يوم جديد،، صباح جديد على مدينة الإسكندرية الساحرة
صاحبة البحر الذي يزينها ويملئها حياة،، ذلك البحر الذي شهد على بدايات القصص وابتلعت أمواجه الكثير من الأسرار ودفنت رماله الكثير من النهايات...
وها هي قصة جديدة على وشك البداية ملامح جديدة، أحداث مختلفة، وحتى البداية مختلفة
ورد... ذي الثلاثة والعشرين ربيعاً،، ناعمة،أنيقة بملامحها الرقيقة وعينها العسلية الواسعة وشعرها شديد السواد وبشرتها البيضاء المشربة بالحمرة تخرجت قبل ثلاث سنوات من كلية الهندسة وحصلت على وظيفة في أكبر شركات التصميم الداخلي قبل حتى أن تتخرج عندما حصلت على المركز الأول في المسابقة التي أعلنت عنها تلك الشركة حيث كان المركز الأول عبارة عن عقد توظيف لأحسن تصميم عيادة أسنان ،، عاشت ورد طفولة مميزة بين أم وأب متحابين إلى أن قرر الأب السفر إلى فرنسا للعمل وعندما اعترضت والدتها ترك كل شيئ خلفه وسافر ولم تعد تعرف عنه أي شيئ،، هذا الحدث جعل ورد تنظر للرجال بأنهم لا يعتبرون مصدر أمان فأصبحت تراهم كائنات عادية لا تمثل لها أي قيمة دون أن يترك ذلك بداخلها أي ضغينة تجاههم ،،،،
مالك شاب تخطى السابعة والعشرين بقليل، طويل القامة مفتول العضلات رغم تناسق ملامحه ووسامتها إلا أنها خالية من المشاعر، صلب ولكنه هادئ الطباع،، مالك مصري لأم سورية تزوجها والده عندما كان يعمل هناك وبعد أن أكمل مالك الخمس سنوات دب خلاف بين والده ووالدته فقام والده بالعودة به إلى مصر دون علم زوجته ولحظ مالك العاثر توفى والده بعد عودتهم إلى مصر بعام واحد،، تم إيداع مالك إحدى دور الرعاية بعد أن تخلى عنه أهل أبيه،، ولم تستطع والدته العثور عليه إلا بعد مرور ثلاث سنوات كاملة ذاق فيها مالك الأمرين فكان لذلك أثره على شخصيته القاسية إلى حد الصلابة ولكنه لم يكن إلا شخص محترم ومهذب،،، ما حدث مع مالك جعله يرفض فكرة الزواج حتى لا ينجب ويتعرض أولاده لما تعرض له في صغره ..................
ورد ومالك جمعهم الشاطئ،، ورد تحب أجواء الطبيعة ورؤية الشاطئ والأمواج والسماء،، يحفز ذلك عقلها على أن تبدع في تصميماتها، أما مالك فيقصد الشاطئ لممارسة الرياضة من جري وسباحة وغيرها نظراً لطبيعة عمله كمدرب رياضي بإحدى نوادي الإسكندرية المرموقة.. جمعهم القدر سوياً ليلتقيا بنفس الشاطئ،،، في بادئ الأمر أصبحت وجوههم مألوفة لبعض حيث أنهم يقصدون الشاطئ في ساعات الصبح الأولى فيكون خالي من الناس تقريباً ومن ثم أصبحوا يتبادلون التحية بإيماءات عن بُعد والآن يلقون التحية عن قرب ويعرف كل منهم بعض المعلومات البسيطة عن الآخر كالإسم والوظيفة وبعض الاهتمامات بشكل عام .....
رغم أن والدة ورد ووالدة مالك لم يلتقيا أبداً إلا أن هناك هدف واحد جمعهم، فـ ناريمان والدة مالك لم تَكِل أن تفتح مع ابنها موضوع الزواج،وأم ورد لم تمل من إقناع ابنتها بالموافقة على أحد العرسان الذين يتقدمون لها من وقت لآخر،، كل المحاولات تبوء بالفشل إلى أن تقدم لـ ورد عريس فيه كل المميزات التي تتمناها أي بنت،، منصب مرموق ، ميسور الحال إلى حد الغنى، وسيم، بالإضافة إلى عائلته المعروفة بسمعتها الطيبة، تسبب إلحاح والدتها عليها بأنها أعلنتها صراحة: أنا مش هتجوز بالطريقة دي مستحييييل يا ماما مستحييييل
انطلقت إلى ملاذها تشكي للبحر جلست تبكي أمام أمواجه علها تبلتع أحزانها،، مرت ساعة وهي تجلس في صمت حتى جاءها صوت أجش من خلفها ينادي: ورد!
