مع اختلافِ لغاتِ الحبِّ وتنوُّعِها، هناك لغةٌ دائمًا نحبُّ التحدّثَ بها ونحبُّ مَن يتحدّثُ بها معَنا
الحبُّ هو ما يُبقينا أحياء، والمقصودُ بالأحياءِ هنا ليست حياةَ الأجساد، لكنْ حياةَ العقولِ والقلوبِ والأرواح، وقد يظُنُّ البعضُ أنَّهُم عندما يتحدّثونَ بعضَ لغاتِ العالمِ كالإنجليزيةِ والإيطاليةِ والعربيّةِ، فإنهم يُجيدونَ ثلاثَ لغات، ولكن هناك حقيقةٌ دائماً ما يغفلُ عنها الكثيرون، وهي أنّ للعالمِ لغةً عميقةً يفهمُها الجميعُ ويجيدون التكلُّمَ فيها ولكنّهم لا يُدرِكونَ ذلك فعلياً، وهي لغةُ الحُبّ.فهي كالكلام، يجبُ التحدثُ بها دائماً والاستماعُ إليها بصدرٍ رحب، ومن الأمورِ التي تُظهِرُ ضعفَ إتقانِ بعضِنا للغةِ الحبِّ عدمُ إجادةِ التكلُّمِ في الوقتِ المناسب، أو ربما عدمُ إجادةِ الكلامِ المناسبِ لكُلِّ وقت.
فقد يجلُبُ زوجٌ لزوجتِهِ كلَّ يومٍ عشراتِ الهدايا تعبيراً عن حبِّه، ولكن ما تحتاجُهُ حقاً هو ما يلمَسُ روحَها أكثرَ من جواهرَ تلمَسُ يديها أو زهورٍ تشتمُّها اليوم لتذبُلَ في اليومِ المُقبِل، كما مِنَ الممكنِ أن نجدَ العكس.
فالحبُّ ليس كتاباً نقرؤُهُ ونتعلمُّهُ ثمَّ نطبِّقُه .. جميعُنا نملكُ حباً ونرسلُ حباً ونكتُبُ حباً، ولكن كم منا يتكلمُ لغةَ الحبِّ حقاً ويفهمُها ويُجيدُ استخدامَها وإيصالَها إلى الآخرينَ في الوقتِ والمكانِ المناسبين؟ وكذلك في شكلٍ مناسب؟
إنَّ البعضَ حتى لا يعي أنَّ الحبَّ تضحية، وقد تُتعبُنا التضحياتُ أحياناً، لكنها ستكونُ رائعةً إن كانت في سبيلِ مَن نُحِبّ، فإذا فعَلَ المُحِبُّ ما يُخالِفُ طبيعتَهُ وتصرُّفاتِهِ لأجلِ مَن يُحِب، فإنَّ ذلكَ سيكونُ أجملَ ما سيحصُلُ للطرفِ الآخر.
وذلكَ يُظهِرُ كميَّةَ الحبِّ التي يُكِنُّها المُحِبُّ بشكلٍ حقيقيّ .. تخيَّلْ كم سيكونُ ذلك عميقاً وجميلاً، كأن تتحاربَ معَ نفسِكَ للحصولِ على شيءٍ وإعطائِهِ لمَنْ تُحِبّ، أهناكَ أعمقُ وأصدقُ مِن ذلكَ الحُبّ؟
كلنا نعلمُ أنّهُ لا دوامَ لشعورٍ ما بنفسِ المستوى، فكما يكونُ شعورُ الحبِّ في أوجِهِ في بعضِ الأوقات، ففي أوقاتٍ وحالاتٍ أخرى قد يحصُلُ برودٌ في المشاعرِ بين الزوجين، وهذا أمرٌ طبيعيّ.
فكلُّ إنسانٍ يمُرُّ في لحظاتٍ كتلك ولكن يجبُ عليك أن تكونَ واعياً جداً وعلى استعدادٍ تامٍّ لمِثلِ هذا الموقفِ بأن تقومَ بتدفئةِ مشاعرِكَ وإشعالِها من جديدٍ، لتبعثَ الدفءَ بينكَ وبين شريكِ حياتِك، فكيف يكونُ ذلك ؟
يكونُ حتمًا بالعطاءِ دونَ الأخذِ في تلك الفترة، ولننتبِهْ ألّا يكونَ ذلك للأبد، فإذا بهتَتْ مشاعرُكَ لن تكون قادراً على أن تأخُذَ الحبَّ مِنَ الشخصِ الآخرِ مهما فعل.
لأنّكَ في مرحلةٍ ما لن تستطيعَ تقبُّلَ الحبِّ، لكنّكَ تستطيعُ أن تعطيَهُ مهما كانت مشاعرُك، فإذا اتخذتَ خُطوةً بالعطاءِ فستشعُرُ بدفءِ المشاعرِ بينَكُما، ومهما حدث فأنتَ بحاجةٍ لإبقاءِ المشاعرِ والأحاسيسِ بينكما في حالةِ دفءٍ حتى لا تبرُدَ إلى الأبد.
وهذا لا ينطبِقُ فقَط على الزوجِ والزوجة، وإنما على الأطفالِ أيضًا، فهُم بحاجةٍ دائماً إلى الحبِّ والحنانِ والكلماتِ الجميلة، فقلوبُهم هشّةٌ ومن السهلِ جرحُها، لكن من السّهلِ كذلك ترميمُها.
وإذا نقشتَ كلامَكَ الجميلَ في ذاكرتِهِم فلن يمّحيَ حتماً مهما مضى من الزمن، وستبقى تلك الكلماتُ راسخةً في أذهانِهِم دائمًا، فالأطفالُ بحاجةٍ إلى حبٍّ ومعاملةٍ خاصّةٍ وانتباهٍ كاملٍ لما يقولون ويفعلون، وبتلك الطّريقةِ وبهذا الأسلوبِ يشعُرُ الأطفالُ بالحُبّ.
ومن المهمِّ أن نتذكَّرَ أنَّ شعورَ الطفلِ بأنّهُ شخصٌ مهمٌّ ومعاملتُهُ كالكبارِ في درجةِ الاهتمامِ والاستماع، سيجعلُ الطِّفلَ يتعرّفُ إلى الحبِّ منذُ صغرِه، مما يُكسِبُهُ لغةَ الحب، ولأجلِ ذلك لنتحدَّثْ معَهُم بها لنَكسَبَهُم ونكسبَ قلوبَهُم.