كانت ليلة العاشر من محرم والحزن السرمدي يهيم على كل شوارع كربلاء المكتظة بأصوات الزائرين ونحيبهم وكأن تلك الزيارة العظيمة كانت تكفير ذنب اننا قد ولدنا متأخرين جدًا من غير ان ننصر الحسين قبل 1400 عام.
بعد انتظار طويل سأذهب الى حرم الحسين روحي فداه وقد مد الشوق جذوره داخلي لأُحيي هذه الليلة قربه اواسي بها زينب وندوبها.
انه الوداع الاخير, رغم لهيب ليال الصيف الحارقة الا انني كنت اشعر ببرد يتخلل عظامي, تلك القشعريرة التي سرت بجسدي في تلك الخيمة حيث يجلس الحسين مع عياله, يلقي كلماته الأخيرة, دقت ساعة الرحيل وحان الوقت لتعلن السماء عن خيام محترقة, رؤوس مقطعة, اعين اصابتها السهام, شيبات مخضبة, اجساد مسلوبة, عن امهات ثكلى وزوجات مرملة, عن زينب وهي تنادي بأعلى التل واحسيناه, عن رحلة جديدة ستبتدأ من كربلاء 61ه لتصل الينا.
بينما كنت امشي بخطوات متثاقلة في زحام الزائرين لاحت قبته الشريفة برايتها السوداء التي كانت ترفرف على قلبي كلما نظرت اليها,
ايها الحسين اتيتك هذه الليلة وقد ملأت صحيفتي الذنوب فامسح عليها بيدك الطاهر لعلها تعود كما ولدت ناصعة البياض لا تحمل شائبة كحبك الذي ينبض في القلوب.
لبيك يا حسين .. لبيك يا شهيد .. لبيك يا مظلوم .. لبيك يا حسين
كنت طوال الطريق اناجيه وكأنه الملاذ الوحيد لي والمسلك الذي وجب عليّ عبوره انه محور الكون وشمسه الساطعة.
بسبب زحام الزائرين اضطررت ان ابقى في التل الزينبي من غير ان ادخل الى الحرم الشريف الذي لطالما كنت اتوق اليه, تلك الليلة حضرت مجلس العزاء المقام ولم اشعر بالعباءة التي كنت ارتديها بأنها ثقيلة عليّ على العكس تمامًا كنت اشعر بها وكأنها جزء مني يزيدني فخرًا بنفسي وبأنني سأكون زينبية قولًا وفعلًا واتحلى بأفعال مولاتي زينب جبل الصبر التي قالت وهي ترى كل عائلتها قد قتلوا "اللهم تقبل منا هذا القربان" عجيب هو امر تلك المرأة المجاهدة التي كان لها دور اعلامي واضح في الطف بخطبتها في مجلس الطاغية يزيد ومن كلماتها "فكد كيدك واسعى سعيك وناصب جهدك فوالله لا تمحو ذكرنا ولا تميت وحينا ولا تدرك أمدنا ولا يرحض عنك عارها وهل رأيك الا فند وايامك الا عدد وجمعك الا بدد يوم ينادي المنادي الا لعنة الله على الظالمين"
في كربلاء جميعنا حر جاء ليعلن توبته عند سيده الجليل بعد ان تملكته الذنوب.
في عاشورائك يا حسين سأُعلن توبتي عن هذه النفس الآثمة التي سأنتزعها لأُلقي بها بعيدًا في حاوية مظلمة تقمع داخلها جميع قاذورات الدنيا, انني اليوم سأولد من جديد لأرتوي من ظمأي بحبك واعلنها توبة تدك مسامع الكون "مع الحسين من جديد".
لقد كان يومي الاول الذي ادخل به الجامعة وانا ارتدي هذه العباءة التي تطرزها حشمة الزهراء ويسطع حياء زينب نورًا بها, استقبلتني زينب وآية ونرجس وبعض من الفتيات الممهدات وهن يحملن الهدايا والزهور ويباركن لي ارتداءها كنت ذلك الوقت استشعر الانتماء الحقيقي بالإيمان الذي انار روحي مذ عرفت هذه الثلة المؤمنة بنات زينب والزهراء واستاذهن الجواد تذكرت حينها كلام مرام لي بأن عودتي ربما قدر ينتظرني.
أنت تقرأ
وتردّ سلامي
Non-Fictionعندما يتعلق الامر بالحسين دائمًا ما اجدني امام شعورين متناقضين ما بين السعادة والحزن ينبت حبي الازلي اليه, ذلك الرجل العظيم الذي اقام من كربلاء صرحًا وملجأ يأوي اليه التائهين في هذا العالم المظلم.