إلتفتت وهي ترفع رأسها فإذا به مالك يقف خلفها لم يبدي أي رد فعل على ملامحها الحزينة أو عيونها الباكية
ولكنه أردف حينما نظرت إليه: أول مرة تيجي هنا في الوقت دا
نظرت إليه ورد، هزت أكتافها ولم ترد
مالك: طيب محتاجة حاجة؟ أساعدك في حاجة؟
ورد هزت رأسها علامة النفي
مالك: طيب لو احتجتي حاجة أنا موجود حواليكي
تركها وذهب قرب الشاطئ فقد كان مجيئه للشاطئ نفس سبب مجيئها،، والدته تلح عليه كثيراً ليتزوج فقد قارب على الثلاثين ولن يجد من ترضى به على حد قولها
اقتربت منه ورد هذه المرة وجلست جانبه على الرمال وأخذت تنظر بشرود إلى الشمس التي قاربت على الغروب قائلة: أنا مديئة أوي يا مالك..
يرد عليها وهو ينظر إلى البحر : مش محتاجة تقولي على فكرة.. شكلك باين عليه
ورد وعيونها معلقة بالأمواج: تعرف؟ أحياناً أقرب الناس ليك من كتر مهوَّ بيحبك ممكن يكون سبب تعبك وهو مش حاسس، وإنت لا تقدر تتحمل التعب والألم دا ولا تقدر تشوفه زعلان عليك ولا حتى تقدر تعمل له اللي هو عايزه
نظر لها مالك نظرة خاطفة ثم عاد ينظر إلى البحر مرة أخرى محدثاً نفسه: كأنها بتتكلم عني،، فعلاً... أمي أكتر حد قريب مني إزاي أقدر أزعلها كدا، وإزاي أخليها تنسى موضوع الجواز ،، وإزاي أقدر أعملها اللي هي عيزاه
قطع حديثه الداخلي على صوتها وهي تكمل: تصور ماما عايزني أتجوز، لمجرد إن العريس اللي متقدم لي هي شيفاه مناسب وإن مفيش بنت عاقلة ترفضه
مالك: طيب وإنت بترفضيه ليه؟
ورد: أنا بصراحة مش رفضاه هو أنا حتى مشفتوش.. أنا رافضة فكرة الجواز نفسها...أنا أنا ..خايفة .. خايفة أوي
مالك يستمع لها دون أن يظهر على ملامحه أي رد فعل بينما من داخله يفكر ،، هيا فعلاً بتتكلم عن نفسها ولا هيا تقصدني أنا؟ .. في حد بيفكر زيه في حد بـ...
قطع حديثه مع نفسه لفكرة خطرت له ،، ورد رافضة فكرة الجواز زيه بالظبط يعني لو وافقت تتخطب له دا هيخلي والدته تبطل تزن ووالدتها كمان ودي فرصة متتعوضش، خطوبة من غير جواز .. فكرة
نظر لها مالك قائلاً: بس أي بنت في سنك تتمنى تتجوز ويبئة عندها بيت وأولاد ..
نظرت له بعين ساخرة: أجيب ولاد عشان فـ أي لحظة ممكن باباهم يسبهم ويمشي وميعرفوش عنه حاجة، ولا أنا أموت ويروح يتجوز ويجيب لهم مرات أب توديهم ملجأ ..
مالك: والله معاكي حق
ورد: شكلك بتتريأ
مالك: بقولك إيه.. لو أنا اتقدمت لك توافقي ؟
ورد وهي تنظر له بغضب: مش قلت لك بتتريأ.. بقولك مش عايزة اتجوز تـ..
قاطعها: أنا جبت سيرة الجواز؟ أنا بقولك اتقدم لك .. يعني اخطبك عشان مامتك تبطل زن فوق راسك.. أعمل معاكي واجب يعني
نظرت له ورد تحاول معرفة ما يدور في رأسه ولكن هيهات
فتابع: اسمعيني بس... دلوقتي مامتك عيزاكي تتجوزي العريس اللي انتي بتقولي عليه لقطة ..معنى كدا إنها مش هتسكت وهتعمل المستحيل عشان تقنعك أو لازم يكون في سبب مقنع لرفضك دا فلو أنا اتقدمت لك يبئة كدا المشكلة اتحلت العريس اللي عايز يتجوز طار والعريس الـfake موجود
لمعت عينا ورد بالفكرة وأخذت تحدث نفسها: لو أنا وافقت على مالك كدا ماما مش هتوجع راسي كل شوية بعريس شكل، وحتى هو مش هيكلمني في الجواز والكلام دا و..
نظرت له قائلة: احنا هنتخطب إزاي واحنا منعرفش حاجة عن بعض؟ أقول لماما جي لي عريس إزاي؟
مالك: بسيطة.. أنا مدرب رياضي دخلي الشهري ممتاز جداً وعندي 27سنة ومعنديش اخوات وبابا متوفي وعايش مع أمي ،، بس خلاص انتي كدا عرفتي عني كل حاجة
ورد تنظر إليه وتفكر: حلو أوي التلخيص .. بتجيب م الآخر إنت
ثم همت تحدثه: أنا مـ...
