ليس هناك أفضل من الشدائد .. فإن كل هزيمة ، كل حسرة ، كل خسارة ، تحتوي على بذورها الخاصة ، دروسها الخاصة في كيفية تحسين أدائك المرة القادمة.
نظرت إلى المال الوفير الذي حصلته عليه ك هدية من عمي عباس ؛ فكرت في آن أقيم عرسا كبيرا يليق ب حبيبتي ليلى ؛ لكنني كنت متخوفا من أن يفضح أمري أمام والدتي و تغضب علي إلى الأبد ؛ بعدها فكرت في قضاء شهر عسل مع حبيبتي في مدينة بعيدة ؛ و هكذا لن يعلم أحد بقضية المال ؛ ظننت أنني حين سأصرف النقود ببذخ سأشتري سعادتي و سيرتاح ضميري ؛ لكن الأخير لم يفعل ، نظرت إلى ذلك المال مرة أخرى فتذكرت نصائح والدتي حول الرزق الحرام ، لطالما اعتمدت على نفسي و كسبت قوت يومي بعرق جبيني و دون الإلتفات إلى أي أحد ؛ و ها أنا في لحظة ضعف أسير عكس مبادئي و أبدأ حياتي المستقبلية مع حبيبتي الصامتة بالغلط و الكذب ؛ إستيقظت من ضجيج أفكاري على أصوات نسائية منبعثة من صالة الضيوف ؛ لم أصدق نفسي أبدا حين سمعت كلمة ليلى تنطق داخل بيتنا .
ما أنا ب الحالم !! ؛ زارتنا حبيبتي و والدتها في منزلنا المتواضع بعد موافقة أبيها ؛ كنت مسرورا لدرجة لا يتخيلها عقل ؛ لبست أفضل ملابسي و وضعت عطرا ثم خرجت لإستقبالهن ، شعر كلانا بالخجل أمام تخطيط الأمهات للقيام بعرس جميل يليق بنا ؛ كانت فقط أنظر إلى ليلى التي تبتسم فقط دون مبالية بالتفاصيل مثلي ؛ كانت فاتنة حقا في ملابسها الأنيقة المتناسقة ك العادة ؛ نظراتها إلي كانتا تخبرانني بكلام جميل كثير ؛ أنها تحتاجني كما أحتاجها ، أن نستيقظ سويا في الصباح على إبتسامة عذبة و دفئ مطلق ؛ كنا نشعر أننا خلقنا لبعض ، و لا يستطيع أحدنا العيش دون تنفس هواء الآخر ؛ نفذ صبري ثم إقترحت على أمي مرافقة والدة ليلى إلى الطابق الثاني كي تشاهد الغرف الذي بنيتها بنفسي من أجل الزواج و تبدي رأيها ، فهمت الإثنثان أننا نريد الجلوس و التحذث لوحدنا ، شعرت بالسعادة لأنني قريب منها جدا و لأول مرة هكذا؛ طلبت من ليلى أن تنتظر ثم هرعت إلى غرفتي ، أحضرت أوراقا و قلما ثم توسلت إليها أن تنصت لي و ترشدني إلى الطريق الصحيح دون أن تغضب مني أو تلومني .
أخبرت حبيبتي الصامتة بكل شيء أخفيته عنها ، كانت تنصت بهدوء فقط ، أخبرتها عن مقابلة عمي و المال و العمل الجديد و الضياع الذي أعيشه منذ رفض والدها لي ، في لحظة خفية رأيت دموعها تنهمر و تتساقط على شفتيها الورديتين ؛ لأول مرة كرهت الصمت ؛ أمسكت يديها ثم أخبرتها أن دموعها تؤذيني بشدة ، توقفت عن البكاء ثم أمسكت الورقة و القلم ثم كتبت :
- أحبك ؛ و إن كنت تحبني أيضا لا توافق على إنفاق المال الحرام في بداية بناء حياتنا الزوجية ، أعلم أن والدي السبب ؛ لكن من أجلي تبرع بهذا المال لأشخاص يحتاجونه ، و هكذا ستكون سعيدا و أنا أيضا سأكون سعيدة جدا ، على فكرة لا أريد زفافا كبيرا و لا ضجيجا و صخبا ، أريد حفلة بسيطة فقط تضم عائلتك و عائلتي ؛ تهمني أنت فقط !! لن أعاتبك يا حبيبي على الباقي ؛ فأنا أثق بك و أعلم أنك ستفعل في النهاية الصواب
