مُسِنٌ بلا هَويّة

98 3 11
                                    

اصطففت خلف ركاب الطائرة على البوابة ، منتظرا دخول الطائرة تاركاً خلفي ذكرياتي متوجهاً نحو أحلامي وآمالي في بناء مستقبلي والتحرر من كل قيود الماضي من الناحية المالية والمجتمعية متوجها لبناء ذاتي.

توجهت إلى المضيفة لتدلني على المقعد.
أنا : سيدتي هلّا تدلينني على مقعدي.

المضيفة: بكل سرور، من فضلك أرني تذكرتك.
أخرجتها من جيبي وأريتها.

المضيفة: الكرسي الأخير سيدي من الجهة اليمنى بجوار النافذة.

توجهت مترنحا بين المقاعد من زحام الحقائب وضيق الممر نحو مقعدي في مؤخرة الطائرة لامحا رجل مسن ذو لحية بيضاء تجمع بين صفة الطهارة والوقار وعينان مترغرغتان وكأنهما يريدان البوح بسر ولكن من غير كلمات.

انا : السلام عليكم يا عم ، هل تسمح لي بالمرور للجلوس على مقعدي.

المسن : وعليكم السلام تفضل يا بني.
وجلست منتظراً إقلاع الطائرة، وعيناي تشيح بإتجاه النافذة مودعةً ما قد ألِفَتهُ طوال خمسة وعشرين عاما، مسترجعة المئات من الصور التذكارية واللتين لا تعلمان أن كانت هذه الصور ستتكرر أم لا.
المضيفة عبر المايكروفون: " نرجو من السادة الركاب الجلوس في مقاعدهم وربط أحزمتهم إستعداداً للإقلاع.

انا (متوجساً): انا لله وانا اليه راجعون.
المسن ( مبتسماً): لم ننطلق بعد.

انا (مستغلا بدء المسن الحديث): اول مرة اركب الطائرة.

المسن : اممممممم، أذاهبٌ الى عمل؟

انا : نعم ، لقد تعينت في شركة وانا ذاهب لأبدء عملي معهم.

المسن: اذا عوّد نفسك على ركوب الطائرة.

أنا: لن أستطيع التعود يا عم ، فأنا ذاهب لمدة عام واحد ، أدخر فيه ما يجعلني أبدأ حياتي في بلدي.

المسن ( ضاحكاً بسخرية): قلنا هذا الكلام من قبلك.

أنا : ماذا تقصد يا عم؟

المسن :ااااه ، قلت هذا الكلام من قبلك قبل أربعين عاماً، وها أنا أجلس بجوارك متوجها إلى عملي.

انا ( محدثا نفسي): لا بد أن هذا المسن لديه ظروف قد ألزمته على ما هو فيه، ولكن هل يعقل أن تكون ظروفه صعبة حتى تمتد إلى أربعين عاما؟!

أنا ( متحيراً) : وكيف ذلك يا عم؟

المسن : لا أريد أن أحطم أمآلك وانت لم تبدأ بعد.

أنا ( متوجساً) : إريد أن أعرف فقط كيف قلت هذا الكلام من قبلي واستمريت أربعين عاماً، فلديك من الخبرة ما يكفي لعلك تضيء لي نوراً ما يرشدني في المستقبل المجهول الذي ينتظرني.

الحرية المقنعةحيث تعيش القصص. اكتشف الآن