قاطعها: لا لا لا أنا مش عايز أعرف عنك حاجة .. أنا عيزك بس تحددي لي معاد مع مامتك وتقوليلي عنوان بيتكو فـ.. أقولك؟ لما تروحي ابعتي لي اللوكيشن، ثم أخرج هاتفه قائلاً: إديني رقمك
بدت كأنها غير مستوعبة فتابع يحفزها: يلا يا ورد مالك رجعتي في كلامك؟
شعرت ورد بأنها فرصة ستضيع فقالت: لا لا أبداً .. أملت عليه الرقم الذي سجله واتصل بها قائلاً: دا رقمي سجليه عندك
هم بالوقوف قائلاً: يلا أنا رايح أقول لوالدتي وأجهز نفسي.. حاولي تخلي الميعاد بكرة.. أوك؟.. يلا سلام
منزل ورد VS منزل مالك
منزل ورد
الأم: إنتي يا بنتي عقلك فين .. من كام ساعة بتقوليلي مش هتجوز بالطريقة دي ودلوقتي بتقوليلي واحدة معاكي في الشغل جايبة لك عريس بنفس الطريقة اللي إنتي رفضاها إنتي عايزة تجنينيني ولا تموتني!!!
ورد: بعد الشر عليكي يا حبيبتي.. طيب بس ممكن تشوفيه الأول وبعدين تقرري؟ واللي هتقولي عليه هعمله
ورد: وجي إمتى بسلامته؟
ورد: بكرة بالليل
الأم بذهول: بكرة ؟!.. إزاي..طيب مش ندي خبر لخالك يجي يقابله ولا هيجي يعد مع الستات؟
ورد وهي تقبلها: يا حبيبتي وأنا بقولك جي بعد ساعة؟ دا لسه بـ كــ ر ة... يعني مش بس تقولي لخالو يجي، دا إنتي ممكن تقولي لإسكندرية كلها
قالت جملتها واستأذنت والدتها متوجهه إلى غرفتها تاركة إياها في حيرة من أمرها...
منزل مالك
الأم بلهجة سورية: والله چد حبيبي؟ يا ما إنت كريم يا رب.. ومين هاي اللي فكت عقدتك ،، أوعى يا مالك ما تكون بنت ناس ولا تكون ضحكت عليك يا حبيبي
مالك: ضحكت عليا إيه يا ماما؟ اصبري بس لما تروحي تشوفيها وبعدين قرري
الأم: هيا اسمها إيه؟
مالك: ورد
الأم: اللـــه ورد؟ اسمها حلو أوي ..ربنا يجعلهالك وردة يا حبيبي
نظر لها وقد شعر بالذنب تجاه ما يفعله فقال محدثاً نفسه: أنا آسف.. إنتي اللي خلتيني اعمل كدا......
وهكذا استقبلت الأمهات الخبر بين فرحة وبين عدم تصديق
بالفعل تمت الأمور كما خطط لها مالك وورد،، وتمت الخطبة في منزل ورد بحضور عدد قليل من المقربين للعائلتين على اعتبار أنه سيتم عمل خطبة في وقت لاحق... مرت الأيام ومالك وورد علاقتهم كما هي لم يتغير عليها شيئ.. يلتقيا على الشاطئ كل جمعة ويكتفي كلاً منهم بإلقاء التحية على الآخر وينشغل كلاً منهم بعمله، هي تصمم،، هو يمارس الرياضة ويوهم كلاً منهم والدته أن الأمور على ما يرام وأنهما يلتقيا بشكل منتظم،
مـــــر شهران على نفس المنوال،،، [][][][][][]
في صباح أحد الأيام طلبت والدة مالك أن يقوم بدعوة ورد ووالدتها على الغداء وألحت في طلبها، وصممت عليه،،اتصل مالك بورد على هاتفها كثيراً ولكنها لم ترد ومع تصميم والدته اضطر أن يذهب لمقر عملها دخل الشركة ليسأل عنها لمحها من بعيد تقف وسط مجموعة من الشباب تتبادل حديث ودي، وبدت وكأنها في استراحة حيث كان الجميع يتناولون وجبة خفيفة،، تجمد مكانه عندما انتابه شعور غريب واختلفت عليه دقات قلبه وشعر بإرتباك لا يعرف سببه،، تراجع بهدوء حتى لا تشعر بوجوده، وانطلق مغادراً المكان إلى ملاذه،، إلى الشاطئ
جلس يفكر ويحاول استيعاب ما حدث محدثاً نفسه: في إيه .. إيه حصلك لما شفتها واقفة مع حد غيرك،، إنت مالك ؟! معناها إيه المشاعر دي.... بتغيييير ؟؟!! إنت صدقت نفسك ؟؟ دي تمثيلية ،، شوية كدا وبعدين خلاص فركش..