شعرت بإرتياح كبير حين قرأت كلمات ليلى ؛ لم أجد حروفا أنطق بها ، أحسست لأول مرة أن القدر يحبني و الحظ صار بجانبي ، لم أفلت يديها و أنا أنظر إلى عينيها و أذوب في هواها ؛ لا أدري من أين أتت بكل هاته البراءة و الهدوء و الجمال و الحكمة ؟ ...صرت أسعد شاب على وجه الأرض بعد عناء وتعب ومشقة ؛ كنت انتظر فقط عقد قراني معها كي أتحرر من العالم و أتذوق طعم الحياة السعيدة .لم يتذخل والد ليلى في موضوع زفافنا أو الترتيبات له ؛ لقد شعر بالهزيمة و إعتبرني سارقا سلب منه إبنته الوحيدة ؛ لقد أخبرني أننا أحرار في القيام بما نريده بشأن العرس ، لكنني وافقت على فكرة الحفلة البسيطة التي اقترحتها ليلى عند زيارتها لمنزلنا ؛ اتفقنا جميعا على آجل قريب للزواج، و قبل ذلك كنت أفكر في إنجاز العديد من الأعمال قبل بداية حياتي الجديدة، اتصلت بإبن عمي و أخبرته أنني احتاجه فورا ؛ آكترينا سيارة للنقل البضائع ثم ذهبنا سويا لسوق الجملة ، إشتريت الكثير من الملابس و الأحذية و الأغطية و ماكولات معلبة ثم حملنا الأكياس إلى السيارة و عدت إلى المنزل، طلبت من أمي أن تتصل بوالدة ليلى و تقنعها بالسماح ل ليلى بالخروج معنا في نزهة و سنعود باكرا ؛ رفضت والدتي لكن تحت إلحاحي وافقت و أقنعت حماتي المستقبلية ؛ بعدها اتجهنا إلى منزل حبيبتي و صعدت إلى السيارة و الكل متفاجئ و غير مدرك لما أخطط له ؛ أدار قريبي المحرك ثم إتجهنا إلى قرية جبلية بعيدة على مدينتنا ، اخبرني ابن عمي أنه لا يفهم شيئا ؛ فكنت اقول له اصبر فقط ؛ ظل الجميع مستغربا حتى وصلنا إلى قرية نائية ثم نظرت إلى الكثير من أطفال القرية يركضون نحونا و البهجة تعلو محياهم ؛ أخبرت أمي هناك بجميع ما حصل ، شعرت بالغضب مني لأن أبي سيطردني من المنزل لو علم بالموضوع ، لكنها إبتسمت حين أخبرتها أنني أنفقت جميع النقود التي منحني إياها عمي عباس على شراء بعض حاجيات أهل هاته القرية الفقيرة من ملابس و اكل و غطاء ؛ سامحتني أمي و طلبت مني أن أعدها بقطع جميع علاقاتي مع عمي لأن أعماله غير مشروعة ، جعلتها تقتنع بتوبته حين أخبرتها أنه دفع الثمن غاليا بوفاة زوجته و إبنته في حاذثة سير ؛ شعرت والدتي هي الأخرى بالأسى فوعدتها أنني لن أقبل مالا أبدا منه ، لكن لا بأس في الاطمئنان على حاله من آن لآخر لأنه ساعدني كثيرا في محنتي و وثق بي ؛ رأيت الرضى في عيني أمي فإكتملت فرحتي حين سامحتني ، رأيت سعادة ليلى و هي تفرق الحلويات على الصبية ؛ ك ملاك للرحمة كنت أشاهدها وسط هؤلاء الصغار الأبرياء ، ذهبت لأشارك إبن عمي توزيع ما أحضرناه إلى المحتاجين هناك ، كنت أفعل ذلك أيضا من أجلي عمي عباس ، ربما يكتب هذا العمل في ميزان حسناته ؛ لا يبدو لي شريرا كما وصفه الجميع لي ، بل شخصا طيبا كريما قست عليه هو الآخر الحياة و الظروف ليمشي في طريق مظلم ؛ قاطعت تخيلاتي يد رقيقة أمسكت كتفي بحنان ، كانت حبيبتي ليلى !! رأيت نورا يشع من عينيها ؛ كانت كلمة أحبك تخترق قلبي دون حروف أو كلمات أو عبارات ؛ المشاعر فقط تتحذث، كنت ممتنا لله لأنه جعل يومي سعيدا لهذه الدرجة ، أمسكت يدها ثم قبلتها فإبتسمت ابتسامة مثيرة فاتنة خجولة ، أخبرتها أنني ضائع في سمائها ، و أي كلام يقال في حضرة جمال الروح و المظهر و الفؤاد ، مشينا في إتجاه الآخرين و شاركنا أهل القرية سعادتهم و دعونا لتناول وجبة الغذاء معهم ، قضينا يوما ممتعا ثم عدنا أدراجنا في المساء و الكل راض و سعيد بعملنا الجماعي .
أنت تقرأ
عشق_صامت
Romanceفأسأل نفسي هل ستوافق فتاة متعلمة مثلها على الارتباط بشخص معدم بائس مثلي ، لقد رفضتني الكثير من الفتيات لأن عملي بسيط و متواضع في حرفة البناء ، لكن الفقر لم يمنعني يوما من التقدم في الحياة و الحلم بإنشاء أسرة بسيطة ....