محاولة تعايش

254 16 0
                                    

بعد انقضاء اليوم الاول لنا في المنزل الجديد اختتم بزيارة عمي وابنته زينب لنا وكالمعتاد تركناهم وسط الحديث وذهبنا للجلوس بمفردنا, لم تكن علاقتي مع زينب قد اخذت مسار جيد فكل ما تؤمن به لم يكن يعني لي شيئًا ولا احبذ حديثها في القيم الاسلامية العظيمة البتة, ابتدأت هذه المرة بالسؤال عن تحصيلي الدراسي فأخبرتها انني قد تخرجت من الثانوية وكنت اريد خوض الامتحان التأهيلي لولا خطة عودتنا فجأة فقالت ما التخصص الذي تحبين دراسته بعد وهلة من التفكير قلت لها لا اعلم لم افكر التخصص الذي اريده هنا حدقت بي وقالت كيف يعقل ذلك الانسان يجب ان يكون له هدف يحركه للنجاح في الحياة.

ابتسمت ابتسامة صفراء وقلت كان لدي هدف لكن العودة الى بلدكم العزيز حطمت كل شيء.

قالت زينب متعجبة كيف ؟

استرسلت بالكلام وانا انظر الى الارض سأخبرك شيء ربما لن يروقك باعتبارك فتاة ملتزمة الى حد ما.

امسكت يدي وقالت لا يهم اخبريني.

ضحكت وقلت لها في الحقيقة انا مغنية راب كان لدي فرقتي الخاصة في امستردام لذا كان هدفي ربما ان احقق شهرتي بصوتي.

بعد صمت اجابت هذا كان في الماضي اما اليوم فأنت يا حبيبتي زهراء الفتاة الكربلائية ولا شك فأن بيئة كربلاء ستترك انطباعاها فيك والايام ستثبت ذلك.

لم اعر انتباه لكلامها المنمق كالعادة, هذه الفتاة المبتسمة دائما التي لا تغضب وتأخذ كل الامور بروية.

ثم بادرت انا بسؤالها عن عمرها وما تدرس فقالت انا في العشرين من عمري ادرس الصيدلة في جامعة كربلاء, ابتسمت وقلت لها اختصاص لا بأس به.

قالت شكرًا زهراء ولكن يستحسن بك القرار عن التخصص الذي تودين فالتقديم للكليات سينتهي قريبًا.

مضت ايام على حديثي الاخير مع زينب وذات يوم كنت اقف في فناء المنزل بعدما ودعت امي التي غادرت لرؤية بعض من اقاربنا واوصتني بالحذر قرع باب المنزل فلم يكن امامي سوى فتحه ورأيت امرأة عجوز ترتدي العباءة ملامحها غاضبة رغم انها كانت تبتسم وتحمل بيدها صحن يحوي على عصيدة ان صح القول فلم اره من قبل فقالت:

ـــــ السلام عليكم يا ابنتي

اجبتها اهلا عليكم السلام.

فقالت انا جارتكم الحاجة ام حسن وهذا الطعام هو من بركات سيد الشهداء في هذه الليلة المباركة ليلة الجمعة.

في الحقيقة لم اكن اعرف ما يجب علي قوله لها هل اخذ الصحن ام لا وتبادر كلام امي لي بالحذر تلك اللحظات لكن سآخذه وان كنا لن نتناوله فيكفي انها قد خرجت من منزلها لتجلبه فأخذته منها وشكرتها ثم اغلقت الباب بعد ذهابها وتركته على الطاولة في المطبخ.

بعد عودة امي اخبرتها عن الجارة العجوز وما جلبته فقالت احسنت صنعا بأخذه.

كانت المرة الاولى التي تمتدحني امي بعد عودتنا الى العراق لذلك شعرت بشيء من الثقة وقررت استغلال الموقف قبل ان نبدأ بمشاجرة جديدة كالمعتاد واخبرها عن دراستي والحديث الذي دار بيني وبين زينب تلك الليلة.

بعدما انتهيت قالت الاختيار لك وحدك شرط ان تختاري كلية هنا في كربلاء فلست استطيع فراقك يكفي ذهاب والدك, ومن جديد غطت في حزنها فتركتها وذهبت للحديث مع مرام على شبكة الانترنت.

في اليوم التالي قالت امي اننا سنذهب لزيارة الامام الحسين عليه السلام فوافقت لإرضاء الفضول الذي توغل داخلي لحظة وصولنا عن ذلك الرجل الذي اصبح محطة للقاء جميع بقاع العالم, فأخبرتني انه لا يسمح لي بالدخول الا بلبس العباءة والتي لم تكن لدي تجهمت واخبرتها انني لن اذهب اذا كان الامر كذلك.

وفعلا لم اذهب ذلك اليوم وبقيت حبيسة المنزل افكر بالمستقبل الجديد الذي ينتظرني على هذه الارض.

بعد اسبوع ذهبنا لزيارة جدتي وكنت قلقة من رؤية علي في المنزل ذلك المتبجح فعرفت بعدها انه لم يكن موجود فهو يدرس الهندسة في النجف لذلك قليل ما نراه في كربلاء في ايام الدراسة بعدها زال قلقي وذهبت متلهفة لرؤية زينب فرغم اننا نختلف في كل الرؤى الا انني احب الحديث معها فكلامها يبعث الطمأنينة بمن حولها.

حين وصلنا سألتني عن قراري بشأن التخصص فقلت انني لا ازال في حيرة من امري فقالت ما رأيك بدراسة علوم القرآن؟

استغربت التخصص الذي تقترحه رغم علمها التام ان هذه الامور لا تعني لي البتة فقالت علوم القران ستنقذك من حيرتك يا صديقتي زهراء تمسكي بالقشة الاخيرة لتجدي النجاة من يدري ما يخبئ لك المستقبل, ثم ان لدي صديقة سترتاد ذات الكلية ان احببت ان اعرفكما ببعض.

قلت لها غير مبالية سأفكر بالأمر ولكني لا اعدك انني سآخذ باقتراحك.

ابتسمت وقالت حسنا لا بأس ان تفكري بدل الجزم انك لن تفعلي قبل ذلك.

عدت للمنزل وانا افكر بكلام زينب ثم تذكرت قول امي انها تجربة سنة لا اكثر فقلت في نفسي حسنا لا يهم في كل الاحوال سأترك هذا المكان واعود الى حيث ولدت وعشت.

صباح اليوم التالي حدثت امي عن التخصص الذي سأدرسه فوافقت على ذلك وبمساعدة زينب تمكنت من التقديم والقبول فيها.

كان عليّ تجهيز نفسي للتعايش مع مجتمع جديد واصدقاء جدد لا اعرف ماهية افكارهم او مشاعرهم الخاصة لذا بدأت بتغيير القليل من مظهري كتقليل مساحيق التجميل ولبس الحجاب بشكل صحيح من غير ان اظهر بعض الخصلات من شعري فلم اكن اود جذب الانتباه فالطابع الديني لهذه المدينة لا يمكن انكاره, اصبري يا إيمي كله عام واحد وتعود المياه لمجاريها.

وتردّ سلاميحيث تعيش القصص. اكتشف الآن