذلك. »
عندما انعطفت السيارة على احد المفارق التي توصلهما الى المنزل مباشرة، استرخت مادلين
واتكأت على النافذة والتصق أنفها على الزجاج. قد
تتذكر هذه اللحظة فيما بعد، وستكون شاكرة لأن
وجهها قد تحول عنه ، إذ انها شعرت بأن قناعها
الدفاعي يسقط عن وجهها  ليحل مكانه شوق الطفلة
التي كانت هي في يوم من الأيام، ودهشة تلك الطفلة
نفسها المثيرة للشفقة، عندما تكتشف أنه في بعض
الأحيان تصبح الأوهام حقيقة.
المنزل. رسمت على شفتيها تلك الكلمة الغريبة
عنها بصمت، فيما لهاثها قد ترك الزجاج أمامها
ضبابا وراقبت القرميد الأحمر والمظلات ذات اللون
الأخضر الباهت، لذلك المنزل التّى كان أشبه بكعكة
الزنجبيل. لقد كان ذلك تجسيدا لحلم ظنت أنها نسيته ،
وهو حلم من سنين بعيدة جدا، وقبل ان تعلمها الحياة كيف تحلم.
كان الصمتِ، في ما خلا قرقعة محرك السيارة وهو
يبرد ، مطبقا داخل السيارة بينما راح الياس يتفحص
وجهها وهي تحملق من خلال النافيذة الى المنزل، وقد
بدت صورتها الجانبية أكثر ارتياحا وانفتاحا، كأنها
تظهر للمنزل جانباً من ذاتها لم تكن تسمح لعامة البشر برؤيته.
قال بهدوء:«قد ترعرعت في هذا المكان.»
همست: « عظيم.» وأدهشتها نبرة صوتها بما كانت
تحمله فى طياتها من عاطفة جياشة.
قال، فيما كان يحدق الى كتلة متشابكة من
الشجيرات المحتشدة شرفة .
أمام المنزل: «لقد كان كذلك في ما مضى» ثم تنهد وهو يفتح الباب «هيا بنا نقوم بجولة فى المكان.»
راحت مادلين تفكر بأن دخولها هذا المكان بالذات
وهي البالغة، كان أشبه بدنوها من شباك التذاكر
حين تكون آخر البطاقات قد بيعت. لقد تدبرت
أمرك جيدا ، لكن بعد فوات الاوان. لو كان عندها
منزل كهذا يأويها وهي طفلة لكانت حياتها مختلفة
عما هي عليه الآن ، ولما كان العالم مدرسة باردة لا
ترحم ودروسها قاسية مستعصية.
فيما كانت تمشى خلفه فى ارجاء المنزل كانت
افكارها تردد بحزن ان الاوان قد فات. وارتسم على
وجهها خيال ابتسامة مهذبة ولكن باردة، وكانت يدها
تمتد الفينة والفينة، وعن غير قصد منها لتلمس
الجدار، لتطال قبضة الباب البورسلين المصنوعة من
قبل مولدها بمئات السنين، وخلال هذه الهنيهات من
ملامستها تلك راحت تفكر كم كان كل شىء رائعاً فيما مضى وكم كان حزينا ما يبدو عليه اليوم.
كانت معظم غرف الطابق الأرضي من المنزل صغيرة عبد
ودافئة ومزدحمة بأثاث قديم، عتيق الطراز. وأعمال تطريز، صنع أمه  تملأ المكان وأحست فجأة بعامل الغيرة الشديدة، من طفولته ومن الدفء والحب اللذين يحوز عليهما كل طفل ينمو في بيت كهذا ، حتى ولو كان فاقدا لأبيه. شعرت بلمسة الأم في كل غرفة وكأنها لا تزال على قيد الحياة تقوم على الترحيب بها واستقبالها...
أزاحت عنها فجأة ويحركة متوترة تلك الفكرة الخيالية التى كانت تراودها، وهى مغتاظة كونها تدغدغ فكرة صبيانية كهذه. وتوقفت عن التفكير وهى تحاول اللحاق به فى الرواق الذي كان يقسم البيت الى قسمين ابتداء من المدخل الأمامى مرورا بالسلالم وصعودا الى الطابق الثاني وانتهاءً بباب متمايل مصمم على الطراز القديم.
