الإمام علي (عليه السلام) مع المارقين
بمكن أن نقول : إن ظهور الخوارج إفراز طبيعي للصراع الدموي في الجمل وصفّين ، كما أنّنا لا يمكننا أن نعزل انحرافهم بمعزل عن انحراف الخلافة عن خطّ أهل البيت (عليهم السلام) ، لقد كان من أهمّ صفات الخوارج هو التحجّر والتمسّك بالظواهر والتعصّب والخشونة وعدم التمييز بين الحقّ والباطل ، وأنّهم سريعو التأثّر بالشائعات ، فيتردّدون عند أدنى شكّ .
ونجد أنّ النبيّ (صلَّى الله عليه وآله) أخبر عن صفتهم ، إذ روي عنه (صلَّى الله عليه وآله) : (يخرج في هذه الأمة ـ ولم يقل منها ـ قوم تحقّرون صلاتكم مع صلاتهم ، يقرءون القرآن ولا يجاوز حلوقهم يمرقون من الدين مروق السهم من الرمية) (1) .
ولم يتمكّن الإمام (عليه السلام) من معالجة أمراضهم وانحرافاتهم ، فقد عاجلته الحروب والتمرّدات في الجمل وصفّين في فترة قصيرة جدّاً ، ويمكن أن نعزو ظهور الخوارج إلى :
1 ـ الإحباط النفسي والفشل في تحقيق النصر ، وخصوصاً أنّ معارك الإمام (عليه السلام) ضد متمرّدين هم مسلمون في الظاهر ، فلم يتمكّن الخوارج من فهم
ـــــــــــــــ
(1) انظر البداية والنهاية : 7 / 321 ـ 337 وصحيح البخاري : 9 / 21 ـ 22 باب ترك قتال الخوارج ، وصحيح مسلم :2 / 744 الحديث 1064 ، ومسند أحمد : 3 / 56 دار صادر .
الصفحة 214
معالجة الإمام للمتمرّدين ، ولم يتمكّنوا من تحمّل نتيجة التحكيم ، في حين هم الذين أجبروه على قبول التحكيم ، ولم يواجهوا أنفسهم بمواقفهم المنحرفة ، فسعوا إلى تعليق أخطائهم وتحميل أوزارها إلى طرف آخر غيرهم ولم يكن إلاّ الإمام عليّ (عليه السلام) (1) .
2 ـ استغلالهم الحرية الفكرية التي فتحها الإمام (عليه السلام) لكي تمارس الأمة وعيها الرسالي ، فقد روي أنّهم كانوا يعترضون على الإمام حتى أثناء خطبته بدعوى لا حكم إلاّ لله ، وما كان الإمام يجيبهم إلاّ بـ (كلمة حقّ يراد بها باطل) . وقال الإمام (عليه السلام) لهم : (لكم عندنا ثلاث خصال : لا نمنعكم مساجد الله أن تصلّوا فيها ، ولا نمنعكم الفيء ما كانت أيديكم في أيدينا ن ولا نبدؤكم للحرب حتى تبدؤونا) (2) فتحوّلت حركتهم من حالة فردية إلى حالة جماعية .
ردّ الإمام (عليه السلام) على قرار الحكمين :
ولمّا بلغ خبر التحكيم إلى الإمام (عليه السلام) تألّم كثيراً ن وخطب في الناس يحثّهم ويدلّهم على إصلاح الخطأ الذي تورّطوا فيه وذكّرهم بنصحه لهم ، فقال (عليه السلام) : (إنّ مخالفة الناصح الشفيق المجرّب تورث الحسرة وتعقب الندامة ، وقد كنت أمرتكم في هذه الحكومة أمري، ونخلت لكم مخزون رأيي لو كان يطاع لقصير أمر فأبيتم عليَّ إباء المخالفين الجفاة المنابذين العصاة حتى ارتاب الناصح بنصحه وضّنَّ الزند بقدحه ، فكنت وإيّاكم كما قال أخو هوازن :
أنت تقرأ
علي المرتضى ( عليه السلام ) اعلام الهداية الجزء الثاني -:مكتمل:-
Ficção Históricaحياة الامام علي ابن ابي طالب ( عليه السلام)