يتبع ⭐️

19 0 1
                                    

ذلك الباخت في مكتبه، واضعا يده على جبهته، المئات من المكالمات الهاتفية تأتيه، هدفها وسُؤْلها واحد، هل حقا إبنك قَتَلَ؟! 
ضاع كل شئ الآن ، سمعته، ثروته، مستقبله، في ليلة وضحاها تقَلَّبت الأمور.
الإبن الآن بين رجال العدالة، سيساقونه إلى حجرته الوضيعة.
صفوان بتكبر زاهق واعوجاج فاضح، وهو متقزز من أيد الشرطة ، رموه في السجن رمي الكلاب.
مر على دخوله يومان، جاء ضابط الشرطة ليأخذه ويضعه بين أمثاله من المجرمين، نظر إليهم، ملابسهم رثَّا، رائحتهم نتنة ، ووجوههم مسودة، لم يتحرك له جفن من هول مارأى، التفت إلى الضابط، فقال، بخوف: هل ستتركيني بين هؤلاء الوحوش؟ ، لم يجبه الضابط فقد تركه.
جلس صفوان بينهم لمدة ساعتين، ثم طرق على مسامعه صوت هزيز مملوء بخشية الله، فقال صفوان: ماهذا الصوت الجميل، هل هذه أغنية أم ماذا ؟!، أنا لم أسمع بها من قبل.
نظروا إلية باستغراب، ولَم يكترثوا له، ظانين بأنه من المازحين.
بدأوا بالصلاة صفا صفا، وصفوان مندهش ، ماذا يفعلون، ماهذه الحركات، فسأل الضابط، فقال له: ألست مسلما؟!، قال: بلى، فحوقل الضابط، وبدأ بتعليمه أركان دينه. يوما بعد يوم ، والإيمان يزداد قوته في قلب صفوان، إلى أن تمكن منه، وابيض وجهه، وتحسنت أخلاقه، فكان نعم الداعي في دار السجن.
مرت الأيام سوءا على رنيم، أباها في حالة، وأختها في جهة، إلى أن سمعت صراخ أختها في غرفتها، هرولت بسرعة إليها. فتحت الباب، فإذا بها تراها تحتضر، نادت على أبيها، جاء الأب مسرعا ، فرأى حال ابنته الجميلة ، لم ينطق  لسانه بكلمة، فتلك الحورية الرائعة ذات الجمال الغربي، ذات الصوت الحسن، ذات رشاقة الحركة، فهي الآن مسودة الوجه، صوتها يخرج حشرجة ، العاجزة عن الحركة، قطع أفكاره صوت رنيم ابنته.
رنيم: رولين أشهدي، قولي أشهد أن لاإله إلا الله ، وأن محمدا رسول الله.
لسانها ثقل عجزت عن الكلام وعن الحركة، ياليتها تصلي الآن ولو لركعة، ياليتها تقرأ القرآن الآن ولو لآية، ولكن حين يأتي الموت، فلا تقديم ولا تأخير.
رنيم ومازالت تحاول: رولين أشهدي.
فقالت رولين:
وياويلتاه والقلب قابض: وياويلتاه ومقعد الناري آتيٌّ
وقبض منها روحها ، بعشرة آلاف ضربة سيف من الألم.
جثت رنيم على ركبتيها من هول الصدمة، لقد فقدت فلذة كبدها الثاني، أغلقت عينيها بألم، هذه هي سوء الخاتمة، فما لبثت حتى وجدت أباها طريح الأرض.
في المستشفى....
الطبيب: للأسف إنه مصاب بمرض خبيث.
انسكبت الدموع على وجنتي رنيم، ذهبت لتشكي همومها إلى مالك الملك، إلى الباقي، إلى الرشيد  الصبور ، إلى المقسط الجامع الغني المغني المانع الضار النافع.
سجدت سجود الخاشعين، دعت الأول الآخر الظاهر الباطن الوالي المتعال، أن يغفر لأبيها ويهديه، وأن يجعل أخاها من التائبين ، وأن يغفر لأختها ويرحمها، لقد ضاقت بها الدنيا فاتجهت إلى الغفور الرءوف.
ذهبت لزيارة أخيها  في السجن، لاتعلم كيف حاله الآن، هل هو بخير أم في بؤس وحزن.