اعلن الياس:«المطبخ.» وتنحى قليلا ليدعها تدخل إلا
أنها جمدت مكانها بعد ان تقدمت  خطوات قليلة فى
داخله. سألها وهو يقف خلفها:« هل من خطب ما؟»
هل من خطب؟ ترددت كلماته في ذهنها . كلا بالطبع لا إلا إذا اردت البكاء من دون سبب وجيه وأن تدفني رأسك بين يديك وتنتحبي حتى ياتى احد ممن يحبونك فيضع يده على كتفك ويهدىء من روعك. وقد يكون هناك شخص من هذا القبيل في مطبخ كهذا ، شخص يتأكد من ان الفتيات الصغيرات لا يبكين بمفردهن.
كان الى يسارها بهو تحتشد فيه الخزانات القديمة من
الخشب السنديان، فيما كان الموقد المصفح بالحديد
يحتل إحدى الزوايا قبالتها وبدا باب الفرن الضخم
كفم مقفل على ذكريات الخبز والكعك والحلوى التي
كانت تملأ جوفه فيما مضى. كانت هناك طاوله خشبية مستديرة تجمع حولها كراسي متناسقة الألوان، طويلة كالسلالم، حشدت كلها داخل مختلى مظلل. وقد حضنتها نافذة ناتئة. كل زاوية من زوايا المنزل كانت تحمل ذكريات من تلك السيدة التي جعلت من هذا المكان منزلا، كتلك الآنية الفخارية الموضوعة على حافة النافذة والتى كانت تحوي فيما مضى نباتات ذكية الرائحة عطرة، وكتلك المطرزات التى كانت تتدلى من الجدران التي كانت
تقرأ :«الطبخ هو الحب. »
«مادلين.» كان صوته ينم  عن القلق وهو يردد:«هل من خطب؟»
أدارت رأسها ببطء لتنظر إليه وقد أعادت قناعها الى
وجهها فيما كانت تعابيرها باردة: «لا بالطبع لا.»
عندما استدارت، لمحت طبقة الغبار من تغطي  كل شيء، الرائحة العفنة  توحي بان المنزل خاو.
أدركت ان لا أحد أقام في أرجائه منذ زمن  طويل، واذا
كان المطبخ يوحي بشبه حياة فقد كان ذلك مجرد وهم .
قال الياس كأنه يقرأ افكارها : « لم يسكن احد هذا المنزل لسنوات .» مر قربها ليقف عند المجلى وعيناه مركزتان على نقطة بعيدة خارج زجاج نافذة المطبخ الذى بهت لونه.
«كنت أخالك تعيش هنا.»
هز رأسه فجأة مما جعل شعره يسترسل الى الوراء: «لا، ليس هنا. سأريك أين.»
لحقت به الى الخارج عبر باب خلفي واستقبلهما
ممر من الحجر القرميدي قاد خطواتهما في رحلة
لولبية عبر الفناء الخلفي حيث شاهدت بقايا مئات
الورود التى ذبلت منذ زمن بعيد.
سألت:« هل ماتت؟» وهى تشعر بالأسى عليها وهي تشرئب من خلال كومة من الاوراق والأعشاب اليابسة.
قال:« لا أدري.»  بفظاظة  وهو يحث الخطى:« بعضها
ذبل، والبعض الآخر لا .»
انعطف الممر بزاوية حادة الى اليمين مارا بأرض خالية من
الاشجار باستثناء مجموعه من اشجار الصنوبر الابيض ثم انعطف  ثانية خلف العشب  البري الذي يغطي المروج المترامية الأطراف. وعلى بعد لا يتجاوز  العشرين ياردة ظهرت بناية بيضاء الشكل أكبر مساحة من المنزل.
قال وهو يخرج مفتاحا من جيبه ليفتح به الباب الامامي :« هذا هو مسكني .لقد بنيته منذ سنوات عدة .»
شعرت مادلين بمتانة السجاد تحت قدميها فيما راحت تخطو بضع خطوات في المدى الرحب للمكان وهى تدور متمهلة. كان البناء خاليا من الجدران الداخلية ومن الأثاث والنوافذ. لا من شأنه ان يملى الفكر او يشده الصوت.
