هل ستقع الصخرة في الحفرة ؟

59 3 3
                                    

اندفعت أيلا نحو قسمها بابتسامة مرسومة على شفتيها ، و راحت عيناها تجولان القسم بحقائب البهجة ، كان قسمها شاسعا يتسع لسبعة عائلات فقيرة ، يليه الحائط المطلي بلون العاج ،عليه بعض الزخرفات الغير مفهومة  ، كان السقف مطليا بلون الذهب ، يلمع كلمعان سن ماريا الذهبية ..
توجهت أيلا بخطواتها الحازمة نحو الطاولة المحفور عليها اسمها ...جلست على الكرسي بتأني ...ووجهت نظرها نحو مونيكا التي كانت تدور بشكل لولبي حول المقاعد في القسم و هي تنشد احد الاغاني التي اعتدنا أن نرددها و نحن اطفال ..
_يبدوا أننا جئنا مبكرا ...
قالت مونيكا بصوتها الرقيق كالعادة ..
لم تجبها أيلا ، فهي قد كانت شاردة في التفكير حول عقاب لتلك الصخرة ... من يدري ماذا يكمن وراء تلك الجبهة العريضة لأيلا و ما يجول في بالها ؟
بينما هي تائهة في تفكيرها ، احست بيد مونيكا تلوح لها ...
_انت هادئة على غير عادتك ، لابد من وجود شيء يزعجك ..اليس كذلك ..ترى ماذا يكون ..
رددت مونيكا بينما هي تقوم بتعديل خصلات شعرها و هي تنظر في مرآة جيبها ..
_هذا سر ..
قالت  أيلا بينما أزاحت غبار الشرود عن وجهها
_لكل واحد منا سر ..
ذكرت مونيكا و هي تدخل المرآه في مكانها ...
بعد سماع كلام مونيكا ، خطت هذه الفكرة ذهن أيلا فاتسعت عيناها من الفرحة و قفزت بسرور ، أمسكت يدا مونيكا الناعمتان قائلة :
_شكرا ..شكرا ...لقد وجدتهاا !!
استغربت مونيكا من ردة فعل ايلا و ارتدت تلك الابتسامة اليومية الحنونة و قالت :
_لم أفعل شيئا عزيزتي ،لا داعي لشكري ....
همت أيلا بقول شيء ما لكن الجرس قد رن معلنا بدأ اول حصة لها و طغت أصوات التلاميذ الصاخبة على الهدوء الذي كان يعم القسم ، جلس كل واحد في مكانه و كذلك فعلت الطفلة  الشقية مغتنمة الفرصة للتعرف على وجوه زملائها ، دلف الي القسم فتاة مديدة القامة ، تحمل شعرا داكنا يصل الى كتفيها  ،بيضاء الوجه ، سادت بقعة من النمش علو أنفها المستقيم ، عسلية العينين ، وردية الشفتين ،لا تعلوهما ابتسامة ، توجهت بنرجسية نحو المقعد الأخير المقابل لأيلا ، بإمكانك رؤية اسم آنا محفورا على طاولتها ...كانت أيلا مهمومة في مراقبة الجميلة الجالسة أمامها لتسمع فجأة صوت فتاة تناديها ، استدارت أيلا لترى فتاة متوسطة القامة ، كسى جسمها حروف البدانة ، و غطت ملامح وجهها الجميل ، خضراء العينين ، على وجهها ابتسامة ظريفة تجمع كل معاني المحبة ..
_عفوا ...لا بد من أنك الفتاة الجديدة ...
قالت البنت الظريفة و قد غزى الفضول أركان قلبها .
_طبعا انا هي ...
ردت أيلا بابتسامتها المشرقة كالعادة ..
_على العموم ،اسمي أيلا ..
أكملت أيلا حديثها و خي تطقطق بأصابعها على الطاولة من التوتر ..
_و أنا ندى ...
بينما الصغيرتان تتحدثان ، دخل رجل أصلع في عقده الرابع ، مديد القامة ،شاحب اللون ،يخفي عيناه وراء نظارة دقيقة ، و قد كسى ذقنه لحية سوداء صغيرة تحمل في أحضانها شعيرات بيضاء من الشيب، من مظهره ، كانت اول فكرة وقعت على رأس أيلا ان هذا الأصلع الداخل هو النعلم نفسه ،فهرولت  ندى الى مقعدها كما فعل الجميع ، و بدأ الأصلع حصته الأولى ..
