الخَامِس عَشَر مِنْ نُوڤَمَبِر~التَاسِعَة مَسَاءً
ثُمَّ مَاذَا؟ ثُمَّ لَا شَيء يُشبِهُ مَشَاعري فِي لحظةٍ غَريبةٍ مَضت ، حِينَمَا رَسمت تِلكَ الأَحرُف طَرِيقًا لِروحي ، تُعلمني أَنَني قادِرٌ عَلىٰ التَحرر بِضعُ لَحظَات ، تُخبِرُني أَنِّي سَأكون قَادِر عَلىٰ تَنَفس هَواء الوَطن ، رؤية سماءه ، الإرتواء مِن عذوبيته ، رؤية أَرواحٍ إشتَاقت إِليها رُوح مَا تَمكُثُ هُنَا وَحِيدةٍ بِلا راعٍ أو مُعين . كَانَت تَمتَلِك تِلكَ الكَلِمَات وقعًا رطبًا عَلى قَلبِي المُتعب ، كَمَا لَو كَانَت سَيْبٌ وَ نَدىٰ بُعِث لِروحي يُداويها مِنْ ندوب الفراق المَرير ، الَّذِي طَال بِلا تَوقف ، أشياءٌ كثيرة حَدَثت كَنتائِج بِتِلكَ اللحظة ، إِستعدَادً لِمَ تعطشت لَهُ روحي مُنذُ فترةٍ كالأمد الطويل ، لَمْ أَنَمْ لَيلتها ، مُحاوِلًا جمع شُتات ذَاتِي ، لَمْ أُخبرهم ، لَمْ أشاء رؤية التكلُف الذي يراه كُلُ مُسافِرٍ عِندَ العَودَة ، الوَطَن لَا يحتاج أَن يُصبِح مِثالِيًا فِي أعين واليده ، هُوَّ بِلا شَيء يَراهُ مِثَاليًا وَ يَرىٰ المِثالية بِه وَ العَائِلة هِي المَوطِن وَ المِثالية الكَامِلة .
مُشتاقٌ أنا ، أخذتُ بِلا سبب أنثر الإبتسامات هُنَا وَ هُنَاك ، كَ أسير مُحرر لِلتو ، هَذَا حَالي ، الذكرى وَ اللهفة تحوم حولي كَاليراعات المُضيئة تحميني طيلة ذاك الطريق ، المُؤدي لِلوطَنِ أَخِيرًا . رغم كونهَا بِضعة أيام غير قادرة على إرضاء ذاتي لَكِن بالنظر للأمر هَذَا أَفضلُ مِنَ اللا شيء.
عِندَ وصولي ، وَقفتُ أنا بِلا سبيل ، بقلبٍ مُضطرِب أمام بَاب مَنزِل إشتقتُ لِمَن يقبعون دَاخِلهُ ، لِأجواءه ، لِلكثير مِنَ الذِكريات الَّتي حُفرت دَاخِلهُ قَدِيمًا .
بِهدوءٍ طَرقتُ الباب أقرع أجراسه كَمُتعبدٍ يزور الكنيسة بَعدَ إنتكاسةٍ طالت .. هُم لا يعلمون لكِن أنا أَعلَم ، مَا حَدَث عِندَمَا فُتِح الباب ، صدمة الفَاعِل وَ الكَثِير مِنَ الأوجه المصدومة ، شهقاتٌ تِلقائيةٌ تَعَالت وَ لهفةُ أُمي وَ عيناها الدامعة تُداعِبُ قَلبي. إرتميتُ في أحضانها أتسائل 'لقد إشتقتُ لَكِ أُمي ، فعلتِ أنتِ أَيضًا أُمي؟' العناقات الدَافِئة مِن تلك الأرواح الأكثر دِفئًا ، بُكاء وحيدتي وَ أبي الذي ينظر لقلبي وَروحي بنظراتٍ وَاضِحة أسبابها، تُريدُ أن تطمئن يا أبي؟ أنا لستُ بِخير لكني سأكون بينكم ! أخذتني الغُربة يَا أبي كَ أسير ، إبنك الذي إعتاد أن يكون حُرًا مُنذُ الصِغر كَانَ ذَاكَ حالهُ ، وَ كَأَنَهُ أدرك مقصِد كلماتِي ، إِقترب يُعانقني ، كَمَا لَو كَانَ يُخبرني 'لا بأس! أنت بخير طالما أنت هُنا ، لأنني هُنا كذلك!' كَمَا لَو كَانَ مُستعِدًا لإزالة ذَاكَ الثُقل وَ الغبار المُتراكم أعلى روحي مِثلَمَا مَضَىٰ ، زوجتي التي كَانَت كَمَن يُصلي شُكرًا للبارئ عَلىٰ مُعجِزة إنتظرتها طَوِيلًا، أنا أيضًا إنتظرتُ لحظة أرى فِيها دِفءُ عَيناكِ أَخيرًا ، أتشعرين بِهَذَا؟.
أَخِي الذي بَكى طَوِيلا ! أرهق وِجداني لِلغاية ، زفرتُ أقترب مِنهُ ، أرى إنعكاسًا لِي دَاخِلهُ كَمَا لَوْ كَانَ مَثِيلًا لِي فِي مِرآةٍ مَا، عِناق؟ أيكفيك لِلتتوقف عَن هدر دموعك أم ستظل تُهلك روحي هكذا بِلا توقف؟
وَحِيدتي التي إقتربت ترفعُ يديها عَالِيًا بِلهفة وَ عيون لَامِعة ، تُريدين عِناقًا يَا فتاة الرَابِعة؟ إشتقتِ لِبابا؟ لَكِ ذَلِكَ يا لطيفة ، عقمي ندوبي بلمساتك الماسية وَ إمنحيني تِلكَ القُبل التي تُشبِهُ الترياق الشافي .
لحظات سعيدة جدًّا دَامَت قَليلًا ، ثُمَ تم إعادة سيناريو مَشهد البِداية ، رَاحِل بدموعي وَ قلبي الذي تُرك في أحد زوايا ذَاكَ المنزل ، مودعًا إياهم قَبل الرحيل وَ حالهم لَم يتغير!
عَائِلتي , كُونوا آمنين حَتىٰ عودتي رَجَاءً وَ إِلىٰ لِقاءٍ قريب إِنْ شَاءَ الله !
أنت تقرأ
وُقُوبُّ مَجْثَمٍ.
Short Storyلِأَنَّ العَائِلة مُرادِفٌ آخر لِلوطَنِ ، فَمَن يَغترِب عَن المَوطِن ، فَقَد غَرُبَتْ عَنهُ العَائِلة ، وَهَذَا هُوَّ المَنطِق~ سبعة أَيام لِلتحدُث عَن العَائِلة ؛ مِن مُغترب. 111118 ~