شاهدت بيانو ضخما موضوعا على منصة عالية في وسط البهو المفتوح. لاحقت نظراتها البيانو بشيء من الإحترام. ارتعشت اناملها وقد انتابتها رغبة جامحة في ان تسرع الى البيانو وتبدأ بالعزف، لتأليف الموسيقى فى مكان معد لذلك العمل فقط، كان الياس واقفا وراءها يراقب يديها وهما موضوعتان الى جانبيها وابتسم ابتسامة باردة.
«الاستديو.» همست مادلين، وقد شعرت بان نبرة
صوتها قد تبخرت فجأة.
«وبيتي ايضا » قادها الى الجدار البعيد حيث أزاح عنه قطعه من  العارضة السميكة التي كانت تغطي الباب. دخلت مادلين الى غرفة طويلة ضيقة تمتد على طول المبنى. كان يوجد فيها مكتب عليه شمعدان وبعض وسرير وخزانة الاشياء الأخرى.
هز رأسه وهو يشير الى باب  في الجهة الأخرى
قائلا:« يوجد مطبخ صغير هناك. وحمام، طبعا، كل
ما احتاج إليه» اما ابتسامته فلم تكن ممتعة وهو يتكلفها .
خرجت من الغرفة الصغيرة وقد ضاقت ذرعا فجأة بجوها المزعج. قالت: «ألا تستعمل البيت ابدا؟»
اغلق الياس الباب وعلت شفتيه ابتسامة صفراء:«كلا.
سيكون المنزل منزلك، ما دمت تعملين معى.» مشى الى حيث كان البيانو، من دون ان يلاحظ كيف تسمّرت مادلين فى مكانها وقد فغرت فاها.
راحت تفكر وهي ترتجف، المنزل سيكون منزلها . ليس الى الأبد، ولكن لفترة من الوقت، المنزل سيكون منزلها .
« مادلين؟»
رفت بعينيها ورحت تنظر إليه، متكئا على البيانو وعيناه مركزتان على عينيها عبر المسافة التى كانت تفصل بينهما، قال بهدوء ومن دون تحذير:«تعالي واعزفي لى.»
شعرت مادلين يقلبها يخفق بسرعة. اخذت تنظر
إليه عبر الغرفة وقد بدا أكثر طولا وضخامة، وكأن ارتفاع المنصة او شيئا ما عبر المسافة التي كانت تفصل بينهما قد جعله يبدو كذلك، وشعرت فجاة بالخوف. اقترب منها وقد أيقظ من طفولتها ردات فعل عاطفية، قديمة، ارعبتها حقا.
مشت نحو المنصة وقد فارقتها الأحاسيس، وعندما
جلست على مقعدها الى البيانو، كانت يداها ترتعشان
سرعان ما توقفت الرجفة عندما لمست أناملها لوحة المفاتيح.
بعد ربع ساعة من الوقت. أرخت  يديها عن لوحة  المفاتيح وأغمضت عينيها وقد شعرت بتلاشي قواها همس من ورائها «شكراً ،»
استدارت ببطء على مقعدها وهي تنتظر الى
الخضراوين الصافيتين كصفحة مياه ساكنة في إحدى
بحيرات الغابات، وارتسم على شفتيه طيف ابتسامة .
قال بهدوء« لقد عزفت هذه المقطوعة كما تصورتها في عقلي عندما كتبتها.»
ادركت مادلين انها  عزفت  مقدمة المقطوعة بطريقة
فريدة من نوعها . قال النقاد انه أخرق وتعوزه الرشاقة، وينجز أعماله بغير تفكير. وبسبب ذلك  اخذت شعبيته بالانحدار، لم تتذكر انها قررت ان تعزفها قبل ان تفعل, الا ان النوتة انسابت من أناملها الى لوحة المفاتيح، تلك القطعة هي التي قدّر لها ان تعزفها في هذه المناسبة الخاص.
قال بحماس وهو يقترب منها «أي شيء ، تريدين . يا
مادلين، سأعطيك أي شيء تريدين، مقابل ان يسمع العالم موسيقاي بالطر يقة التي تعزفينها.»
