صباح اليوم التالي ادخلت السيدة مريم إلى غرفة العمليات .. لم تتوقف نانسي عن السير في الخارج ذهابا وإيابا بقلق وتوتر .. بينما كان وجه لينا شاحبا وهي تطلق نشيجا بين لحظة وأخرى .. حتى فقدت نانسي اعصابها قاستدارت نحوها وهي تصيح بانفعال :- توقفي عن البكاء يا لينا
إلا ان قولها هذا جعل لينا تزداد بكاءا .. فابتعدت نانسي محاولة ألا تتصرف بتهور ..
وقفت بعيدا تحاول استجماع قوتها الضائعة .. وتركت دموعها تسيل في غياب الشهود .. شعرت بحاجة كبيرة لوجود محمود .. فقد اعتادت على ان يكون هو الجدار الذي يستندون إليه في هذه المحنة .. يا إلهي .. هاهي تبدأ بالتفكير كالخطيبة المشتاقة لوجود خطيبها
سمعت صوتا مألوفا يصيح بدهشة :- نانسي !!
استدارت نحو ماهر الذي قطع المسافات إليها فمسحت دموعها وهي تقول بارتياح لرؤيته :- ماهر .. ما الذي تفعله هنا ؟
:- أجرت خالتي عملية مرارة منذ يومين .. وقد قدمت لزيارتها ..
نظر إليها بعتاب قائلا :- لقد اختفيت فجأة يا نانسي دون أن تتركي أثرا .. لقد قلقت عليك حتى كدت أفقد عقلي
تمتمت :- أنا آسفة يا ماهر .. كنت مضطرة للرحيل فجأة
قال بقلق :- لا بأس .. أنا متأكد بأنك امتلكت الأسباب الكافية للرحيل .. ولكن .. ماالذي تفعلينه هنا ؟ هل أنت بخير ؟
قالت بشحوب :- إنها أمي يا ماهر .. تجري عملية خطرة في هذه اللحظة قد لا تنجو منها
ذعر وهو يمسك يدها بقوة :- يا إلهي .. لماذا لم تخبريني بهذا كي أقف إلى جانبك في محنتك ؟
أتاهما صوت صارم يقول :- صباح الخير
استدارت نانسي لتجد محمود وقد كسا وجهه الوجوم وهو يحدق بأيديهما المتشابكة .. فأفلتت يدها بسرعة بينما قال ماهر :- صباح الخير يا دكتور محمود .. إنها صدفة جميلة أن نلتقي
رد محمود بجفاف :- بالفعل
ثم نظر إلى نانسي قائلا :- كيف هي أمك الآن يا نانسي ؟ هل من أخبار ؟
قالت متوترة :- لا أخبار حتى الآن
قال :- لم أستطع الحضور قبل الآن .. لقد شغلني طارئ ما
عقد ماهر حاجبيه وهو يراقب ما يحدث .. ثم قال بحذر :- أرى أن الدكتور محمود على علم بكل شيء .. لم أعلم بأنكما تتقابلان
قال محمود بهدوء :- من الواضح بأنك لم تخبري ماهر بعد بزواجنا القريب يا نانسي
بدت الصدمة على ماهر وكأنه قد تلقى لتوه صفعة قاسية .. بينما أغمضت نانسي عينيها بقوة .. لم ترد إخباره بهذه الطريقة
قال محمود :- سأذهب لأطمئن على لينا .. بالإذن
ابتعد تاركا إياهما كل منهما يحدق في الآخر .. لاحظت نانسي ذلك التعبير الذاهل والمستنكر في عيني ماهر البنيتين .. قال بعدم تصديق :- لا أصدق حقا بأنك ستتزوجين به
قالت بعصبية :- ولم لا تصدق يا ماهر .. هل في الزواج ما يعيب .. أم أن اعتراضك يشمل الدكتور محمود نفسه ؟ .. ألم يكن يوما صديقك ؟
قال بحدة :- لقد كنت تكرهينه يا نانسي .. بل ما كنت تطيقين سماع اسمه .. هل تدعين بأن مشاعرك قد تغيرت فجأة وأنك قد وقعت في حبه رأسا على عقب
قالت بتوتر :- بالطبع لا .. إنه فقط .
..قاطعها وكأنه لم يسمع ما تقول :- أم أنك بعت نفسك له في مقابل أن يعيد إليك مجدك القديم ؟
صاحت بغضب :- ماهر
إلا أنه تابع بلهجته القاسية .. وصراحته المعهودة :- أليست هذه هي الحقيقة ؟ لم أفكر أبدا كم كان الدكتور محمود محقا عندما صارحته بقلقي نحو غيابك المفاجئ .. لقد قال حرفيا بأنك آخر فتاة تستوجب القلق عليها .. وأنك كالقطة عندما تقعين .. فإنك تقعين على قوائمك دون أذى .. وأنك على الأرجح تبحثين عن زوج ثري يغرقك بأمواله وينتشلك من وضعك الحرج .. لا أصدق بأنني قد دافعت عنك ذلك اليوم واثقا بأنك من الكبرياء بحيث ترفضين بيع نفسك لرجل .. ولكنني كنت مخطئا .. فها قد فعلتها وبعت نفسك ولمن .. للدكتور محمود .. لا أظن بأنني قد عرفتك يوما يا نانسي .. الصديقة التي احترمتها كثيرا لم تكن بهذه السطحية والمادية .. لم تكن تقبل بأن ترخص نفسها بهذا الشكل حتى لو ماتت جوعا
صرخت بألم :- اخرس .. لا أريد أن أسمع شيئا
سدت أذنيها بقوة وأشاحت بوجهها بعيدا عنه .. وعندما عادت تنظر إليه كان قد اختفى .. عادت إلى حيث وقف محمود يحيط بلينا بين ذراعيه .. ويتركها تبكي على صدره .. رفع عينيه إلى نانسي دون أن يقول حرفا .. ولكن الوميض القاسي في عينيه جعلها تستشيط غضبا ..
شعرت فجأة بالحقد الشديد اتجاهه لأنه تسبب بفقدانها أعز أصدقائها .. هي الآن حقا لا تملك معينا سواه .. لقد حاصرها تماما هذه المرة .. كما أنها كرهته بشدة لاعتقاده بأنه قد اشتراها .. ماهر لا يكذب أبدا .. وما قاله يجب أن يكون قد حدث فعلا .. اتخذت قرارا حاسما داخلها .. ستتزوج الدكتور محمود .. ولكنها أبدا لن تكون إحدى مقتنياته
أنت تقرأ
عندما تنحني الجبال
Ficción Generalرفعت "نانسي" رأسها من فوق ركبتيها .. وتأملت بعينين خاليتين من التعبير قطرات المطر الخفيفة التي أخذت تهطل برفق بينما هي جالسة على الدرج الخلفي للمنزل الكبير الذي ولدت فيه وعاشت ما يقرب العشرين عاما ...