الفصل الثّالث

37 9 0
                                    

مظاهر من شخصية الإمام عليّ (عليه السلام)

اجتمع للإمام عليّ بن أبي طالب (عليه السلام) من صفات الكمال، ومحمود الشمائل والخِلال ، وسناء الحسب وعظيم الشرف، مع الفطرة النقيّة والنفس المرضيّة ما لم يتهيّأ لغيره من أفذاذ الرجال.

تحدّر من أكرم المناسب وانتمى الى أطيب الأعراق، فأبوه أبو طالب عظيم المشيخة من قريش، وجدّه عبدالمطلب أمير مكّة وسيّد البطحاء، ثمّ هو قبل ذلك من هامات بني هاشم وأعيانهم[1].

واختص بقرابته القريبة من الرسول (صلى الله عليه وآله)، فكان ابن عمّه وزوج ابنته وأحبّ عترته إليه، كما كان كاتب وحيه، وأقرب الناس الى فصاحته وبلاغته، وأحفظهم لقوله وجوامع كلمه.

أسلم على يديه قبل أن تمسّ قلبه عقيدة سابقة، أو يخالط عقله شوبٌ من شرك ، ولازمه فتىً يافعاً في غدوّه ورواحه وسلمه وحربه حتى تخلّق بأخلاقه واتّسم بصفاته، وفقه عنه الدين وتفقّه ما نزل به الروح الأمين، فكان من أفقه أصحابه وأقضاهم وأحفظهم وأدعاهم وأدقّهم في الفتيا وأقربهم الى الصواب، حتى قال فيه عمر: لا بقيت لمعضلة ليس لها أبو الحسن[2].

فكان العالم المجرّب الحكيم والناقد الخبير، وكان لطيف الحسّ، نقيّ الجوهر، وضّاء النفس، سليم الذوق، مستقيم الرأي، حسن الطريقة، سريع البديهة، حاضر الخاطر، عارفاً بمهمّات الاُمور[3].

عبادته وتقواه(عليه السلام):

اشتهر عليّ بن أبي طالب بتقواه التي كانت علّة الكثير من تصرّفاته مع نفسه وذويه والناس... وفيما ترى العبادة لدى المعظم رجع أصداء الضعف في نفوسهم أحياناً، ومعنىً من معاني التهرّب من مواجهة الحياة والأحياء أحياناً اُخرى، وهوساً موروثاً ثمّ مدعوماً بهوس جديد مصدره تقديس الناس والمجتمع لكلّ موروث في أكثر الأحيان... تراها تشتهر عند الإمام أخْذاً من كلّ قوّة ووصلاً لأطراف الحلقة الخلقية التي تشتدّ وتمتدّ حتى تجمع الأرض والسماء، ومعنىً من معاني الجهاد في سبيل ما يربط الأحياء بكلّ خير، وهي على كلّ حال شيء من روح التمرّد على الفساد يريد محاربته من كلّ صوب، ثمّ على النفاق وروح الاستغلال والاقتتال من أجل المنافع الخاصّة.. وعلى المذلّة والفقر والمسكنة والضعف، ثمّ على سائر الصفات التي تميّز بها عصره المضطرب القلق.

إنّ من تبصّر في عبادة الإمام، تبيّن له أنّ عليّاً متمرّد في عبادته وتقواه، كما هو متمرّد في اُسلوبه في السياسة والحكم، ففي عبادته افتتان الشاعر يقف في هيكل الوجود الرحب صافي النفس ممتلئ القلب، حتى إذا انكشفت له جمالات هذا الكون; تجاوبت وما في كيانه من أصداء وأظلال وموازين، فأطلق هذه الكلمة الرائعة التي نرى فيها دستوراً كاملاً لتقوى الأحرار وعبادة عظماء النفوس: «وإنّ قوماً عبدوا الله رغبةً فتلك عبادة التجّار، وإنّ قوماً عبدوا الله رهبةً فتلك عبادة العبيد، وإنّ قوماً عبدوا الله شكراً فتلك عبادة الأحرار»[4].

علي المرتضى ( عليه السلام ) اعلام الهداية الجزء الثاني -:مكتمل:-حيث تعيش القصص. اكتشف الآن