كان دقيقا في شرح درسه ،عميقا في تفهيمه ، لم يترك جزءا الا و شرحه و لا سؤالا الا و اجابه ،فأعجبت أيلا بهذا الأستاذ و ما زاد إعجابها هو جلوس التلامذة بهدوء دون حراك ، ممعنين الاستماع لهذا المعلم الذي تبوأ مقعد الاتقان في مهنته ..
فجأة توقف الاستاذ و ألقى نظرة الى ثلاثة مقاعد خالية ...
_يبدوا أن لا أحد يصاحب تلك المقاعد ...
قال المعلم كلمات تحمل بين حروفها بعض ذرات الحزن .
_شركاءها غائبون كالعادة ...
أكمل المعلم سلسلة كلماته بينما راح يدون على ورقة الغيابات ...
استدارت أيلا لتوجه وجهها الى تلك المقاعد الوحيدة حقيقة أن الكراسي لا تبكي لا يعني بانها ليست حزينة 
"" مثلي مثلك يا أيتها المقاعد ،وحيدة ، مرمية ، لا سند يحملني ،لاكن تذكري بأن من تركك سيحس يوما بثقل أهميتك ،سوف يعود يوما ،سوف يعود ""
رددت هذه الكلمات في قلبها و تمنت لو كان بإمكانها غرس الطمأنة في جوف هذه المقاعد ...
انتهى اليوم الأول لأيلا ، و هرولت الى الخارج بينما تفكر في ذاك العقاب ..
لكل منا سر ،صحيح ؟ حتى الصخور لها أسرار ، و مصير تلك الأسرار دوما الخروج ...فهي لن تبقى سجينة ابدا ....أيلا على وشك ان تجعل الصخرة تتكلم ...
...فهل تعتقدون أن الصخرة ستقع في الحفرة ؟؟
كان هذا هو السؤال الذي غلب بال أيلا بينما هي متوجهة الي الميتم ..
************************************
دخلت أيلا الميتم و على وجهها ابتسامة ماكرة ، وجهت خطواتها نحو العمة الشنطاء المتمركزة في المطبخ ..
_كيف كان يومك ؟ تساءلت العمة ماريا بينما هي تعد العشاء ...
_ كان سيكون جيدا لو لم يتدخل بعض القردة الذين ترأسهم الصخرة ...
أجابت أيلا بنبرة صوت ساخرة بينما هي تحاول أن تأكل بعض الخبز الموضوع على الطاولة ...
_كان سيكون يومك جيدا لو لم تتدخلي في المشاكل ...
ردت ماريا بينما هي تسحب يد أيلا عن الخبز ...
_إن لم تقتلك كرشك هذه ، سيقتلك لسانك يوما ما ..
أكملت حديثها بصوت مأنب ...
_لم آت هنا لأعاقب ، جئت لأسألك معروفا !!
صرخت أيلا بصوتها الطفولي كالعادة ...
_معروف ؟ أي معروف هذا ؟  ...
قالت الشنطاء متزجهة نحو القدر الذي فيه الطعام ..
_لا فقط أريد مصورة ...
قالت أيلا محاولة إقناع المزعجة هذه ...
_لا أملك ولا واحدة ،اسألي البستاني رومي ،عادة ما يصور الحدائق في الميتم ...
قالت ماريا و هي تشير الى الباب الخلفي للمطبخ..
ودعت أيلا العمة ،و هرولت الى الحديقة ، كانت الشمس قد مالت تبحث عن مرقد لها في الأفق ، بينما البستاني رومي يحدق لها و هي تغرب ...
_عفوا ، عمي رومي ،هل تملك كاميرا ؟
تساءلت أيلا ..
_أجل ، لدي واحدة ، يمكنكي أخذها فأنا سوف أفارق هذه المهنة عن قريب ...
_مستحيل ،و من سيأتي مكانك ؟ من سيسقي هذه الزهور ...
_ستفعله أحد الخادمات ، فأنا كبرت و لن أقدر على العمل هنا ...
_سنشتاق اليك ، و كذلك ستفعل الاشجار و الزهور ...
قالت أيلا بينما هي تحدق بعينان ملأهما الحزن الى هذه الحديقة الصغيرة ..
...الكل سيرحل...جميعهم سيرحلون ....
          ★★★★★★★★★★★

حكمة :
اسق نبتة من عمل
تعطيك شجرة من عسل
           ★ ★★★★★★★★★★★.          
عذرا للتأخير في الكتابة ،و أرجوا التعليق في قصتي .....

أيلا و الذئب حيث تعيش القصص. اكتشف الآن