فتح عيونه ببطئ على صوت شهقات خفيفة ثم فتحها بقوة ليرى والدته تجلس بالقرب منه تبكي بحرقه على ما أصابه، إعتدل في جلسته وهو يتناول كفها الذي يغطي وجهها قائلاً بحب: إمي... لا تبكي حبيبتي
الأم: حمد لله على سلامتك... ليش هيك يا إبني شو صار معك... إنت ديماً سواقتك عاقلة وما أحلاها، لك شو صار معك؟
مالك: دا قدر ربنا يا إمي... هاد نصيبي لا تعترضي.. بعدين أنا كتير منيح حبيبتي ما تخافي علي
الأم: كيف بس يا حبيبي مو شايف إيدك وإجرك وشوف وشك كيف صاير
مالك: كلها حاجات بسيطة يا حبيبتي... بيكفي تبكي يا إمي... بيكفي الله يخليكي
الأم: خلاص يا إبني... الحمد لله إنك بخير، ألف الحمد لله.................................................
كانت فرصة ذهبية لكمال بعد أن قصت عليه ورد ما حدث مع مالك وقصة تلك الفتاة وكيف تتعامل مع مالك والصور التي وصلت لها بدأ يتقن دور الأب الحاني الذي يخاف على إبنته من براثن ذلك اللعوب: لا يا بنتي أنا مستحيل أخلي ولد مستهتر زي دا يلعب بيكي وبمشاعرك.... هو فاكر إيه إنك ملكيش حد ويقدر يستفرد بيكي ويكدب عليكي... خلاص يا ورد إنسيه يا حبيبتي وإن شاء الله ربنا هيبعت واحد يعرف قيمتك
ورد: بس يا بابا أنا ... أنا...
كمال: عارف يا بنتي وحاسس بيكي... عارف إنك بتحبيه... بس هو ميستهلش الحب دا وبعدين وجع دلوقتي أحسن من وجع بعدين ياورد... وع العموم أنا مش عايزك تشوفيه خالص الفترة اللي جاية دي ونشوف هو هيسأل ويحاول يثبت لك إنه برئ وبيحبك ولا مش هيسأل وتبئة جت منه.. صح يا حبيبتي؟
أومأت برأسها علامة الإيجاب فهي لم تستطع الرد من كثر ما إختنقت العبرات بصدرها فاستأذنت مسرعة إلى غرفتها
زهرة: بس يا كمال الولد أخلاقه ممتازة وإحنا مشفناش منه حاجة وحشة
كمال: يا حبيبتي نظرة الراجل للراجل تختلف... إنتوا الستات بتفكروا بعواطفكوا
قاطعته زهرة: بس أنا مقبلتوش لوحدي،، محمد أخويا كان معايا وسأل عليه كويس في شغله وفي سكنه
كمال: يا حبيبتي،، اللي زي دا بيبئة عامل حسابه كويس.. وبعدين يا زهرة أنا مقلتش نسيب.. أنا قلت ندي له فرصة يثبت براءته ولو جه يبئة نسمع له لكن لو هرب إسمحيلي يبئة مستحيل أدي له بنتي
كان كمال يعلم بما حدث مع مالك وأنه بالمستشفى ولن يستطيع الحركة تلك الفترة... فكانت جوله رابحة بالنسبة له وقد تكون القاضية على علاقة مالك بـورد..............................................
مر أسبوع وخرج مالك من المستشفى على عكاز نظراً لإصابة قدمه والتي حذره الطبيب من الحركة حتى يستطيع إستعادة عافيته والعودة إلى عمله دون أن يؤثر الحادث على طبيعة عمله
مر أسبوع آخر ومالك ملتزم المنزل وحركته محدودة جداً بناءً على تعليمات الطبيب
حضر أحمد بصحبة عمر ويس لزيارة مالك
مالك: وحشتوني أوي يا رجالة..
