ذات ليلة جمعة ذهبت امي كعادتها للزيارة اما انا فبقيت في المنزل اقتل مللي بمشاهدة التلفاز بعدما استأذنتني مرام للالتحاق بدرسها وبينما كنت ادير بمحطات التلفاز جذب انتباهي شخص يبكي بحرارة خلت انه قد فقد احد اولاده او زوجته لكنه في الحقيقة كان نفسه يقدم برنامج ذا بث مباشر من كربلاء, اثار هذا الرجل فضولي فقررت استكمال المشاهدة لأعرف سبب بكاءه,
ـــــ ها قد وصلني اتصال من النرويج.
ـــــ السلام عليكم ... "لبيك يا حسين"
عجبا هل هناك برامج كهذه الان ما الذي يفعله ثم واصل ذلك المتصل الزيارة وكأنه متواجد داخل الحرم بروحه وما الكاميرا سوى وسيط حسي ينقله لآخر العالم, الاتصال تلو الاتصال وذلك الرجل معهم بكل مشاعره يبكي لبكائهم ليس هذا فحسب بل الاغرب هي القيمة العظيمة التي يرى بها الحسين وكأنه معه يسنده بيديه من خلفه كلما لبى واعية سيده وهو يخترق الزمان والمكان ليجد نفسه في كربلاء 61 ه.
لا انكر ان رؤيته حركت بي بعض المشاعر لدرجة انني كنت اريد ان اجرب شعور زيارة الحسين عليه السلام ولو لمرة واحدة.
انه اليوم الاول لحياتي الجامعية الجديدة التي ستجعل مني شخص اخر لم اخله يوما, اصرت زينب ذلك اليوم لاصطحابي ولكي تعرفني على صديقتها التي تم قبولها معي ذات التخصص.
وصلنا الجامعة التي كانت اشبه بصحراء منها لمكان للدراسة كان الكثير من الطلاب منتشرين فيها بعضهم من طلاب المراحل المتقدمة قرروا استقبالنا بالورود لتشجيعنا وبينما كنا متجهين نحو القسم المخصص للدراسة رن هاتف زينب فاطلقت العنان بضحكة جميلة قائلة انها آية صديقتي التي حدثتك عنها تنتظرنا الان امام الباب الرئيسي للقسم هيا بنا.
تبعت زينب وانا احاول التأقلم مع عالمي الجديد وسط لهجتي الركيكة وطريقة تعاملي التي ستخلق بلا شك بعض المشاكل لي.
من بعيد كأن نجمة سقطت من السماء لتقف منعزلة خجلة تسطع نورا وضح النهار كنت اتقدم نحوها ببطء عندما اشاحت بناظريها نحوي بوجهها الملائكي ومبسمها العذب تأملت عباءتها السوداء للحظة وجيزة وكأني لأول مرة ارى صديقًا حقيقيًا سيشاركني عذوبة حب الحسين وحلاوة انتظار الحجة صديقًا لا يمكن للزمن ان يكرره.
ـــــ سلام عليكم انا آية, حدثتني زينب عنك كثيرًا اتمنى لنا صحبة يباركها امام الزمان.
هكذا قالت آية بينما كان دفء يديها يلامسني وانا اغوص في بحر عينيها, سبحان من أنبت الحب فينا, وسبحان من دبّ الطمأنينة بقلوبنا من يعرف بأن يوم سيأتي واقول فيه هذه الكلمات وانا التي تعرف الحب من قبل.
ودعتنا زينب وبقيت انا بصحبة آية الجميلة فقالت الان لدينا محاضرة للشريعة الاسلامية لنذهب ونجلس في المقاعد الاولى لأجل الاستفادة من قربنا من المحاضر مشينا بخطى متساوية نحو قاعات القسم وعندما وصلنا كان هناك اثنين من الطلاب احدهما يجلس في الخلف والاخر يكتب على اللوح عبارات تخص الدين الاسلامي لم انتبه لتفاصيلها وحالما دخلنا بادرت آية بالسلام وهي ترمق الارض حتى خلت انها لم تر أي منهم وبعد اكتمال عدد الطلاب دخل الاستاذ الذي كان طويل القامة اسمر البشرة ملامحه تبعث الهدوء بمن يراه شعره رمادي ويحمل بيده بعض الاوراق التي ربما اسماؤنا مدرجة فيها لكن المفاجئة انه ذات الرجل الذي شاهدته قبل يومين على التلفاز وهو يبكي.
أنت تقرأ
وتردّ سلامي
Non-Fictionعندما يتعلق الامر بالحسين دائمًا ما اجدني امام شعورين متناقضين ما بين السعادة والحزن ينبت حبي الازلي اليه, ذلك الرجل العظيم الذي اقام من كربلاء صرحًا وملجأ يأوي اليه التائهين في هذا العالم المظلم.