زفر زفرة قوية ونهض يغادر مسرعاً مغلقاً على عقله التفكير في أي إحساس يسيطر على قلبه،، دا مرفوض،، والمهزلة دي لازم تنتهي فوراً
بمجرد أن وصل سيارته رن هاتفه كانت هي فتح الخط
ورد: مالك.. إزيك.. معلش معرفتش أرد عليك كنت في اجتماع والتليفون كان على مكتبي لسه شيفاه حالاً
مالك بصوت يخلو من أي مشاعر: خلاص.. انتهينا.. المهم ماما عزماكي إنتي ومامتك ع الغدا انهرده.. ممكن؟
ورد: طيب هاتصل بماما وارجع اكلمك
مالك: يا ريت متنسيش
انهى المكالمة وهو بالكاد يسيطر على مشاعره ويشعر بغيظ شديد مما يحدث له .. ما الذي أصابه؟! لا يعرف
مرت دقائق واتصلت به ورد تخبره بقبول دعوته وفي حدود الثالثة كان الجميع بمنزل مالك الذي بدا كلوح ثلج بلا مشاعر وكأنه إنسان آلي يرحب بهم ويتبادلون أطراف الحديث وتعرفهم والدة مالك على الأكلات السورية المختلفة التي أعدتها ثم وبهدوء انسحبت والدة مالك وورد تاركة لهم المجال ليجلسا سوياً فقامت ورد تجلس بجانبه ومالت عليه تحدثه بصوت خافت: شفت مامتك ومامتي عملولنا جو وسابونا لوحدنا وكدا..
رمقها بنظرة آلية ثم سحب هاتفه وأخذ يتصفحه في صمت وهو يحدث نفسه: كأني أول مرة أشوفك.. كل حاجة فيكي جميلة.. صوتك، شعرك، عنيكي... اووووف خلاص
ورد بمرح: مالك يا كوتش؟
مالك يحدثها بدون أن يرفع عينه عن الهاتف: اجتماع إيه اللي كان عندك في الشغل انهرده؟
ورد: اجتماع شغل.. عادي يعني
مالك: ومين اللي بيحضر معاكي فيه؟
ورد بلا مبالاة وهي تلعب في خصلات شعرها:مهندسين زمايلي
مالك: وزمايلك دول بعد ما بتخلصوا اجتماع عادي تقفوا تهزروا وتضحكوا مع بعض ولا كل واحد بيروح على شغله؟؟
ورد باستفهام: مش فاهمة قصدك؟
مالك بحدة يضغط على أسنانه محاولًا كبح غضبه الغير مبرر: المفروض إن احنا مخطوبين .. يعني لازم تحترميني شوية وتتصرفي بطريقة تقول إنك مخطوبة لراجل وتحافظي على شكلي أدام الناس لغاية ما نخلص الفيلم دا،، ومتنسيش إني عملت كده عشانك
ورد باستفهام: هو انت عرفت منين إني كنت واقفة اهزر واضحك .. هو إنت بتراقبني؟
لم يتوقع مالك السؤال ولكنه قرر الهجوم فنظر لها بوجه فولاذي قائلاً: أنا مش براقب حد .. ومش محتاج إني أشرح لك،، كل اللي مطلوب منك تتصرفي بطريقة تحافظ على كرامتي عشان أنا مش هقبل الوضع دا .. أنا مبحبش الدلع وهزار البنات المايع...
قاطعته بصدمة: مالك!!.. إنت بتقول إيه ؟! إنت.. إنت لم تستطع التحدث مع شعورها بالغيظ الشديد وسرت رجفة خفيفة بجسدها فتغيرت ملامحها واحمر وجهها بشدة وتلألأت الدموع بعينها،،
هو ينظر لها ويتملكه شعور آخر عكس ما يبدوا عليه .. هو حزين لأنه أغضبها ولكنه لا يريدها أن تشعر بذلك أبداً وللمرة الألف لا يعرف سبب هذه المشاعر التي تتملكه تجاهها فهب واقفاً قائلاً بحدة: ع العموم إنتي حرة في تصرفاتك كلها شوية وننهي القصة دي خالص
تفاجئ الاثنان بالأمهات تحمل كلاً منهم صينية حلويات مقبلين عليهم ولكنهم تجمدوا مكانهم عندما رأوهم وشعروا بأن الوضع ليس على ما يرام،، وضعت أم ورد الصينية على أقرب طاولة وتوجهت إلي ابنتها منزعجة من شكلها وقالت بقلق: ورد مالك يا حبيبتي.. في إيه؟
بدا على مالك التجهم الشديد ووالدتها تنظر له شذراً .....