عمر: وإنت با كابتن... حضرتك لازم تخف بسرعة عشان مش بعرف أدرب غير مع حضرتك
يس: وأنا يا كابتن أنا قربت أنسي الـ diving يا كابتن
مالك: لا أوعى أزعل منك.. أنا خلاص قربت أخف وهانزل أدربكوا تاني... كملوا تدريب مع كابتن محمود على ما أرجعلكوا
أم مالك: طيب إيه رأيكوا بئة تيجوا معايا عشان عاملة لكوا جيلي بالفروالة والموز وهنتفرج على فيلم كرتون؟
إصطحبتهم أم مالك بينما قال مالك محدثاً أحمد: أنا متشكر أوي يا أحمد باشا على زيارتك دي والله العيال دي كانوا واحشني أوي
أحمد: بتشكرني على إيه يا مالك... ما إنت عارف بيحبوك أد إيه... دا عمر بيسأل عليك كل يوم تقريباً... إنت ناسي عمر متعلق بيك إزاي؟... المهم سيبك م الكلام دا الواد اللي إسمه سعيد، أنا حطيته تحت المراقبة كويس ومعملش أي حاجة مريبة أو ملفتة للنظر
مالك: أنا قلت لحضرتك يا باشا دا واد غلبان ومالوش في السكة دي... إيه اللي يخليه يإذيني
أحمد: إنت خطيبتك مجتش تزورك خالص؟
مالك وقد تغيرت ملامحه: لا
أحمد: والبت دي محاولتش تجيلك ولا تتصل بيك؟
مالك: أبداً... عملت الواجب وإختفت بنت الـ.... قطع كلامه ثم قال: يلا منها لله
أحمد: دا ميمنعش إنك اما تشد حيلك شوية تجيلي القسم أوريك شوية صور يمكن نقدر نتعرف عليها ونعرف مين اللي وراها
ابتسم مالك فقال أحمد مازحاً: إيه مش عاجبك نظرية المؤامرة اللي أنا بتكلم بيها.. صح؟
مالك: مش قصدي بس...
أحمد: يا كابتن أنا ليا نظرة ومش جديد فـ الشغلانة وبقولك اللي بيحصل معاك دا وراه حاجة وبكرة تقول أحمد قال.. أهم حاجة خلي بالك من نفسك ومتديش الأمان لأي حد ومن هنا لحد ما تبئة كويس يحلها الحلال... يلا أستأذن أنا
..................................................
مر الإسبوعين على ورد وهي في صراع شديد لم تتوقف عن التفكير في مالك لحظة واحدة، لم تعد لديها القابلية لعمل أي شئ في الحياة فـمالك بالنسبة لها الحيــاة
إستيقظت في أحد الصباحات إرتدت ملابسها وخرجت إلئ وجهة محددة، رنت جرس الباب ودلفت إلى حيث يجلس خالها محمد الذي إرتمت بين أحضانه تبكي وتسرد له ما حدث
محمد: بس يا ورد.. إهدى يا حبيبتي كفاية عياط شايفة شكلك بئة عامل إزاي... كدا وردتي الحلوة تدبل كدا؟
إسمعيني يا حبيبتي، إنتي أكتر واحدة عارفة هيا عايزة إيه، متخليش حد مهما يكون يرتب لك أفكارك أو يشوش على تفكيرك وإحساسك... مالك إنسان كويس جداً، أنا معرفش هو عمل كدا ولا لاء ولا إنتي تعرفي ولا حد حتى أبوكي، باباكي عمل دا بس عشان يبعد عنك أي حاجة ممكن تزعلك بس هو معذور لأنه ميعرفش مالك وميعرفش إنتو حبيتوا بعض إزاي ولا حتى يعرف مالك قبل ما يعرفك كان إزاي... عشان كدا بقولك متبنيش حواجز بينك وبينه ملهاش وجود، روحي له ياورد وإسمعي منه واجهيه وبصي فـ عينه وإنتي تعرفي إن كان بيكدب ولا لاء... قومي روحي له يا بنتي.. إنتي متعرفيش أيه اللي حايشه عنك
حسمت أمرها وتوجهت لمنزله مباشرة...................
