تفاجئ الاثنان بالأمهات تحمل كلاً منهم صينية حلويات مقبلين عليهم ولكنهم تجمدوا مكانهم عندما رأوهم وشعروا بأن الوضع ليس على ما يرام،، وضعت أم ورد الصينية على أقرب طاولة وتوجهت إلي ابنتها منزعجة من شكلها وقالت بقلق: ورد مالك يا حبيبتي.. في إيه؟
استطاعت ورد أن تسيطر على ملامح وجهها جيداً وهي تقول: لا أبداً با حبيبتي.. أنا بس صدعت فجأة وقلت لمالك يشوف لي مسكن.....
كان هذا الموقف الأول الذي أشعل بركان المشاعر داخل مالك ،، تلك المشاعر التي لم تعرف طريقها إليه يوماً ،، خرجت كالمارد معلنة ثورتها على تجميدها كل تلك السنوات،، ترى هل سيستسلم ويغلب قلبه على عقله المسيطر دائماً أم أنه حان دور القلب ليفرض السيطرة ويعلن التمرد......
لم يكن ليستطيع المقاومة فجعل والدته وسيط لتهدئة الأمور حيث أنه لا يعرف كيف يتصرف بطريقة ترضيها وكلما حاول وجد الأمر يسوء، فطلب من والدته أن تشتري لها هدية وتهديها لها وبعد فترة انتهي الموضوع وأصبح في طي النسيان
الموقف الثاني حدث بعد أن هدأت الأمور تماماً
وفي إحدى نهايات الإسبوع التي تجمعهم على الشاطئ لم تأتي ورد.. انتظر ولم تأتي كاد يجن ولكنه قرر إهمالها رغم عدم شعوره بالراحة من غيابها الغير مبرر،، لم يتصل بها علها تكون فرصة أن ينهي هذه القصة السخيفة مر الإسبوع وفي الجمعة التالية لم تأتي أيضاً استشاط غضباً .. اعتقد أنها شعرت بما يجيش في صدره نحوها فقرر ألا يعطيها الفرصة أن تلعب بمشاعره ،، في حدود التاسعة صباحا توجه إلى منزلها وقد نزع دبلتها من يده حتى ينهي هذه المسرحية ،، ولكن ما وجده كان مفاجئة... كانت ورد طريحة الفراش من أكثر من إسبوعين بسبب انفجار مفاجئ للزائدة وتعرضها لتسمم في الدم وخرجت من المستشفى للتو،، ما أعجب القدر وكأنه يزيل من قلبه الجمود والصلابة رويداً رويداً ويصنع له المواقف التي تجعله يقف عاجزاً أمام ترتيباته ،، وجد نفسه أمامها تبدوا عليها علامات الوهن والضعف وعيونها كلها لوم قائله : دا أنا لو حد غريب كنت سألت عليه في غيابه ،، صحيح اللي بينا مش حقيقي بس احنا نعرف بعض من سنة تقريباً .. ليه يا مالك... للدرجة دي مبئتش طايئني،
كيف له أن يواجه هذا السيل من المشاعر؟ أي قوة يحتاجها ليحافظ على صلابته؟ وهل يملك من القوة لذلك ؟؟؟
نظر لها مستجمعاً كل قوته ليبدوا طبيعياً: حمد لله ع السلامة،، أنا كنت مشغول طول الاسبوعين اللي فاتوا ومكنتش بروح اتدرب ع البحر عشان كدا معرفتش اللي حصل
هالها بروده فقالت باستغراب: يعني إنت جي انهردة صدفة؟
أومأ برأسه علامة الإيجاب ليؤكد لها كذبته،، فهذا أهون بكثير من انفضاح أمره ومعرفتها ما يختلج بصدره تجاهها
لا يستطع البقاء كثيراً فبالكاد يستطيع أن يبدوا طبيعياً ولا يحب أن ينكشف ستر مشاعره بأي حال،، هَمَّ بالخروج فحدث ما أشعل صدره غيرة حيث تصادف وصول مجموعة من زملائها بالعمل كان منهم ثلاثة شباب ممن سبق وشاهدهم معها يوم ذهب لمقر عملها،، دخلوا وكأنهم اعتادوا زيارتها في الفترة الأخيرة مما أغضب رجولته بشدة فحدث والدتها بأنه ليس من اللائق استقبال شباب بمنزل دون وجود رجل معهم ولكنه كان مهذب في حديثه معها مما جعلها تستقبل كلامه برحابة صدر قائلة: معاك حق يا ابني،، بكرة تتجوزوا انت وورد وتبئة إنت راجلنا يا حبيبي