قابلت الضابط، وسألته عن أخيها ، لم تصدق ماسمعنته، قال إنه خير الدعاة أسلم على يديه قرابة أربعين شخصا إلا واحدا.
قال : إنه في يوم من الأيام ، رَآه يقوم الليل في وقت الدجى ، يبكي وينوح طالب الرضا من البر المنتقم ، من الواجد  الماجد الواحد الصمد.
رنيم أدمعت عيناها من الفرحة: الحمد لله ، الحمد لله القادر المقتدر المقدم المؤخر، الحمد لله المحصي المبدئ المعيد المتين الولي.
ثم طلبت رؤية أخاها.
أقبل صفوان نحوها والنور يشع منه ، حضنته رنيم وهي تبكي ، فبكى لبكاءها ، وعممت عن أخباره، وفرحت لأجله.
سأل صفوان عن حال أسرته، صمتت رنيم لبرهة ، فحدثته عن ماحدث.
أغلق صفوان عينيه، فحسبل وحوقل، ترقرقت الدموع من عينيه، فقال: سبحان الله المحيي المميت، الحي الْقَيُّوم، لاحول والقوة إلا بالله الوكيل القوي الشهيد الحق، حسبي الله ونعم الوكيل المجيب الواسع الحكيم الودود الحسيب الجليل الكريم الرقيب.
أصبحت رنيم متداولة بين زيارة أبيها وأخيها، حال الأب بالطبع يسوء، إلا  أن نسائم رنيم العطرة تزيد من قوته وإرادته.
رنيم: أيا أبتاه، إن الله الغفّار اللطيف، يرحم كل عبد تائب ، فلا تيأس من رحمة العلي الكبير.
الأب: ونعم بالله ،ماذا حدث لصفوان ؟! هل تنازل أهل القتيل عنه.
أومأت رنيم رأسها بالسلب وهي كئيبة حزينه.
مرت الأيام تلو الأخرى ، والمرض أكل جسد الأب أكلا، وأحكم عليه إحكاما.
إلى أن جاء يوم تغربلت فيه الأرض، يوم المصير.
رنيم تحاول مع أهل القتيل ولكن لاجدوى، رنيم ترجوهم ولكن لامنفعة.
في ذلك الْيَوْمَ تغبرت فيه السماء، واختفت القطعة النقدية خلف الكتل القطنية الطائرة، اُستقبل صفوان بجيش من الرجال، حضنته أخته رنيم وهي تبكي، فقال لها : رنيم حبيبتي، يافلذة كبدي ، لاتقلقي بإذن الله لنا لقاء في جنه النعيم ، في دار الخلد والمتع.
ورمى بطرفه نحو أبيه، لقد تغير كثيرا، أين ذلك الأب الطاغي المتكبر، تنهد صفوان بهدوء، وأقبل نحو أبيه ، وحضنه وبكى بحضنه ، بكى الأب معه ، فلقد حطم الله الملك القدوس غرورهما وتكبرهما ، فقال صفوان: أبي، ياشيخ  المستقبل ، كلنا خطائون، وكلنا إلى الله راجعون ، ولكن تذكر أن الجنة للأوابين.
جلس صفوان على الأرض، والأرض كادت تتراقص سنابلها، صفوان العابد الزاهد جلس عليها.
رنيم تبكي والأب كذلك.
جاء أهل القتيل ، وصاحب السيف جاهز لفصل الرقبة.
قال الشيخ : قال تعالى:( وَ إِن تَعْفُواْ وتَصْفَحُواْ وَتَغْفِرُواْ فَإِنَّ الّلَه غَفُورٌ رَّحِيمٌ). وبدأ يلقي على أهل القتيل بعض الآيات والأحاديث عن جزاء صاحب العفو.
فقال بسؤال أخير: هل ستعفون عنه أم لا؟؟! 
صمت يتلوه صمت حتى حركة أصغر دابة تسمعها، القلوب ترجف، وصفوان لسانه لم يقطع الذكر ، رنيم قلبها ينقبض وينبسط.
فقال أهل القتيل: .......

يتبع..#
بالله أعطوني رأيكم بصراحة. إن شاء الله إذا نالت إعجابكم راح إكملها. بارك الله فيكم.
للكاتبة: أنسام محمد ⭐️

بداية مأساويةحيث تعيش القصص. اكتشف الآن