قالت أمي : قف يا ولدي !! إن الرجال لا تبكي .
و حين تدمع عيون الرجال !! ؛ فذلك دليل على فقدان جميع الحلول و الآمال ، تركت عملي في البناء و حاولت البحث عن عمل شريف آخر ؛ عمل مفروض علي ، طرقت العديد من الأبواب لكنها أغلقت بقسوة في وجهي ، شعرت باليأس و الخيبة ؛ أمشي في الطرقات فألعن غاضبا الحياة الغريبة العجيبة ، كنت أعود في المساء إلى البيت لأجد أمي تنتظرني و هي حزينة من أجلي ، لم تغضب لأنني توقفت عن العمل الذي مارسته لوقت طويل ، لكنها غاضبة لأن حظي قليل و همي كثير ، إختفت إبتسامتي في المنزل ، توصلت بالعديد من الرسائل من حبيبتي الصامتة ، تلومني لأنني توقفت عن مراسلتها و الكتابة لها لكنها في نفس الوقت كانت متفهمة لموقفي ، كانت كلماتها كبلسم يداوي جراحي المبعثرة ؛ أخبرتني أنها ستنتظرني إلى ما لا نهاية ، لا يهمها عملي مادام حلال ، لكن كلمات والدها كانت توقظني بسرعة من احلامي الوردية ، تقتل أمنياتنا الطفولية .
رسميا أصبحت شابا عاطلا عن العمل ؛ أبحث ك المجنون فقط ، فكرت في السفر إلى مكان بعيد ربما يحالفني الحظ و أجد مصيرا آخر ، الفراغ جعلني أفكر في آلاف الأفكار و الخطوات الغبية ، لكنني تذكرت شيئا أخبرتني به أمي يوما عن عمي اللذي يسكن في مدينة أخرى ؛ في مراهقته أضرم النار في محقول جارهم في البادية ، و بعدها فر هاربا إلى المدينة ثم إنقطعت أخباره عن العائلة ، بعد ثلاثين سنة سمع والدي من أحد معارفه أن عمي أصبح ثريا و يملك عقارات و أراضي و استثمارات ، لكن الجميع يعلم أن كل امواله مشبوهة و مكتسبة بطرق غير مشروعة ، لم يستطع أحد من عائلتي زيارته يوما لأنهم نبذوه لسوء سمعته ، كنت أسمع عن عمي هذا فقط لأنني لم أقابله يوما ، لا أدري !! مشكلتي جعلتني أفكر في القيام بأعمال غير عقلانية ، كانت عائلتي تضرب بي المثل في الإلتزام و القناعة و الهدوء ، لكن اليأس جعلني أفكر جديا في العثور على أي حل يقربني من حبيبتي و مهما كانت عواقبه ، اتصلت بإبن عم آخر لي يسكن قريب من منزلنا ،كان يعلم الكثير عن عمي المنبوذ و عن أعماله و أين يقطن ؟ ، لقد أخبرني يوما أنه يتمنى زيارته حتى يعطف عليه و يشغله معه و لو في الممنوعات و المخدرات ، كنت صراحة لا أهتم في الماضي لكل الحكايات التي تدور حول عمي عباس الأسطورة ، لكنني إستجوبت قريبي عنه حتى جعله الشك يفكر في أنني ذاهب إليه لا محالة ، رجوته أن يكتم السر و لا يفضحني أمام العائلة ثم طلبت منه العنوان فرفض في البداية ، مئة درهم جعلتني أحصل على العنوان و الكثير من المعلومات ، ذهبت إلى غرفتي تلك الليلة و أنا غير مدرك لما أخطط له ، و ما الذي ستؤول إليه الأمور ، أخرجت رسائل ليلى من تحت المخدة ؛ ثم عانقتها مجددا ، فشعرت بالدفئ ثم غصت في نوم عميق .