كم أنت قاهر أيها القدر،، يريد أن يبتعد فتدبر له ما يقربه ويطوي المسافات،،،،
مرت الأيام، تعافت ورد تماماً وعادت لعملها ومر على تلك الحادثة شهر تقريباً ومالك يتعمق في مشاعره التي يبذل جهد خرافي لتظل بداخله يخفيها عن أقرب الناس له ويهرب منها هو شخصياً ولا يريد الاعتراف بها حتى بينه وبين نفسه وهو لا يعلم أن ذلك الهروب يزيد الأمر سوءً ، فحتى ورد تستغرب جفاءه الزائد معها وتعمده مضايقتها دون سبب وإهمالها على عكس ما تم الاتفاق عليه، التقيا أكثر من مرة على الشاطئ ولكنه كان يتعمد تحيتها من بعيد ويجعل كل تدريباته سباحة حتى لا يضطر للحديث معها فهو يضايقها كثيرًا ولا يحب ذلك وأيضاً حديثه معها يمكن أن يبين ما يخفيه ، فرأي فيما يفعل الحل المناسب،، هي أمامه ولكن دون مواجهة مباشرة،، أما هي فتصرفاته معها شغلتها به طوال الوقت تحاول إيجاد تفسير لذلك التحول الغير مفهوم أخذت تتابعه وهو يسبح وبدأت تفكر فيه بطريقة مختلفة،، كم هو وسيم ومهذب وله طلة جذابة وملفتة،، ولم تستطع منع نفسها من التفكير فيه إلى أن حدث الموقف الثالث الذي قلب الموازين رأساً على عقب
حفل عائلي في النادي الذي يعمل فيه مالك وكان عليه أن يصطحب والدته التي صممت بدورها أن يصطحب ورد بدلاً عنها فهذا لائق أكثر وفرصة جيدة ليلتقيا،، بالفعل تم الاتفاق على أن تذهب معه ورد التي بدت بفستانها الأزرق من الأورجنزا الناعمة وتسريحة شعر بسيطة ومكياج خفيف قمة في الجمال والأنوثة وكأن ذلك ينقصه ليتعلق بها أكثر وتأسر قلبه وعقله أكثر وأكثر صرخ في أعماقه: حرام عليكي كفاية .. كفاية .. عملتي فيا إيييه
انتبه على صوتها عندما لاحظت عدم انتباهه: يا مالك.. سرحت في إيه
كبرياء ونكران يتملكه في كل مشاعر تجاهها
مالك باقتضاب : مفيش .. يلا
ركبا السيارة وركز جُل اهتمامه على الطريق حتى لا يدع لنفسه فرصة أن يفتن بها أكثر فهي جانبه يفصل بينهما سنتيمترات وهو لا يتحمل ذلك حاليًا
وصلا النادي وبمجرد أن رآه زملائه معها ذهلوا من جمالها أولاً ومن وجودها معه ثانياً .. فلم يعرف عنه أحد من زملائه أن له اهتمامات أنثوية فَهَمَّ إليه أربعة من زملائه بحجة مصافحته ولاحظ هو عيونهم التي تأكلها وهم يصافحونها ويبحثون عن أي كلام لمجرد أن يحادثوها،، وما أغضبه وأكل قلبه غيرة هو مجاراتها لهم وتجاوبها معهم فجعل ذلك رد فعله فظً غليظ فدفعها أمامها بطريقة سخيفة وأخذها بعيداً وأخذ يعنفها
مالك بصرامة : إنتي إيه.. مبتكسفيش؟! عمالة تضحكي وتهزري ولا كأني موجود.. إنتي مفيش حد علمك حاجة خالص؟؟ محدش علمك إزاي تحترمي الراجل اللي إنتي واقفة معاه؟ أنا فعلاً غلطان إني وافقت اعمل اتفاق مع عيلة زيك متعرفش تحترم وجود راجل جمبها والمفروض إنه خطيبها...
