الحبُّ هو شجرةُ السعادة
ما إن عَرَفْتَ أينَ جذورُها، ستعرفُ كيف تسقيها وتنميها لتُزهِرَ ثمارُ السعادةِ والأمل
بما أنَّ الحُبَّ موجودٌ في الهواءِ فإننا نستطيعُ تنفُّسَه، وسيبقى عالقًا فينا، ولا بدَّ لنا من التعبيرِ عن الحبِّ الموجودِ بداخلِنا؛ فالحبُّ أنواعٌ، والنوعُ الأكبرُ منه هو ما يظهرُ منا لشريكِ حياتِنا.لأجلِ ذلك، وُجِدَ الزواجُ تلبيةً لحاجاتِ الحبِّ والسعادةِ المرتبطةِ به، فكلُّ إنسان يسعى إلى أن يكونَ محبوباً من قبلِ شريكِ حياتِه، وهذا مِن أهمِّ أهدافِ الحياةِ الدنيويةِ بالنسبةِ لنا.
والحبُّ الذي نتحدّثُ عنه هنا ليس حباً مادياً كحُبِّكَ للفاكهةِ مثلاً، أو للمال، إنما الحبُّ الذي نقصدُهُ هو ما ينتُجُ عن تآلفِ الأرواحِ وتبادُلِ الوُدِّ بشتّى أنواعِه.
وقد يَستبعِدُ الإنسانُ فكرةَ ارتباطِ الألمِ بالحبّ، لكنه إنْ فكَّرَ قليلاً سيجدُ أنَّ الحُبَّ هو سببُ جروحِهِ بشتّى أنواعِها.
فإذا كانَ مخزونُ الحبِّ والعاطفةِ الموجودُ بداخلِنا خاوياً، ستجفُّ قلوبُنا وتُصبِحُ سهلةَ الانكسارِ والتهشُّم؛ فالحُبُّ رَواءُ القلوب.
ولأجلِ تبادُلِ الحُبِّ وتلقيه فإنَّ من الواجبِ أن يُجيدَ الإنسانُ تلك اللغةَ الجميلةَ ويفهمَها، ليُحافِظَ على مخزونِ الحُبِّ لدى شريكِهِ ممتلئاً ومشبعاً بالعاطفة، وليحافِظَ على قلبِهِ مِنَ الكسرِ والجروح، فعندما يُزهِرُ القلبُ ويُسقى يُصبِحُ أقوى.
في بدايةِ الوقوعِ بالحُبِّ لا بُدَّ مِن مراحلَ تتّسِمُ بالضّعفِ وسهولةِ الانكسار، إذ تحتاجُ البداياتُ القويّةُ لأسسٍ قويّة، ولا يُعَدُّ مَن يقَعُ في الحُبِّ بطلاً، فهو لم يبذُلْ أيَّ مجهودٍ يُذكَر، ولا يُعَدُّ الحُبُّ حقيقيًّا حتى يبدأَ الشخصُ بالعطاءِ والبذلِ مِن أجلِ الآخر.
فهناك الكثيرُ مِن حالاتِ الحُبِّ الوهميّةِ؛ مثلَ مَن يقعونَ في الحبِّ ثمَّ يتزوّجونَ بعدَ ذلك مباشَرَةً دون أن يمنحوا أنفسَهُم وقتاً لاكتشافِ بعضِهِم بعضًا، أولئِكَ قد يدخُلونَ فيما يسمى صدمةَ الوهم، فيتوهّمونَ الحياةَ السعيدةَ مع شريكِهم، ثمَّ يحصلونَ بعد ذلك على ما لا يتوقعون.
إذ يتوجّبُ عليك أولاً أن تعطيَ لنفسِكَ الفرصةَ بأن تتعرَّفَ أكثرَ على شريكِ حياتِكَ الأبديّ، لتختبرَ فيما إذا كان هذا حُبًا أم وهماً، ومِن هنا فإنَّ لغاتِ الحُبِّ يُمكن أن تُفيدَ مَن يرغَبُ بتعلُّمِها ليكونَ إنساناً مثقفاً روحياً وجسدياً وعقلياً.
ففي بدايةِ الحبِّ، نحتاجُ إلى الأخذِ الدائم, فالإنسانُ بطبيعتِهِ يميلُ إلى الأنانية، بيدَ أنّ ذلك لا يدومُ ما دامَ الإنسانُ يأخذُ ويُعطي، لذلك على الإنسانِ تعلُّمُ كيفيةِ العطاء أولاً لأجلِ الأخذ، وبهذا يكونُ قد أجادَ لغة الحبِّ الأولى.
يروى أنَّ زوجاً يحِبُّ طبقَ الفاصولياءِ الذي تُعِدُّهُ زوجتُهُ مرّةً كلَّ أسبوع، لكنّهُ في كلِّ مرّةٍ يأكُلُ فيها مِنَ الطبقِ، كان يشعُرُ بأنَّ شيئاً ما ينقصُه، ولم يكُنْ ليهتديَ أبداً إلى ذلك الشيء.
وفي إحدى المراتِ، ذكرَ الزوجُ لزوجتِهِ أنّهُ يُحِبُّ طبقَ الفاصولياءِ خاصَّتَها، ولن يملَّ أبداً من أكلِهِ من يديها كلَّ يوم، وفي اليومِ التالي أعدَّتْ زوجتُهُ الطبقَ ذاتَه، إلا أنه كان مختلفاً ، إذ صرَّح الزّوجُ أنّهُ قد كان أشهى من جميعِ أطباقِ الفاصولياء السابقةِ التي تذوقَها في حياتِه.
وحينئذٍ، عَلِم أنَّ ما كانَ ينقُصُ طبقَ زوجتِهِ ليسَ المِلحَ أو البُهار، بل كان الحبَّ فقط. حتى وإن كانت تلك مجرّدَ مجاملةٍ، فقد فعلَتِ الكثيرَ في قيمةِ الطبقِ وفي قلبِ الزوجةِ للأبد.
فإنّها صارت ترى شيئاً مختلفاً عما سبق؛ إذ كانت تُعِدُّه دائماً بمللٍ، وما إن سَمِعَتِ الزوجةُ تلك الكلماتِ مِن زوجِها حتى أعدَّتْهُ بنفسِ الخطواتِ، لكِن بحُبٍّ أكبر. وهذا ما يقودُ إلى أنَّ الكلامَ الجميلَ هو ما يدفعُ الحبَّ إلى الأعلى وما يجعلُهُ شيئاً مقدساً بينَ الزوجين.