راحت تنظر أمامها وأفكارها تتسارع ، فقد أمضت حياتها
وهي تريد اشياء من الناس  إلا أنها لم يكن
لديها  ماتقدمه في المقابل، اخيراً، جاء من يطلب منها ان تعطيه ما هو ثمين عندها، وللمرة الأولى أتيح لها ان تختبر هذا الاندهاش المرعب في ان تكون مشاركة في السباق البشري بدلا من ان تكون مجرد مشاهدة .
دعني أعيش في هذا المنزل الرائع، دعني اعرف موسيقاك، دعني أكون على مقربة منك وأنت منكب على عملك، دعني أحوز على هذا الى الأبد، كانت تفكر، الا انها كانت تعلم ان لا تسال عما هو دائم.
قالت وهي تتظاهر بالدهشة انت وأنا لن نربح أية
جائزة ونحن نتناقش هكذا. سأعمل أي شيء لأعزف موسيقاك  وستقدر جهودي حق قدرها.»
ضحك  ضحكة خفيفة وأزاح  يديه عن كتفيها ثم أدارها لتواجهه، قال وهو يحدق في عينيها «نحن ثنائي ناجح، انت تعلمين.., ثنائي لا يهمهما شيء إلا الموسيقى، ومن أجل الموسيقى سنضحي بأي شيء سنكون فريقا ولا أنجح.»
شعرت بوهن ضحكتها «نعم ينبغي علينا ان نكون
كذلك.» راح صوت في ذهنها يؤنبها، ان ذلك لن يدوم، لانك تريدينه كثيرا، وعندما نرغب بتحقيق أشياء او تحتاج إليها، او نتعلم ان نحبها ، فهي سرعان ما تزول .
احست بتوتر حين راحت يداه تنزلقان الى معصميها.
احتضن يديها وهو يحدق فيهما بتعبير من الرهبة.
فشعرت انها لم تعد تملكهما، كأنهما صارتا كيانا مستقلا عنها. انحنى وقبل يديها ، وكادت ان تغيب عن وعيها .
حملقت في رأسه .وبدأت موجة من الدفء تتغلغل في
داخلها لتنشر الدفء في جسدها ووجهها في وهج ظاهر. وشعرت إذ ذاك بتسارع تنفسها.
راحت تفكر في انخطاف كلى. هذه هي الموسيقى والشعر ومعنى الحياة، وأنت تشعرين بها لأول مرة، تمالكي نفسك . وهي ربما لن تنتهي ابدا.
وقف فجأة ودفعها برفق لتقف الى جانبه وشعرت
مادلين لأول مرة بطول الرجل الذي بجانبها.
قال:«انظري إلي يا مادلين.»
رفعت عينيها صااغرة، وأمسكت عن التنفس عندما رأت ان عينيه قد أصبحتا قاتمتين، وتحت تأثير تلاعب الضوء تبدوان سوداوين لا اخضرار فيهما وتضجان بالحيوية والدفء.
نادته:«الياس» وشعرت بأن اسمه صار مألوفا على شفتيها .
جمدت تعابير وجهه فجأة وهو يحملق بها مصدوما،وكانه أحس بأنه ارتكب ذنبا، قال: «انا آسف، لا أدري ما الذي دفعني لأن افعل هكذا .ربما دافيد على صواب، فقد كنت وحيدا لمدة طويلة. »

كانت كلماته أشبه بأصابع باردة سوداء تضيق الخناق حول قلبها. فهل هذا كل شيء؟لا شعرء لا موسيقى، مجرد انفعال بسيط لرجل قضى كل هذا الوقت بمفرده؟
راح يحدق بها لبرهة. نظرته ثابتة، وتعبيره مبهم، قال اخيرا «لقد تأخر الوقت . علينا ان نعود الى المدينة.»
جلست مادلين قربه وهي مذهولة. عرض عليها اجرا
لائقا مع الوعد بحقوق الفنان في المستقبل. هزت
رأسها من دون ان تنبس بكلمة. فلا شيء كان.
يهمها، ولا شيء سيؤثر على رحلتها الى روزوود .
....................................................
Vote please

اغنية من القلب/ Abeer Novelحيث تعيش القصص. اكتشف الآن