ورد بغضب وقد تملكها الغيظ من كلامه: احنا فيها يا مالك.. خلاص (نزعت الدبلة من يدها) اتفضل دبلتك أهي إنت مش مضطر تعرف واحدة زيّ
جذبها من ذراعها بقوة وهو يجز على أسنانه بغيظ : تعالي هنا رايحة فين انتي بتتصرفي على كيفك؟ ولا مفكراني تحت أمرك.. ولا ممكن اسمح لك تعملي معايا كدا
صرخت من قوة يده على ذراعها ، فزاد ضغطاً على يدها دون أن يشعر وقد احتدت ملامحه حتى ظهرت عروقه من قوة تدفق الدم فيها،، وصوت أنفاسه يعادل ريح ثائرة،، أرعبها مظهره فبدأت ترتجف كعصفور ضعيف،أحمر وجهها بشدة وبدأت تبكي بمرارة وقد تسارعت نبضات قلبها بشدة،، بدأ يتنبه لتصرفاته معها واستشعر خوفها فخفف يده عنها، لاحظ ارتجافها وعدم قدرتها السيطرة على أعصابها وآلمه بكائها بهذه الطريقة، حاول تهدئتها قائلاً: إهدي .. خلاص إهدي
بدت وكأنها لم تسمعه وضع كفيه على كتفيها يحاول تهدئتها : ورد خلاص متعمليش كدا
زاد ارتجافها وعلا صوت بكائها لدرجة هزت كل جوارحه كيف له أن يؤذيها لهذه الدرجة وما ذنبها،، انهارت مقاومته ولم يقوى على الثبات وافتعال الصلابة أكثر من ذلك،، ودون أن يشعر ضمها إلى صدره لا إرادياً ومسح على شعرها يحاول طمأنتها، شعور غريب يتملكه لم يستطع إلا الإستسلام، ولكنها سكنت فجأة وانهارت بين يديه فاقدة وعيها تماماً،، ارتبك وأخذ يضمها إليه أكثر بكلتا يديه حتى لا تسقط،، حملها بين يديه مسرعاً إلى السيارة وفي أقرب مستشفى أخبره الطبيب بأنها تعاني من توتر عصبي نتيجة تعرضها لخوف أو حزن شديد، أعطوها منوم ومهدئ وطمأنه الطبيب قائلا: هتبئة كويسة .. متقلقش
أي قلق .. هو عاصف كالريح، ثائر كالبركان هائج كالبحر .. يكاد ينهار هو الآخر مما سببه لها بدون ذنب اقترفته.. فالذنب ذنبه والخطأ خطأه ظل جالساً لمدة تزيد عن الثلاث ساعات ثم دخل بهدوء إلى غرفتها، كانت نائمة كملاك حزين جلس على كرسي قريب منها وأخذ يتأملها،، كم هي جميلة ورقيقه، لم يشعر بنفسه وهو يتحدث معها قائلاً: أنا آسف .. بجد آسف.. ورد أنا .... أنا حبيتك ... غصب عني ...عارف إني ماستاهلكيش .. أنا اللي استغليتك عشان أخلي أمي تبطل تدور لي على عروسة كل شوية. ومن يوم ما اتخطبنا وانتي صحيتي فيا كل المشاعر اللي دفنتها جوايا .. خلتيني افرح .. واغضب ... وأغير... واقلق .. حاولت انساكي مقدرتش، وحاولت اهرب من مشاعري بردة مقدرتش ... قومي يا ورد أرجوكي،سامحيني،،
فتحت ورد عينها بهدوء وعندما رأته أمامها بدا عليها الإنزعاج فأشار لها بيده قائلاً: متخافيش والله العظيم ما هازعلك تاني.. أنا آسف بجد آسف .. غصب عني أنا .. أنا..
هدأت قليلاً وبدأت تسترخي على السرير بهدوء فقال يطمئن عليه: إنتي كويسة؟ حاسة بإيه؟
ورد بوهن: حاسة بنفس إحساسك
بدا عليه الارتباك وذهب بعينه بعيداً فتابعت هي: أنا سمعتك وإنت بتتكلم .. بس مش عارفة كنت بحلم ولا بـ...
إستغل قلبه فرصة سيطرته على عقله فاندفع يقول : لاء مكنتيش بتحلمي.. أنا فعلاً بحبك ومش همنع نفسي إني أحبك.. إنتي كل مشاعري الحلوة واحساسي اللي هربت منه سنين... أنا فعلاً بحبك ومش هخبي مشاعري ناحيتك تاني ويا ريت تقبلي نتخطب بجد وأنا أوعدك إني عمري ما هازعلك تاني
نظرت له بود قائلة: وعد؟
مالك: ألف وعد...........