كان مالك مستلقي على أريكة الليفنج ووالدته بجانبه تطعمه بعض الفواكه عندما رن جرس الباب فتوجهت لترى من بالباب بدت الدهشة على ملامحها والتي سرعان ما تحولت لنظرة عتب لم تفهم مغزاها ورد فقالت بهدوء: إزيك يا طنت
الأم باقتضاب: الحمد لله يا بنتي... أهلا وسهلا إتفضلي
دلفت ورد تتبع الأم إلى الليفنج حيث مالك المستلقي بهدوء على الأريكة
وضعت يدها على فمها تكتم شهقة عندما وقعت عينها عليه واستوعبت سبب نظرة اللوم التي نظرتها لها والدته منذ قليل... أسرعت الخطى إليه وقد إجتمعت كل مشاعر الخوف والغضب والحزن على ملامحها الرقيقة قائلة وقد خنقتها العبرات: مالك... إزاي دا حصل... إزاي أنا معرفش
شعرت الأم بأن عليها الإنسحاب تاركة لهم مجال للحديث فقالت: أنا رح أجيب إشي نشربه... وغادرت
جثت ورد على ركبتيها أمام الأريكة مباشرة وقد إغرورقت عيونها بالدموع وهي تقول: أنا آسفة... آسفة
تحولت نظراته من الغضب إلى اللوم والعتاب ولم يجد ما يقوله فاقتربت منه أكثر ثم وبدون مقدمات دفنت رأسها في كتفه تبكي بحرقة وقد تعالت شهقاتها فلم يقوى على محاربة فيض المشاعر التي تجتاحه بسببها هي فقط، المشاعر التي لا يستطيع التحكم بها وهي معه فكيف وهي قريبه كل هذا القرب، رفع يده السليمة يحاوط رأسها ويربت على شعرها بحب هامساً: خلاص ... كفاية عياط بئة ... ورد
رفعت رأسها لتقابل وجهه مباشرة فقالت بإنهيار: أنا ... أنا حكيت لبابا ع اللي حصل وهو قالي خليكي بعيد لغاية ما تيجي وتبرأ نفسك أدامي ولو مجتش يبئة لازم ... لم تستطع إكمال حديثها فعادت تدفن رأسها مرة أخرى بكتفه، ولم يستطع إبعادها أبداً فهي بالنسبة له حياة هي الأخرى،، رفع رأسها ومرر إبهامه يمسح دموعها قائلاً بحب: وأنا مش هابرأ نفسي ولا هبرر اللي حصل هاقولك بس كلمتين... ثم تابع وهو ينظر إلى عيونها بعمق:مالك الحسيني معرفش ولا هيعرف ف حياته بنت غير ورد كمال نور الدين ومفيش واحدة هتشيل إسم مالك الحسيني غير ورد كمال نور الدين وبس، ولو لأي سبب بعدنا عن بعض يبئة إعرفي إنك هتفضلي الست الوحيدة في حياتي لإني مينفعش أحب غير مرة واحدة بس.. وبصراحة معنديش كلام تاني أقوله غير كدا
إبتسمت معلنة رضاها واكتفائها بما قال فتابع برجاء: أبوس إيدك وإيد عيلتك كلها... عايز... أكتب ... كتابي
مسحت دموعها وهي تبتسم قائلة: خلاص يا مالك أول ما تقوم بالسلامة أوعدك نكتب كتابنا خلاص
إعتدلت في جلستها الأرضية بجانبه وقالت: إحكيلي بئة.. إيه اللي حصل معاك
سرد عليها مالك ما حدث فقالت بألم: يعني اللي حصل لك دا بسببي يا مالك... مـ...
مالك: ششششش، دا قضاء ربنا يا ورد وكان هيحصل ومفيش منه مفر... بلاش تقولي كلام يدايئك ويدايئني
عادت أم مالك بعد أن شعرت أن الأمور إستقرت بينهما وقدمت لهما كأسين من العصير ثم إستأذنت ورد للعودة لمنزلها تحمل بين ضلوعها قلب يعزف نغمة حب صافية ومشاعر متناغمة، حب، سعادة، أمان، أمل وسببها ذلك المالك الذي ملك فؤادها............
مر الإسبوعين التاليين بهدوء على مالك الذي تعافى تماماً وورد التي كانت تزوره بإنتظام وكمال الذي قرر إيقاف مخطط إبعاد ورد عن مالك مؤقتاً حتى لا يلفت النظر، خاصة مع إلحاح ورد في إتمام عقد قرانها على مالك وتدخل خالها لإقناع كمال بناءً على طلب مالك وقد إضطر كمال للرضوخ لطلب مالك حتى لا يثير الريبة حول سبب رفضه الغير مبرر
بينما هو يسعى لإيجاد طريقه تزيح مالك من طريقه إلى الأبد....