أخبرت أمي أنني سأسافر مدة أسبوع لزيارة صديق ، إستغربت للأمر لكنها لم تقل شيئا ، كانت لترفض رفضا قاطعا لو أخبرتها بحقيقة ذهابي لمقابلة عمي عباس ، شعرت بالندم قليلا فلطالما كانت أمي صديقة لي و صندوق أسراري ، لكن هذه المرة تغير الوضع و أرادت الحياة إختباري بدون شفقة أو رحمة ، ركبت القطار ثم اتجهت الى المدينة المعلومة ، لم أكن أعلم ماذا ينتظرني هناك !! لكنها فرصتي الأخيرة و قد قررت عدم الرجوع للخلف ، وصلت ، طلبت من سائق التاكسي أن يوصلني إلى العنوان الذي منحني إياه ابن عمي اللص ، وقفت أمام فيلا ضخمة و شاسعة ؛ لم أصدق نفسي حين أخبرني السائق أنه نفس العنوان المذكور في الورقة ، تأكد حين وجدت الإسم العائلي الذي أملكه أيضا بجانب جرس الفيلا ، ضغطت على الزر و انتظرت لحظات قليلة ؛ فتح الباب ثم أخبرتني الخادمة من أكون و ماذا أريد ؟ ؛ شعرت بالتوتر ثم أخبرتها أنني قريب العم عباس ؛ نظرت إلي بآحتقار ثم أخبرتني أنني أكذب فمشغلها لا يملك عائلة و لم يزره من قبل أي أحد منها ؛ أقسمت لها أنه عمي حتى أننا نحمل نفس الإسم العائلي ، أخرجت بطاقة تعريفي الوطنية ثم تمعنت فيها جيدا فوجدت الإسم مطابقا و بعدها وافقت على دخولي إلى الفيلا ، شعرت و كأنني أحلم !! انها الرفاهية بعينها حيث يعيش عمي عباس ، لم ادخل يوما إلى مكان جميل كهذا ، مشيت خلف الخادمة ثم طلبت مني الجلوس في قاعة فسيحة مليئة بالأثاث الأنيق ، إستغللت الفرصة لأتجول بين الزوايا ، لم أصدق نفسي أبدا حين رأيت كمية البذخ و الثروة في هذا المكان العجيب ، قاطعت دهشتي أصوات خطوات قادمة من الدرج ، جلست بسرعة على أريكة بجانبي ثم سمعت صوت مهيبا يقول أين هو هذا الزائر المجهول .
نظر إلي عمي عباس نظرات مليئة بالقسوة و العاطفة في آن واحد ؛ ظللت صامتا ثم قال لي إنني أشبه أبي كثيرا ، طلب مني رؤية بطاقة هويتي ، قدمتها له ثم سألني عن سبب زيارتي له ، لم أستطع الكلام حينها ، شعرت بالتوتر والقلق لأنني لم أجد جوابا مقنعا لمجيئي إليه ، لكنه قاطع صمتي و أخبرني أنه مرحب بي في منزله ، طلب مني أن تناول وجبة الغذاء معا و بعدها سيخرج للعمل ، نادى على الخادمة كي ترشدني إلى غرفة الضيوف ثم غاذر و أنا غير مصدق لما حصل .
- هل تحبها لهذه الدرجة ؟
- أجل يا عمي !! إنها طيبة و محترمة .
- و ما هو المطلوب بني ؟
- أريد أن أبحث عن عمل حلال يرضي والدها ، و أطلب مساعدتك لأنك أملي الوحيد .
- أخبرني بصراحة !! ماذا يقال عني في العائلة ؟
- أنك أسطورة
أنت تقرأ
عشق_صامت
عاطفيةفأسأل نفسي هل ستوافق فتاة متعلمة مثلها على الارتباط بشخص معدم بائس مثلي ، لقد رفضتني الكثير من الفتيات لأن عملي بسيط و متواضع في حرفة البناء ، لكن الفقر لم يمنعني يوما من التقدم في الحياة و الحلم بإنشاء أسرة بسيطة ....